هل تستحق مجموعة فاغنر الروسية الإدراج على لائحة الإرهاب؟
١٦ سبتمبر ٢٠٢٣
تعتزم بريطانيا تصنيف مجموعة المرتزقة الروسية "فاغنر" منظمة إرهابية، فيما تتردد دول أخرى في اتخاذ خطوة مماثلة. فهل حقا فاغنر كيان يستحق التنصيف على لائحة الإرهاب؟
إعلان
بسبب انخراطها في صراعات ونزاعات مسلحة، تعرضت مجموعة المرتزقة الروسية "فاغنر" لوابل من الاتهامات الشنيعة أبرزها التورط في أعمال تعذيب وقتل وجرائم نهب وسرقة في ظل انتشارها في حروب وصراعات لصالح الكرملين في الكثير من دول العالم.
فقد جرى اتهام عناصر فاغنر بزرع ألغام أرضية في ليبيا؛ رغم حظرها بموجب القانون الدولي، فيما اتهمت أيضا بتنفيذ عمليات إعدام في مالي وجمهورية أفريقيا الوسطى وقتل وتعذيب مدنيين في أوكرانيا.
وقالت وزيرة الداخلية البريطانية سويلا برافرمان إن "عمليات (فاغنر) في أوكرانيا والشرق الأوسط وأفريقيا تشكل تهديدا للأمن العالمي... (مسلحو فاغنر) إرهابيون بلا أدنى شك"، فيما اقترحت تقديم مشروع قانون إلى البرلمان من أجل حظر فاغنر في خطوة لاقت ترحيبا من رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك.
ماذا يعني التنصف منظمة إرهابية؟
ويستند اقتراح برافرمان إلى قانون مكافحة الإرهاب البريطاني لعام 2000 والذي يُعرف الإرهاب بأنه "استخدام أو التهديد باستخدام عمل ينطوي على أعمال عنف خطيرة بهدف التأثير على حكومة أو تخويف العامة ... بهدف إثارة قضية سياسية أو دينية أو أيديولوجية".
ورغم أن دولا ومنظمات دولية أخرى تستخدم تعريفات مماثلة، لكن مفهومي "الإرهاب" و"المنظمات الإرهابية" محل خلاف جوهري، مما يعني أنه على الرغم من المحاولات التي لا تعد ولا تحصى، لا يوجد تعريف عالمي موحد لما ينطوي عليه هذان المصطلحان.
الجدير بالذكر أن القانون الألماني ينص على أن الإرهاب يعد قتالا مستمرا لتحقيق أهداف سياسية بما يشمل شن هجمات على الأرواح والأطراف المتنازعة والممتلكات، لكن برلين لم تُقدم على تنصيف كيانات على لائحة الإرهاب بشكل منفرد، إذ تفضل اتخاذ قرارات مشتركة في هذا الصدد في سياق الاتحاد الأوروبي. ويأتي الموقف الألماني على نقيض الموقف البريطاني.
التَّبِعَـاتُ القانونية؟
وبموجب القوانين البريطانية، فإن تصنيف فاغنر كمنظمة إرهابية يعني معاقبة أي شخص أو كيان يقدم الدعم لها أو حتى إجراء لقاءات مع أعضائها أو دعمها ماليا أو لوجيستيا، فيما قد تصل العقوبة إلى دفع غرامات مالية كبيرة أو السجن لمدة 14 عاما.
ويمهد التصنيف الطريق أمام قيام الحكومة البريطانية بمصادرة ممتلكات فاغنر ووضع الأسس القانونية لمقاضاة المجموعة في المحاكم البريطانية للحصول على تعويضات حتى لو لم يتم ارتكاب هذه الجرائم على الأراضي البريطانية.
وكانت المملكة المتحدة من بين دول ومنظمات فرضت عقوبات على فاغنر وزعيمها يفغيني بريغوجين الذي لقى حتفه في حادث تحطم طائرة قبل أسابيع.
وأسفرت هذه العقوبات عن تجميد الأصول المالية لفاغنر وقادتها، فيما يواجه أعضاؤها وأنصارها صعوبات في الحصول على الأموال في المملكة المتحدة مع توقع المثول أمام المحاكم.
معاقبة فاغنر
لم تكن الانتقادات ضد فاغنر وليدة الحرب الروسية في أوكرانيا إذ كانت المجموعة في مرمى انتقادات المنظمات الدولية الحقوقية بسبب مزاعم ارتكابها جرائم حرب في الشرق الأوسط وأفريقيا فيما فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات عام 2020 ضد فاغنر وزعيمها بريغوجين بسبب الانخراط في القتال لصالح الجنرال الليبي خليفة حفتر.
وفي مطلع العام الجاري، صنفت الولايات المتحدة مجموعة فاغنر "منظمة إجرامية دولية"، فيما قال البيت الأبيض إنه "وفقا لهذا التصنيف، سنفرض أيضا عقوبات إضافية على فاغنر وشبكة الدعم لها على مستوى عدة قارات. هذه الإجراءات إقرار بالتهديد الدولي الذي تشكله المجموعة، بما في ذلك نموذج النشاط الإجرامي الخطير الذي تمضي فيه".
