هل ساهمت التغييرات البيئية في عملية التطور البشري؟
علاء جمعة
١٦ أبريل ٢٠٢٢
أشارت دراسة قامت بإجراء محاكاة هائلة لمناخ الأرض منذ العصور السحيقة أن درجة الحرارة والظروف المناخية أثرت على الهجرة البشرية وربما ساهمت في ظهور الأنواع البشرية الحديثة، ويحاول العلماء عمل خريطة مكانية لمنابت أصول البشر.
إعلان
قد يكون التطور البشري تأثر قبل نحو مليوني عام بعوامل فلكية، إذ كشفت دراسة نشرتها مجلة "نيتشر" أن التغيرات المناخية الرئيسية المرتبطة بالتبدلات في مدار الأرض هي التي أدت إلى هجرات البشر الأوائل.
فمختلف سلالات جنس الإنسان، كالإنسان المنتصب وإنسان نياندرتال والانسان العاقل (وهي الوحيدة التي استمرت)، تنقلت مدى مئات الآلاف من السنين عبر إفريقيا وأوراسيا، فكانت إحداها تحل مكان الأخرى أحياناً، أو كانت في أحيان أخرى تلتقي وتتقاطع وتختلط في بعض الحالات. لكنّ العلماء يجدون صعوبة في إعادة تكوين الخريطة المكانية والزمانية لهذه المستوطنات القديمة، بسبب نقص المتحجرات البشرية.
ويكمن الحلّ لهذه المشكلة في "التنقيب" في الماضي المناخي. فما مِن شك في أن المناخ أثّر على تحركات المجموعات البشرية من خلال التغيّرات التي أحدثها على النظم البيئية الأرضية. ولكن في هذا المجال أيضاً، ثمة قدر قليل جداً ومتناثر من البيانات الجيولوجية التي توفّر فكرة عن التغيرات البيئية (الغطاء القطبي، رواسب البحيرات والمحيطات والكهوف، وسواها).
وقد تساعد دراسة نُشرت في مجلة "نيتشر" العلميةفي استكمال عناصر الصورة، من خلال إظهار كيفية تأثير التغير المناخي خلال مرحلة طويلة جداً تبلغ مليوني عام، على توزيع الأنواع البشرية وانتشارها في كل أنحاء العالم.
كل شيء يعتمد على مدار الأرض حول الشمس، وفقاً لعالم المناخ أكسل تيمرمان من جامعة بوسان في كوريا الجنوبية، وهو المعدّ الرئيسي لهذه الدراسة التي نُشرت الأربعاء. ويتغير الشكل البيضاوي لهذه الحركة كل مئة ألف إلى 400 ألف سنة، في حين يخضع محور الأرض بالنسبة إلى مستواها المداري للتذبذبات كل 20 ألف سنة تقريباً.
"ميكانيكية رقاص الساعة"
تؤثر هذه الآلية الميكانيكية الطويلة المدى على مستوى الإشعاع الشمسي الذي يتلقاه كوكب الأرض، وهو ما تسبب بعصور جليدية مثل العصر الجليدي (ما بين 2,6 مليون سنة وعشرة آلاف سنة مضت) وتناوب الجفاف والرطوبة، على غرار "الصحراء الخضراء".
وشبّه البروفيسور تيمرمان هذه الديناميكية بتلك التي تحرّك رقاص الساعة، إذ "تحدد في النهاية مكان العثور على الطعام، وبالتالي هي مرتبطة باستمرار النوع وبتكيفه مع بيئته وبهجرته" ، كما أوضح في الدراسة.
واعتمد فريقه على أكثر من 3000 من البيانات الأحفورية والأثرية طبقت عليها نماذج مناخية، ثم تولى كمبيوتر عملاق محاكاة كيفية تفاعل المناخ مع الساعة الفلكية.
ثم أعدّ الباحثون نموذجاً يحسب احتمالية أن يكون نوع معين قد سكن في مكان ما على الكوكب، على حقبات تبلغ مدتها ألف سنة تمتد بين ما قبل مليوني سنة وما قبل 30 ألف سنة من اليوم.
