هل يستطيع الاتحاد الأوروبي الاستغناء عن الأسمدة الروسية؟
٩ يونيو ٢٠٢٥
تعتبر روسيا أحد أكبر منتجي ومصدري الأسمدة في العالم، ومع أن الاتحاد الأوروبي كان قد خفض وارداته من النفط والغاز الروسيين بعد حرب روسيا على أوكرانيا؛ إلّا أن وارداته من الأسمدة الروسية قد زادت بوضوح منذ فبراير/ شباط عام 2022.
وبناء عليه ارتفعت واردات الاتحاد الأوروبي من الأسمدة الروسية في عام 2022 من 17 إلى 30 بالمئة، وفي عام 2024 وحده ارتفعت الواردات بأكثر من 33 بالمئة لتصل إلى 2 مليار دولار أمريكي، أي ما يعادل 1.75 مليون يورو.
ووفقاً لمرصد التعقيد الاقتصادي التابع لمعهد MIT، صدّرت روسيا في عام 2023 أسمدة بقيمة 15.3 مليار دولار، لتصبح بذلك أكبر مصدر للأسمدة في العالم، ومع أن الهند والبرازيل هما أكبر سوقين للصادرات الروسية، شكّل الاتحاد الأوروبي نحو 13 بالمئة من كمستقبل للصادرات الروسية في هذا القطاع خلال عام 2023.
صوت البرلمان الأوروبي الشهر الماضي لصالح فرض رسوم جمركية بنسبة 6.5 بالمئة على الأسمدة ومنتجات زراعية محددة من روسيا وحليفتها روسيا البيضاء (بيلاروسيا)، لمنع تهديد محتمل للأمن الغذائي في أوروبا، وللحد من التمويل الذي تستخدمه روسيا في حربها ضد أوكرانيا ، وفق وكالة رويترز.
ووضع الاتحاد خططاً لزيادة الرسوم الجمركية على الأسمدة الروسية تدريجياً لتصل إلى 50 بالمئة بحلول عام 2028.
لماذا تحتاج أوروبا للأسمدة الروسية؟
السبب الرئيسي في استيراد الاتحاد الأوروبي للأسمدة الروسية يكمن في نوعية الأسمدة وطريقة إنتاجها. إذ تتخصص روسيا في إنتاج الأسمدة غير العضوية المعتمدة على النيتروجين، والتي تتطلب كميات هائلة من الغاز الطبيعي كمادة أولية في عملية التصنيع.
وغِنى هذا النوع من الأسمدة بالنيتروجين والعناصر الحيوية مثل الفوسفور والبوتاسيوم يجعله ضرورياً للعديد من الدول الأوروبية، التي ستتكبّد مبالغ باهظة لتصنيع مثل هذه الأسمدة غير العضوية.
ويقول البروفيسور ويليام موسلي، أستاذ الجغرافيا في كلية ماكالستر وعضو لجنة الخبراء رفيعي المستوى التابعة للأمم المتحدة للأمن الغذائي والتغذية: "تتمتع روسيا بميزة تنافسية بفضل أسعار الغاز المنخفضة الذي يمكنها من إنتاج هذه الأسمدة بأسعار أقل بكثير من المنافسين الأوروبيين"، ما أدى إلى اتهامات من قبل القطاع الأوروبي للأسمدة بأن روسيا "تُغرق" السوق الأوروبية بمنتجاتها الرخيصة.
خصوصاً بعد ارتفاع أسعار الطاقة في أوروبا واضطراب أسواقها إثر الغزو الروسي لأوكرانيا، وجد منتجو الأسمدة المنافسين أنفسهم عاجزين عن الإنتاج، ما أسفر عن خسارتهم لحصص السوق لصالح روسيا، وهم اليوم يكافحون من أجل استعادة القدرة التنافسية.
خيارات الاتحاد الأوروبي للمنافسة مجدداً
استعادة المنافسة في هذا القطاع بالنسبة للاتحاد الأوروبي ليس بالأمر السهل، وأمامه خيارات محدودة، إذ يرى موسلي أن خطط الاتحاد الأوروبي لفرض الرسوم الجمركية على الأسمدة الروسية تُظهر جديته في تقليص الاعتماد على الأسمدة الروسية بحلول عام 2028.
