أعادت مشاهد تشييع حزب الله وحليفته حركة أمل سبعة قتلى، غالبيتهم من عناصرهما، سقطوا خلال اشتباكات عنيفة ذكرى سنوات الحرب الأهلية اللبنانية، الأمر الذي سلط الضوء مجددا على دور حزب الله في الأحداث الأخيرة وعلاقته مع إيران.
إعلان
أعادت الأحداث في لبنان تسليط الضوء على جماعة حزب الله، وسلطت وسائل اعلام على الدورالذي تخوضه الجماعة، وأعادت مشاهد تشييع حزب الله وحليفته حركة أمل اليوم الجمعة (15 أكتوبر/ تشرين الثاني) سبعة قتلى، غالبيتهم من عناصرهما، سقطوا خلال اشتباكات عنيفة ذكرى سنوات الحرب الأهلية وأتت على وقع توتر سياسي مرتبط بمسار التحقيق في انفجار مرفأ بيروت.
وشهدت بيروت الخميس واحدة من أعنف المواجهات الأمنية منذ سنوات في تصعيد خطير يُنذر بإدخال البلاد في أزمة جديدة بعد أكثر من شهر فقط على تشكيل حكومة يفترض أن تركز عملها على وضع خطة لإخراج البلاد من دوامة الانهيار الاقتصادي المتحكمة بها منذ أكثر من عامين.
وأسفرت الاشتباكات التي لم تتضح ملابساتها حتى الآن عن مقتل سبعة أشخاص، هم ثلاثة عناصر من حزب الله توفي أحدهم الجمعة متأثراً بإصابته، وثلاثة عناصر من حركة أمل، بالإضافة إلى امرأة أصيبت بطلق ناري في رأسها أثناء تواجدها في منزلها. وأصيب كذلك 32 شخصاً آخرين بجروح.
العلاقة بين حزب الله وإيران
منذ تأسيس جماعة حزب الله الشيعية اللبنانية عام 1982، وهي تؤكد على عمق العلاقة مع إيران،ويشارك حزب الله طهران الفكر الشيعي، ويعتبر أن المرشد الأعلى في إيران آية الله علي خامنئي هو أيضاً مرشده السياسي ومصدر إلهامه الروحي.
ومن المعروف أن الحرس الثوري الإيراني هو من أسس الجماعة في 1982، بهدف تصدير الثورة الإسلامية ومحاربة القوات الإسرائيلية التي غزت لبنان في السنة نفسها.
يعرف الأمين العام للحزب، حسن نصر الله، كشخصية بارزة في ما يسمى بـ "محور المقاومة" الذي تقوده إيران، في مواجهة إسرائيل والولايات المتحدة وحلفائها العرب. ويساعد نصر الله، المتحدث اللبق بشخصيته الكاريزمية، على حشد وتنظيم تحالفات طهران العربية.
تجلت الصلة الوثيقة بين حزب الله وإيران بوضوح عندما دخل الحزب في 2013 إلى مستنقع الحرب السورية بجانب طهران مدافعاً عن حليفهما المشترك الرئيس بشار الأسد.
وفي العراق، أعلنها حزب الله صراحة بأنه يدعم الفصائل الشيعية المسلحة المدعومة من إيران. وفي اليمن، يقول التحالف الذي تقوده السعودية إن الحزب يدعم الحوثيين المتحالفين مع إيران في حربهم ضد التحالف بقيادة السعودية، لكن الجماعة نفت في 2017 إرسال أي أسلحة إلى اليمن. كما يعترف الحزب بدعم حركة حماس الفلسطينية.
التحقيق في أحداث العنف في بيروت
02:04
أين مكان لبنان في اللعبة؟
ولأنه قاعدة الحزب ونقطة انطلاقه، يشغل لبنان مساحة هائلة من اهتمامات كل من الجماعة وإيران. يستخدم الحزب نفوذه السياسي، والعسكري في بعض الأحيان، لمواجهة التهديدات من خصومه اللبنانيين الذين يقولون إن ترسانته الضخمة من الأسلحة تقوض الدولة.
وفي 2008، سيطر مقاتلو حزب الله على بيروت عندما اندلع صراع مع حكومة كانت تدعمها السعودية والغرب آنذاك. في الآونة الأخيرة، تقود الجماعة دعوات تطالب بإقالة المحقق الرئيسي في انفجار ميناء بيروت، القاضي طارق بيطار، الذي يلاحق بعضاً من أقرب حلفائها بتهم الإهمال. ويقول الحزب إن التحقيق مسيس ومنحاز.
رسخ حزب الله مكانة إيران كلاعب رئيسي في لبنان، البلد الذي تتنازع فيه على النفوذ الولايات المتحدة وروسيا وسوريا والسعودية ودول أخرى كثيرة منذ سنوات.
أنشطة داخلية متنوعة
ولحزب الله، الذي تصنفه الولايات المتحدة ودول غربية أخرى منظمة إرهابية، جناح عسكري قوي يقر الحزب بأن من يموله ويسلحه هو إيران.
