بينما يحتفل سوريون في جميع أنحاء العالم بسقوط نظام بشار الأسد، يحاول خبراء رسم خريطة جديدة لموازين القوى في الشرق الأوسط قوامها تقليل التوتر. كما يأمل البعض أن يسهم طي صفحة آل الأسد بسوريا في تعزيز استقرار المنطقة.
إعلان
يرى خبراء أن السقوط السريع لنظام بشار الأسد في سوريا بعد الهجوم المباغت للمعارضة بقيادة هيئة تحرير الشام، من شأنه أن يعيد ترتيب علاقات سوريا مع جيرانها.
وفي مقال نُشر الاثنين (9 ديسمبر/كانون الأول)، كتب ريتشارد لوبارون، الزميل الأول غير المقيم في برامج الشرق الأوسط في مؤسسة "أتلانتيك كاونسل" البحثية ومقرها واشنطن، "زعزعة الاستقرار السوري لن ينال إعجاب القادة العرب".
ولسنوات، ظلت إيران وروسيا وحزب الله حلفاء الأسد الرئيسيين. وفي مايو/أيار العام الماضي، وافقت الجامعة العربية على استعادة النظام السوري مقعد سوريا الشاغر في الجامعة منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2011.
ويرى لوبارون أن قطر، التي عارضت النظام السوري بشدة منذ بدء الانتفاضة السورية عام 2011، قد تكون في طليعة الدول العربية التي ستساعد في إعادة إعمار سوريا التي باتت في وضع اقتصادي وسياسي صعب بعد سنوات من الاقتتال والدمار.
ويأمل قادة هيئة تحرير الشام، أو جبهة النصرة سابقًا، في رفع اسمها من لائحة المنظمات الإرهابية.
وصنفت الولايات المتحدة عام 2018 "جبهة النصرة" آنذاك، الكيان المتطرف الوليد، على قائمة المنظمات الإرهابية ومازال هذا التصنيف قائمًا.
مع بدء هجوم المعارضة، انتقل الجولاني من خطاب إسلامي متطرف إلى نوع من الاعتدال في مسعى واضح لتغيير صورته، حيث عمد إلى الإشارة إلى نفسه باسمه الحقيقي، أحمد الشرع، وليس اسمه الحركي "أبو محمد الجولاني" الذي لُقب به لسنوات طويلة.
ونقلت وكالة أسوشيتد برس عن الجولاني قوله إن هيئة تحرير الشام لن تفرض قواعد لباس على النساء ولن تتدخل في الحريات الشخصية.
يشار إلى أنه بعد بدء هجوم الفصائل المباغت أواخر نوفمبر/تشرين الثاني، سعى الجولاني إلى طمأنة الأقليات خاصة المسيحيين والدروز.
دول الجيران.. الهاجس الأمني
ومع بدء هجوم المعارضة، عمد جيران سوريا، لبنان و الأردن و العراق وإسرائيل، إلى تعزيز التدابير الأمنية الحدودية.
وفي مقابلة مع DW، قال نانار هواش، المحلل البارز في شؤون سوريا بمجموعة الأزمات الدولية، إنه من المبكر "الوقوف على التداعيات الإقليمية الشاملة لسقوط الأسد، لكن المخاوف الأمنية تهيمن على ردود أفعال الدول الجوار السوري".
وأضاف هواش أن إسرائيل رحبت بسقوط الأسد، "لكنها اتخذت خطوات كبيرة فيما يتعلق بالأمن، بما في ذلك التوغل في القنيطرة وجبل الشيخ، حيث أنشأت منطقة عازلة على طول الحدود كجزء من الاحتياطات الأمنية".
وأضاف "اغتنمت إسرائيل الفرصة لإضعاف من سيحكم سوريا بعد الأسد من الناحية العسكرية من خلال قصف أهداف عسكرية، بما في ذلك الدفاعات الجوية ومطار المزة في دمشق".
ماذا عن استقرار سوريا سياسيًا؟
وبعيدًا عن التداعيات الإقليمية لسقوط الأسد، يرى مراقبون أنه يتعين على من سيحكم البلاد التركيز على الاستقرار السياسي إذا رغبوا في الحصول على اعتراف دولي خاصة من قبل تركيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
وقال محمد أوزالب، أستاذ مشارك في الدراسات الإسلامية في جامعة تشارلز ستورت الأسترالية، إنه من المرجح "أن تعترف كل هذه الدول بالحكومة الجديدة [هيئة تحرير الشام] بشرط أن تشكل إدارة معتدلة، وتمتنع عن محاربة وحدات حماية الشعب الكردية فضلاً عن وقف دعم حزب الله أو حماس".
