هل تراجعت حظوظ اللاجئين السوريين بالبقاء طويلا في ألمانيا؟
حسن زنيند
٢ أغسطس ٢٠١٨
عاد موضوع لم شمل أسر اللاجئين السوريين في ألمانيا ليطرح من جديد مسألة آفاق بقاء دائم لهؤلاء في ظل عدد من المتغيرات يتعلق جزء منها بالسياسة الداخلية الألمانية والآخر بالتطورات الإقليمية والدولية ذات الصلة بالشأن السوري.
إعلان
كيف ينظر لاجئون سوريون بألمانيا لقانون لم الشمل الجديد؟
02:56
ارتفعت بعض الأصوات في ألمانيا مطالبة بفتح النقاش حول إمكانية عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، فقد دعا رئيس وزراء ولاية ساكسن ـ آنهالت بشرق ألمانيا إلى ترحيل مزيد من طالبي اللجوء بمن فيهم السوريين إذا "توفرت الشروط لذلك". لكن الرد جاء سريعا من برلين إذ نفت الحكومة الاتحادية أن يكون الموضوع مطروحا في الوقت الراهن.
وبغض النظر عن وجهات النظر المتباينة بهذا الشأن، فإن هذا الجدل يطرح من جديد آفاق بقاء مئات الآلاف من السوريين في ألمانيا على المديين المتوسط والبعيد، ما يطرح تساؤلات سياسية وقانونية. وبهذا الصدد أكدت الأستاذة نهلة عثمان لـ DW، وهي محامية متخصصة في قانون الهجرة، أن مصير اللاجئين مرتبط بأوضاعهم القانونية وبدرجات الحماية التي يتمتعون بها.
فيما رأى نبيل يعقوب، الخبير في شؤون الهجرة والعضو السابق في مجلس أمناء المنظمة العربية لحقوق الإنسان، أن ألمانيا كباقي البلدان الأوروبية تتعرض لمدٍ شعبوي داخلي يدفعها لعدم الالتزام بالقوانين الدولية ذات الصلة بحماية اللاجئين. بيد أنه اعتبر في المقابل أن الحديث عن ترحيل اللاجئين إلى سوريا سابق لأوانه، بالنظر للدمار الشامل الذي أتى على الأخضر واليابس هناك.
جدل قديم متجدد..
إطلاق شرارة الجدل كان بطلها هذه المرة راينر هازلهوف رئيس وزراء ولاية ساكسن ـ آنهالت الشرقية حينما قال "علينا ترحيل مزيد من الأشخاص، بما في ذلك اتجاه سوريا إذا ما توفرت الشروط لذلك"، وذلك في حوار مع صحيفة "ميتلدويتشه تسايتونغ" الألمانية في عددها الصادر يوم (الاثنين 30 يوليو/ تموز 2018). تصريح هازلهوف جاء رغم أن عدد طالبي اللجوء الذين تُقبل طلباتهم في الولاية في تراجع مستمر إذ لا يتعدى نسبة 3%.
مسائيةDW: ما تداعيات خطة زيهوفر الشاملة للهجرة على اللاجئين؟
35:54
This browser does not support the video element.
وبهذا الصدد أوضح نبيل يعقوب في حوار مع DW أن "مطالب الترحيل تتعالى بسبب ضغوط داخلية تؤججها قوى شعبوية ويمينية متطرفة عنصرية وكارهة للأجانب ولا تريد أن تنتظر حتى تحل هذه الإشكالية بطريقة إنسانية". وأوضح الناشط الحقوقي أن مجرد متابعة الصور التي تبتها وسائل الإعلام عن الوضع في سوريا، تظهر أنه، وبالرغم من التقلص الكبير في مساحات البلاد التي تعرف الحرب، إلا أن الدمار الهائل يؤكد أن إعادة بناء الظروف التي ستسمح بعودة اللاجئين لا تزال بعيدة المنال..
تناغم دولي في اتجاه عودة اللاجئين؟
أدت الحرب في سوريا إلى نزوح ملايين السوريين عن بلدهم، فيما طالب نظام دمشق مؤخرا على لسان الرئيس بشار الأسد، اللاجئين بالعودة إلى بلادهم، رغم المخاطر التي قد تحدق بهم من قبل الأعمال الانتقامية لأنصار النظام.
وذهبت روسيا في نفس الاتجاه، إذ دعت المجتمع الدولي للمساعدة في عودة اللاجئين السوريين، كما أن المستشارة أنغيلا ميركل "بحثت الموضوع للتو مع الروس (..) وسبل تنظيم هذا الأمر" على حد تعبير هازلهوف، وذلك في إشارة إلى زيارة وزير الخارجية الروسي لبرلين مؤخرا. وإن كانت الحكومة في برلين أكدت رسميا أن الموضوع غير مطروح حالي على جدول الأعمال.
