بعد مرور خمس سنوات على الإطاحة بالرئيس السابق مرسي، وتولي الرئيس السيسي للحكم ارتفعت تكاليف المعيشة في مصر بشكل غير مسبوق. وعلى ضوء ذلك يزداد غضب الناس على سياسات الرئيس وخيبتهم من وعوده. تقرير فريد فريد من القاهرة.
إعلان
مصر ستصبح مستقرة أكثر اقتصاديا ـ حتى ولو على حساب الحريات السياسية التي ناضل من أجلها المواطنون في ثورة 2011. هذا ما وعد به الرئيس عبد الفتاح السيسي لمواطنيه مؤخرا. يعتقد السيسي الذي قاد الانقلاب العسكري ضد الرئيس السابق محمد مرسي في 2013 أن شعبيته ستزداد بهذا الموقف. إلا أن المصريين يصعب عليهم أكثر من ذي قبل تفهم رئيس البلاد.
" وإذا كنا أكثر استقرارا من العراق وسوريا ـ فماذا بعد؟"، تسأل أم هبة البالغة من العمر 68 عاما. السيدة في طريقها إلى سوق خردة وسط القاهرة. "هل يريد السيسي الظروف التي نموت فيها جوعا؟"
أم هبة تحصل على دعم شهري بمبلغ 400 جنيه مصري من البرنامج الحكومي "تكافل وكرامة". إلا أنه لا يكفي.
"ينبغي على السيسي الاعتناء بنا نحن الفقراء وليس بأولئك الناس في مارينا"، تقول أم هبة. ومارينا هو مجمع سياحي على البحر المتوسط يقصده المصريون الأغنياء.
هل يستفيد الفقراء من المشاريع الكبرى؟
خلال الأسبوع الماضي ادعى السيسي أن مصر أضحت سياسيا وفي القضايا الأمنية أفضل مما كانت عليه قبل خمس سنوات. لكن الزيادة الأخيرة في الأسعار أثارت غضب الناس، حتى أن قسما منهم طالب باستقالة الرئيس عبر المواقع الاجتماعية.
رسالة السيسي قلما يمكن أن تنسجم مع الأسئلة الانتقادية حول ما إذا كانت المشاريع الاقتصادية الكبرى للحكومة تنعكس بشكل إيجابي على المواطنين الفقراء. ومن هذه المشاريع نجد في الخطط الأخيرة الخاصة بالبنية التحتية توسيع قناة السويس وإنشاء عاصمة إدارية جديدة شرقي القاهرة وبناء أكبر محطة طاقة تعمل على الفحم في العالم.
يؤمن عمر هاني البالغ من العمر 21 عاما قوت عائلته بمفرده. على مدى ستة أيام كل أسبوع يبيع الشاب في السوق منتجات مثل كابلات وشفرات حلاقة. يجب عليه بيع بضاعة بقيمة نحو 1000 جنيه مصري كي يتمكن من تحقيق بعض الربح. وفي غالبية الأيام لا يقدر على تغطية التكاليف.
" سئمت هذا البلد، كي أكون صريحا"، يقول عمر في حديث مع DW. "الوضع كان أفضل تحت الرئيس مبارك قبل 2011 من الوقت الراهن تحت السيسي. في كل يوم ترتفع تكاليف البضاعة ويصبح من الصعب تحمّل تكاليف الحياة اليومية".
أما وسائل الإعلام المقربة من السلطة فدعت المصريين باستمرار إلى التحلي بالصبر ليستفيدوا من إجراءات التقشف الاقتصادي لصندوق النقد الدولي الذي يقيٍم الوضع الاقتصادي في مصر إيجابيا، ويلاحظ أنه تم التغلب على الفقر المدقع. لكن حوالي ربع السكان مازالوا يعيشون تحت عتبة الفقر. وينصح صندوق النقد الدولي بحماية العائلات التي تتوفر على دخل ضعيف ـ على أساس أن ذلك حاسم بالنسبة إلى استقرار مصر الاقتصادي.
الكثير من المصريين يكافحون من أجل القاء
يشكك الخبراء في أن تكون الإصلاحات الاقتصادية القائمة على إجراءات التقشف السريعة هي الحل المثالي للاقتصاد المصري. "عندما تم في نوفمبر 2016 تخفيض قيمة عملتنا إلى 18 جنيه مصري مقابل دولار واحد، كان المفعول أكثر خسارة مما كان متوقعا"، تقول سلمة حسين، اقتصادية من المبادرة المصرية للحقوق الشخصية. كسوق نامية كانت مصر جذابة لمستثمرين أجانب مع احتياطي زاد على 44 مليار دولار. وهذا يعني زيادة بنحو عشرة مليارات دولار بالمقارنة مع الفترة قبل الثورة في 2011. إلا أن المشاكل الاقتصادية البنيوية ظلت قائمة.
