في الذكرى السنوية لضم شبه جزيرة القرم بادر الرئيس الروسي بوتين إلى القيام بتعديل دستوري يسمح له الاستمرار في منصبه. وقد تحدث لأول مرة عن التعديل معتبرا أن القيود على فترات الولاية تقل أهميتها في أوقات الأزمات.
إعلان
أعطى مجلس الدوما الروسي، وهو المجلس الأدنى في البرلمان اليوم الأربعاء (11 مارس 2020) موافقته النهائية على تعديلات دستورية تسمح للرئيس فلاديمير بوتين بالترشح للرئاسة مجددا في عام 2024، مما يمهد الطريق لاستمراره في الحكم حتى عام 2036.
وحضر بوتين (67 عاما) الذي يهيمن على الساحة السياسية في روسيا منذ عقدين إما كرئيس للوزراء أو كرئيس للبلاد، جلسة مجلس الدوما أمس الثلاثاء ليقول إن القيود على فترات الولاية تقل أهميتها في أوقات الأزمات.
وبموجب الدستور الحالي يتعين على بوتين، الضابط السابق في جهاز المخابرات كي.جي.بي، التخلي عن السلطة في عام 2024 عندما تنتهي فترة رئاسته الرابعة. لكن التعديل الدستوري الذي أيده سيبدأ احتساب فترات ولايته من الصفر.
وصوت مجلس الدوما الذي يضم 450 مقعدا اليوم الأربعاء لصالح هذا التعديل إلى جانب تعديلات أخرى في ثالث وآخر قراءة بتأييد 383 صوتا. ولم يصوت أي نائب ضد التعديلات، لكن 43 نائبا امتنعوا عن التصويت. وتغيب 24 نائباعن الجلسة.
وإذا أيدت المحكمة الدستورية التعديل، بحسب توقعات منتقدي بوتين، وأيده الناخبون في اقتراع عام في أبريل/ نيسان سيكون أمام بوتين خيار خوض انتخابات الرئاسة في عام 2024.
وإذا أتاحت له حالته الصحية وحظوظه الانتخابية القيام بذلك فقد يبقى بوتين في الحكم حتى عام 2036، وحينها يكون قد بلغ من العمر 83 عاما وأمضى 36 عاما في حكم روسيا.
وقال السياسي المعارض الذي ينتقد الكرملين أليكسي نافالني إنه يعتقد أن بوتين سيحاول الآن أن يصبح رئيسا مدى الحياة. ولم يصرح بوتين بخططه للمستقبل بعد 2024 ، لكنه يقول إنه لا يؤيد ممارسة تعود للعهد السوفياتي وهي بقاء الزعماء في السلطة مدى الحياة.
سلطة أكبر للرئيس
والتعديل الدستوري له مكون سياسي ويمكن فهمه كتأمين ضد سيناريوهات سلبية لبوتين. وعلى هذا النحو يمكن لزعيم الكرملين الحصول على مقعد مدى الحياة في المجلس الفيدرالي وتأمين الحصانة له. ووفق الدستور لاُيسمح للرئيس تولي المنصب أكثر من ولايتين متتاليتين، إلا أن استثناء قد يتم تبنيه لصالح بوتين وربما ايضا لصالح الرئيس السابق ديمتري ميدفيديف.
كما أن التعديل الدستوري يسمح بتحويل الصلاحيات لصالح الرئيس الذي يحصل على سلطة أكبر ورئيس الوزراء والحكومة أقل من ذلك. وبإمكان الرئيس مثلا بعد دخول التعديل حيز التنفيذ "تسيير العمل العام للحكومة". والحكومة لا يحق لها بعد أن تقرر وحدها في أي اتجاه يجب أن تسير البلاد. فهي "تنظم" فقط العمل حسب مبادرات الرئيس.
وتحويل هذه الصلاحيات يشمل أيضا تقوية جهاز حكومي لم يظهر إلى حد الآن في العلن وهو المجلس الحكومي. وراجت طويلا تكهنات بأن بوتين سيقود هذا الأخير بعد 2024 وسيستحوذ على صلاحيات شاملة. إلا أن الرئيس يفضل خيارات أخرى حاليا على ما يبدو.
