كيف يعرف فيسبوك أنّي ابتعت لابنتي حذاء من هذا المحل؟ هل يراقبني؟ هواجس وشكوك تنتاب كل مستخدمي فيسبوك عبر العالم. لكنّ رئيس الفضاء الأزرق وقف أمام الكونغرس الأمريكي مدافعا عن نفسه، وهنا تعرض صحفية متخصصة رأيها في الموضوع.
إعلان
طالما انتابت مستخدمي فيسبوك الأخرى مخاوف من أنّ تطبيقات التواصل الاجتماعي على الهاتف المحمول، بما فيها إنستغرام تتنصت لمحادثاتنا. بل أنّ هذه المخاوف اتخذت شكلا وبائياً لدرجت أجبرت رئيس فيسبوك مارك زوكربيرغ على المثول لجلسة استماع مغلقة في الكونغرس هذا الأسبوع، ما دفعه إلى وصف هذا الهاجس بتعبير" نظرية المؤامرة".
وفي مقال نشرته على موقع "ذا فيرج" المختص بالمعلوماتية وتقنيات السايبر كتبت الصحفية المتخصصة في شؤون التقنية العالية، آشلي كارمن: لا أود هنا ألعب دور محامٍ عن هذا وذاك، كما لا أريد أن أخيّب وجهة نظر المؤمنين بنظرية المؤامرة، لكن وقدر تعلق الأمر بي وبمعرفتي كصحفية في عالم آي تك وسايبر فإنّ نظرية تصنت فيسبوك على مكالماتنا هي أسطورة. لكنّي مع هذا أتفهم سبب ظهور هذه الأسطورة. فالناس تصادفهم على هوامش فيسبوك إعلانات معينة كأنها صنعت على مقاسهم وتلبية لحاجاتهم، فبعد يوم من حديث س. مع زوجته عن نيته السفر إلى مصر، تظهر على هوامش تايم لاين التي تمر أمامه إعلانات عن فنادق في شرم شيخ ومشاهد لسفرات إلى الأهرام مع عروض بأرخص الرحلات الجوية الى هناك.
وبعد ساعات من توقف م. أمام بوتيك أنيق في المدينة التي يعيش فيها، وتأمله حذاءً من ماركة شهيرة معروض في واجهته الزجاجية واندهاشه لغلاء ثمنه، تظهر له في فيسبوك إعلانات عن نسخ مخففة السعر من نفس المنتج أو من مشبهاته .
كل هذا يدفع المرء إلى التساؤل بالقول: ماذا يجري في الحقيقة في كواليس فيسبوك؟ كيف له أن يقرأ ما أفكر به أو ما أحدّث به زوجتي، أو حتى ما أفكر به في هذه اللحظة؟؟
الجواب لا يكمن في أنّ حديثك إلى زوجتك بشأن الرحلة إلى مصر هو سبب استهدافك بالإعلانات في فيسبوك، بل حقيقة أنّ كل شيء تفعله وأنت أون لاين أو أوفلاين هو المسؤول عن ذلك. فالشركة التي بثت الإعلان، أو الشركة الوسيطة تعرف عاداتك في التصفح، والمواقع التي تفضّل زيارتها بسبب متابعين يعملون لحاسبها في مراقبة صفحات فيسبوك التابعة لها وتعقب زوراها، كما يتابعون ضغطات "لايك" التي عملتها، وبالمناسبة فإنّ أصدقاءك دون أن تعلم يشاهدون علامات لايك وضعتها أنت على صفحات إباحية أو صفحات سياسية لا تريد أن يعرف الآخرون أنّك تزورها! وكل هذا يؤهل من يرغب في متابعة نشاطك الالكتروني، تعقبك ومعرفة الكثير عنك دون أن تشعر.
كما أنّ اختيارات لوكيشن وموقع بيتك، تُظهر للمتابعين العاملين لدى الشركات وللآخرين تفاصيل عن حركتك حتى دون أن تنتبه، ولذا يوصي الخبراء بتعطيل خدمة لوكيشن على هاتفك الذكي أو معداتك الإلكترونية المحمولة في حال تنقلك، تجنبا لمحاذير التجسس عليك وملاحقتك.