سيف القوانين مُسلط على رقاب اللاجئين
وفي حوارها مع DW أكدت المحامية نهلة عثمان على ضرورة التمييز بين أسباب قدوم اللاجئين وطبيعة الإقامة التي يتمتعون بها، فمعظم السوريين في ألمانيا يسري عليهم قانون يحمل رقم 23، الذي يعتبرهم لاجئين مؤقتين بسبب الحرب في بلدهم. وهذا القانون ينص على ضرورة عودتهم إلى بلدهم الأصلي بمجرد تحسن الوضع الأمني هناك، ولا تتيح هذه الحالة امكانية تمديد الإقامة.
وأوضحت عثمان أن هناك "وضعيات قانونية مختلفة: منها الحماية الثانوية وهي مؤقتة وترتبط بحالة البلدان الأصلية التي أتى منها اللاجئون. فأصحاب الحماية موجودون في ألمانيا فقط بسبب الوضع الأمني في بلدهم، وبمجرد تغير هذا الوضع تُرفع عنهم الحماية (..) فالقانون ينص على الترحيل حتى لو كان الأشخاص المعنيون مندمجون مهنيا ويتكلمون اللغة الألمانية".
وأشارت المحامية من أصل سوري، إلى أن هناك فئة أخرى من الأشخاص لهم وضعية قانونية أفضل يحصلون على حق اللجوء لمدة ثلاث سنوات، تُمدد تلقائيا إذا كانت الأوضاع في البلد الأصلي لا تزال غير آمنة. وفي حال تغيرت الأوضاع في البلد الأصلي وأصبحت آمنة فإن وضعية اللجوء تُسحب وتمنح الحماية الثانوية لغاية الترحيل، وبالتالي فإن وضعية اللجوء أفضل بكثير من وضعية الحماية، رغم أن كلا الوضعيتين مشروطتان بتطور الأوضاع في البلد الأصلي.
"الحل الوحيد أمام اللاجئ للبقاء بشكل دائم هو الحصول على إقامة دائمة" حسب نهلة عثمان. وهناك تقرير نصف سنوي لكل من وزارتي الداخلية والخارجية لتقييم الأوضاع في البلدان التي يأتي منها اللاجؤون.
وتساءل نبيل يعقوب عما إذا كانت الرؤية الانسانية هي التي ستنتصر في النهاية بالانتظار لبضعة أشهر أو أكثر.. أو الخضوع لإملاءات القوى الشعبوية التي تسعى للحصول على مكاسب سياسية.
اللاجئون في ألمانيا - من "ثقافة الترحيب" إلى "سياسة الترحيل"
في خريف عام 2015، فتحت ألمانيا أبوابها للآلاف من اللاجئين. وكان تفهم الألمان لمآسي هؤلاء ملفتا جداً. إلا أن أحداثاً عديدة قلبت ثقافة الترحيب إلى مطالب بالترحيل. بالصور: محطات من السياسة الألمانية تجاه اللاجئين.
صورة من: picture-alliance/dpa/G. Fischer
بداية الموجة
في 25 آب/ أغسطس 2015، علقت ألمانيا تنفيذ اتفاق دبلن تجاه اللاجئين السوريين. وينص الاتفاق على إعادة اللاجئين إلى بلد دخلوه في الاتحاد الأوروبي. وبعدها بأيام قالت المستشارة ميركل إن التغلب على موجة اللجوء؛ "مهمة وطنية كبيرة"، كما أصرت على أن "ألمانيا ستنجح في هذه المهمة". وخشيةً من مأساة تحل بآلاف اللاجئين، قررت ميركل إلى جانب النمسا استقبال اللاجئين، وكان ذلك في الخامس من أيلول/ سبتمبر 2015.
صورة من: Reuters/H. Hanschke
استقبال وترحيب
مثلت ""ثقافة الترحيب" عنصراً مهماً في استقبال اللاجئين في خريف 2015. وقد حظي اللاجئون عند وصولهم إلى عدد من المدن الألمانية بترحيب منقطع النظير من جانب المتطوعين من المواطنين الألمان والأجانب المقيمين في ألمانيا. وبادر هؤلاء المتطوعون إلى تقديم المساعدة المعنوية والمادية للعديد منهم. ففي ميونيخ مثلاً، تم إنشاء مطاعم مؤقتة للاجئين المنتظرين تسجيل أسماءهم لدى الشرطة، ونقلهم إلى مراكز الإيواء.
صورة من: picture alliance/dpa/J. Carstensen
أزمة السكن
عدد كبير من اللاجئين قصد ألمانيا بعد قرار ميركل عام 2015. الأرقام المتزايدة للاجئين شكلت تحديا كبيراً للألمان. وبدأت مدن ألمانية باستعمال المباني الخالية أو المهجورة كمراكز إيواء للاجئين، فيما استدعت السلطات الحكومية المختصة الموظفين المتقاعدين للعمل من جديد في مراكز اللاجئين. ويعتبر هذا المعطى واحداً من المؤشرات الأخرى التي فرضت على ألمانيا دخول تحدٍ جديدٍ، بسبب اللاجئين.
