1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

هل تعيد الأزمة السياسية العراق إلى دوامة العنف الطائفي؟

٨ يناير ٢٠١٢

توقيت الأزمة السياسية في العراق، على خلفية الاتهامات الموجهة لنائب الرئيس طارق الهاشمي، وتجدد الهجمات ضد الشيعة في البلاد، له دلالات خطيرة، لاسيما بعد انسحاب الجيش الأمريكي. فهل ينزلق العراق إلى العنف الطائفي مجدداً؟

هل يعود العراق إلى حقبة الحرب الطائفية؟صورة من: picture-alliance/dpa/AP/DW

تتوالى تبعات الأزمة السياسية في العراق، التي بدأت بأمر اعتقال في حق نائب الرئيس العراقي، طارق الهاشمي، بتهمة التورط في هجمات إرهابية. وتأتي هذه الأزمة متزامنة مع سلسلة من التفجيرات التي استهدفت زواراً شيعة وأوقعت العشرات من القتلى ومئات الجرحى.

وفيما استكملت الولايات المتحدة أواخر العام الماضي سحب قواتها من البلاد، يرى المراقبون بأن هذا الانسحاب جاء مبكراً في توقيته، لاسيما وأن القوات العراقية تفتقر إلى التجهيز والتنظيم اللازمين لإحكام السيطرة على البلاد أمنياً، ووسط مطالب لبعض الأقاليم في العراق بالانفصال عن الحكومة المركزية في بغداد، برئاسة نوري المالكي.

وفي تطور جديد للأحداث، انتقد علي الموسوي، المستشار الإعلامي للمالكي، أمس السبت (7 يناير/ كانون الثاني 2012) مطالب ثلاثة من قادة القائمة العراقية، بتدخل الولايات المتحدة لإنقاذ العراق من سياسة المالكي، التي اعتبروا أنها "ستدفع البلاد إلى "حرب أهلية".

وحملت الرسالة، التي نشرتها صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، توقيعات كل من رئيس القائمة إياد علاوي، ورئيس البرلمان العراقي أسامة النجيفي، ورافع العيساوي. واتهم الساسة العراقيون الثلاثة، المالكي بأنه "سائر نحو استبداد طائفي يحمل معه خطر اندلاع حرب أهلية تأتي على الأخضر واليابس"، وطالبوا الإدارة الأمريكية "بالتحرك بسرعة للمساعدة في تشكيل حكومة وفاق ناجحة، وإلا سينتهي العراق".

اتهم زعيم قائمة العراقية، إياد علاوي، رئيس الوزراء نوري المالكي بدفع البلاد إلى حرب أهليةصورة من: AP

وأشار الموسوي، في رسالة نشرتها الصحيفة الأمريكية ذاتها، إلى أن "السادة كتاب الرسالة يملكون مقاعد كثيرة في الحكومة والبرلمان، ويمكن أن يلجأوا إليها لحل الخلافات وتمرير القناعات والآراء التي يرون صوابها ويستطيعون فرضها، حتى على الحكومة، إن وفروا لها الأكثرية اللازمة".

هذا التجاذب السياسي بين قائمة العراقية، الذي يعتبر طارق الهاشمي من القياديين فيها، ونوري المالكي، الذي يتزعم قائمة دولة القانون، التي تشكل جزءً من التحالف الوطني، الذي يضم أكبر القوى السياسية الشيعية في البلاد، ينذر بالتحول إلى صراع حقيقي على الأرض، لاسيما وأن كلا الطرفين لا يبدو مستعداً لتقديم أي تنازلات، وسط تحذيرات من محاولة بعض دول الجوار استغلال الفراغ السياسي للتدخل في الشأن العراقي والتأثير عليه.

الأزمة السياسية العراقية كانت موضوع حوار بين ضيوف برامج قناة "دويتشه فيله عربية" الحوارية، التي تبث في إطار زمن التغيير العربي، وحازت على نصيب من الحوار الإلكتروني المفتوح على صفحة دويتشه فيله على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك".

مشاكل رئيسية لم تحل بعد

وفي معرض تعليقه على التوتر الذي يشهده الشارع السياسي العراقي، أشار الدكتور غيدو شتاينبرغ، خبير شؤون الشرق الأوسط في المعهد الألماني للسياسات الدولية والأمنية في برلين، إلى أنه بالرغم من ترك القوات الأمريكية العراق في حالة أكثر أماناً من قبل نحو أربع سنوات، إلا أن "البلاد ليست مستقرة، لا سياسياً ولا أمنياً، ورأينا ذلك في الأسابيع الماضية. المشكلة أن كل المسائل السياسية الكبرى في البلاد لم تحل بعد، مثل العلاقة بين الحكومة المركزية وحكومات الأقاليم، وتأثير الطائفة السنية، والعقود النفطية".