يشار إلى أنه جرى تقديم مقترحات مماثلة في البرلمان الأوروبي والكونغرس الأمريكي والجمعية الوطنية الفرنسية والبرلمان السويدي.
ورغم تردد الاتحاد الأوروبي في حظر فاغنر على مستوى بلدانه، إلا أن ليتوانيا شرعت بالفعل في تصنيف فاغنر كمنظمة إرهابية، فيما أصدرت الجمعية البرلمانية لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا قرارا مماثلا.
ماذا عن باقي دول العالم؟
وفي هذا السياق، تشهد ألمانيا تزايدا في الضغوط المطالبة بتصنيف فاغنر منظمة إرهابية على مستوى الاتحاد الأوروبي، عقب تقديم أحزاب المعارضة قرارا في البرلمان الألماني في مايو / آيار الماضي للدفع صوب هذا التصنيف، لكن الائتلاف الحاكم ما زال يرى أن الأمر لا يقوم على أسس قانونية.
في المقابل، ردت الحكومة الألمانية على طلب المعارضة بتأكيدها على أن "الوفاء بالمتطلبات القانونية لدفع الاتحاد الأوروبي (لإدراج فاغنر) على قائمة المنظمات الإرهابية مرتفعا".
وفي الولايات المتحدة، تجري المناقشات حول تصنيف مجموعة فاغنر كمنظمة إرهابية، فيما لا يتوقف الأمر على الاعتبارات القانونية بل يدخل في طياته الاعتبارات الاقتصادية.
وفي هذا السياق، تخشى الإدارة الأمريكية من أن يؤدي تصنيف فاغنر على لائحة الإرهاب إلى تعريض المصالح الأمريكية مع دول أفريقية إلى الخطر خاصة في مالي وجمهورية إفريقيا الوسطى حيث تنشر فاغنر بموافقة ضمنية من حكومات هذه الدول الأفريقية.
توماس لاتشان/ م. ع
في صور: حياة يفغيني بريغوجين ومصرعه في تحطم طائرة
بعد حياة حددت مسيرتها الجريمة والسجون مرورا بالطبخ والأعمال وانتهاء بتأسيس جيش خاص من المرتزقة تحت إمرة الكرملين، ورغم أنّ الستارة أُسدلت على حياة يفغيني بريغوجين، إلا أن وجود ونفوذ مجموعة فاغنر في أكثر من دولة مستمر.
صورة من: Misha Japaridze/AP/picture alliance
"طباخ بوتين"
ولد يفغيني برويغوجين كما فلاديمير بوتين في سان بطرسبورغ (لينينغراد السوفياتية) عام 1961. بعد 9 سنوات قضاها في السجن على خلفية ارتكاب جرائم أسس في عام 1990 شركة ناجحة لبيع النقانق. وارتقى السلم بعد ذلك وصولاً إلى فتح مطعم أصبح من أهم مطاعم سان بطرسبرغ. وبعد وصول بوتين إلى الرئاسة في عام 2000 راحت مجموعة بريغوجين توفر خدمات طعام للكرملين فحظي بلقب "طاهي بوتين" وقيل إنه حقق المليارات بفضل عقود عامة.
صورة من: Misha Japaridze/AP/picture alliance
تأسيس فاغنر
بدأ الرجل حليق الرأس يظهر إلى دائرة الضوء في أيلول/سبتمبر من عام 2022 بالتزامن مع تكبد الجيش الروسي هزيمة تلو الأخرى في أوكرانيا. آنذاك أعلن بريغوجين أنه أسس عام 2014 مجموعة مرتزقة فاغنر وهي عبارة عن جيش خاص ضم في في البداية مقاتلين قدامى أصحاب خبرة في الجيش وأجهزة الاستخبارات الروسية. وتزامن تأسيس مجموعة المرتزقة مع ضم شبه جزيرة القرم، بيد أن الكرملين لم يعترف بوجود المجموعة حتى نهاية عام 2022.
صورة من: AP/picture alliance
فاغنر وسوريا
أعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان، إن مرتزقة فاغنر، التي ضمت في سوريا بالإضافة إلى محاربي الاتحاد السوفياتي السابقين مقاتلين سوريين، تصرفوا مثل "قوات خاصة" في الميدان إلى جانب الجيش الروسي ابتداءً من العام 2015. كما أنّهم موجودون اليوم (2023) بأعداد أقل قرب آبار النفط، وكذلك في محافظتي حماة واللاذقية.