وأضاف في مقال أنه من المرجح أن "تقبل المعارضة هذه الشروط في مقابل حصولها على اعتراف دولي ومساعدات".
ومتحدثة إلى DW، قالت بورجو أوزجليك، الباحثة البارزة في الشؤون الأمنية للشرق الأوسط في المعهد الملكي للخدمات المتحدة ومقره لندن، إنه في الوقت الذي تمتلك فيه سوريا "خبرة ضئيلة في إدارة مؤسسات ديمقراطية بالتزامن مع تزايد خطر حدوث فوضى وحتى تفتت إقليمي، إلا أن هذا قد يكون دافعًا حقيقيًا وراء أن يؤدي ذلك إلى بدء عهد جديد من التسوية السياسية".
وتعتقد أوزجليك أنّ المرحلة الجديدة سوف تشهد تنفيذ القرار الأممي رقم 2254، الذي يدعو إلى انتخابات حرة وديمقراطية في سوريا.
وفي ذلك، قالت "سيكون من الضروري الشروع بعملية سياسية شاملة مع الحد الأدنى من التدخل الخارجي لدعم خارطة طريق خاصة بسوريا".
إعلان
عودة النازحين
وفور إعلان سقوط الأسد، بدأ النازحون و اللاجئون السوريون في العودة إلى ديارهم؛ إذ شهدت المعابر البرية الحدودية بين تركيا وسوريا حركة كبيرة.
وأعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن بلاده ستعيد فتح أحد معابرها الحدودية المغلقة مع سوريا بهدف تسهيل عودة اللاجئين.
وفي أوروبا، عاد الجدل حول استقبال اللاجئين السوريين إلى الواجهة حيث أعلنت عدة دول منها ألمانيا، تجميد إجراءات طلب اللجوء للسوريين.
في هذا الأثناء، دعا مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي إلى التحلي بالصبر بينما يقيّم ملايين اللاجئين السوريين فرص العودة إلى بلادهم بعد سقوط الأسد.
وقال غراندي إن احتمالات العودة من المرجح أن تعتمد على ما إذا كان القادة الجدد في سوريا سيعطون الأولوية للقانون والنظام.
وأضاف "الانتقال الذي يحترم حقوق جميع السوريين وحياتهم وتطلعاتهم، بغض النظر عن العرق أو الدين أو المعتقدات السياسية، أمر بالغ الأهمية حتى يشعر الناس بالأمان". وأوضح أن المفوضية مستعدة لمساعدة الدول في تنظيم العودة الطوعية.
وفي ذلك، قال ديفيد كاردن، نائب منسق الأمم المتحدة الإقليمي للشؤون الإنسانية للأزمة السورية، في مقابلة مع DW "لقد سجلنا وصول أكثر من 370 ألف شخص إلى إدلب من محافظات أخرى".
وأضاف "ما زال وضع النزوح متقلبًا. ما زلنا ملتزمين بالبقاء وتقديم المساعدة ومساعدة الأشخاص الأكثر ضعفًا في سوريا عبر كافة الوسائل".
أعده للعربية: محمد فرحان
سوريا.. سقوط حكم عائلة الأسد بعد أكثر من خمسة عقود من السلطة
فر بشار الأسد من سوريا في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول عام 2024. وكتب هذا الفرار نهاية حكم عائلة الأسد الذي استمر خمس عقود ونصف. هنا لمحة عن أبرز المحطات التي مرت بها سوريا منذ بدء حكم عائلة الأسد وحتى نهايته.
صورة من: Hussein Malla/AP/dpa/picture alliance
نهاية حقبة حكم بيت الأسد
8 ديسمبر/ كانون الأول، 2024 نقطة فاصلة في تاريخ سوريا.. فقد أسقطت المعارضة المسلحة نظام الرئيس بشار الأسد، الذي أضطر لترك منصبه وغادر دمشق إلى مكان مجهول، وذلك على وقع الأحداث المتسارعة التي بدأت في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024.
صورة من: Iranian Presidency Office/ZUMAPRESS/picture alliance
هجوم المعارضة المسلحة
في الثاني من ديسمبر/كانون الأول 2024، اعتبر الأسد هجوم المعارضة المسلحة، الذي بدأ في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني، "محاولة لتقسيم المنطقة وتفتيت دولها، وإعادة رسم الخرائط من جديد"، بيد أن هذه المزاعم لم تجد هذه المرة.