هذا ويؤكد السيد كمال الساعدي، عضو البرلمان العراقي عن ائتلاف دولة القانون، أن قضية الهاشمي كانت مطروحة على الطاولة "قبل بروزها للإعلام بفترة، وأنها غير مرتبطة بالانسحاب الأمريكي". وفي رده على سؤال حول اتهامات للمالكي بالانفراد بالسلطة في العراق، يقول الساعدي إن "الوضع الأمني في العراق معقد وخطير، وبالتالي فإن من يقوم بالتصدي لهذا الوضع وضرب الأطراف التي تحمل السلاح بشكل غير قانوني سوف يتهم بالدكتاتورية ... الدكتاتورية في العراق لا يمكن أن تعود بسبب التغيرات السياسية والاجتماعية الكبيرة فيه، وبسبب وجود برلمان ودستور قويين، ومرجعيات دينية ومؤسسات مجتمع مدني".

إلا أن البرلماني العراقي لا ينكر وجود مشاكل في العراق، مرجعاً ذلك إلى "الإرث الكبير من النظام السابق، والإرث الطائفي العميق والناتج عن الصراعات المختلفة في العقود الماضية، إضافة إلى الربيع العربي الحالي".

من المتوقع أن يحاول المالكي بناء علاقات مع طهران وواشنطن في نفس الوقتصورة من: AP

تأثيرات إقليمية على السياسة العراقية

ويعتبر الدكتور شتاينبرغ أن أهم عقبة في وجه بناء حكومة فاعلة في العراق هي تباين وجهات النظر بين الحكومة المركزية في بغداد، وحكومات الأقاليم الأخرى، لاسيما وأن "بعض الأحزاب الكردية وقائمة العراقية تعمل كمعارضة داخل الحكومة ذاتها. المشكلة برأيي هي تحقيق الاستقرار في البلاد في غياب إرادة ورؤية موحدة داخل الحكومة".

وإضافة إلى ذلك، فإن التأثير الإقليمي على سياسات نوري المالكي واضح، من وجهة نظر الخبير الألماني، الذي يلفت إلى القلق الشديد لدى حكومة المالكي مما يحدث في سوريا من ثورة، فهناك تخوف من "ظهور حكومة تقودها جماعة الإخوان المسلمين في سوريا، تبدي دعمها للقوى السنية والليبرالية في العراق، الممثلة بقائمة العراقية. لذلك نرى كيف يحاول المالكي التخلص من منافسيه في هذه القائمة".

لكن كمال الساعدي يختلف في هذه النقطة، مضيفاً أن مشكلة الهاشمي "قضية جنائية وليست سياسية. وإبعاد طارق الهاشمي عن المشهد السياسي لا يعني إبعاد قائمة العراقية بأكملها، فمن الطبيعي أن يحل محل الهاشمي سياسي آخر من نفس القائمة، التي تمثل جزء مهم من الشعب العراقي. القضية تتعلق بنظرة رئيس الوزراء (نوري المالكي) إلى سلوكيات الهاشمي وما قدم ضده من أدلة تثبت تورطه في عمليات إرهاب".

تحليلات للدور الإيراني

وبالإضافة إلى التخوف من تطور الوضع في سوريا، يتحدث البعض عن دور إيراني في الأزمة الحالية في العراق وفي مستقبله السياسي. حول ذلك يوضح الدكتور غيدو شتاينبرغ أن التدخل الإيراني في الشأن العراقي "من أهم نتائج الحرب الأمريكية على العراق عام 2003. لكن هناك تيار وطني قومي قوي في العراق ... لن يسمح للعراق، بتوقعي، بأن يصبح خاتماً في أصبع الإيرانيين. لكن لا يمكننا إنكار أن لإيران تأثير ديني وثقافي في العراق".

ويتوقع الخبير الألماني أن يقوم المالكي بإقامة علاقات وثيقة مع طهران ومع واشنطن في نفس الوقت، وأن يقوم بإعادة تسليح القوات العراقية عن طريق الولايات المتحدة. أما النائب العراقي كمال الساعدي فحذر من تضخيم دور إيران ونفوذها في العراق، مشيراً إلى أن المكونات والطوائف في المجتمع العراقي مرتبطة تاريخياً بعدد من الدول، مثل إيران والمملكة العربية السعودية وتركيا، على سبيل المثال. وأشار الساعدي إلى أن "هذا جزء من إرث العراق، وليس بسبب طبيعة الحكومة الحالية. دوائر التحليل والاستخبارات تدرك أن الحكومة العراقية ليست خاضعة لإيران".

