في وقت ترتفع فيه وتيرة الضغط السياسي لتسريع عمليات إرجاع طالبي اللجوء إلى البلد الأوروبي الذي دخلوه أولاً وجعلها أكثر فاعلية. تحول صعوبات دون ارجاع اللاجئين. فما دور اتفاقية دبلن؟ وهل ما زالت قابلة للتطبيق؟
إعلان
حق للدول الموقعة على اتفاقية دبلن إرجاع طالبي اللجوء إلى الدول الأوروبية الأولى التي دخلوها. غير أن التأخير الطويل في عملية الإرجاع والشكاوى الأخرى بأن الاتفاقية غير عادلة قادت إلى اقتراح البعض إعادة النظر بالاتفاقية أو حتّى إلغائها. وما تزال التغيرات المقترحة في عام 2016 موضع جدال داخل مؤسسات الاتحاد الأوروبي، بينما تم نقل عشرات آلاف طالبي اللجوء بين دول الاتحاد بموجب إجراءات طويلة. والسؤال هنا: هل من العدل انتقاد اتفاقية دبلن؟
هل تحتاج دبلن لإصلاح شامل؟
تهدف الاتفاقيات التي عقدتها ألمانيا مع اليونان وإسبانيا وإيطاليا والبرتغال إلى تسريع عملية إرجاع طالبي اللجوء وجعلها أكثر فاعلية. وجاءت في وقت يرتفع فيه حدة الشد السياسي بخصوص توزيع طالبي اللجوء على الدول الأوروبية.
في الواقع فإن لغة الأرقام تؤكد أن الاتفاقية تعمل بشكل جيد، وأن الفاعلية تتحسن، وأن عدد الذين تم إرجاعهم قد ارتفع. في عام 2017 تقدمت ألمانيا بأكبر عدد من طلبات الإرجاع (64267) وتصدرت كذلك قائمة عمليات الإرجاع المنفذة (7102). غير أنه، في الوقت نفسه، تم إرجاع إليها عدد يفوق بقليل العدد المرجع منها (8745).
في العام الجاري استمرت آلية عمل اتفاقية دبلن بالتحسن وانعكس ذلك بالزيادة المستمرة في عمليات الإرجاع حسب أرقام وزارة الداخلية الألمانية.
إيطاليا والبرتغال
في النصف الأول من العام الجاري، تقدمت ألمانيا بـ 30305 طلب إرجاع إلى دول أوروبية أخرى. الغالبية العظمى من تلك الطلبات كانت من نصيب إيطاليا ثم فرنسا ثم اليونان.
وتلقت البرتغال أقل عدد من طلبات الإرجاع من ألمانيا، وبواقع 277 في الستة أشهر الأولى من العام الجاري. ومن مجموع حوالي 5 آلاف عملية إرجاع تمت 84 عملية إلى البرتغال.
عراقيل عمليات الإرجاع
تحول صعوبات دون إرجاع كل طالبي اللجوء إلى البلدان الأوروبية التي قدموا فيها أول طلب لجوء. أبرز الصعوبات هي كثرة عدد الحالات المطلوب إرجاعها وتقدم طالبي اللجوء باستئناف قضائي لوقف أو تأجيل عمليات الإرجاع. ففي ألمانيا، على سبيل المثال، يكون لطالبي اللجوء الحق بالاعتراض على قرار الإرجاع خلال مدة سبعة أيام.
وتندرج كل من اليونان وبلغاريا وهنغاريا في قائمة الدول التي لا يمكن إرجاع طالبي اللجوء إليها. كما تبرز عراقيل أخرى من بينها اختفاء طالب اللجوء عن أنظار السلطات لدى علمه بطلب إرجاعه. مينوس موزوراكيس من "المجلس الأوروبي للاجئين والمنفيين" يؤكد على ضرورة تلافي العراقيل والصعوبات آنفة الذكر.
