داعش والغرب: تغافل ام عجز قانوني؟
٢٠ يونيو ٢٠١٤ يميل أغلب المختصين بشؤون الجماعات الإسلامية إلى تبني رأي يدعم فرضية أنّ كل التنظيمات الإرهابية في العالم، تموّل وترفد بالمتطوعين في الغالب من سلفيين ومتشددين مستقرين في دول غربية. وتعاظم الخطر أكثر ببروز ظاهرة " الجهاديين" من الأصول الغربية. وكالة (د ب أ) نقلت عن وزير الداخلية الألمانية توماس دي ميزير تحذيره من تعرض بلاده لهجمات محتملة من إسلاميين عائدين من سوريا والعراق. وذكر دي ميزير أن هناك أكثر من 320 مجاهدا إسلاميا منحدرين من ألمانيا ، عاد منهم نحو 100 إلى ألمانيا. وهكذا فإن "ألمانيا ليست بمنأى عن الإرهاب. لا تزال هدفا لخطط شن هجمات"، حسب وصفه. وقبل بضعة أيام نظّم نحو 150 إسلاميا سلفيا متشددا في مدينة بون حفل شواء في الهواء الطلق بمنتزه بمنطقة تاننبوش، احتفالا بما وصفوه بـ" نصر الإسلام على الكفر في العراق" ، وهو أمر لفت انتباه ساسة وشخصيات حكومية وأجهزة إعلام وصحف في المدينة الاتحادية.
"إشكالية الهوية في أوروبا"
ولا يسع المرء إلا أن يتساءل كيف لرجل ولد من أب وأم ألمانيين، ودرس في مدارس ألمانيا الراقية مناهج وعلوم صنعت له وعيا كبيرا، أن يترك كل هذا ويتحول من المسيحية إلى الإسلام المتشدد، ليصبح قاتلا قاعديا أو داعشيا يتنقل في المناطق الساخنة عبر العالم ليقتل الناس ويحلم بالحور العين وبإقامة ارض الإسلام ودحر أرض الكفر التي يعتبر المتشددون كل الغرب داخلا تحت عنوانها؟
الصحفي والباحث لؤي المدهون، مدير موقع قنطرة الألماني للحوار مع العالم الإسلامي، شارك في حوار مجلة العراق اليوم من DW مشيرا إلى صعوبة تفسير هذه الظاهرة المركبة، لأنها ظاهرة سوسيولوجية معقدة. ثم مضى المدهون إلى تأكيد أن قضية " إشكالية الهوية في أوروبا لدى الجيل الشاب بما فيهم المتعلمين والأكاديميين التي تظهر بشكل واضح في بعد سن المراهقة وتتمثل بشعورهم بفقدان التوجيه الاجتماعي وصعوبة التأقلم مع محيطهم الأسري."
كما اعتبر "أن معظمهم يعاني من فوضى فكرية وعقائدية ناتجة غالبا عن ضعف الروابط الاجتماعية في ألمانيا وعدم وجود فرص نجاح ( كما يظنون) في ظل التنافس السائد في المجتمع الألماني، وهو ما يؤدي إلى ابتعادهم التدريجي عن المجتمع الذي يعيشون فيه ".
وفيما يتعلق بتعامل السلطات الألمانية مع التحديات التي يمثلها هؤلاء المتشددين يقول المدهون إن ألمانيا دولة قانون، لذا فإن الأجهزة الأمنية الألمانية لا يمكنها اعتقال أو تقييد حرية أي مواطن ألماني طالما لا يشكل خطرا دائما على الأمن القومي. كما لفت الأنظار إلى حقيقة أنّ بوابة دخول هؤلاء المتشددين القادمين من ألمانيا إلى العراق وسوريا والمناطق الساخنة الأخرى كانت تركيا، وهي دولة لا يلزم المواطن الألماني تأشيرة لدخولها، وتُعتبر واجهة الإتحاد الأوروبي في الشرق الأوسط وخط التماس الشرقي الأول مع أوروبا. وفي السياق نفسه أشار المدهون إلى وجود قلق كبير في ألمانيا من تنامي ظاهرة الدواعش والمتشددين والسلفيين الألمان وانتشارهم، وخطورة عودتهم من المناطق الساخنة إلى بلدهم محملين بخبرات القتال والقتل والتخريب.