" الآن ترتفع الديون الحكومية وتتشكل فجوة كبيرة يجب علينا تجاوزها. وبموازاة الاضطرابات الاجتماعية بسبب الغضب من الأسعار المرتفعة تبدو مصر فجأة غير جذابة للمستثمرين"، كما تقول حسين في حدث مع DW. وتنصح الخبيرة حسين الحكومة المصرية بجعل النفقات الاجتماعية مثلا على الصحة والتعليم من الأولويات الكبرى.
" الكثير من المؤشرات التي تقوم على تفاوتات اجتماعية - اقتصادية وتسببت في ثورة 2011 تدهورت أكثر. ومن الصعب التنبؤ بما سيحصل في النهاية"، تحذر حسين.
خيبة أمل من فشل الثورة
طه عبد الرحمن الذي يبيع الفول والفلافل في أحد الأحياء المحيطة بالقاهرة متشائم أيضا. "كيف يمكن رفع أسعار الوقود والكهرباء والماء في آن واحد؟ لدي الشعور بأنه يجب أن يحصل الآن شيء. وعلى الأقل المداخيل يجب أن تكون معقولة حتى لا يزداد غضب الناس". هذا الرجل البالغ من العمر 64 عاما توجب عليه زيادة أجر العاملين في محله الصغير بعد ارتفاع أسعار تذاكر قطار الأنفاق إلى ثلاثة أمثال خلال السنوات الثلاث الماضية.
"أنا حزين أكثر من غاضب عندما أدفع هذه الأيام الفواتير، لأنه لم يعد يوجد توازن في تحديد الأسعار. يجب على السلطات فعلا أن تفعل الكثير لمراقبة تحديد الأسعار في السوق"، يضيف طه. "كانت آمالي كبيرة عندما تفجرت الثورة، لكن لدي الشعور بأنها فشلت. ومنذ ذلك الوقت والوضع مخيم للآمال".
فريد فريد - القاهرة
السيسي- نجاح في حصار الإرهاب وإخفاق في ملفات أخرى
سجل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خلال السنوات الأربع الماضية، يتضمن نجاحات على صعد مختلفة مثل حصار الإرهاب في سيناء وإطلاق مشاريع عملاقة. لكنه لا يخلو من الإخفاق أيضا خاصة فيما يتعلق بالوضع المعاشي وحقوق الإنسان.
صورة من: Reuters/Dalsh
محاصرة الإرهاب في سيناء
استطاعت مصر خلال فترة رئاسة السيسي أن تحصر بؤرة الحركات المسلحة في سيناء. وحققت، حسب مراقبين، نجاحات عديدة فيما يخص مكافحة الإرهاب. وبالرغم من اعتماد استراتيجيات جديدة، كـ "قيادة قوات شرق القناة لمكافحة الإرهاب"، في فبراير 2018، لا تزال مصر تشهد هجمات إرهابية بين فترة وأخرى.
صورة من: picture-alliance/dpa/Gharnousi/Alyoum
تنويع الشركاء الاقتصاديين
تمكن السيسي خلال أربع سنوات من تنويع شركائه الإقتصاديين. إذ قام بعدة زيارات لبلدان عرفت علاقتها بمصر فتورا منذ ثورة 25 يناير، وكانت فرنسا وأمريكا من أهمها. وشهد التعاون بين الجيشين المصري والأمريكي تقدما ملحوظا، وهو ما أشار إليه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أيضا. كما تعتبر صفقات الأسلحة بين مصر وفرنسا وكذلك روسيا من النجاحات التي حققها السيسي.
