هل لا يزال المصريون يحلمون بالوحدة العربية؟
٢٢ مايو ٢٠١٣أصدر المؤرخ شريف يونس في العام الماضي كتاب "نداء الشعب: تاريخ نقدي للأيديولوجيا الناصرية". وقد أثار الكتاب ضجة كبيرة وقتها لكونه يقدم نقداً جذرياً للناصرية وللدولة المصرية التي قامت في عهد الرئيس جمال عبد ناصر.
الجدل أثبت أن موضوع الناصرية لا يزال حاضراً في الذهن المصري. يقول شريف يونس لـ DWعربية: "لا يمكن القول بأن الحركة القومية العربية قد فشلت تماما. من خلال التفاف دول عربية عديدة حول القضية الفلسطينية، ومن خلال التبادل الفكري والثقافي المبني على تأثير الحداثة المصرية التاريخي، ثم دخول أدوات التواصل الاجتماعي، ثمة شعور بوجود صلة ما بين الشعوب العربية تجعل منها نوعا من شعوب متقاربة ثقافياً على غرار الشعور بالتقارب الأوربي مثلا قبل الوحدة الأوربية وبعدها".
ما سقط عملياً، من وجهة نظره، هو مجمل الخطاب القومي عن "الوحدة العربية" وكافة الأوهام المصاحبة له من قبيل أن "الاستعمار قسّم الوطن العربي"، وأن قيام إسرائيل كان بهدف الفصل بين المشرق والمغرب، إلى آخر هذه الخرافات، كما يصفها، والتي لم يعد من يرددونها يحتلون مقدمة المسرح الإيديولوجي في المنطقة.
الربيع العربي والقومية
ولكن في نفس الوقت يرى يونس أن "الثورات العربية قد أزاحت الاهتمام بالقضايا القومية إلى مرتبة متأخرة وصعدت مواجهة الاستبداد وقضايا الحريات والمساواة إلى المرتبة الأولى".
والسبب في ذلك، حسب رأيه، هو أن القطاعات الجماهيرية الواسعة التي دخلت الساحة السياسية لم تكن مدعوة أصلاً في الخطاب القومي سوى للتصفيق للحكام المستبدين مدعي التقدمية والوحدوية، وبالتالي أيا كان موقفهم من فكرة القومية العربية نفسها فإنها لم تكن أبداً أمراً يعنيهم بشكل عملي مباشر.
وبهذا المعنى، يرى أن القومية العربية لم يعد لها موضع، خاصة أن نظرية الهوية السائدة هي نظرية الهوية الإسلامية. وما تبقى من التيار القومي فقد مغزاه التاريخي كإيديولوجيا قومية مع تهاوي جميع الأصنام، وآخرها صنم سوريا "الممانعة"، كما يقول. حتى أن الناصريين في مصر رفعوا صورة عبد الناصر وهم يهتفون يسقط حكم العسكر في مشهد تاريخي بقدر ما هو هزلي.
القومية تعني المصالح المشتركة
على العكس من هذا الرأي، كانت وجهة نظر عبد الغفار شكر، رئيس حزب التحالف الشعبي الاشتراكي، الذي يرى أن الناصرية لا تزال حية في نفوس المصريين.
يتحدث شكر مع DWعربية عن سطوع نجم الناصري حمدين صباحي، ويرى أنه من الصحيح أن صباحي لم يركز في دعايته الانتخابية على كونه ناصرياً، ولكنه ركز على شعارات لها علاقة بالناصرية، مثل العدالة الاجتماعية والتنمية المستقلة وإنهاء التبعية للغرب.
وحسب رأي شكر كان هناك سببان لشعبيته وتصاعد أسهمه، أولهما أنه يعرف كيف يخاطب الناس والثاني هو تركيزه على العدالة الاجتماعية، وهو الشعار ذو الإيحاء الناصري.
ويعتقد شكر أن القومية العربية هي شعور بالانتماء المشترك، زاد كثيراً أيام عبد الناصر لأنه كان دائم التأكيد على أن الأمة العربية أمة واحدة وتربطها مصالح مشتركة.
المشكلة الآن من وجهة نظر شكر، أن المشاكل الداخلية في مصر هي التي تسود المشهد، ولكن هذا لا يمنع أن يقلق المصريون من المشاكل الحادثة في المناطق المجاورة، في غزة مثلا أو في ليبيا، أو قضية السلاح الذي يتم تهريبه عبر الأنفاق. ويحدث أحياناً أن يتم تشويه صورة الفلسطينيين، بسبب موضوع الأنفاق، ولكن هذا ليس له علاقة بالفلسطينيين في حد ذاتهم، وإنما له علاقة بالصراع الداخلي في مصر: "من يعادون الإخوان المسلمين يربطون بين الإخوان وبين الفلسطينيين".
"ليس موتاً وإنما خمولا"
أما توفيق إكليمندوس، وهو صاحب رسالة دكتوراه عن "الجذور الاجتماعية للضباط الأحرار"، فيقول لـ DWعربية إنه من الصعب معرفة ما هي التيارات الأضعف، ولكن مبدئياً فإن القوى السياسية التي تتبنى القومية العربية في خطر الآن.
ولكن الوجه الآخر للعملة يخبرنا بأن كثيرا من سمات القومية العربية لديها شعبية كبيرة في الشارع، ويمكننا الآن أن نتحدث عن المساحة العربية الثقافية أكثر من أي وقت مضى. ويضيف "أعتقد أنه من الصعب أن نتحدث عن موت المشاعر القومية وإنما عن خمولها".
ويعتقد إكليمندوس أن مشروع الوحدة العربية هو غير ديمقراطي وشعوب كثيرة لا تريده، وهو في حد ذاته تسلطي وهو مثل المشاعر الإسلامية، ليس لديه رد على ما يطلق عليه اسم "مشكلة التورط"، والتي يعرفها بالقول: "لو كنت متضامناً بشكل سياسي مع جميع البلدان العربية، فماذا ستفعل لو حاول بلد من البلدان أن يجر المنطقة لأزمة إقليمية لا تريدها". ولكن ومن الناحية الثانية، فهو يرى أن القومية العربية بمفهومها الثقافي قد انتصرت، ويمكننا بسهولة أن نتحدث عن منظومة ثقافية عربية الآن.