صورة من: Bakr Alkasem/AFP/Getty Images
حرب أهلية دموية مدمرة
أتى سقوط نظام بشار الأسد بعد أكثر من 13 عاما على بدء انتفاضة شعبية في خضم "الربيع العربي"، والتي تحولت إلى حرب أهلية دموية أسفرت عن مقتل أكثر 300 شخص ما بين 2013 و2021، بحسب الأمم المتحدة، وفرار الملايين إلى خارج البلاد أو نزوجهم داخل البلاد.
صورة من: Bulent Kilic/AFP/Getty Images
تهاوي سلطة بشار
تمسك بشار الأسد بالسلطة وقاوم بشرسة الاحتجاجات الشعبية والدعوات الدولية للتنحي عن السلطة، مستعينا بدعم عسكري من روسيا وإيران وحزب الله. لكن عندما تخلت عنه هذه الأطراف لم يكن أمامه سوى الفرار.
صورة من: Orhan Qereman/REUTERS
تراجع الدعم العسكري الروسي
كان للدعم العسكري الروسي المباشر لبشار ألأسد دورا في صموده خلال الحرب الأهلية، لكن بدأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تجنب مواصلة دعم الأسد أمام هجوم المعارضة المسلحة، كونه بوتين لديه جبهة حرب أخرى مفتوحة في أوكرانيا.
صورة من: Valeriy Sharifulin/IMAGO/SNA
احتجاجات تحولت إلى نزاع دامٍ!
في العام 2011، لحقت سوريا بركب الثورات في دول عربية عدة، أبرزها مصر وتونس، في ما عُرف بـ"الربيع العربي". ومع اندلاع الاحتجاجات المناهضة لنظامه، قمع الأسد المتظاهرين السلميين بالقوة، وتحولت الاحتجاجات نزاعاً دامياً، سرعان ما تعددت جبهاته والضالعين فيه. وأودى النزاع المستمر بأكثر من 388 ألف شخص وهجّر وشرّد الملايين داخل البلاد وخارجها، وسوّى مناطق كاملة بالأرض.
صورة من: AFP/O. H. Kadour
بقاء على رأس السلطة بدعم روسي
في سنوات النزاع الأولى، فقدت قوات الحكومة السورية سيطرتها على مساحات واسعة من سوريا بينها مدن رئيسية. لكن وبدعم عسكري من حلفائها، إيران ثم روسيا، استعادت القوات الحكومية تدريجيًا نحو ثلثي مساحة البلاد، إثر سياسة حصار خانقة وعمليات عسكرية واسعة ضد الفصائل المعارضة والتنظيمات الجهادية. ولعب التدخل الجوي الروسي منذ خريف 2015 دوراً حاسماً في تغيير موازين القوى لصالح دمشق.
صورة من: Reuters/O. Sanadiki
الوصول إلى الحكم عبر التوريث
2000، ورث بشار الأسد الحكم عن والده الراحل، حافظ الأسد، الذي حكم سوريا من خلال زعامة حزب البعث الموجود في السلطة منذ أكثر من خمسين عاما. أصبح بشار الأسد، وهو في الرابعة والثلاثين من العمر، رئيسا عن طريق استفتاء لم يشهد أي معارضة.
صورة من: Louai Beshara/AFP
تولي الحكم بعد انقلاب "الحركة التصحيحية"
في 16 تشرين الثاني/نوفمبر 1970، نفّذ حافظ الأسد الذي كان يتولّى منصب وزير الدفاع انقلاباً عسكرياً عُرف بـ"الحركة التصحيحية" وأطاح برئيس الجمهورية حينها نور الدين الأتاسي. في 12 آذار/مارس 1971، انتخب الأسد الذي كان يترأس حزب البعث العربي الاشتراكي، رئيساً للجمهورية ضمن انتخابات لم ينافسه فيها أي مرشح آخر. وكان أول رئيس للبلاد من الطائفة العلوية التي تشكل عشرة في المئة من تعداد السكان.
صورة من: AP
"حرب تشرين"
في السادس من تشرين الأول/أكتوبر 1973، شنّت مصر وسوريا هجوماً مفاجئاً على إسرائيل من جهة قناة السويس غرباً، ومرتفعات الجولان شرقاً، في محاولة لاستعادة ما خسره العرب من أراض خلال حزيران/يونيو 1967، لكن تمّ صدهما. في أيار/مايو 1974، انتهت الحرب رسمياً بتوقيع اتفاقية فضّ الاشتباك في مرتفعات الجولان.
