تبنت ميليشيا عراقية الهجمات الأخيرة بالطائرات المسيرة على الرياض. ويذهب خبراء إلى أنه يتعين على السعوديين النوم من اليوم فصاعداً "مستيقظين". ما سر "الذخائر العائمة" وهل كانت الهجمات لتحصل دون مباركة طهران؟
إعلان
خلال الأسبوع المنصرم،اعترضت الدفاعات الجوية السعودية أجساما مجهولة فوق العاصمة الرياض. من المعروف أن جماعة الحوثيين التي تخوض الرياض حرباَ ضدهم في اليمن استهدفت السعودية بطائرات مسيرة. ولكن الأمر مختلف هذه المرة؛ إذ نفى الحوثيون مسؤوليتهم. وأصدرت مجموعة تتخذ من العراق مقراً لها وتدعى "ألوية الوعد الحق" بياناً على قناة للتواصل الاجتماعي تنقل أخبار ميليشيا "قوات الحشد الشعبي" العراقية. الرسالة جاءت باللغة الإنكليزية وفحواها أن المجموعة العراقية المشكلة حديثاً تستهدف الرياض "بشكل صريح" بهجمات "انتحارية" رداً على الهجوم الانتحاري المزدوج الذي استهدف بغداد مؤخراً وخلف أكثر من 30 قتيلاً.
وفي البيان ادعت المجموعة الشيعية أن السعودية هي الراعي لتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) الذي أعلن مسؤوليته عن هجوم بغداد، وتابع البيان "السعودية هي الملعب الجديد للطائرات المسيرة والهجمات الصاروخية. على محمد بن سلمان أن ينام من الآن فصاعداً بعين مغلقة وأخرى مفتوحة".
وعلى الرغم من أن المجموعة هي محل شك في أنها هي من نفذ هجوم أيلول /سبتمبر بطائرات مسيرة على منشآت أرامكو في السعودية، فإن هذه هي المرة الأولى التي تتبنى فيها صراحة هجوماً من هذا النوع.
رد جديد من الميلشيات العراقية
يرى الباحث العراقي في "معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى"، حمدي مالك، أن هذا التطور هو ظاهرة جديدة ويقول "لم نسمع من قبل عن تبني هذه المجموعات العراقية هجوما على هذه المنطقة (السعودية)".
على مدار السنوات الماضية، خرجت العددي من المجموعات من رحم الحشد الشعبي. "الطريقة هي خلق مجموعات زائفة تتبنى الهجمات وتستخدمها كقناع لتختبئ خلفه"، حسب رؤية المحلل مايكل نايت في تقرير له صدر في تشرين الأول/ أكتوبر 2020 لصالح "مركز مكافحة الإرهاب" في الأكاديمية العسكرية الأمريكية ويست بوينت.
ورغم أن كل الميلشيات العراقية تدين بالولاء لإيران أكثر من قيادتها المحلية، غير أن بين تلك المجموعات خلافات ونزاعات لتصدر المشهد ولكل منها أهداف سياسية مختلفة عن الأخرى.
"مباركة" طهران
"مهما يكن من الأمر، مثل هذه الهجمات لا تحدث بدون إذن طهران بسبب تبعاتها المحتملة على العراق وإيران، يقول حمدي مالك، الذي يركز في دراساته على الميليشيات في العراق. وقد قوبلت كل العمليات التي قامت بها الميليشيات العراقية الجديدة بالنقد من أقرانها، بيد أن الهجمات الأخيرة على الرياض قوبلت باحتفاء من قبل كل الميلسشيات الموالية لإيران. ومن هنا يرى حمدي مالك أن الهجمات حصلت بمباركة إيرانية.
ويذهب محللون إلى أن الهجمات هي جزء من خطة إيرانية لإجبار الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة جو بايدن على العودة إلى الاتفاق النووي مع إيران والذي انسحب منه دونالد ترامب عام 2018. وتعاني طهران من عقوبات اقتصادية، ما قد يؤثر على نتيجة الانتخابات الرئاسية المقبلة في حزيران/ يونيو من هذا العام.