وبناء عليه سيضطر الاتحاد إلى البحث عن مصادر أخرى مثل الصين أو عُمان أو المغرب أو كندا أو الولايات المتحدة، أو أن يعيد إحياء الناتج المحلي من الأسمدة غير العضوية، بغض النظر عن التكاليف العالية بسبب ارتفاع أسعار الغاز في أوروبا.
ويمكن للاتحاد الأوروبي أن يعزز استخدام الأسمدة العضوية المصنوعة من السماد الطبيعي والنفايات العضوية المتحللة، وهي أسمدة أكثر استدامة وتساهم في تحسين التربة على المدى البعيد.
ومن جانبه أكد الاتحاد الأوروبي أن فكرة الاستغناء عن واردات الأسمدة غير العضوية غير واردة الآن، ولكنه يسعى إلى خفض الاعتماد عليها تدريجياً من خلال دعم الناتج المحلي العضوي.
وبالفعل أعرب الاتحاد الأوروبي عن رغبته في التوجّه نحو استخدام الأسمدة العضوية المصنعة من روث وبول الحيوانات. وبهذا الصدد قال كريستوف هانسن، المفوض الأوروبي للزراعة والأغذية إن قطاع الثروة الحيوانية يمكن أن يساهم بشكل إيجابي في الاقتصاد الدائري، وذلك لأن الأسمدة العضوية محلية ولا تعتمد على مصادر الطاقة باهظة الثمن كالغاز.
الخطة الأوروبية.. تخلّص تدريجي من الأسمدة الروسية
يرى موسلي خطة الاتحاد الأوروبي في فرض رسوم جمركية على الأسمدة الروسية ومنتجات زراعية أخرى ستُنهي واردات الأسمدة الروسية إلى السوق الأوروبية بشكل تدريجي؛ لأنه وبحلول عام 2028 ستكون الرسوم مرتفعة للغاية وبالتالي سيصبح من غير المجدي اقتصادياً استيراد الأسمدة الروسية أو البيلاروسية.
ستدخل العقوبات الأوروبية المفروضة على روسيا حيز التنفيذ في يوليو/ تموز، وستستهدف تحديدًا المنتجات الزراعية التي أهملها سابقًا، بما في ذلك الأسمدة.
وفي بيان لها، قالت مفوضية الاتحاد الأوروبي إن واردات الأسمدة الروسية قد تضع التكتل تحت الضغط الروسي، وبالتالي يشكل ذلك خطراً على الأمن الغذائي لدول الاتحاد.
وتأتي ضرورة التدرّج في تنفيذ العقوبات وزيادة الرسوم الجمركية على مدى السنوات الثلاث المقبلة ليتمكن المزارعون الأوروبيون من العثور على بدائل، وخاصة إذا كانوا يعتمدون بالفعل على الأسمدة الروسية.
ما مدى رضا المزارعين عن خطة الاتحاد الأوروبي؟
وقال ليو ألدرز، رئيس اتحاد صناعة الأسمدة الأوروبية إن واردات الأسمدة الروسية تقوّض المنافسة العادلة وتضغط على المنتجين المحليين منذ فترة طويلة. وطالب بالإسراع بتنفيذ العقوبات وزيادة الرسوم الجمركية على الأسمدة الروسية، إذ يرى أن هذا من شأنه أن يساهم في تكافؤ الفرص، ما يضمن قدرة المنتجين الأوروبيين على تزويد المزارعين الأوروبيين بأسمدة عالية الجودة ومستدامة لعدة سنوات قادمة.
ومن جهة أخرى أبدت اتحادات المزارعين استياءها من القرار، إذ ترى أن الاتحاد الأوروبي لم يقدم أي بدائل واقعية وميسورة التكلفة للأسمدة الروسية.
وأصدرت منظمتا "كوبا" و"كوسيغا"، أكبر منظمتين زراعيتين في الاتحاد الأوروبي، بياناً مشتركاً دعتا فيه الاتحاد إلى تقديم استراتيجية واضحة لتنويع مصادر الأسمدة، وأكدتا ضرورة أن يطرح الاتحاد الأوروبي بديلاً واقعياً ومجدياً في حال أراد بالفعل تقليص اعتماده على واردات الأسمدة من روسيا وبيلاروسيا.
واختتمتا البيان بالقول: "لا يمكننا تحمل المزيد من تقويض الجدوى الاقتصادية للمزارع أو تعريض الأمن الغذائي لملايين الأوروبيين للخطر".
أعدته للعربية: ميراي الجراح/ تحرير: صلاح شرارة