ويبيّن النموذج أن المرحلة الممتدة من العصر الجليدي الأدنى، وهي فترة جافة وباردة، قبل 2,6 مليون سنة، جاءت بعد فترة البليوسين التي كانت أكثر رطوبة ودفئاً، شهدت استقرار مجموعات أفريقية مثل الإنسان الماهر والإنسان العامل في بيئات ذات "تقلب مناخي منخفض، يتوافق مع تباين منخفض في مدار الأرض".
حين يغير التقدم العلمي وجه الطبيعة!
عالمنا يتطور بشكل مثير للإعجاب، لكن هذا التطور يكون أحيانا على حساب البيئة. في معرض الصور التالي نسلط الضوء على بعض التغييرات الاصطناعية الضخمة التي قام بها الإنسان على الطبيعة، والتداعيات التي تركتها على العالم الطبيعي.
صورة من: AFP/Getty Images
كان ساحل دبي في الماضي عبارة عن زاوية معزولة من الصحراء. اليوم له عالمه الخاص من الجزر: جزيرتان اصطناعيتان على شكل شجرة النخيل وأرخبيل صناعي تماما على شكل خارطة العالم. بيد أن عمليات البناء الجارية في الخليج بتغييرات جذرية في البيئة البرية والبرية في المنطقة.
صورة من: AFP/Getty Images
استخراج النفط من الرمال في أثاباسكا في مقاطعة ألبرتا الكندية تسبب في أضرار بيئية جسيمة وهو ما أكدته أيضا منظمة السلام الأخضر لحماية البيئة التي لفتت إلى أن استغلال الرمال النفطية أدى إلى تلوث نهر أثاباسكا وقطع الغابات الشمالية وارتفاع نسبة الغازات الدفيئة المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري.
صورة من: AFP/Getty Images/M. Ralston
تعتبر الطاقة الكهرومائية أكثر مصادر الطاقة رفقا بالبيئة، لكن للسدود أيضا آثار بيئية سلبية. سد الممرات الثلاثة في الصين، أكبر سد في العالم، يوفر على سبيل المثال نسبة قياسية من الطاقة الكهرومائية النظيفة لكنه أحدث من جانب آخر أضرارا بيئية جسيمة أثرت على التنوع البيئي في المنطقة المحيطة به.
صورة من: AP
تشكل "كابو دي غاتا" حديقة طبيعية في جنوب إسبانيا تزخر بثروة بيئية بحرية وجيولوجية مما جعلها أحد أفضل المقاصد السياحية. الإقبال المتنامي للسياح على هذه المنطقة ساهم على امتداد عشرة أعوام في تجهيز المنطقة ببنية تحتية ومركب سياحي ضخم على امتداد الشواطئ البكر وهو ما أضر ببيئة المنطقة. وبعد معارضة ونضال طويل من قبل أنصار البيئة، بدأ الآن تمهيد الطريق أمام إزالة تلك المشريع.
صورة من: cc-by-2.0/eltito
مع نهاية القرن الثامن عشر تدفق الآلاف من الناس إلى غرب أستراليا بحثا عن الذهب. وفي الوقت الحاضر، تعد أستراليا موطن أكبر منجم مفتوح للذهب. وفي حين أن معظم سكان مدينة كالغورلي، الأقرب إلى المنجم، يعتمدون عليه في عملهم فإنهم يخشون أيضاً على المدى البعيد من آثاره المستقبلية الضارة على الصحة، وتداعياته البيئية.
صورة من: DW/M. Marek & S. Weniger
غالباً ما يرغب عشاق الطبيعة بالتنزه في الغابات، ولكن ماذا لو تغير طابع تلك الأماكن الخلابة جراء ذلك؟ في أعلى شلالات إجوازو بني فندقان فخمان، ما أدى إلى تخريب مساحة خضراء واسعة. ومن خلال القطع الجائر لأشجار الغابات المحيطة بتلك المنطقة تم تدمير البيئة الطبيعية للعديد من الحيوانات.
صورة من: cc by Gorkaazk
نزهة في صحراء أتاكاما في تشيلي كأنك تمشي على سطح المريخ. المنطقة التي يشبه سطحها سطح كوكب فضائي، تحولت إلى موطن أكبر مشروع فلكي في العالم، إذ تم بناء تلسكوب راديوي مكون من 66 طبق هوائي، علما أن صحراء أتاكاما تعد كذلك من أكثر الصحاري غير القطبية جفافا في العالم.