ويتفق مع حمدي مالك بالرأي جستن برونك من "معهد الولايات المتحدة الملكي" وهو مركز بحثي مقره لندن، إذ يقول "الوضع الحالي غير ملائم لإيران... وطهران لا تريد تخطي الخطوط الحمراء الأمريكية كقتل مواطنين أمريكيين، ما قد يجبر واشنطن على الرد بعمل عسكري".
يقول الخبير في الدفاع الجوي، جستن برونك، إن الفئة الأساسية من الطائرات بدون طيار المعروفة باسم "الذخائر العائمة" مناسبة لهذا الغرض؛ إذ أنها غير مكلفة نسبياً ويمكنها حمل 30 كيلوغراماً من المتفجرات. يمكن أن تقتل ولكنها محدودة في قدرتها التدميرية. ويضيف الخبير أن مثل هذه الهجمات يمكن اعتبارها مقوياً معنوياً للميلشيات المعادية للسعودية والولايات المتحدة.
لا نوم بعد اليوم للسعوديين؟
"مشكلة السعوديين أن بلادهم كبيرة ولا يمكن حمايتها كلها. وبعض البنى التحتية كمنشآت النفط حساسة للهجمات، لأن فيها مواد قابلة للاشتعال بسرعة كبيرة"، يقول الخبير جستن برون مضيفاً أنه سيكون أكثر قلقاً اليوم لو كان حليفاً للولايات المتحدة في المنطقة أكثر مما لو كان جالساً في أحد سفاراتها في المنطقة.
وبالنسبة للعائلة المالكة السعودية يشكك برونك في أن أفرادها سينامون بشكل هادئ: "لا يمكن حماية كل البنى التحتية من تلك الهجمات الجوية البسيطة، بيد أن العائلة نفسها محمية بشكل جيد بواسطة مستشعرات حساسة، إن لم يكن بهياكل صلبة".
كاثرين شير/خ.س
البرنامج النووي- محطات من الشد الإيراني والجذب الغربي
لعبة القط والفأر مع الغرب. بداية البرنامج النووي الإيراني في نهاية خمسينات القرن الماضي كانت واعدة. ثم جاءت القطيعة مع وصول الخميني للحكم لتتوالى فصول الترغيب والترهيب: اتفاق عام 2015، ثم انسحاب أمريكي وعقوبات قاسية.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/Iranian Presidency Office/M. Berno
البداية النووية
كان العام 1957، بداية البرنامج النووي الأيراني حين وقع شاه إيران اتفاق برنامج نووي مع أمريكا، ليتم الإعلان عن "الاتفاق المقترح للتعاون في مجال البحوث ومجال الاستخدامات السلمية للطاقة الذرية" تحت رعاية برنامج أيزنهاور "الذرة من أجل السلام". وفي1967، أسس مركز طهران للبحوث النووية. لكن توقيع إيران معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية في 1968، جعلها تخضع للتفتيش والتحقيق من قبل الوكالة الدولية للطاقة.
صورة من: gemeinfrei
إنهاء التدخل الغربي في البرنامج النووي
الإطاحة بحكم الشاه وقيام جمهورية إسلامية في إيران سنة 1979، جعلت أواصر العلاقات بين إيران والدول الغربية موسومة بقطيعة، فدخل البرنامج النووي في مرحلة سبات بعد انسحاب الشركات الغربية من العمل في المشاريع النووية وإمدادات اليورانيوم عالي التخصيب؛ فتوقف لفترة برنامج إيران النووي .
صورة من: Getty Images/Afp/Gabriel Duval
البحث عن حلول
سمح خميني عام 1981 بإجراء بحوث في الطاقة النووية. وفي 1983، تعاونت إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية لمساعدة طهران على الصعيد الكيميائي وتصميم المحطات التجريبية لتحويل اليورانيوم، خاصة في موقع أصفهان للتكنولوجيا النووية، لكن الموقف الغربي عموما كان رافضا لمثل هذا التعاون. ومع اندلاع الحرب بين إيران والعراق تضرر مفاعل محطة بوشهر النووية فتوقفت عن العمل.