تسيطر الجماعة أيضاً على جهاز مخابرات هائل، وتتولى القيام بمهام حفظ الأمن في مناطقها الخاصة بجنوب بيروت وجنوب لبنان، فضلاً عن المناطق الحدودية مع سوريا.
دخل حزب الله معترك السياسة في لبنان بشكل أكثر وضوحاً بعد مقتل رئيس الوزراء السني الأسبق رفيق الحريري وانسحاب القوات السورية من البلاد في 2005.
وللحزب نواب في البرلمان ووزراء في الحكومة. وتمدد نفوذه السياسي في 2018، عندما فاز مع حلفائه بأغلبية المقاعد في مجلس النواب.
ويدير الحزب، ضمن أنشطته التجارية، امبراطورية من منافذ تجارة التجزئة وشركة بناء. ويدير الحزب أيضاً مدارس وعيادات.
تعاظمت قوة الجماعة، وأصبحت أقوى من الدولة اللبنانية نفسها على مدى العقود الأربعة الماضية، واقترن اسمها في الأذهان بالصراع مع إسرائيل، فقد أرغم مقاتلو الحزب إسرائيل على الخروج من لبنان عام 2000 وأطلقوا أربعة آلاف صاروخ على إسرائيل في حرب استمرت 34 يوماً في 2006. ومنذ ذلك الحين، يعيد الحزب تسليح نفسه ليزداد قوه على قوته.
وأدانت محكمة مدعومة من الأمم المتحدة العام الماضي عضواً في حزب الله بتهمة التآمر لقتل الحريري، الذي كان يُنظر إليه على أنه تهديد للنفوذ الإيراني والسوري في لبنان. إلا أن المحكمة لم تعثر على دليل قاطع يؤكد تورط قيادة حزب الله بشكل مباشر.
ودائماً ما ينفي الحزب أي دور له في قتل الحريري ويتهم المحكمة بأنها دمية في أيدي أعدائه في الولايات المتحدة وإسرائيل.
ع.ح./ع.أ ج(رويترز، أ ف ب)
اغتيال الحريري ـ قضية غيرت وجه لبنان على مدار 15 عاماً
خلال الخمسة عشر عاماً التي مرت منذ اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري شهد لبنان أزمات سياسية واقتصادية متعاقبة. فهل يحمل الحكم الصادر من المحكمة الدولية التغيير للبنان؟ أم قد يعقد الوضع المضطرب أصلا في البلد الجريح؟
صورة من: Reuters/A. Taher
2005: اغتيال الحريري ودخول حزب الله الحكومة
قُتل رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري في 14 فبراير/ شباط 2005 إثر انفجار قنبلة ضخمة لدى مرور موكبه في بيروت، وهو ما أدى لمقتل 21 آخرين. وأعقب ذلك سلسلة من المظاهرات الحاشدة وضغوط دولية أجبرت سوريا على سحب قواتها من لبنان. ونظم حلفاء دمشق الشيعة في لبنان سلسلة من التجمعات الحاشدة دعما لسوريا. وحصل حزب الله على تمثيل في الحكومة اللبنانية لأول مرة.
صورة من: picture-alliance/dpa
2006: حزب الله يتسبب في حرب مع إسرائيل
في يوليو/ تموز 2006 خطف حزب الله جنديين إسرائيليين وقتل آخرين، وهو ما أدى إلى نشوب حرب استمرت خمسة أسابيع وقُتل فيها ما لا يقل عن 1200 شخص في لبنان و158 إسرائيليا. وتصاعد التوتر إزاء ترسانة حزب الله القوية بعد الحرب. وفي نوفمبر/ تشرين الثاني، انسحب حزب الله وحلفاؤه من الحكومة المدعومة من الغرب، التي كان يقودها فؤاد السنيورة.
صورة من: AP
2007: حكومة السنيورة تحت الضغوط
واصل حزب الله وحلفاؤه اعتصاما ضد حكومة السنيورة استمر لنحو عام كامل. وكانت مطالبهم المعلنة هي الحصول على الحق في نقض قرارات الحكومة. وفي مايو/ أيار 2007 بدأت اشتباكات بين الجيش اللبناني ومتشددين من السنة ينتمون لجماعة فتح الإسلام داخل مخيم نهر البارد الفلسطيني في شمال لبنان، مما أرغم آلافا من اللاجئين الفلسطينيين على الفرار منه. وسيطرت قوات لبنانية سيطرة كاملة على المخيم في سبتمبر/ أيلول.
صورة من: AP
2011: سقوط حكومة سعد الحريري
أُطيح بحكومة سعد الحريري الأولى في يناير/ كانون الثاني 2011 إثر انسحاب حزب الله وحلفائه منها بسبب خلاف بشأن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان. وجهت المحكمة لاحقا اتهامات إلى أربعة من قياديي حزب الله فيما يتعلق بمقتل رفيق الحريري. ونفى حزب الله أي دور له في اغتيال الحريري. (الصورة هنا لحسن نصر الله وسعد الحريري تعود لعام 2009).