الصور التي تنزلها من النت، أو التي تنشرها على فيسبوك مستخدما خدمات النت، وصور المشتريات التي ترسل لك من أصدقاء على بوست عملته أنت أو شاركت فيه معرّضة أن تكشف عن كثير من تفاصيل حياتك لمن يتابعك، وهذا ما تفعله الشركات وتعرف من خلاله من أنت وماذا تريد أن تفعل، ولكن ليس من خلال كلماتك في هذه الحالة.
الأخطر من كل هذا، أنّه في حال قيام فيسبوك بالتنصت على مكالماتك، فإنّ هذا يمثل انتهاكاً لقانون فيدرالي أمريكي سيعرض مؤسسة فيسبوك الى مساءلة قانونية لا فكاك منها، وهذا آخر ما يفكر به فيسبوك والقائمون عليه وهم يعلمون أنّ مستخدمي الموقع قد ائتمنوهم على أسرارهم.
م.م/ ع.خ DW
فيسبوك - من أيادي الطلبة إلى أداة للأنظمة
جعل العالم "قرية صغيرة" لم يعد هدف "فيسبوك" الوحيد. فمع السنين، صار الموقع الأشهر سلاحاً ذا حدين؛ يسمح بحرية التعبير، ولكنه يثير مخاوف خاصة فيما يخص البيانات الشخصية التي بات اختراقها ممكناً وتحويلها إلى أداة قمع وارداً.
صورة من: picture alliance/NurPhoto/J. Arriens
البداية من هارفارد
لم تكن نية مارك زوكربرغ ورفاقه في أول الأمر سوى إطلاق شبكة اجتماعية خاصة بتبادل المعلومات والصور والآراء بين طلاب جامعتهم هارفارد. أطلقوا على تلك الشبكة اسم: فيسبوك. وفي الرابع من فبراير/ شباط 2004 تم تأسيس الشبكة رسمياً، ليتوافد عليها طلبة من جامعات أخرى وتلقى رواجاً ونجاحاً مهمين. هذا النجاح دفع مؤسسي "فيسبوك" إلى فتح باب العضوية للجميع ابتداءً من نهاية عام 2006.
صورة من: Reuters/B. Snyder
إقبال متزايد
كان لـ"فيسبوك" قدرة خارقة على اختصار المسافات والربط بين أطراف العالم بضغطة زر، حيث زاد المقبلون على استخدامه إلى الملايين منذ إنشائه. وقد تجاوز مستخدموه الآن ربع سكان العالم، كان مارك زوكربرغ قد كتب في تدوينة له السنة الماضية (2017) على "فيسبوك" أن عدد المشتركين وصل إلى ملياري شخص، في حين كان عددهم مليون شخص عام تأسيسه (2004).
صورة من: Reuters/D. Ruvic
كوكب مواز
اختراق "فيسبوك" للعالم وحيازته لمساحة مهمة من حياة الناس لم يكن بمحض الصدفة. فقد أتاح لمستخدميه فرصة التواصل مع العالم الخارجي والتعارف كما التعرف على أشخاص وأماكن جديدة، بالإضافة إلى الانفتاح وتبادل المعلومات والإدلاء بالآراء والمواقف الشخصية، سواءً عن طريق نشر تدوينات أو صور أو حتى مقاطع فيديو. هذه الميزات والتقدم الذي عرفه الموقع جعل كثيرين يطلقون عليه "الكوكب الموازي".
صورة من: picture-alliance/dpa/J.W.Alker
"استحواذ" وشراكات
استطاع "فيسبوك" أن يكتسب شهرة عالمية ويعقد بذلك شراكات مع مؤسسات معروفة. كما مكنته الأموال التي حصل عليها عن طريق الإعلانات من "الاستحواذ" على برامج أخرى. وتعتبر شركة "مايكروسوفت" من بين الذين قدموا عرضاً لشراء "فيسبوك" عام 2007 بشراء حوالي خمسة في المائة من أسهم "فيسبوك". أما بالنسبة للمواقع التي ضمها إليه، فقد كان تطبيق "إنستغرام" أولها عام 2012، تلاها "واتساب" عام 2014.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Becker
"نافذة للرقابة والقمع"
اعترفت بعض المحاكم بـ"فيسبوك" منذ 2008. كما عوقب كثيرون بسبب نشرهم لمحتوى "لم يرق" لدولهم أو جهات أخرى. وكانت وزارة الداخلية المصرية عام 2014، مثلاً، قد ألقت القبض على سبعة أشخاص يستخدمون موقع "فيسبوك" "للتحريض" ضد قوات الأمن، حسب ما نقلت رويترز آنذاك. كما حُظر الموقع في بعض الدول كسوريا وإيران. لكن سرعان ما رُفع هذا الحظر. المنع لا يخص الدول، بل يشمل بعض الإدارات التي منعت موظفيها من استعماله.