صورة من: akairan.com
روسيا تدخل على الخط، والصين تنسحب!
في التسعينات تم تزويد إيران بخبراء في الطاقة النووية من طرف روسيا. وفي 1992، انتشرت مزاعم في الإعلام الدولي بوجود أنشطة نووية إيرانية غير معلنة، مما جعل إيران تستدعي مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية لزيارة المنشآت النووية، وخلصت التفتيشات حينها إلى أن الأنشطة سلمية. في 1995، وقعت إيران مع روسيا عقدا لتشغيل محطة بوشهر بالكامل، في حين انسحبت الصين من مشروع بناء محطة لتحويل اليورانيوم.
صورة من: AP
إعلان طهران وزيارة البرادعي لإيران
طلبت الوكالة الدولية، في 2002، زيارة موقعين نوويين قيل أنهما غير معلنين، لكن إيران لم تسمح بذلك حتى مرور ستة أشهر على شيوع الخبر. وفي 2003، زار محمد البرادعي، المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، إيران للحصول على إيضاحات في ما يخص استئناف أنشطة تخصيب اليورانيوم، واصدرت الوكالة تقريرا سلبيا تجاه تعاون إيران.
صورة من: AP
شد وجذب
أصدرت الوكالة الدولية، في 2004، قرارا يطالب إيران بالإجابة عن جميع الأسئلة العالقة، وبتسهيل إمكانية الوصول الفوري إلى كل المواقع التي تريد الوكالة زيارتها، وبتجميد جميع الأنشطة المتعلقة بتخصيب اليورانيوم بمستوى يتيح إنتاج الوقود النووي والشحنة الانشطارية. لكن الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد وبعد انتخابه، عمل على تفعيل البرنامج النووي ولم يكترث للتهديدات الغربية، كما أسس مفاعل "أراك" للماء الثقيل.
صورة من: AP
فصل جديد
في 2006، صوت أعضاء الوكالة الدولية على إحالة الملف الإيراني إلى مجلس الأمن، الذي فرض حظرا على تزويد إيران بالمعدات اللازمة لتخصيب اليورانيوم وإنتاج صواريخ بالستية. وردت إيران على هذا الإجراء بتعليق العمل بالبروتوكول الإضافي وجميع أشكال التعاون الطوعي. وفي نفس السنة، أعلن الرئيس الإيراني؛ أحمدي نجاد، عن نجاح بلده في تخصيب اليورانيوم بنسبة 3,5 بالمائة. الصورة لوفد قطر أثناء التصويت على القرار.
صورة من: AP
مفاعلات نووية سرية
في عام2009 ، تحدث بعض المسؤولين الأميركيين والبريطانيين والفرنسيين، عبر وسائل الاعلام، عن قيام إيران ببناء مفاعل نووي في ضواحي مدينة قم، كما قال هؤلاء بأنه تحت الأرض ويبنى بكل سرية، دون أن تخبر به إيران الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في حين نفت طهران ذلك واعتبرته مجرد ادعاءات.
صورة من: AP
على مشارف حل
في عام 2014، تم الاتفاق على وقف تجميد الولايات المتحدة لأموال إيرانية قدرت بمليارات الدولارات، مقابل توقف إيران عن تحويل اليورانيوم المخصب بنسبة 20 بالمائة إلى وقود. وفي نفس السنة، قامت منظمة الطاقة الذرية الإيرانية باجراء تعديلات على منشأة "أراك" لضمان إنتاج حجم أقل من البلوتونيوم.