لا بديل عن دبلن
صحيح أن الاتفاقيات الثنائية مع كل من إيطاليا وإسبانيا واليونان والبرتغال سرّعت عمليات الإرجاع وذيلت بعض الصعوبات، إلا أنها لا تغني عن منظومة دبلن. "بغض النظر عن النقاش الصعب بين الدول الموقعة على اتفاقية دبلن وصعوبات الإرجاع، غير أن الإطار القانوني الحالي يبقى قابلاً للتطبيق"، يقول مينوس موزوراكيس.
اللاجئون في ألمانيا - من "ثقافة الترحيب" إلى "سياسة الترحيل"
في خريف عام 2015، فتحت ألمانيا أبوابها للآلاف من اللاجئين. وكان تفهم الألمان لمآسي هؤلاء ملفتا جداً. إلا أن أحداثاً عديدة قلبت ثقافة الترحيب إلى مطالب بالترحيل. بالصور: محطات من السياسة الألمانية تجاه اللاجئين.
صورة من: picture-alliance/dpa/G. Fischer
بداية الموجة
في 25 آب/ أغسطس 2015، علقت ألمانيا تنفيذ اتفاق دبلن تجاه اللاجئين السوريين. وينص الاتفاق على إعادة اللاجئين إلى بلد دخلوه في الاتحاد الأوروبي. وبعدها بأيام قالت المستشارة ميركل إن التغلب على موجة اللجوء؛ "مهمة وطنية كبيرة"، كما أصرت على أن "ألمانيا ستنجح في هذه المهمة". وخشيةً من مأساة تحل بآلاف اللاجئين، قررت ميركل إلى جانب النمسا استقبال اللاجئين، وكان ذلك في الخامس من أيلول/ سبتمبر 2015.
صورة من: Reuters/H. Hanschke
استقبال وترحيب
مثلت ""ثقافة الترحيب" عنصراً مهماً في استقبال اللاجئين في خريف 2015. وقد حظي اللاجئون عند وصولهم إلى عدد من المدن الألمانية بترحيب منقطع النظير من جانب المتطوعين من المواطنين الألمان والأجانب المقيمين في ألمانيا. وبادر هؤلاء المتطوعون إلى تقديم المساعدة المعنوية والمادية للعديد منهم. ففي ميونيخ مثلاً، تم إنشاء مطاعم مؤقتة للاجئين المنتظرين تسجيل أسماءهم لدى الشرطة، ونقلهم إلى مراكز الإيواء.
صورة من: picture alliance/dpa/J. Carstensen
أزمة السكن
عدد كبير من اللاجئين قصد ألمانيا بعد قرار ميركل عام 2015. الأرقام المتزايدة للاجئين شكلت تحديا كبيراً للألمان. وبدأت مدن ألمانية باستعمال المباني الخالية أو المهجورة كمراكز إيواء للاجئين، فيما استدعت السلطات الحكومية المختصة الموظفين المتقاعدين للعمل من جديد في مراكز اللاجئين. ويعتبر هذا المعطى واحداً من المؤشرات الأخرى التي فرضت على ألمانيا دخول تحدٍ جديدٍ، بسبب اللاجئين.
صورة من: picture-alliance/dpa/I. Fassbender
بداية أحداث قلبت الموازين
كانت أحداث كولونيا، التي وقعت في ليلة رأس السنة الجديدة 2016/2015 بداية فاصلة لتغير مزاج الألمان تجاه اللاجئين. حيث شهدت تلك الليلة عملية تحرش جماعي كبرى لم تشهدها ألمانيا من قبل. تلقت الشرطة مئات البلاغات من نساء تعرضن للتحرش والسرقة وفتحت الشرطة أكثر من 1500 تحقيق لكن السلطات لم تنجح في التعرف إلا على عدد قليل من المشتبه بهم، الذين كانت ملامحهم شرق أوسطية وشمال إفريقية، طبقا لشهود.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Böhm
مطالب بالترحيل
أعمال التحرش الجنسي في كولونيا، ليلة رأس السنة، تسببت في موجة استياء واسعة في ألمانيا بداية من عام 2016، وقد دفعت كثيرين للمطالبة بتشديد القوانين لترحيل الجناة وجعلت آخرين يطالبون بتفادي تجريم فئة معينة في المجتمع. وكانت حركة "بغيدا" أهم الأطراف، التي دعت إلى وقف تدفق اللاجئين على ألمانيا. وتعارض هذه الحركة الشعبوية بوجه خاص إيواء لاجئين من دول إسلامية بدعوى أن ثقافتهم لا تنسجم مع القيم الغربية.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Kappeler
تحديد سقف لعدد اللاجئين
على خلفية اعتداءات كولونيا ليلة رأس السنة، وجد زعيم الحزب الاجتماعي المسيحي المحافظ آنذاك هورست زيهوفر في الواقعة فرصة للتأكيد على طلبه الرئيسي المتمثل في تحديد سقف أعلى لعدد اللاجئين المسموح لهم بدخول ألمانيا. لكن ميركل كانت قد رفضت الأمر في مؤتمر حزب "الاتحاد الاجتماعي المسيحي" (البافاري) في ميونيخ.