"غسل الدماغ والمغريات المادية"
الحقوقية سوسن الشيخ في اتصال من البصرة روت تجربتها مع الإرهاب، حيث التقت في المحكمة بالإرهابي الذي فجّر قنبلة أمام بيتها أودت بحياة زوجها وأصابت ابنها البكر بإعاقة شاملة دائمة، وأكدت أنها تعتقد أنّ من يقومون بالإعمال الإرهابية هم أشخاص تعرضوا لعمليات غسل دماغ لسبب عدم امتلاكهم عقيدة ثابتة تحصنهم ضد نظريات الإرهاب وقتل الآخر ، علاوة على المغريات المادية التي تقنعهم بارتكاب تلك الأعمال.
لؤي المدهون أيد من جانبه ما ذهبت إليه السيدة الشيخ، مشيرا إلى أن غسل الدماغ هو آخر مرحلة يصلها المنتقلون إلى حاضنة التشدد ونشر ما سماه بـ "الفكر الجهادي الجديد" .
فيما ذهبت السيدة أم يوسف في اتصال من بغداد، إلى أن من يلتحقون بالجماعات الإرهابية هم أشخاص بلا هدف، وذكّرت بالهيبيز في سبعينات القرن الماضي، وقد كانوا أشخاصا بلا هدف يسهل قيادتهم وتظليلهم وتوظيفهم لإغراض سياسية مرسومة.
"أهمية البترول السعودي للغرب"
الأخطر من هذا ، أن الغرب يبيع أحدث الأسلحة وأشدها فتكا لدول تدعم تنظيمات إرهابية علنا، وتسرّب لها السلاح والمال، وقد طالب السياسي الألماني يورغن تريتين خلال هذا الأسبوع ( 18 حزيران/ يونيو 2014 ) بوقف صفقات السلاح الألمانية إلى السعودية وقطر على خلفية أزمة العراق. مبيّنا أن السعودية وقطر تحرصان على تقوية شوكة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش). وهنا لا يسع المراقب إلا أن يتساءل: كيف يبيع الغرب أسلحة لدولة تعتمد على المبدأ الوهابي نظرية في الحكم؟
وفي هذا السياق تحدث الباحث لؤي المدهون عن العلاقة الإشكالية بين الدول الغربية والمملكة العربية السعودية، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة الأمريكية تكلفت بضمان أمن المملكة منذ اللقاء التاريخي في خريف 1945، بين الرئيس الأمريكي فرنكلين روزفلت وملك السعودية آنذاك عبد العزيز آل سعود مقابل ضمانات سعودية بتأمين إمدادات كافية من البترول في السوق العالمية مما يساهم بشكل فاعل في استقرار أسعار النفط في السوق العالمية.
وخلص المدهون إلى القول إن "الحكومات الغربية تغلّب أحيانا مصالحها الإستراتيجية والاقتصادية على قيم ومبادئ الإنسانية"، ولفت الأنظار إلى "أنه من الصعب في ألمانيا حصول مجرد نقاش داخل الخطاب السياسي الألماني حول العلاقات مع السعودية، لأن الحكومة الألمانية - ومثلها الحكومات الفرنسية والأمريكية - تحاول أن لا تتحدث عن صفقات الأسلحة المريبة ".
"دعم الإرهاب" الجهاد" بدأ في أفغانستان ليصبح الخطيئة الكبرى في السياسة الدولية"
أثار تقدم تنظيم داعش المذهل السريع في العراق وقبله في سوريا أسئلة عمن يقف وراء هذا التنظيم ويعشق أصحاب نظرية المؤامرة توجيه أصابع الاتهام إلى الغرب باعتباره صانع ظاهرة الإرهاب. ويتحمل الغرب إلى حد ما مسؤولية نشوء هذه الظاهرة إبان الحرب الباردة في أواخر سبعينات القرن الماضي، وهو ما أشار إليه مدير موقع قنطرة الألماني للحوار مع العالم الإسلامي، الذي تطرق في معرض حديثه إلى تفكيك نشوء ظاهرة الإرهاب من خلال الدعم الغربي والذي بدأ في أفغانستان إبان الاحتلال السوفيتي لتلك الدولة "بتوظيف ما سمي بالجهاد ضد الشيطان الأكبر الروسي، وتلك كنت بداية الخطيئة الكبرى في السياسة الدولية، حيث تم توظيف مفهوم جديد هو "الجهاد" لأجل محاربة واستنزاف قوة ضخمة وهي الاتحاد السوفيتي السابق". وتحدث المدهون عن مفارقة تولدت بتقادم التاريخ على الحركة " الجهادية الجديدة" حيث أصبح التنافس في الإرهاب سمة مميزة لهذه الحركات، إذ أنه من المفارقات الكبرى اليوم أنّ تعتبر داعش تنظيم القاعدة تنظيما ليبراليا".