هل خفُت دوي انهيار سور برلين بعد 20 عاماً؟
٢١ أكتوبر ٢٠٠٩في الأيام الأولى من شهر نوفمبر/تشرين الثاني عام 1989 لم يكن هناك ما يدعو إلى التفكير في أن سور برلين سيزول بعد أن ظل جاثماً على الصدور طيلة 28 عاماً. كانت هناك مؤشرات لا تخطؤها العين، إذ فر الآلاف من سكان ألمانيا الشرقية إلى ألمانيا الغربية عن طريق جمهورية التشيك والمجر، كما بدأت بولندا تتنسم عبير الديمقراطية بعد أن أسقطت الحكومة الشيوعية؛ باختصار: كانت رياح التغيير قد شرعت تهب على أوروبا الشرقية على الرغم من رفض بعض حكومات دولها قبول فكرة أن الشيوعية في سبيلها إلى الزوال. وعندما سقط السور لم يعد أحد يعرف ماذا يفعل. المفاجأة كانت عظيمة بالنسبة لوسائل الإعلام الدولية أيضاً. صحيح أن المحللين كانوا قد وضعوا سيناريوهات لمستقبل الحكومات الشيوعية، غير أن الجرأة لم تبلغ بهم حد التنبؤ بما حدث في أنحاء أوروبا الشرقية، والذي وصل إلى ذروته في القرار المشوش والمربك بفتح السور في التاسع من نوفمبر/تشرين الثاني عام 1989.
ساعة نهاية الشيوعية تدق
كان سقوط سور برلين أكثر الأحداث بروزاً في سقوط الشيوعية في أنحاء المنطقة، ولكنه يظل مجرد حلقة داخل سلسلة أحداث. ويشير أندرو ويلسون، كبير خبراء التخطيط السياسي لدى المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، إلى أن كرة الثلج بدأت تكبر مع الانتخابات البولندية عام 1989 التي أطاحت بالحزب الشيوعي من السلطة. وفي وقت لاحق من العام فشل الزعيم الروماني نيكولاي تشاوشيسكو في تهدئة الجماهير الغاضبة عبر التليفزيون، فكان ذلك بادرة أخرى على أن ساعة نهاية الشيوعية قد دقت بالفعل. وأدت هذه الأحداث إلى بداية مغامرة استمرت 20 عاماً حتى اليوم. وكان على منطقة كاملة أن تحاول نسيان تراث الديكتاتورية وأن تسير على طريق الديمقراطية والرأسمالية. في فترة الانتقال المؤلم تلك، الانتقال من نظام شمولي مستبد يضمن لمواطنيه أساسيات العيش ويحمل عنهم عبء الاختيار، إلى نظام ديمقراطي مفتوح يقوم على الفردية وتحقيق الذات والإنجاز والتنافس الشديد الذي يفرضه اقتصاد السوق الحر، في تلك الفترة التي تلت تفكك عالم وسبقت نشوء آخر كان هناك عدد كبير من البسطاء الذين لم يستطيعوا التأقلم مع تلك التحولات، كما كان هناك من عرف كيف يقتنص فرص الواقع الجديد.
الحنين إلى ماض بدا جميلاً
بمضي الوقت بدأ البعض يشعر بالحنين إلى تلك الأيام القديمة التي ربما لم تكن جميلة، ولكنها على الأقل كانت أكثر بساطة، وهو ما أدى إلى ما يمكن تسميته بـ"صناعة الحنين" أو "النوستالجيا الشرقية"، فكثرت البرامج التلفزيونية والأفلام والكتب التي راحت تمجد تلك الفترة وكأنها كانت فترة ذهبية، وربما كان منبع ذلك شعور البعض بالإحباط لما حدث بعد الوحدة من تطورات. كثيرون كانوا يتمنون الاحتفاظ بالاشتراكية ولكن بدون ديكتاتورية، وهو ما أطلقت عليه الكاتبة الألمانية (الشرقية) كريستا فولف "الاشتراكية ذات الوجه الإنساني".
سقط السور منذ عشرين عاماً، ولكن دوي انهياره ما زال يطن في أذن البعض، وما زال البعض يشعر بأن سوراً خفياً يفصل بين ألمانيتين وتاريخين.
(س ج / د ب أ)
مراجعة: سمر كرم