صورة من: picture-alliance/dpa/ALMA Observatory/A. Marinkovic/X-Campicture-alliance/dpa/ALMA Observatory/A. Marinkovic/X-Cam
تعد ألمانيا تعد من الدول الرائدة في مجال "الطاقة الخضراء"، إلا أنها أيضا من الدول المسببة للتلوث البيئي الناجم عن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون المسبب لظاهرة الاحتباس الحراري حيث تتسب محطات توليد الطاقة العاملة بالفحم والفحم البني في تفق تلك تلك الغازات. كما أن المناطق حيث توجد مناجم استخراج الفحم تحولت إلى مساحات قاحلة تخلو من كل أشكال الحياة البيئية بعد أن باتت تعمرها الجرافات العملاقة وآلات الحفر
صورة من: Reuters
يعتبر سد إيتايبو على جانبي الحدود بين البرازيل والباراغواي أحد عجائب العالم الحديث. فهو ثاني أكبر سد في العالم من حيث قدرته على توليد الطاقة سنوياً. تعرض بناء السد لانتقادات شديدة من قبل نشطاء حماية البيئة بسبب آثاره السلبية على البيئة والتنوع البيولوجي.
صورة من: AP
9 صورة1 | 9
"متجولون عالميون"
وتغير هذا السلوك مع نهاية العصر الجليدي، إذ تغير الغطاء النباتي، وانفتحت "ممرات" باتجاه شمال إفريقيا وشبه الجزيرة العربية وأوراسيا، مما أتاح للإنسان المنتصب والإنسان العاقل أن يصبحا "متجولين عالميين" قادرين على التكيف مع مجموعة واسعة من الظروف المناخية. وهذه المرونة هي التي يمكن أن تفسر بقاء الجنس البشري، وفقاً للدراسة.
ويشير نموذج المناخ أيضًا إلى الدور المحوري الذي لعبه إنسان هايدلبيرغ، وهي مجموعة بشرية تم اكتشافها في ألمانيا في بداية القرن العشرين، يعتقد أنها عاشت بين ما قبل 800 الف عام وما قبل 160 ألفاً. والغالب أن الاضطرابات المناخية التي حصلت في الجزء الجنوبي من إفريقيا قبل 300-400 ألف عام أثرت ربما على تطور افرادها الذين قد يكونون انفصلوا إلى سلالة في أوراسيا مع إنسان نياندرتال، وأخرى في أفريقيا يتحدر منها أقدم أفراد سلالة الإنسان العاقل.
ومن المتوقع أن تخضع هذه الفرضية لنقاش بين علماء الأحافير المنقسمين بشدة حول كيفية إعادة بناء شجرة التطور البشري.
وقال عالم الأنثروبولوجيا في المتحف الوطني للتاريخ الطبيعي أنطوان بالزو إن الدراسة التي لم يشارك في إعدادها تجمع كمية استثنائية من البيانات البيئية على مدى مرحلة طويلة من الزمن". وتوقع أن "تكون للنموذج الذي تم إعداده تطبيقات تتيح فهم التحركات البشرية
ع.أ.ج/ع.ج.م (أ ف ب)
حرائق الغابات ... الكارثة تأتي بعد حين
في الوقت الذي تقرع فيه عدة منظمات جرس الإنذار بخصوص التغييرات المناخية وتأثيرها على البيئة، تتسبب الحرائق في تدمير عدة غابات والقضاء على حياة كائنات على كوكب الأرض. ألبوم الصور يسلط الضوء على بعض آثار هذه الحرائق.
صورة من: Getty Images/A. Renneisen
تراث عالمي في خطر
أتى حريق مدمر على حوالي 80.000 هكتار من الأراضي في المحمية الطبيعية "جبل كينيا"، وهو ما يقرب من نصف مساحة المحمية في هذا البلد الأفريقي. ورغم أن الحرائق ليست بالأمر الشائع هناك، بيد أنه تم تسجيل أكثر من 100 في هذه السنة وحدها. وتعد هذه المحمية موطناً للبحيرات والغابات الكثيفة والأنهار والحيوانات النادرة، التي تهددها الحرائق.
