هل تسرّع احتجاجات القضاة إصلاح منظومة العدالة في المغرب؟
١٥ نوفمبر ٢٠١٢ظل المحامون في طليعة المدافعين عن استقلالية القضاء المغربي لسنوات، إلى أن خرج قضاة بلباسهم المهني إلى الشارع في وقفة احتجاجية هي الأولى من نوعها في تاريخ المملكة. في السادس من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي نظمت جمعية "نادي القضاة" هذه الوقفة أمام مقر محكمة النقض (تؤدي دور المحكمة العليا) بالرباط للتعبير عن مطالب القضاة بالاستقلالية وحرية والتعبير.
وقد تأسست هذه الجمعية المهنية للدفاع عن مصالح القضاة في سياق الحراك السياسي الذي عاشته المملكة سنة 2011. ولم تنل الجمعية الاعتراف القانوني بوجودها إلا بعد معركة قضائية، إذ رفضت وزارة الداخلية في البداية الترخيص لها.
وفي مقاله الأسبوعي بجريدة "المساء" اعتبر محمد الساسي، الأستاذ بكلية الحقوق بجامعة محمد الخامس في الرباط والناشط اليساري المعروف، هذا الاحتجاج "حدثا تاريخا بجميع المقاييس، وخطوة حاسمة في الطريق المفضي إلى استقلالية القضاء".
آمال معقودة على الحوار الوطني لإصلاح منظومة العدالة
تعيين مصطفى الرميد، الحقوقي السابق، وزيرا للعدل والحريات في حكومة عبد الإله بنكيران لم يحل دون اصطدام قضاة النادي مع السلطة مرة أخرى. إذ احتج النادي على ما اعتبره "إقصاء" من عضوية هيئة الحوار الوطني لإصلاح منظومة العدالة. في حين أشركت وزارة العدل "الودادية الحسنية للقضاة"، التي اشتهرت بمواقفها المنسجمة عادة مع مواقف السلطات بهذه الهيئة.
في حواره مع DW يقول ياسين مخلي، رئيس نادي القضاة: "مع ذلك أملنا كبير بأن يسفر هذا الحوار الوطني عن نتائج إيجابية. سنتدارس خلاصته ونعبر عن رأينا فيها". مخلي يؤكد بالمناسبة أن نادي القضاة يضم 2700 قاضيا من أصل 3448 قاضيا في المغرب، ما يعني نسبة تزيد على 78 بالمائة منهم.
ويبدو ان هذا الحضور القوي للنادي في صفوف القضاة كان من بين الأسباب التي دفعت وزير العدل للاجتماع بأعضائه يوم الاثنين في الخامس من نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري. البلاغ الصادر عن هذا الاجتماع أكد "استعدادهما للتعاون من منطلق تشاركي جاد ومسؤول". وبخصوص "التضييق على أنشطة النادي شدد البلاغ على "حيادية الوزارة تجاه جميع الجمعيات المهنية للقضاة".
وفي تعليقها على أهمية مشاركة القضاة، لأول مرة، في الدفاع عن استقلاليتهم تقول جميلة سيوري، رئيسة جمعية عدالة، في حوارها مع DW :"هذا تحول إيجابي بكل تأكيد، كنا دائما ندافع عن حق القضاة في حرية التعبير والتجمع والتنظيم، بل حتى في حق تشكيل نقابات مهنية، رغم أن الدستور لم يقر هذا الحق، لا شك أن مشاركتهم ستشكل قيمة مضافة".
في نفس السياق يسجل محمد الساسي أنه "إذا كانت "الهشاشة الأخلاقية" لبعض القضاة، قد أضعفتهم، في الماضي، أمام السلطات الأخرى وأمام المجتمع، وجعلتهم عاجزين عن ممارسة استقلالهم والمطالبة به، وحوَّلتهم وقتها إلى لقمة سائغة في فم الاستبداد، فإن تقديم أعضاء المكتب التنفيذي لنادي القضاة تصريحًا بممتلكاتهم وديونهم، يمكن أن يكون منطلقا لبناء القاعدة الأخلاقية الكفيلة بإنجاح طموحاته في المستقبل".
أهمية فصل النيابة العامة عن وزارة العدل
لعل استقلالية النيابة العامة (الادعاء) عن وزارة العدل من أهم الطموحات التي يحاول النادي تحقيقها. رغم أن الحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة يشمل العديد من الجوانب التقنية المرتبطة بالقوانين الجنائية والمهن القضائية، إلا أن "تأويل" الدستور الجديد فيما يخص فصل السلطات يظل الأكثر إثارة للجدل.