وحتى القضاة سيكونون مرتبطين بالرئيس أكثر من ذي قبل، إذ يمكن لرئيس الدولة تسريح قضاة المحكمة الدستورية والمحكمة العليا. وبهذا التعديل الدستوري تطمح موسكو إلى التقليل من تأثير الخارج. فالقانون الدولي في روسيا لن تكون له أولوية ولا يتم تطبيقه إذا اعتبرت المحكمة الدستورية الروسية أنه لا يتلاءم مع القانون الوطني. لكن إمكانية رفع شكوى أمام المحكمة العليا الأوروبية لحقوق الإنسان تبقى قائمة أمام الروس. كما لا يحق حسب التعديل الدستوري التخلي عن أي أرض روسية، وهذا من شأنه تبيان القوة في النزاع حول القرم مع أوكرانيا وفي الخلاف مع اليابان حول جزر الكوريل.
فقرات محافظة ووطنية
والكثير من التعديلات تتماشى مع الذوق المحافظ والوطني لبوتين الذي يتربع على كرسي السلطة منذ 20 عاما. وعلى هذا النحو يتم وصف روسيا في الدستور الجديد "كخلف قانوني للاتحاد السوفياتي" وكدولة "موحدة بفضل تاريخ يعود لألف سنة". وروسيا في غالبيتها مسيحية أرثوذكسية، إلا أن نسبة السكان المسلمين تشكل 10 في المائة.
وكشف بوتين في يناير/ كانون الثاني الفائت 2020 عن تغيير كبير في السياسات الروسية وإصلاح دستوري، وصفه الكرملين بأنه إعادة توزيع للسلطة لصالح البرلمان. لكن منتقدي بوتين يقولون إنه مجرد غطاء لتمهيد الطريق أمام النخبة الحاكمة في البلاد لإبقاء بوتين في السلطة بعد عام 2024.
وقال نشطاء معارضون إنهم يعتزمون تنظيم احتجاجات في وقت قريب ضد بقاء بوتين في السلطة. لكن خططهم تواجه تعقيدات بسبب أمر من الحكومة يمنع حشود تضم أكثر من خمسة آلاف شخص حتى العاشر من أبريل/ نيسان القادم خوفا من مخاطر تفشي فيروس كورونا. وستراجع أطراف أخرى في السلطة التشريعية الروسية الآن التعديلات التي أيدها مجلس الدوما، بينها المجلس الأعلى في البرلمان (مجلس الاتحاد) في وقت لاحق. ومن غير المتوقع أن يعارضها أحد.
ميخائيل بوشويف/ رويترز/ م.أ.م
بوتين في صور - من عميل للمخابرات إلى زعيم للكرملين
استطاع فلاديمير بوتين أن يتدرج في حياته من منصب عميل للاستخبارات السوفياتية إلى رئيس لروسيا. بوتين حقق فوزاً كاسحاً في 19 مارس/ آذار 2018 ليظفر بولاية رابعة عن عمر يناهز 65 عاما. بالصور: محطات بارزة في حياة بوتين.
صورة من: picture-alliance/dpa/A.Zemlianichenko
طفولة بسيطة
ولد في 7 أكتوبر/تشرين الأول 1952 في لينينغراد (سانت بطرسبورغ حاليا)؛ فلاديمير بوتين، الذي يعتبر "أقوى رجل" في روسيا اليوم، حصل على الدكتوراه في فلسفة الاقتصاد. وتخرج في كلية الحقوق عام 1975 متخصصا في العلاقات الدولية. يجيد بوتين اللغتين الألمانية والإنجليزية. وعُرف عنه الاهتمام بفنون الدفاع عن النفس كما عمل مدرسا للعبة السامبو في عام 1973.
صورة من: picture-alliance/dpa/A.Zemlianichenko
عين لدى المخابرات السوفياتية
قبل أن يصبح فلاديمير بوتين رئيسا لروسيا، تدرج في مهمات عديدة. ابن مدينة سانت بطرسبورغ الروسية، عاصر الشيوعية وانضم إلى المخابرات السوفييتية (كي جي بي) كعميل لديها في ألمانيا الشرقية سابقا. غادر البلاد سنة 1985 ليعود إليها بعد خمس سنوات. وبعد رجوعه عام 1990 بدأت حياة بوتين السياسية انطلاقا من بلدية سانت بطرسبورغ.
صورة من: picture alliance/Globallookpress/Russian Archives
تدرج في السلطة
عمل بوتين رئيسا للجنة الاتصالات الخارجية في سانت بطرسبورغ. وفي عام 1996 أصبح نائبا لمدير الشؤون الإدارية في الرئاسة الروسية. عام 1997، تقلد بوتين منصب نائب مدير ديوان الرئيس الروسي وعمل رئيسا لإدارة الرقابة العامة في الديوان. وفي عام 1998 حقق قفزة كبيرة إذ عينه الرئيس الراحل يلتسين رئيسا للوزراء.