صورة من: Getty Images/A. Renneisen
حرائق في غابات اليونان
في السنة الماضية، لقي أكثر من 80 شخصاً مصرعهم في حرائق الغابات باليونان. واكتشف باحثون من أستراليا أن الغابات هناك تحتاج إلى الكثير من الوقت، من أجل التعافي بعد الحرائق المدمرة.
صورة من: Getty Images/AFP/S. Karmaniolas
عقود لتجديد التربة
تحتاج تربة الغابة إلى حوالي 30 سنة، من أجل تجديدها بالكامل بعد اقتلاعها. ويمكن لهذه المدة أن ترتفع إلى 80 سنة في حال كان هناك حريق ما. ودرس الباحثون من أستراليا أكثر من 80 موقعاً في جنوب شرق البلاد، فضلاً عن استخلاصهم حوالي 700 عينة من التربة، التي تعرضت إلى أنواع مختلفة من الأضرار على غرار الحرائق والترسبات.
صورة من: picture-alliance/dpa/P. Pleul
بعد ستة أشهر...
بعد ستة أشهر من حريق في منطقة بالعاصمة الألمانية برلين صيف السنة الماضية، تم قطع أجزاء كبيرة من المناطق المتضررة. ويرى العلماء أن حرائق الغابات وإزالتها بعد الحريق قد يؤدي إلى خسارة عناصر مهمة تحتاجها التربة.
صورة من: picture-alliance/dpa/P. Pleul
الإنسان يُعطل الدورة الطبيعية
تعد الحرائق في بعض الأماكن جزءاً مهماً من الدورة الطبيعية. فبعض الأشجار على غرار الأوكالبتوس تحتاج حتى إلى النار من أجل إطلاق بذورها. ويقول العلماء إنه بفضل الرماد يمكن للعديد من العناصر الغذائية أن تصل إلى التربة بعد الحريق. لكن يمكن أيضاً للجفاف الشديد وإزالة الغابات وإخماد الحرائق أن يُعطل الدورة الطبيعية.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Suslin
تدمير التربة
صيف السنة الماضية، دمر حريق غابة في البرتغال تعود إلى 700 سنة، فقد تم سحق حوالي 80 في المائة من الغابة، فضلاً عن قتل الخنافس والطيور والثدييات. وتحتاج تربة هذه الغابة إلى حوالي 50 سنة، من أجل التعافي والعودة إلى حالتها الطبيعية.
صورة من: picture-alliance
خسارة مواد غذائية حيوية
خلال الحريق، يمكن أن تصل درجات الحرارة إلى 500 درجة مئوية. ونتيجة لذلك، يتم فقدان عدة عناصر غذائية تعزز النمو مثل الفوسفور والكربون العضوي والنترات. وفي حال وقوع الحرائق بشكل متكرر في مكان واحد، فإن الأمر يصبح صعباً على الغابة من أجل التعافي. وبدون هذه العناصر الغذائية المهمة لا يمكن للتربة دعم نمو النبات، فضلاً عن عدم تخزينها للكربون.
صورة من: picture-alliance/dpa/R. Lehti
لا تربة، لا حياة
التربة جزء أساسي من بيئة الغابة. ويوكد العلماء أن التربة في معظم الحالات أساس الحياة. فالتربة تدعم نمو الزهور وتغذي الفطريات والبكتيريا، بالإضافة إلى تخزينها للكثير من الكربون.
صورة من: picture-alliance/F. Herrmann
خطر إزالة الغابات
يؤثر قطع الغابات باستخدام الآلات وحرق الرواسب المتبقية على التربة. ويؤدي اقتلاع الأشجار إلى إطلاق الكثير من ثاني أكسيد الكربون في الجو.
صورة من: picture-alliance/dpa/P. Pleul
تربة سوداء
حريق الأشجار يتسبب في تحول التربة إلى سوداء. فمثلاً، الغابات الألمانية لديها صعوبات كبيرة من أجل تجديد نفسها والتعافي بعد الحريق. وفي السنوات القادمة يتوقع أن يتسبب الجفاف في حرائق غابات، ما يعني أن الغابة قد تحتاج إلى قرون قبل أن تعود إلى الحياة مرة ثانية. إعداد: شارلي شيلد/ ر.م