هل توفر أوروبا "اللجوء العلمي" للباحثين الفارين من ترامب؟
٨ مايو ٢٠٢٥
بينما كانت الولايات المتحدة الأمريكية وجهة للباحثين والعلماء من كل البلدان حول العالم، وقبلة لمن يسعى للارتقاء بمستواه الأكاديمي في كل المجالات، بالنظر للتمويل الهائل المخصص للجامعات الأمريكية ومراكز الأبحاث. صارت أمريكا اليوم، تعاني من تشديد الخناق على كل من يدافع عن فكرة لا تتناسب وسياسات ترامب المعلنة.
هجرة عكسية في الغرب.. هل تستفيد منها ألمانيا؟
من ألمانيا أيضا، اعتاد الكثيرون على محاولة إيجاد فرصة للذهاب نحو أمريكا في مجال البحث العلمي، لكننا اليوم أمام مفارقة غريبة، فالأمريكيون والطلاب الدوليون في أمريكا، يبحثون على فرصة للقدوم إلى ألمانيا. إذ أبرز تقرير لصحيفة "دي فيلت" الألمانية أن الجامعات الألمانية تشهد تزايد الاهتمام بالدراسة فيها في ظل إجراءات دونالد ترامب ضد الجامعات الأميركية.
وقال رئيس مؤتمر رؤساء الجامعات الألماني (HRK) فالتر روزنتال في تصريحات سابقة له نشرتها الصحيفة، "إن الطلاب الدوليين سيبحثون أكثر عن بدائل وسيؤدي هذا إلى إتاحة فرص للجامعات في ألمانيا".
هي بالنسبة للبروفيسورة ألفة كانون، الأستاذة الباحثة بجامعة كيمنتس للتكنولوجيا بألمانيا، "فرصة ممتازة"، إذ اعتبرت أن "قدوم الباحثين من الولايات المتحدة الأمريكية سيفيد الجامعات الألمانية ومراكز البحث العلمي".
وقالت المتحدثة في حوار مع DW إنه: "رغم أنه سيواجه في البداية ببعض العراقيل، منها اللغة والاندماج وأيضا التعرف على النظام التعليمي في البلد، لكن بعد فترة التأقلم، فستكون الإنتاجية في أتمها"، حسب المتحدثة.
وهو ما استحضره روزنتال، داعيا إلى "تسهيل إجراءات التأشيرة السريعة، وذلك عبر توسيع الخدمات الاستشارية، وتوفير المزيد من أماكن الإقامة، وبرامج الدراسة متعددة اللغات، وتحسين خدمات الدعم والاستشارات".
وترى كانون من جهتها أنه "في مجال البحث العلمي، عندما تجد الجامعات باحثا قويا، لا تفكر إلا في جلبه لفريقها، أما آراؤه السياسية فلا تقدم ولا تؤخر".
قمع الحريات في أمريكا.. أين حدود ترامب؟
تواجه الجامعات ومعاهد البحوث في الولايات المتحدة ضغوطا سياسية ومالية متزايدة خلال ولاية ترامب الحالية، بما في ذلك تهديدات بخفض كبير للتمويل الفدرالي. وتواجه برامج البحوث خطر الوقف. كما سُرِّح عشرات آلاف الموظفين الفدراليين، فيما يخشى الطلاب الأجانب ترحيلا محتملا بسبب آرائهم السياسية.
ولمح الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى أن حكومته قد تتوقف عن تقديم المنح لجامعة هارفارد، التي رفضت الإذعان لمطالبه فيما يتعلق بالتوظيف والإدارة ووضع قيود على حرية التعبير. وصعدت إدارة ترامب في الأسابيع الماضية من إجراءاتها ضد هارفارد، وبدأت مراجعة رسمية لتمويل اتحادي يقرب من تسعة مليارات دولار للجامعة.
بالنسبة لمصطفى هاشم، الصحفي والباحث الأميركي من أصول مصرية، فإن "الطلاب الأجانب لا يشعرون بالأمان، خاصة منهم النشطاء في بعض القضايا الحقوقية، لكنهم ليسوا الوحيدين الذين يفكرون في المغادرة، فحتى الأكاديميون الأمريكيون بدأوا بالفعل بالبحث عن بديل في أوروبا وغيرها من بلدان العالم مثل جنوب إفريقيا مثلا".
ويستدرك المتحدث في حوار مع DW عربية قائلا: "إلا أن الأجانب تعرضوا للكثير من العراقيل، فما يناهز 500 طالب تعرض لإلغاء تأشيرته، منهم من عانى من ذلك لأسباب سياسية وآخرون لأسباب بسيطة جدا مثل المخالفات المرورية، كما تم اعتقال الكثيرين، لذلك تزايد قلق الأجانب أكثر من الأمريكيين، وبدأوا بالبحث عن بديل عن أمريكا بجدية"، حسب قوله.
وبالنسبة للبروفيسورة ألفة كانون، فإن "العلم يجب أن يكون نزيها وموضوعيا، ولا يجب أن يتأثر البحث العلمي بالآراء الشخصية في القضايا السياسية أو الحقوقية، لكن في الآن ذاته من حق الباحثين أن تكون لهم آراء وأن تمنح لهم الحرية الكافية للتعبيرهم عليها في المجتمع".