صورة من: picture-alliance/dpa/D. Karmann
هجمات متفرقة ينفذها لاجئون
وقام بعض اللاجئين بأعمال عنف و"إرهاب" جعلت مؤيدين كُثراً يسحبون دعمهم لسياسة الترحيب. ومن أبرز هذه الاعتداءات، ما حصل بمدينة أنسباخ جنوبي ألمانيا. فقد فجَّر طالب لجوء سوري عبوة ناسفة من صنعه وهو ما أدى إلى مقتله وإصابة 12 شخصاً. كما أصاب طالب لجوء آخر (2016) خمسة أشخاص بجروح بفأس وسكين على متن قطار في فورتسبورغ.
صورة من: Reuters/M. Rehle
هجمات معادية للاجئين
وفي المقابل قام أشخاص بالاعتداء على مجموعة من مراكز إيواء اللاجئين مثل إضرام الحريق في مركز فيرتهايم. كما شهدت بعض المدن الألمانية مظاهرات معادية لاستقبالهم. هذه التصرفات دفعت المستشارة ميركل للقول إنه لا تسامح مع اليمينيين المتطرفين الذين يقومون بهجمات ضد اللاجئين.
صورة من: picture-alliance/dpa/R. Engmann
عملية دهس وراءها داعش!
في 19 ديسمبر/ كانون الأول 2016 اهتزت برلين لفاجعة الدهس بشاحنة، التي أدت لمقتل 12 شخصاً وإصابة 48 آخرين. هذا العمل الإرهابي قام به لاجئ في ألمانيا، فقد وُجهت التهمة لأنيس العامري، وهو تونسي الجنسية، كان يبلغ حينها 24 عاماً، باختطاف شاحنة بولندية ضخمة، ودهس بها تجمعاً بشرياً بأحد أسواق أعياد الميلاد في قلب برلين، قبل أن تقتله الشرطة الإيطالية. وقد أعلنت "داعش" فيما بعد تبنيها للاعتداء.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Kappeler
سياسة ميركل في مرمى الانتقادات
تصاعد الأزمات، وتفاقم المشاكل جعل شعبية المستشارة ميركل تقل، فقد اتهمها منتقدوها بأن سياسة "الباب المفتوح" التي اتبعتها فاقمت الأوضاع من خلال تشجيع المزيد من اللاجئين على الدخول في رحلاتهم الخطرة نحو أوروبا. وفي سبتمبر 2016 بدأت ألمانيا أيضا بعمليات مراقبة مؤقتة على حدودها مع النمسا.
صورة من: Getty Images/J. Simon
هل ستستقبل ألمانيا لاجئين جدد؟
أعلنت المفوضية الأوروبية لشؤون اللاجئين موافقة الحكومة الألمانية على استقبال 10 آلاف لاجئ ضمن برنامج "إعادة التوطين" التابع للاتحاد الأوروبي، في الوقت الذي يحاول وزير الداخلية الألمانية الإسراع بفتح مراكز جديدة للاجئين تتولى استقبال اللاجئ والبت في قراره ثم ترحيله في حالة رفض طلبه. بالإضافة إلى توجهه نحو التشدد حيال لمّ شمل عائلات اللاجئين الحاصلين على الحماية الثانوية. إعداد: مريم مرغيش