هل تسببت سفينة بالنيل في منع المصريين من دخول دول عربية؟
١٦ مارس ٢٠٢٠في نفس اليوم الذي وجه فيه الرئيس عبدالفتاح السيسي أوامره بتعليق الدراسة في المدارس والجامعات المصرية لمدة أسبوعين اعتبارا من الأحد (15 مارس/ آذار) وخصص 100 مليار جنيه مصري، تعادل نحو 6.4 مليار دولار، كخطة شاملة للتعامل مع فيروس كورونا المستجد وتداعياته، كانت صحيفة واشنطن بوست الأميركية تكشف يوم (السبت 14 مارس/ آذار) عن تفاصيل جديدة عن "حكاية رحلة على النيل سرَّعت تفشي فيروس كورونا في العالم".
السياح الأجانب وقصة "ايه ساره"
وكانت السلطات المصرية قد احتجزت في الحجر الصحي (السبت 7 مارس/ آذار) سفينة النيل "ايه ساره"، التي تقوم برحلات سياحية فوق مياه النيل بين مدينتي الأقصر وأسوان بجنوب مصر.
وجاء قرار وضع السفينة بالحجر الصحي بعد اكتشاف العديد من الإصابات بفيروس كورونا المستجد بين ركابها وأفراد من طاقمها. وتم نقل 33 راكبا و12 من أفراد طاقم الباخرة إلى المستشفى المخصصة للعزل في مرسي مطروح (شمال غرب مصر)، بحسب وزارة الصحة المصرية.
وقالت واشنطن بوست في تقريرها، نقلا عن مصادر صحية إن السفينة "ايه ساره" كان على متنها في آواخر يناير/ كانون الثاني الماضي سيدة أمريكية من أصل تايواني مصابة بفيروس كورونا. لكن السفينة ظلت في الخدمة وقامت بأربع رحلات أخرى بين المدينتين، حتى تبين إصابة 12 فردا من طاقمها بالفيروس.
وبعض هؤلاء أو جميعهم خدموا على متن السفينة طيلة شهر فبراير/ شباط وحتى مطلع مارس/ آذار، وذلك حسبما كشف للصحيفة أحد أفراد الطاقم وهو خاضع للحجر الصحي وكذلك أحد كبار مسؤولي الصحة في الأقصر.
وبهذا كان هناك مئات من السياح الأجانب وبينهم أمريكيون وفرنسيون وهنود معرضون لاحتمال الإصابة بالفيروس المستجد، "مثال دراماتيكي على كيف يمكن لحالة عدوى، مفردة غير مكتشفة، أن تنتشر بسرعة فيروس كورونا المستجد وتنقله إلى الكرة الأرضية"، كما تقول واشنطن بوست.
وبحسب الصحيفة الأمريكية، فإنه جرى ابلاغ السلطات الصحية المصرية في أول مارس/ آذار بإصابة امرأة أمريكية تايوانية الأصل بالفيروس خلال رحلتها على متن السفينة، لكن الحكومة المصرية لم تأمر بإدخال السفينة الى الحجر الصحي، فقامت السفينة برحلة أخرى في 5 مارس/ آذار، قبل ظهور نتائج الفحوص التي أجريت لطاقمها.
من مصر إلى نشر الفيروس خارجها!
يقول علماء الفيروسات إنّ شخصا واحدا يمكن أن ينقل عدوى كورونا إلى ثلاثة أشخاص وإنه خلال فترة زمنية بسيطة يمكن لـ500 شخص مصابين بالعدوى أن ينقلوها إلى مليون شخص.
إصابة أفراد طاقم السفينة بالعدوى وعدم علمهم بذلك هو سبب لانتشاره بحكم تواصلهم مع الزبائن واختلاطهم بهم بشكل غير مباشر عند تنظيف وترتيب أماكن الإقامة وإعداد الطعام، أو بشكل مباشر عند تقديم الأطعمة والمشروبات لهم.
وأصيب كثير من ركاب "ايه ساره" بالمرض، علما بأنه كان على متنها، عندما دخلت الحجر الصحي، 101 سائح أجنبي بينهم هنود وعشرات الفرنسيين، إضافة إلى 70 مصرياً.
وأعلنت فرنسا نهاية فبراير/ شباط إصابة ستة فرنسيين عائدين من رحلة عبر نهر النيل ووصل العدد في أول أسبوع من مارس/ آذار إلى إجمالي 13 شخصا. وأعلنت كندا نهاية فبراير/ شباط إصابة مواطن عمره ثمانون عاما، عائد من مصر، لكنه تعافى. كما أعلن عن إصابة أمريكيين من ميريلاند وواشنطن وتكساس، كانوا في رحلة لمصر.
دول عربية تمنع دخول المصريين
وفي ظل تلك الأجواء تحدثت مصر عن وفاة أول مصاب بفيروس كورونا وهو سائح ألماني في منتجع الغردقة، كان قد قدم للأقصر قبل وفاته بسبعة أيام. لكن بقيت البيانات الرسمية تشير إلى أن الإصابات الفعلية بالكورونا لم تتعد عشرات الأشخاص.
لكن يبدو أن تلك البيانات لم تنل ثقة دول عربية فقام عدد منها بمنع دخول المصريين إلى أراضيها خوفا من تفشي فيروس كورونا. فقد وجهت الهيئة العامة للطيران المدني في قطر في أول شهر مارس/ آذار شركات الطيران ومكاتب السفر بحظر دخول المسافرين من الحاملين للجنسية المصرية والقادمين إلى الدوحة عن طريق نقاط وسيطة. مشيرة إلى أن هذا القرار يلزم أيضاً "جميع المسافرين السابق الإشارة لهم حتى في حالة حملهم لإقامة سارية المفعول في دولة قطر"، بحسب صحيفة الخليج.
وفي نفس الوقت أوقفت الكويت أيضا إصدار جميع أنواع التأشيرات لأبناء الجالية المصرية، حتى إشعار آخر، كإجراء احترازي لمواجهة فيروس كورونا المستجد. وبحسب صحيفة القبس الكويتية، فإنّ "القرار يشمل وقف إصدار الزيارات بأنواعها سواء أكانت عائلية أو سياحية أو تجارية أو حكومية، وكذلك وقف فيز "الالتحاق بعائل" والعمل".
وبعد ذلك بنحو أسبوع أعلنت السعودية، تعليق سفر المواطنين والمقيمين مؤقتاً من وإلى عدد من الدول ومن بينها مصر، كما قررت تعليق دخول القادمين من تلك الدول، أو دخول من كان موجودًا بها خلال الـ 14 يوماً السابقة لقدومه.
بل إن السودان هو أيضا قرر إغلاق الحدود مع مصر ومنع دخول المصريين ومواطني 7 دول أخرى، وتعليق الرحلات الجوية مع تلك الدول وإغلاق المعابر الحدودية مع مصر لمنع انتشار كورونا.
عندما كان المصريون يسمعون عبر وسائل الإعلام المختلفة أخبار إغلاق "الأشقاء" العرب أبواب بلادهم في وجوههم؛ كان الغضب والدهشة والحزن يتملكهم، إذا لا حديث في مصر عن تفشي وباء الكورونا أو وفاة الناس به. وكثير منهم لم يستطع العودة لعمله في تلك البلاد. لكن ربما تتغير مواقفهم الآن بعدما علموا بقصة "ايه ساره"، السفينة التي لم ترج مياه النيل فقط عند إبحارها فيه وإنما رجت مصر كلها بتسببها في إصابة مصريين وأجانب بفيروس كورونا.