آراء المستخدمين على صفحة دويتشه فيله في موقع "فيسبوك" اتفقت على وجود دور كبير لإيران في العراق وسياساته، وإن اختلفت تقديراتهم لحجم هذا الدور. ففيما يرى المستخدمOmar Abdullah Jaloud أن "أي دولة يوجد بها تدخل أجنبي، لأن الدول المجاورة لا تريد الاستقرار، فتحاول خلق حروب أهلية لتزعزع الأمن"، يصف المستخدم Sherko Jabari العراق بأنه أصبح "محتلاً من قبل إيران. وكافة المشاكل وعدم الاستقرار والخلافات بين السياسيين (تصب في) مصحة إيران أولاً".

لكن المستخدم Ali Bel له وجهة نظر مختلفة، فهو يعتبر أن الحديث عن أي تدخل إيراني ووقوف طهران وراء ما يحدث للعراق من عنف طائفي وأزمات سياسية ما هو إلا تبريرات لفشل الحكومة القائمة، ويكتب أن "الحكومات اعتادت أن تبرر فشلها بوجود مؤامرات وأيادي أجنبية، مع أن الواقع يقول غير ذلك".

يرى الخبير الألماني غيدو شتاينبرغ أن المالكي يخشى صعود الإخوان المسلمين في سوريا بعد الأسدصورة من: picture alliance/dpa

"تسليح القوات العراقية سيجلب الاستقرار"

وحول الحلول اللازمة لإحلال الاستقرار في العراق، يعتبر النائب كمال الساعدي من ائتلاف دولة القانون أن تسليح القوات العراقية سيبعث حالة من الطمأنينة والاستقرار في مختلف أنحاء البلاد، لاسيما وأن التقارير العسكرية الأخيرة تشير إلى عدم قدرة الجيش العراقي على صد أي عدوان خارجي. لكنه يستطرد بالقول إن "دول الجوار ليست مستعدة للتورط في الملف العراقي ولدخوله عسكرياً".

وعن المخاوف الداخلية، في ظل استمرار العنف والاعتداءات الإرهابية على المواطنين العراقيين، يؤكد الساعدي بأن الوسيلة المثلى لمكافحة هذه التنظيمات الإرهابية الناشطة في العراق هو "إجراء تفاهمات إقليمية تساعد على انسجام العراق في محيطه الإقليمي، ما قد يحدّ من دعم بعض الجهات لهذه التنظيمات".

ويشدد النائب العراقي على أن تحقيق الاستقرار الأمني في العراق مرتبط بشكل أساسي بتحقيق المصالحة السياسية بين الجهات المختلفة، واضاف ان "لا طريق إلا الحوار. علينا أن نواجه المشاكل بصراحة وبشجاعة، ونحن بصدد إعداد مؤتمر وطني للحوار، ولا يجب الهروب من مسؤولياتنا ... الموقف الحكومي غير الموحد سيؤثر على التنمية والأمن وعلى علاقاتنا الإقليمية والدولية".

كما يلفت الدكتور غيدو شتاينبرغ إلى ضرورة إعادة النظر في النظام السياسي الفيدرالي القائم في العراق، لاسيما وأن ما يريده رئيس الوزراء نوري المالكي – حكومة مركزية قوية – يختلف عما يريده خصومه السياسيون. لكنه، وفي نفس الوقت، يستبعد اندلاع حرب أهلية في العراق، "لأن السنة قد خسروا هذه الحرب من قبل، وليست عندهم القوة لحرب أخرى. المشكلة في العراق هي التنافس الإقليمي. ماذا سيحدث بعد انهيار نظام (الرئيس السوري) بشار الأسد؟ وماذا سيحدث إذا قررت السعودية دعم المعارضة السنية؟"

وبينما تستمر فصول الأزمة السياسية في العراق، يظل المشهد ضبابياً. وفي انتظار انقشاع الضباب، تحتاج هذه التساؤلات إلى إجابة واضحة. ومما لا شك فيه، فإن الحكومة العراقية ستبقى لبّ الأزمة ومفتاح حلها في نفس الوقت.

ياسر أبو معيلق

مراجعة: منصف السليمي

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد
تخطي إلى الجزء التالي موضوع DW الرئيسي

موضوع DW الرئيسي

تخطي إلى الجزء التالي المزيد من الموضوعات من DW