هل تنتشر العنصرية ضد الأفارقة بسبب الإيبولا؟
٢٣ أغسطس ٢٠١٤لم تعد مخاطر الوباء الجديد، الذي ينتشر بسرعة، محصورة فقط فيما هو صحي، بل تتعدّاها لتصل إلى المستوى الاجتماعي في ظل توجسٍ من إمكانية تزايد الحملات العنصرية ضد المواطنين الأفارقة القادمين من دول جنوب الصحراء. المقاربة الأمنية التي صارت تنتهجها كثير من المطارات في ظل اكتشاف بعض الحالات على متن طائرات، والرعب الشعبي من ملامسة أي مصاب بالإيبولا، ومطالب موظفي بعض شركات الطيران كـ"إير فرانس" بوقف رحلاتها إلى بلدان إفريقية: كلها عوامل قد تعيد قصص العنصرية والتمييز ضد مواطني القارة السمراء.
وحسب ما جاء في موقع منظمة الصحة العالمية، فإن فيروس الإيبولا يقتل البشر المصابين به بنسبة عالية تصل إلى 90 في المئة. وقد ظهرَ أساساً في القرى النائية الواقعة وسط وغرب إفريقيا بالقرب من الغابات الاستوائية. وتتحدث المنظمة عن أن طيور خفافيش الفاكهة هي المستضيف الطبيعي لهذا الفيروس الذي ينتقل بسهولة بين الحيوانات البريّة، حيثُ تنتقل العدوى إلى الإنسان بسبب ملامسة دمائها أو إفرازاتها أو حتى أعضائها، كما تنتشر العدوى بين البشر بالطرق ذاتها.
وتؤكد المنظمة أنه لا وجود حالياً لأيّ علاج لشفاء المُصاب بفيروس الإيبولا، الذي ظهر لأول مرة سنة 1976، وبالتالي فهي تشدّد على رعاية دائمة للمريض حتى في حالة وفاته، فالفيروس قد ينتقل أثناء مراسم الدفن وملامسة الناس جثة الفقيد. كما تطلب المنظمة من العاملين في المراكز الصحية أخذ الحد الأقصى من الاحتياطيات، بسبب ارتفاع معدلات الإصابة بالفيروس بينهم أثناء تقديم العلاج للمصابين به.
الحل ليس فقط في المقاربة الأمنية
ويتحدث هشام رشيدي، الكاتب العام لـ"المجموعة المناهضة للعنصرية والمدافعة عن حقوق المهاجرين" المعروفة اختصاراً بـ"GADEM"، لـ DW"عربية"، أنّ بعض وسائل الإعلام تربط على الدوام بين الأوبئة الفتاكة والمهاجرين القادمين من دول إفريقيا جنوب الصحراء حتى ولو كان مكان آخر هو مصدر هذه الأوبئة. كما أن هناك بعض التنظيمات السياسية التي تتحيّن مثل هذه الفرص كي تطالب بشرعنة جميع المقاربات البوليسية التي تسعى لتخفيض عدد المهاجرين في بلدانها. غير أنهم يتناسوا، كما يؤكد رشيدي، أن إغلاق الحدود والتشدّد في السماح للمهاجرين بالعبور، هو ما يساعد على تنامي الهجرة غير الشرعية بشكل كبير، وبالتالي يزيد من احتمال انتشار وباء كـ"الإيبولا"، في ظل غياب إجراءات أمنية وصحية في بلدان المنشأ.
ويضيف هشام رشيدي، أنّ نقل الأوبئة لم يكن أبداً حكراً على المواطنين الأفارقة، فحتى المستوطنون الأوروبيون الذين سكنوا القارة السمراء، جلبوا معهم مجموعة من الأمراض التي لم تكن لتظهر هناك لوْلا تنقلهم، معتبراً أن الترّهل الذي أصاب جسد المواطن الإفريقي مؤخراً، وترَكه عرضة للأمراض، يجدُ سبباً له في ظروف العيش الصعبة ونهب الثروات والاقتتال الداخلي على السلطة. مورداً في السياق ذاته، وجود شركات عالمية مختصة بتجارة الأدوية تنتفع بأمراض الأفارقة وتحقق من ورائها دخلاً كبيراً، بل إنّ منها من تجعل من المواطنين الأفارقة أجساداً لتجريب لقاحاتها وأدويتها قبل توسيقها عالمياً، حسب رأيه.
وطالب رشيدي بلدان العالم الأول إمداد الدول الإفريقيىة المصدّرة لداء الإيبولا بالمراكز الصحية ومساعدتها على تشديد الإجراءات الأمنية انطلاقاً من حدودها، وكذلك الدفع إلى تبنّي أنظمة ديمقراطية تسمح بإنهاء حالة اللااستقرار الذي تعيشه هذه المناطق، والنظر إلى المواطن الإفريقي كإنسان له كلّ الحق في العيش بكرامة بدل تلك النظرة العنصرية ذات الأفق الضيق.
الأوبئة ليست بالضرورة افريقية
اكتشاف وجود فيروس الإيبولا بدول أخرى غير إفريقية كألمانيا والهند ورومانيا والولايات المتحدة، يجعل من فكرة الحجر الصحي إجراءً سليماً وموضوعياً حسب عبد الإله الخضري، رئيس المركز المغربي لحقوق الإنسان. إلّا أن استغلال الوضع لتصفية حسابات مع ذوي البشرة السمراء، يستطرد الخضري في تصريحات لـ DW"عربية"، "أمر غير إنساني وغير مقبول، ويزيد من محنة المواطنين الفقراء المنتمين لبلدان إفريقية".
ويشير الخضري إلى أن الواجب يفرض على الدول المتقدمة، تحسيس مواطنيها بالفيروس وطرق تفادي الإصابة به، كي يتأكدوا من أن انتقال المرض لا يأتي بالضرورة عبر لمس إفريقي أسمر. كما ينبغي تكثيف التعاون الدولي من أجل التصدّي للوباء الذي يسرق يومياً العشرات من الأفارقة، خاصة وأن "توثيق التعاون مع القارة السمراء، ونسج خيوط الاحترام والتقدير المتبادلين، من شأنه إقامة مصالح مشتركة، والدفع بشروط حياة ملايين الأفارقة إلى الأمام"، يقول الخضري.
وليست كل الأوبئة التي ظهرت مؤخراً قادمة من إفريقيا، فقد رُصد فيروس انفلونزا الطيور لأول مرّة في الصين سنة 2003، كما تمّ اكتشاف فيروس متلازمة الشرق الأوسط التنفسية في السعودية عام 2012، وانطلق وباء جنون البقر من المملكة المتحدة سنة 1986، كما كان للولايات المتحدة الأمريكية نصيب من هذه الأوبئة وهي التي شهدت تفشّي فيروس الالتهاب السحائي الفتّاك سنة 2012، فضلاً عن أن انطلاقة وباء انفلونزا الخنازيز أتت من المكسيك سنة 2009. كلها معطيات تؤكد أن عملية ربط الأوبئة الفتاكة بالقارة الإفريقية، منطق تعميمي خاطئ يجانب الصواب.