صورة من: ISNA
الاتفاق التاريخي
في عام 2015، وبعد سلسلة من الاجتماعات، في فيينا، أعلن عن التوصل لاتفاق نهائي؛ سمي اتفاق إطار، بخصوص برنامج إيران النووي. الاتفاق جمع الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وروسيا والصين وفرنسا وألمانيا بإيران. وكان من المرجح أن ينهي هذا الاتفاق التهديدات والمواجهة بين إيران والغرب.
صورة من: Getty Images/AFP/R. Wilking
طموحات حدها الاتفاق!
كان باراك أوباما، الرئيس الأمريكي السابق، واحدا من رؤساء الدول المتفقة مع إيران، فيما يخص البرنامج النووي، من الذين رأوا في الخطوة ضمانا لأمن العالم، بالمقابل قال نظيره الإيراني؛ حسن روحاني، إن بلاده حققت كل أهدافها من خلال الاتفاق. لكن الأمور لم تعرف استقرارا، خاصة مع رغبة إيران في تطوير برنامجها نووي، دون أن تلفت اليها الأنظار.
صورة من: Getty Images/A. Burton/M. Wilson
أمريكا تنسحب
آخر التطورات في الاتفاق النووي، كانت يوم الثلاثاء 8 أيار/مايو 2018، حيث أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، قرار الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، متعهداً بأن تفرض بلاده "أعلى مستوى من العقوبات الاقتصادية على النظام الإيراني". وفي هذا الصدد، عبرت طهران عن عدم رغبتها في الدخول في جولات جديدة من المفاوضات الشاقة مع أمريكا.
صورة من: Imago/Zumapress/C. May
شروط أي "اتفاق جديد"
بعد الانسحاب الأميركي، أعلن وزير الخارجية مايك بومبيو 12 شرطاً أميركياً للتوصل إلى "اتفاق جديد". وتضمنت هذه الشروط مطالب شديدة الصرامة بخصوص البرنامج النووي وبرامج طهران البالستية ودور إيران في الشرق الأوسط. وهدّد بومبيو إيران بالعقوبات "الأقوى في التاريخ" إذا لم تلتزم بالشروط الأميركية.
صورة من: Getty Images/L. Balogh
واشنطن تشدد الخناق
فرضت إدارة ترامب أول حزمة عقوبات في آب/أغسطس ثم أعقبتها بأخرى في تشرين الثاني/نوفمبر. وشملت هذه العقوبات تعطيل معاملات مالية وواردات المواد الأولية إضافة إلى إجراءات عقابية في مجالي صناعة السيارات والطيران المدني. وفي نيسان/أبريل من عام 2019، أدرجت الولايات المتحدة الحرس الثوري الإيراني على لائحتها السوداء لـ"المنظمات الإرهابية الأجنبية"، وكذلك فيلق القدس المكلف بالعمليات الخارجية للحرس الثوري.
صورة من: picture-alliance/U. Baumgarten
أوروبا تغرد خارج السرب
في 31 كانون الثاني/يناير 2019، أعلنت باريس وبرلين ولندن إنشاء آلية مقايضة عرفت باسم "إنستكس" من أجل السماح لشركات الاتحاد الأوروبي بمواصلة المبادلات التجارية مع إيران رغم العقوبات الأميركية. ولم تفعل الآلية بعد، كما رفضتها القيادة العليا في إيران. وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني أكدت على "مواصلة دعمنا الكامل للاتفاق النووي مع إيران، وتطبيقه كاملاً"، داعية إيران إلى التمسك به.
صورة من: Reuters/S. Nenov
طهران ترد
في أيار/مايو الماضي، قررت طهران تعليق بعض تعهداتها في الاتفاق النووي التاريخي المبرم عام 2015 مع الدول الكبرى بعد عام على القرار الأميركي الانسحاب من الاتفاق. وحذرت الجمهورية الإسلامية من أنها ستستأنف تخصيب اليورانيوم بدرجة أعلى من المسموح بها في الاتفاق خلال 60 يوماً، إذا لم يوفر لها الأوروبيون الحماية من العقوبات الأمريكية. مريم مرغيش/خالد سلامة