هل سينجح الغرب في فصل سوريا عن إيران؟
٩ ديسمبر ٢٠٠٧يبدو من خلال التطورات السياسية الأخيرة في الشرق الأوسط أن نظرة عدد من الدول الغربية إلى سوريا بدأت تتغير بعض الشيء، فحتى الولايات المتحدة، التي اعتبرت سوريا فترة طويلة جزءا من "محور الشر"، قامت بدعوة سوريا إلى المشاركة في مؤتمر أنابوليس لإحلال السلام في الشرق الأوسط. كما أن الحكومة الفرنسية دعت سوريا إلى المشاركة في مؤتمر المانحين الدوليين، الذي سيعقد في منتصف الشهر الجاري في باريس بهدف مساعدة الفلسطينيين.
كيسنجر: "لا سلام بدون مشاركة سوريا"
يستشهد المراقبون والمختصون بالشرق الاوسط حتى اليوم بمقولة هنري كيسينجر الشهيرة: "لا يمكن في الشرق الأوسط أن تقوم حرب بدون مشاركة مصر ولا يمكن صنع سلام بدون مشاركة سوريا". وفي الواقع تم دحض نصف هذه الفرضية فبفضل حزب الله والمجموعات الفلسطينية المسلحة. كما أن الجيش الإسرائيلي شارك بحروب دموية بدون مشاركة مصر. لكن فيما يتعلق بالنصف الثاني منها فيمكن أن يكون هنري كيسنجر محقاً في قوله؛ أي أنه بدون إشراك سوريا فإنه لا مجال لإقامة سلام شامل في الشرق الأوسط.
نجاح للدبلوماسية الألمانية
يعود الفضل إلى الدبلوماسية الألمانية أيضا فيما يتعلق بوصول هذه الرؤيا بشكل متزايد إلى مراكز السياسة الخارجية الأمريكية، فدعوة سوريا إلى مؤتمر انابوليس كانت الإشارة الأولى، وفي نفس الوقت نجاحاً متواضعاً لمحاولة إخراج سوريا من بوتقة ما يوصف بـ"محور الشر"، وتقديم بديل لها عن تحالفها القائم على المصالح المشتركة مع إيران.
وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير، كان قد عبر قبل عام عن تفاؤله بهذا الخصوص عندما قال خلال زيارة لدمشق: "استناداً إلى الرئيس بشار الأسد فإن سوريا لم تعد تريد أن تبقى وقتاً أطول جزءاً من المشكلة إنما تريد أن تكون جزءاً من الحل في الشرق الأوسط". في ذلك الحين أكد شتاينماير للأسد أيضاً أنه "على يقين جازم أن أمام سوريا إمكانيات أخرى وأفضل من الخط المتبع حتى الآن"، مضيفاً: "بلادكم تصبو إلى الإصلاح السياسي والاقتصادي وأنتم بحاجة إلى الاستثمارات إن أنتم أردتم تأمين أماكن عمل لشبابكم"
دور سوريا الهام في المنطقة يستند بشكل كبير إلى كونها جزء من المشكلة، وأهمية دمشق ونفوذها نابعان إلى حد كبير عن كونها تضمن الحماية لمجموعات فلسطينية متطرفة مثل حماس، وعن تأثيرها الكبير على حزب الله وبالتالي على مسار الوضع السياسي برمته في لبنان، والأمران يمكن استخدامهما كرهن سياسي لإفشال كل انطلاقة نحو السلام في المنطقة مهما كانت جيدة.
"تنازلات سياسية مؤلمة"
الرئيس السوري بشار الأسد لن يتخلى دون اضطرار عن هذه المقدرة على الابتزاز السياسي، وإنما يعمل على الحصول على ثمن مرتفع لكل تعبير عن الإرادة للتعاون. مصالحه معروفة، فهو لا يريد فقط استعادة الجولان المحتل منذ عام 1967 إنما يريد أيضاً الاحتفاظ بنفوذ دمشق في لبنان، الذي بقي تحت سيطرة سوريا حتى قبل عامين ونصف العام. كما أنه يريد الحيلولة أن لا يُشهر بنظامه عالمياً بسبب اغتيال رئيس الحكومة اللبناني الأسبق رفيق الحريري.
وفضلا عن ذلك فإن الأسد بحاجة أيضاً الى مساعدات أجنبية من أجل تطوير الاقتصاد الوطني السوري، ومثلما ألمح شتاينماير يمكن لذلك أن يشكل نقطة انطلاق في إطار ربطه بإمكانية واقعية لاستعادة مرتفعات الجولان.
لكن الشكوك تبقى مبررة حول مدى كفاية ذلك لإقناع سوريا بالخروج من فلك إيران، فإن أرادت الدول الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة دمج سوريا بكل جدية في عملية السلام، فلن يكون أمامها سبيل آخر، ومثلما كان الحال عليه مع ليبيا، لن يبقى أمامها سوى تقديم تنازلات سياسية مؤلمة لحاكم غير ديمقراطي في المنطقة.