صورة من: picture-alliance/dpa/I. Fassbender
بداية أحداث قلبت الموازين
كانت أحداث كولونيا، التي وقعت في ليلة رأس السنة الجديدة 2016/2015 بداية فاصلة لتغير مزاج الألمان تجاه اللاجئين. حيث شهدت تلك الليلة عملية تحرش جماعي كبرى لم تشهدها ألمانيا من قبل. تلقت الشرطة مئات البلاغات من نساء تعرضن للتحرش والسرقة وفتحت الشرطة أكثر من 1500 تحقيق لكن السلطات لم تنجح في التعرف إلا على عدد قليل من المشتبه بهم، الذين كانت ملامحهم شرق أوسطية وشمال إفريقية، طبقا لشهود.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Böhm
مطالب بالترحيل
أعمال التحرش الجنسي في كولونيا، ليلة رأس السنة، تسببت في موجة استياء واسعة في ألمانيا بداية من عام 2016، وقد دفعت كثيرين للمطالبة بتشديد القوانين لترحيل الجناة وجعلت آخرين يطالبون بتفادي تجريم فئة معينة في المجتمع. وكانت حركة "بغيدا" أهم الأطراف، التي دعت إلى وقف تدفق اللاجئين على ألمانيا. وتعارض هذه الحركة الشعبوية بوجه خاص إيواء لاجئين من دول إسلامية بدعوى أن ثقافتهم لا تنسجم مع القيم الغربية.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Kappeler
تحديد سقف لعدد اللاجئين
على خلفية اعتداءات كولونيا ليلة رأس السنة، وجد زعيم الحزب الاجتماعي المسيحي المحافظ آنذاك هورست زيهوفر في الواقعة فرصة للتأكيد على طلبه الرئيسي المتمثل في تحديد سقف أعلى لعدد اللاجئين المسموح لهم بدخول ألمانيا. لكن ميركل كانت قد رفضت الأمر في مؤتمر حزب "الاتحاد الاجتماعي المسيحي" (البافاري) في ميونيخ.
صورة من: picture-alliance/dpa/D. Karmann
هجمات متفرقة ينفذها لاجئون
وقام بعض اللاجئين بأعمال عنف و"إرهاب" جعلت مؤيدين كُثراً يسحبون دعمهم لسياسة الترحيب. ومن أبرز هذه الاعتداءات، ما حصل بمدينة أنسباخ جنوبي ألمانيا. فقد فجَّر طالب لجوء سوري عبوة ناسفة من صنعه وهو ما أدى إلى مقتله وإصابة 12 شخصاً. كما أصاب طالب لجوء آخر (2016) خمسة أشخاص بجروح بفأس وسكين على متن قطار في فورتسبورغ.
صورة من: Reuters/M. Rehle
هجمات معادية للاجئين
وفي المقابل قام أشخاص بالاعتداء على مجموعة من مراكز إيواء اللاجئين مثل إضرام الحريق في مركز فيرتهايم. كما شهدت بعض المدن الألمانية مظاهرات معادية لاستقبالهم. هذه التصرفات دفعت المستشارة ميركل للقول إنه لا تسامح مع اليمينيين المتطرفين الذين يقومون بهجمات ضد اللاجئين.
صورة من: picture-alliance/dpa/R. Engmann
عملية دهس وراءها داعش!
في 19 ديسمبر/ كانون الأول 2016 اهتزت برلين لفاجعة الدهس بشاحنة، التي أدت لمقتل 12 شخصاً وإصابة 48 آخرين. هذا العمل الإرهابي قام به لاجئ في ألمانيا، فقد وُجهت التهمة لأنيس العامري، وهو تونسي الجنسية، كان يبلغ حينها 24 عاماً، باختطاف شاحنة بولندية ضخمة، ودهس بها تجمعاً بشرياً بأحد أسواق أعياد الميلاد في قلب برلين، قبل أن تقتله الشرطة الإيطالية. وقد أعلنت "داعش" فيما بعد تبنيها للاعتداء.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Kappeler
سياسة ميركل في مرمى الانتقادات
تصاعد الأزمات، وتفاقم المشاكل جعل شعبية المستشارة ميركل تقل، فقد اتهمها منتقدوها بأن سياسة "الباب المفتوح" التي اتبعتها فاقمت الأوضاع من خلال تشجيع المزيد من اللاجئين على الدخول في رحلاتهم الخطرة نحو أوروبا. وفي سبتمبر 2016 بدأت ألمانيا أيضا بعمليات مراقبة مؤقتة على حدودها مع النمسا.
صورة من: Getty Images/J. Simon
هل ستستقبل ألمانيا لاجئين جدد؟
أعلنت المفوضية الأوروبية لشؤون اللاجئين موافقة الحكومة الألمانية على استقبال 10 آلاف لاجئ ضمن برنامج "إعادة التوطين" التابع للاتحاد الأوروبي، في الوقت الذي يحاول وزير الداخلية الألمانية الإسراع بفتح مراكز جديدة للاجئين تتولى استقبال اللاجئ والبت في قراره ثم ترحيله في حالة رفض طلبه. بالإضافة إلى توجهه نحو التشدد حيال لمّ شمل عائلات اللاجئين الحاصلين على الحماية الثانوية. إعداد: مريم مرغيش