صورة من: AP
2012: تدخل حزب الله لدعم بشار الأسد
انتشر مقاتلو حزب الله داخل سوريا سرا في بادئ الأمر لدعم القوات الحكومية السورية في مواجهة انتفاضة بدأت سلمية ضد الرئيس بشار الأسد في منتصف مارس/ آذار 2011. ويلعب الحزب منذ 2012 دورا كبيرا في قمع هذه الانتفاضة، التي مر على انطلاقها أكثر من تسع سنوات.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/Syrian Central Military Media
2015: "طلعت ريحتكم"
اندلعت أزمة بسبب القمامة، حينما أغلقت السلطات المكب الرئيسي للنفايات قرب بيروت دون توفير بديل له، مما دفع الناس للخروج في احتجاجات حاشدة في أغسطس/ آب 2015، بعد تكدس تلال القمامة في الشوارع رافعين شعار "طلعت ريحتكم". وبدت هذه الأزمة إشارة جلية على عجز نظام المحاصصة الطائفية في تلبية احتياجات أساسية مثل الكهرباء والمياه.
صورة من: Alice Kohn
2017: سعد الحريري في قبضة العربية السعودية
في نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2017 تدهورت بشدة علاقة سعد الحريري مع السعودية التي أغضبها اتساع نفوذ حزب الله في لبنان. وانتشر حينها على نطاق واسع أن الرياض أجبرت الحريري حينئذ على الاستقالة واحتجزته داخل المملكة. ونفت السعودية كما نفى الحريري حدوث ذلك، لكن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أكد احتجاز الحريري في السعودية.
صورة من: Reuters
2019: الاحتجاجات تدفع الحريري إلى الاستقالة
مع ركود النمو الاقتصادي وتراجع تدفقات رؤوس الأموال؛ واجهت الحكومة ضغوطا للحد من العجز الهائل في الميزانية. وخرج الآلاف في احتجاجات متهمين الزعماء بالفساد وسوء إدارة الاقتصاد بعد فشلهم في تجاوز الأزمة الاقتصادية. وفي 18 أكتوبر/ تشرين الأول تراجعت الحكومة عن بعض مقترحاتها لحل الأزمة، لكن الاحتجاجات استمرت. وفي 29 أكتوبر/ تشرين الأول قدم الحريري استقالته رغم معارضة حزب الله.
صورة من: picture-alliance/dpa
2019/2020: تواصل الاحتجاجات وتشكيل حكومة دياب
استقالة سعد الحريري وتشكيل حكومة جديدة على يد حسان دياب المدعوم من حزب الله، لم تهدأ من غضب الشارع اللبناني. فقد تواصلت الاحتجاجات الشعبية إلى السنة الحالية واستمر المحتجون في تنظيم المظاهرات رفضاً للفساد وللمطالبة برحيل الطبقة السياسية برمتها. كما أدى الوضع المعيشي وغلاء الأسعار في لبنان إلى تفاقم الأزمة وبالتالي استمرار خروج اللبنانيين للشارع والتذكير بمطالبهم.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/H. Malla
انفجار مرفأ بيروت يزلزل حكومة دياب
عقب الانفجار المروع الذي هزّ بيروت وعمّق الأزمة الاقتصادية في البلاد؛ انفجر غضب اللبنانيين ضد العائلات والنخب الحاكمة المتهمة بالفساد وضد حكومة حسان دياب، التي اضطرت لتقديم استقالتها تحت ضغط الاحتجاجات في العاشر من أغسطس/ آب 2020. وفي كلمة له إلى اللبنانيين من السراي الحكومية قال دياب إن ما وصفها بـ "منظومة الفساد أكبر من الدولة ونحن لا نستطيع التخلص منها، و أحد نماذج الفساد انفجار بيروت".
صورة من: Getty Images/AFP
الحكم في قضية اغتيال الحريري
بعد خمسة عشر عاماً انتظر خلالها اللبنانيون حقيقة القضية التي غيرت وجه لبنان ودفعت لخروج القوات السورية منه بعد 30 عاماً من الوصاية الأمنية والسياسية، أعلنت المحكمة الدولية الخاصة بلبنان (18 آب/ أغسطس 2020) أنه لا يوجد دليل على تورط النظام السوري أو قيادة حزب الله بصورة "مباشرة" في اغتيال الحريري. لكن الحكم أشار في ذات الوقت إلى تورط عضو من حزب الله في واقعة الاغتيال.
صورة من: Reuters/A. Taher
لبنان أمام مفترق طرق
يأتي الحكم في وقت تظهر فيه انقسامات جديدة بشأن مطالب بإجراء تحقيق دولي ومساءلة سياسية في انفجار المرفأ الناتج عن تخزين كمية ضخمة من نترات الأمونيوم بطريقة غير آمنة. وقد يعقد الحكم في قضية الحريري الموقف المضطرب أصلا بعد انفجار المرفأ واستقالة الحكومة التي يدعمها حزب الله وحلفاؤه . كما يرى لبنانييون من بينهم ضحايا ينتظرون العدالة منذ 15عاما،أن الحكم "ليس كافياً". إعداد: إيمان ملوك