التأويل الديمقراطي في رأي ياسين مخلي، رئيس النادي، يتمثل في "فصل جهاز النيابة العامة عن وزير العدل الذي يتولى حاليا رئاسته، وإخضاعها للوكيل العام للملك بمحكمة النقض (أعلى هيأة قضائية)، ما دام أن الدستور في فصله السابع ينص على أن النيابة العامة جزء من السلطة القضائية وليس السلطة التنفيذية أو التشريعية. نحن إذن مع تأويل ديمقراطي يؤكد هذا الفصل. الهدف طبعا هو ضمان مساواة جميع المواطنين أمام القانون بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية أو النقابية أو غيرها".
جميلة سيوري توافق على هذا الرأي وتؤكد في حوارها مع DW على أنه "لا يمكن أن تتحقق استقلالية القضاء دون فصل النيابة العامة عن وزارة العدل، لأنها فاعل أساسي في وضع السياسة الجنائية، وقد دافعنا عن هذا المطلب في مذكرة مشتركة مع 9 جمعيات حقوقية أخرى قبل تعديل الدستور".
المفارقة أن مصطفى الرميد، وزير العدل والحريات، كان من المدافعين عن هذا المطلب قبل أن يتولى وزارة العدل. اليوم يقول الرميد في حوار مع جريدة "أخبار اليوم" نشرته في 6 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي: "لدي رأي مفصل في هذا الموضوع، لكننا اتفقنا مع الإخوة والأخوات في الهيئة العليا للحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة عليّ التحفظ، تفاديا للتأثير على الحوار ونتائجه".
الجدل في مدى سلطة الحكومة على القضاة
في نفس الحوار الصحافي قال وزير العدل والحريات في سياق متصل: "أعتبر أن مطالبتي، وغيري، بإبعاد وزير العدل عن المجلس الأعلى للقضاء كان خطأ كبيرا، لأنه لا يمكن أن يكون وزير العدل والحريات في وضعية نائب الرئيس لهذا المجلس، أي الرئيس الفعلي، ثم نطالب بإخراجه من المجلس برمته، فما المشكلة أن يبقى ضمن 20 عضوا في المجلس الأعلى للسلطة القضائية؟". ويذكر ان المجلس الأعلى للقضاء هو أعلى هيئة قضائية دستورية تتولى الاشراف على شؤون القضاة وسير العدالة.
قبل تعيينه وزيرا للعدل وقف الرميد بقوة إلى جانب جعفر حسون، القاضي الذي طرده المجلس الأعلى للقضاء. في هذه القضية وغيرها كان المدافعون عن استقلالية القضاء يستغربون كيف يمكن للقاضي أن يكون مستقلا عن تلقي التعليمات وتنفيذها، بينما يتحكم وزير العدل في مساره المهني عقابا أو ترقية من خلال ترأسه للمجلس الأعلى للقضاء.
في حواره مع DW يؤكد ياسين مخلي أن "الدستور لا ينص على رئاسة وزير العدل لهذا المجلس بالنيابة عن الملك، كما كان الأمر في السابق، لكن هناك من يرى أنه يمكن أن يكون من ضمن الأعضاء الخمسة الذين ينص الدستور على تعيينهم من خارج هيئة القضاة. سيكون ذلك بمثابة تأويل غير ديمقراطي للدستور، لأن هذا المجلس يبث كل ما يتعلق بالأمور المهنية للقضاة ومسطرة التأديب، ولا يعقل أن يتدخل وزير العدل في ذلك".
مقابل هذا التأويل للدستور يدافع وزير العدل عن تأويل مختلف ويقول "لا يوجد فصل مطلق بين السلطات عندنا في الدستور، إنما هو فصل وتوازن وتعاون كما ينص الدستور على ذلك. ومعلوم أن هناك دولا عريقة في الديمقراطية كإسبانيا وفرنسا وغيرهما تعمدان إلى ضم إما وزير العدل أو أعضاء منتخبين من طرف البرلمان إلى المجالس العليا التي تشرف على شؤون القضاة دون أن يعتبر ذلك مسا بمبدأ استقلال السلطات".
حسم هذين التأويلين سيكون من ضمن معارك القانون التنظيمي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية وجولات الحوار الوطني لإصلاح منظومة العدالة.