صورة من: H. Tiruneh
تحسن الوضع الاقتصادي
شهد الاقتصاد المصري تحسنا خلال السنوات الأربع الأخيرة. وقد رصدت صحيفة "اليوم السابع" مؤشرات مهمة على ذلك، أبرزها: تراجع العجز في الميزان التجاري بمعدل 5 بالمائة مقارنة بالسنة الماضية، وارتفاع حصيلة صادرات السلع الاستهلاكية بمعدل 11 بالمائة لتصل إلى نحو 5,8 مليار دولارا بالإضافة إلى زيادة تحويلات المصريين العاملين بالخارج لتسجل نحو 6 مليارات دولار.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/A. Nabil
إطلاق مشاريع ضخمة
عرفت المشاريع في مصر قفزة نوعية خلال فترة رئاسة للسيسي، فقد تم إطلاق مشاريع عملاقة مثل توسيع قناة السويس، فضلا عن بناء عاصمة إدارية جديدة في شرق القاهرة،ن تتضمن بناء 240 ألف وحدة سكنية جديدة خلال خمس سنوات. كما تمت زيادة الرقعة الزراعية عبر مشروع "المليون ونصف فدان".
صورة من: picture-alliance/dpa/Str
حل مشكلة انقطاع التيار الكهربائي
كان ملف الطاقة من بين الملفات الشائكة في مصر، لكنه عرف نوعا من التحسن مؤخراً. لا سيما مشكلة انقطاع الكهرباء التي عرفت انفراجا مهما بعد توقيع شراكات دولية، بينها أربع مذكرات تفاهم مع شركة سيمنس الألمانية لإقامة مشروعات في مجال الطاقة بإجمالي استثمارات تصل إلى عشرة مليارات دولار. وقال بيان لوزارة الكهرباء المصرية إن الشراكة شملت إنشاء محطات لتوليد الكهرباء بنظام الدورة المركبة.
صورة من: Getty Images/AFP/T. Schwarz
تراجع السياحة في مصر
توفر السياحة في مصر عائدات مالية مجزية، لكنها شهدت تراجعا في السنوات الأخيرة بسبب غياب الاستقرار الأمني حسب ما ذكر تقرير مجلس السياحة والسفر العالمي سنة 2016. وكان لسقوط الطائرة الروسية عام 2015، تأثير كبير على تراجع توافد السياح الروس إلى مصر. وتحاول القاهرة استقطاب السياح مجددا.
صورة من: picture-alliance/dpa/F. El-Geziry
تحرير الجنيه وارتفاع الأسعار
لم تنعكس بعض القرارات الهامة التي اتخذت في السنوات الأخيرة إيجابيا على المصريين. فقد أدى تحرير سعر صرف الجنيه المصري إلى ارتفاع كبير في الأسعار أثر بشدة على الأسر المصرية وخاصة الفقيرة، فضلا عن ارتفاع التضخم لمستويات قياسية، بالرغم من القروض التي حصلت مصر عليها من الصندوق الدولي.
صورة من: Picture alliance/dpa/EPA/K. Elfiqi
أزمة مياه
في حين يتحدث خبراء وتقارير إعلامية عن وجود أزمة مياه في مصر، قال السيسي في تصريح له مؤخرا، إن الدولة والحكومة لن يسمحا بحدوث أزمة مياه في البلاد! وكانت مصر على خلاف مع إثيوبيا بشأن بناء سد النهضة، وهو مشروع لتوليد الطاقة الكهرومائية قيمته أربعة مليارات دولار، وتخشى القاهرة أن يقلص السد كمية المياه التي تصل لحقولها من إثيوبيا عبر السودان.
صورة من: Imago/photothek
جدل حول جزيرتي تيران وصنافير
أثارت موافقة مصر عام 2016 على تسليم السعودية جزيرتي تيران وصنافير الاستراتيجيتين في البحر الأحمر، انتقادات واسعة في مصر لا يزال صداها يتردد حتى الآن، ويعتبر الكثير من المصريين الأمر تنازلا عن أراض مصرية. وكان القضاء الإداري قد أصدر أحكاما بعدم قانونية تسليم الجزيرتين اللتين تقعان في مدخل خليج العقبة، إلا أن المحكمة الدستورية العليا في مصرأبطلتهما في 3 مارس/ آذار 2018.
صورة من: Getty Images/AFP/Str
انتقادات دولية لملف حقوق الإنسان
عرف ملف حقوق الانسان في مصر تدهورا في السنوات الأخيرة. ويعتبر كثير من منتقدي السيسي أن تراجع شعبيته جاء نتيجة تكميم أفواه المعارضين والنشطاء ووسائل الإعلام المستقلة، حسب ما نقلت عنهم رويترز. بالإضافة إلى إصدار عقوبات بالإعدام ضد المئات. وفي هذا الإطار، وجهت الأمم المتحدة ومنظمات حقوقية انتقادات للقاهرة بخصوص الاعتقالات وتخويف المعارضين. إعداد: مريم مرغيش.