صورة من: picture-alliance/empics/D. Lipinski
أفيون الثورات؟
شكل "فيسبوك" مساحة للإدلاء بوجهات النظر دون أي قيد قد يواجه المستخدم على أرض الواقع. الثورة في مصر عرفت طريقها نحو الواقع من "فيسبوك"، الذي لعب دوراً مهماً في تحويل قضية الشاب خالد سعيد إلى شرارة لإطلاق ثورة 25 يناير/ كانون الثاني، وهو ما أشار إليه الناشط المصري وائل غانم في كتابه "ثورة 2.0". لكن الحرية بدأت تتراجع حين اعترفت المحاكم بالموقع وصارت الجرائم الإلكترونية ضمن ما تعاقب عليه هناك.
صورة من: picture alliance/AP Photo/M. Deghati
منصة للجيوش الإلكترونية
خلق "فيسبوك" أرضاً خصبة لمجموعة من الأنظمة التي سخرته لخدمة مصالحها السياسية. وكان الجيش السوري الإلكتروني، الذي ظهر إبان الثورة السورية (2011-2012) واحداً من أبرز هؤلاء، حسب ما ذكر بعض المراقبين. فقد شن انطلاقاً من الموقع حرباً إلكترونية، وذلك باختراقات أو إغراق الصفحات بتعليقات مؤيدة لنظام الأسد أو اتهامات بالخيانة للمعارضين. بالإضافة إلى إرسال بلاغات لـ"فيسبوك" بإغلاق حسابات لمعارضين.
صورة من: Vernon Manlapaz
انتقادات متكررة!
"انتهاكات خصوصية المستخدمين، تسريب البيانات وإمكانية استغلالها من طرف الاستخبارات، فضلاً عن نشر مواد تدعو إلى العنف والكراهية والتمييز..." كلها انتقادات وجهت لـ"فيسبوك". لكن كريس هيوز، المتحدث الرسمي باسم الشركة سابقاً، رد على هذه الانتقادات بقوله: "لم نقم من قبل مطلقاً بتزويد أطراف آخرين بالبيانات الخاصة بمستخدمي الموقع، ولا نعتزم القيام بذلك على الإطلاق"، حسب ما تناقلته عدة مواقع إلكترونية.
صورة من: picture alliance/dpa/epa/R. Khan
دعاوى قضائية متعددة
رفعت العديد من الدعاوى القضائية ضد "فيسبوك"، كما رفع هو الآخر ضد مستخدمين. كان أول الدعاوى ضد الشبكة عام 2004، إذ اتهمت شركة "كونكت يو" مارك زوكربرغ بسرقة الأفكار التي وضعوها حول الموقع واستخدام الكود الرئيسي الخاص بهم. كما رفع الموقع هو الآخر دعوة ضد ضد آدم جوربوز، وحصل على تعويض قيمته 873 مليون دولار.
صورة من: picture-alliance/dpa/D. Reinhardt
"إخفاق كارثي"
مسألة الحصول على بيانات المستخدمين جعلت "فيسبوك" محط محاسبة في مرات كثيرة؛ آخرها يوم 20 مارس/ آذار 2018. فقد دعت لجنة من المشرعين البريطانيين من مختلف الأحزاب رئيس "فيسبوك" إلى تقديم تفسير بخصوص "إخفاق شركته الكارثي" في حفظ البيانات الشخصية. كما قررت السلطات البريطانية التحقيق بشأن شركة "كامبريدج أناليتيكا" البريطانية، التي اتهمت بحيازة غير قانونية لمعطيات مستخدمي الشبكة. إعداد: مريم مرغيش