صورة من: Imago/ITAR-TASS
بداية الرئاسة
بعد تنحي يلتسن أصبح بوتين رئيسا لروسيا بالوكالة، وبالتحديد يوم 31 ديسمبر/كانون الأول 1999. وبعد ذلك بسنة، أي في مارس/آذار 2000، تقدم للانتخابات الرئاسية وفاز فيها. واستطاع بوتين في ظرف ثلاثة أشهر أن يسيطر على وسائل الإعلام. كما عرفت هذه المرحلة بالقضاء على التمرد في الشيشان حيث استخدم بوتين القبضة الحديدية.
صورة من: picture-alliance/dpa/ITAR-TASS
ولاية ثانية
أعيد انتخاب بوتين في عام 2004 لولاية رئاسية ثانية، بعد فوز كاسح ناهز 70 بالمائة من الأصوات. بوتين، الذي استفاد من النمو الاقتصادي ببلده لم يفلح في إنجاح علاقته بالغرب في هذه الفترة، وعرفت علاقة الجانبين توترا رفع من حدته اندلاع "الثورات الملونة" بجورجيا وأوكرانيا.
صورة من: AP
نقاهة لم تستمر لأكثر من ولاية!
لأن الدستور الروسي يمنع تولي أكثر من ولايتين متتاليتين، لم يتمكن بوتين من الترشح لولاية ثالثة عام 2008. فتبادل الأدوار مع رئيس حكومته ديمتري مدفيديف الذي نجح في انتخابات الرئاسة. حينها اكتفى بوتين بمنصب رئيس الوزراء لمدة أربع سنوات.
صورة من: Getty Images/AFP/A. Druzhinin
عودة "القيصر"
عاد "القيصر"، كما يلقبه كثيرون، إلى رئاسة روسيا لولاية ثالثة بعد أن فوزه في 4 مايو/أيار2012 بالانتخابات الرئاسية مرة أخرى. وقد حصل بوتين حينها على 63.6%. وتم انتخابه حينها وسط احتجاجات المعارضة الروسية وبعض المنظمات الدولية، التي تحدثت عن خروقات مست الانتخابات التي نصبت بوتين رئيسا للبلاد.
صورة من: picture-alliance/dpa/ITAR-TASS/A. Novoderezhkin
تمدد في دول الجوار
كانت الثورة الأوكرانية وتبعاتها فرصة استراتيجية بالنسبة لبوتين، حيث ضم "شبه جزيرة القرم" في أوائل 2014. وقد أجري في 16 مارس استفتاء في القرم للانفصال عن أوكرانيا والانضمام لروسيا، وجاءت النتيجة لصالح روسيا بنسبة 95%. شبه جزيرة القرم، التي كانت جزءا من روسيا القيصرية، عمل بوتين جاهدا على استرجاعها. ويرى البعض أن بوتين سعى بهذه الخطوة إلى إظهار قوة روسيا واختبار تمددها السياسي في دول الجوار.
صورة من: Getty Images/AFP/S. Bobok
الأزمة السورية ودعم الأسد
لم يبق بوتين بعيدا عن الأوضاع السياسية في الشرق الأوسط، وبالأخص في القضية السورية حيث تدخلت بلاده عسكريا هناك. ويرى محللون أن استمرار الرئيس بشار الأسد في منصبه يعود بشكل كبير للدعم الذي تلقاه من بوتين، إلى جانب الأطراف الأخرى. كما يرون أن بوتين يسعى للاستفادة عسكريا وسياسيا واقتصاديا من خلال وجود قواته في سوريا التي يحرص على استمرار العلاقة التي جمعت بلده بها تاريخيا.
صورة من: picture-alliance/dpa/XinHua/A. Safarjalani
نصر للمرة الرابعة
"سأرشح نفسي لمنصب رئيس روسيا الاتحادية، وأثق أن كل شيء سيكون على ما يرام" بهذا أعلن فلاديمير بوتين عن نيته في خوض غمار الانتخابات لعام 2018. بوتين الذي قال جملته هذه في 6 ديسمبر 2017، استطاع أن يحققها على أرض الواقع ويفوز برهان الولاية الرابعة لمدة ست سنوات. الأصوات. إعداد: مريم مرغيش.