صورة من: LOUAI BESHARA/AFP via Getty Images
فاغنر وإفريقيا
في 2018، وفي حين كانت هذه المجموعة قد لفتت الأنظار في أوكرانيا وسوريا وليبيا، بدأت تسري معلومات عن انتشارها في إفريقيا أيضاً. وقد قتل ثلاثة صحافيين روس كانوا يجرون تحقيقاً حول هذه المجموعة في جمهورية إفريقيا الوسطى. وتم كذلك تحديد وجود المجموعة في السودان وموزمبيق ومالي. ويقول مصدر عسكري أوروبي إن المجموعة تُحضِر "الذهب والمعادن من وسط إفريقيا ومن مالي، وهو ما يحتاج إليه بوتين للحفاظ على اقتصاده".
صورة من: French Army/AP/picture alliance
فاغنر وأوكرانيا
جند يفغيني آلاف السجناء ليقاتلوا في أوكرانيا مقابل العفو عنهم. ووفر الغزو الروسي لأوكرانيا فرصة من ذهب لرجل الأعمال من أجل الخروج إلى دائرة الضوء بعدما عمل لسنوات في الظل، ليفرض نفسه لاعباً أساسياً في روسيا. وعلى العكس من كبار المسؤولين الروس، تواجد بريغوجين في ميدان المعركة وصوّر جثث رجاله ليطالب بمزيد من الذخيرة.
صورة من: TASS/dpa/picture alliance
بداية الشقاق
في أيار/مايو 2023 وبعد أكثر من عام من المعارك الشرسة والدامية، حقق بريغوجين هدفه بإعلانه سيطرة فاغنر على باخموت في شرق أوكرانيا. لكن خلال هذه المعركة تفاقم التوتر مع هيئة أركان الجيش الروسي بقيادة فاليري غيراسيموف ووزير الدفاع سيرغي شويغو اللذين اتهمهما بريغوجين بحرمان فاغنر من الذخائر ونشر عدة لقطات مصورة شتم فيها القادة العسكريين الروس.
صورة من: Concord/Handout/REUTERS
انقلاب السحر على الساحر
بعد أن اتهم الجيش الروسي بأنه قصف معسكرات مجموعته، تجاوز هذا الرجل المتهور الذي يصعب التنبؤ بتحرّكاته، خط اللاعودة حين قرر الانقلاب على سيد الكرملين. فقاد بريغوجين في حزيران/يونيو تمرداً على القيادة العسكرية ووزير الدفاع سيرغي شويغو، سيطر خلاله لفترة وجيزة على مواقع عسكرية في جنوب روسيا وسار على رأس قواته باتجاه موسكو قبل أن يوقف تحركه في غضون ساعات. وقد وصفه بوتين بأنه "خائن" دون أن يذكره بالاسم.
صورة من: Press service of "Concord"/REUTERS
تراجع غامض
بعد تراجع زعيم المرتزقة البالغ من العمر 62 عاماً عن تمرّده، تفاوض على الذهاب إلى منفى في بيلاروسيا، من دون أن يحال إلى المحاكمة أو يُسجن. وخُير مقاتلوه بين الانضمام إليه هناك أو الانضمام إلى الجيش الروسي النظامي أو العودة إلى الحياة المدنية. ومما يدل على غموض الاتفاق أن بريغوجين عاد إلى روسيا، حتى أنه تم استقباله في الكرملين خلال الأيام التي تلت التمرد.
صورة من: Alexander Ermochenko/REUTERS
آخر ظهور
في حين استقر بعض مقاتلي فاغنر في بيلاروسيا حيث عملوا "مدربين" بشكل خاص لجنودها، لم يكن مكان زعيمها معروفاً بعد. وقد تعقبه المدونون ورصدوا تحركات طائراته. وفي النهاية، ظهر مساء الإثنين 21 آب/أغسطس في مقطع فيديو قال فيه إنه يعمل في إفريقيا من أجل تعزيز عظمة روسيا في هذه القارة حيث ينفذ رجاله منذ سنوات ما يكلفهم به الكرملين.
صورة من: PMC Wagner/Telegram/REUTERS
النهاية
الأربعاء (23 آب/أغسطس 2023) قتل يفغيني بريغوجين، ومعاونه وثمانية ركاب آخرين "بحسب معلومات أولية" في تحطم طائرة خاصة شمال غرب موسكو على ما ذكرت هيئة النقل الجوي الروسية ووزارة الحالات الطارئة. الرئيس الروسي بوتين أكد مقتله وقدم التعازي لعائلته.
صورة من: Ostorozhno Novosti/Handout/REUTERS
مصير معلق
تُعد ميليشيا "فاغنر" المسلّحة حاليا الذراع العسكرية لموسكو في الخارج: فهي تستغل الثروات خارج الحدود الروسية، وتحمي حكومات حليفة، وتشن حرب معلومات وتخوض عمليات عسكرية وحشية. ولكن بعد مقتل مالكها يبقى مصيرها معلقاً في الهواء وبرسم المستقبل، رغم تأكيد موسكو أن مصير المجموعة في إفريقيا يعتمد على "البلدان المعنية". إعداد: خالد سلامة