وقالت المتحدثة في حديثها لـ DWعربية: "الأصل أن الديمقراطية مبنية أساسا على حرية الرأي والتعبير، وليس من العدل أن نمنع الطلاب الباحثين أو الأكاديميين البارزين من التعبير عن آرائهم، بل العكس تماما، حرية الرأي يجب أن يتم التأسيس لها داخل الجامعات، فهي ليست مكانا للتعليم فقط، بل لبناء رجال ونساء الغد، الذين يحملون مشعل مستقبل البلدان، إذ لا يمكن أن نعد إنسانا متعلما وغير مثقف".
الفروقات بين أمريكا وألمانيا.. تشجع أو تعرقل الخطة؟
سارع الأوروبيون لإيجاد الحلول، وكان أولها ضخ الأموال في المجال الأكاديمي، فاستثمارات أوروبية طائلة ستخصص لاستقطاب الباحثين الفارين من ترامب، لتشجيعهم على "اختيار أوروبا".
كما تقترح المفوضية الأوروبية "تمويلا جديدا بـ500 مليون يورو" للفترة 2025-2027، بحسب ما أعلنت رئيستها في حرم جامعة السوربون العريقة في قلب باريس.
كما أعلنت أورسولا فون دير لايين وإيمانويل ماكرون الاثنين الماضي خلال فعاليات "اختر أوروبا من أجل العلم"، التي نُظمت في باريس بمبادرة من الرئيس الفرنسي، عن ميزانيات بمئات ملايين اليورو لجذب العلماء الأجانب إلى أوروبا في ظل التهديدات التي تطال عملهم في الولايات المتحدة.
يتمثل الهدف في جعل أوروبا عموما أكثر جاذبية، فيما الرواتب والمبالغ المخصصة للأبحاث في القارة العجوز أقل بكثير من تلك الموجودة في الولايات المتحدة، رغم أن أوروبا تتمتع بميزات تفاضلية في هذا المجال، سواء في جودة البنى التحتية للأبحاث أو في إطار الاستقبال لأسر الباحثين.
ترى البروفيسورة كانون، أنه "إذا تعلق الأمر بالباحثين الأجانب في أمريكا، فالقرب الجغرافي لبلدان بعضهم سيكون محفزا، إضافة لموضوع التأمين الصحي وظروف العمل المريحة، لكن الفارق في الرواتب سيكون بالنسبة لهم واضحا".
وبالنسبة للمتحدثة "هناك عدة فروقات بين أوروبا عموما وبالأخص ألمانيا، والولايات المتحدة الأمريكية، فالبيروقراطية مثلا ستعرقل المجهودات لاستقطاب هؤلاء الباحثين، كما أن اللغة الألمانية ستزيد من صعوبة التأقلم".
من جهته، يرى مصطفى هاشم الصحفي والباحث الأميركي من أصول مصرية، أن "تكاليف التعليم والدراسة أقل في أوروبا والتأمينات الصحية أمر مشجع، لكن بالمقابل هناك تحديات على مستوى التمويل، إضافة إلى تعلم اللغة من الصفر في سياق ألمانيا مثلا".
أثر هجوم ترامب وحدود مجابهته القانونية!
لمواجهة هجوم ترامب على الحرم الجامعي في البلد، قررت هارفارد رفع دعوى قضائية ضد إدارة ترامب بعد أن علقت حوالي 2.3 مليار دولار من التمويل الاتحادي للمؤسسة التعليمية.
رؤساء الجامعات الأمريكية أيضا وحدوا صفوفهم لمواجهة سياسات ترامب، إذ اتهم أكثر من 200 من رؤساء الجامعات في بيان مشترك إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالتدخل السياسي في التعليم العالي.
وانتقد البيان الذي وقعه رؤساء مؤسسات تعليمية مثل برينستون وبراون وهارفارد وكولومبيا وجامعة هاواي وكلية ولاية كونيتيكت المجتمعية، ما قال إنها "تجاوزات حكومية غير مسبوقة وتدخل سياسي يهدد حاليا التعليم العالي الأمريكي".
وهددت إدارة ترامب أيضا بوقف تمويل الجامعات لقضايا أخرى مثل حقوق المتحولين جنسيا وبرامج التنوع والمساواة والشمول، واعتقلت طلابا أجانب مؤيدين للفلسطينيين وسعت لترحيلهم. وحذرت عدة جامعات الطلاب الأجانب من السفر تحسبا لصعوبة عودتهم إلى البلاد.
بالنسبة للصحفي مصطفى هاشم، فإن "كل هذا سيؤثر على استقطاب الطلاب الأجانب الذين دائما ما كانوا يجدون في أمريكا قبلتهم للاستمرار في طريق البحث العلمي، صاروا يفرون منها، وأمريكا تخسرهم اليوم عوض أن تستقطبهم. والخسارة تتضح أكثر حينما نرى كم الباحثين الأجانب الذين يساهمون في الاكتشافات العلمية والاختراعات لصالح أمريكا".
كما يقول المتحدث إن "خسارة الطلاب الدوليين ستكون بالنسبة لأمريكا كبيرة على المدى الطويل، والأكثر إثارة للقلق هو فقدان الثقة في النظام وأسس الحريات، فحتى من كان يفكر في أمريكا كوجهة صار يتراجع، والمستفيد ستكون أوروبا التي تحاول أن تقدم "لجوء علميا" لهؤلاء"، حسب تعبيره.