صورة من: Getty Images/AFP/GPO/David Rubinger
علاقات دبلوماسية بين واشنطن ودمشق!
في حزيران/يونيو 1974، زار الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون دمشق، معلناً إعادة إرساء العلاقات الدبلوماسية مع سوريا، بعدما كانت مجمّدة منذ العام 1967. في الصورة الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون مع وزير الخارجية ومستشار الأمن القومي الأمريكي وقتها هنري كيسينجر.
صورة من: AFP/Getty Images
هيمنة على لبنان
في 1976 تدخّلت القوات السورية في الحرب الأهلية اللبنانية بموافقة أمريكية، وبناء على طلب من قوى مسيحية لبنانية. وفي 1977، بدأت المواجهات بين القوات السورية، التي انتشرت في معظم أجزاء البلاد ما عدا المنطقة الحدودية مع إسرائيل، وقوات مسيحية احتجت على الوجود السوري. وطيلة ثلاثة عقود، بقيت سوريا قوة مهيمنة على المستوى العسكري في لبنان وتحكمت بكل مفاصل الحياة السياسية حتى انسحابها في العام 2005.
صورة من: AP
قطيعة بين دمشق وبغداد!
في العام 1979، تدهورت العلاقات بين سوريا والعراق، اللذين حكمهما فرعان متنافسان من حزب البعث العربي الاشتراكي، بعد اتهام الرئيس العراقي آنذاك صدام حسين الوافد حديثاً إلى السلطة، دمشق بالتآمر. وقطعت بغداد علاقتها الدبلوماسية مع دمشق في تشرين الأول/أكتوبر 1980، بعدما دعمت الأخيرة طهران في حربها مع العراق. في الصورة يظهر الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين (يسار) مع الرئيس السوري السابق حافظ الأسد (وسط).
صورة من: The Online Museum of Syrian History
"مجزرة حماه"
في شباط/فبراير 1982، تصدّى النظام السوري لانتفاضة مسلّحة قادها الإخوان المسلمون في مدينة حماه (وسط)، وذهب ضحية ما يعرف بـ"مجزرة حماه" بين عشرة آلاف وأربعين ألف شخص. وجاء ذلك بعد قرابة ثلاث سنوات من هجوم بالرصاص والقنابل اليدوية على الكلية الحربية في مدينة حلب، أسفر عن مقتل ثمانين جندياً سورياً من الطائفة العلوية. وتوجّهت حينها أصابع الاتهام إلى الإخوان المسلمين بالوقوف خلف الهجوم.
صورة من: picture alliance /AA/M.Misto
محاولة انقلاب فاشلة
في تشرين الثاني/نوفمبر 1983، أصيب الأسد بأزمة قلبية نقل على إثرها إلى أحد مشافي دمشق. ودخل في غيبوبة لساعات عدّة، حاول خلالها شقيقه الأصغر رفعت الاستيلاء على السلطة عبر انقلاب فاشل، قبل أن يستعيد الأسد عافيته. وبعد عام، أُجبر رفعت على مغادرة سوريا. الصورة لحافظ الأسد (يمين) مع أخيه رفعت.
صورة من: Getty Images/AFP
تقارب مع الغرب!
بدأ الجليد الذي شاب علاقات سوريا مع أمريكا والغرب بالذوبان، عقب انهيار الاتحاد السوفياتي. انضمت سوريا إلى القوات متعددة الجنسيات في التحالف الذي قادته أمريكا ضد صدام حسين بعد غزو العراق للكويت. وفي تشرين الأول/أكتوبر 1994، زار الرئيس الأمريكي بيل كلينتون الأسد في دمشق. بعد أربع سنوات، زار الأسد فرنسا في أول زيارة له إلى بلد غربي منذ 22 عاماً، واستقبل بحفاوة من نظيره الفرنسي جاك شيراك.
صورة من: Remy de la Mauviniere/AP Photo/picture alliance
الابن يخلف أباه في الرئاسة!
توفي الأسد في 10 حزيران/يونيو 2000، عن عمر ناهز 69 عاماً، وكان شيراك الرئيس الغربي الوحيد الذي حضر جنازته.
وبعد شهر، تولّى نجله بشار السلطة، بعد تعديل دستوري سمح له بالترشّح. وحاز في استفتاء لم يضم أي مرشح آخر سواه على 97 في المئة من الأصوات.
صورة من: picture-alliance/dpa
انفتاح نسبي ولكن..!
بين أيلول/سبتمبر 2000 وشباط/فبراير 2001، شهدت سوريا فترة انفتاح وسمحت السلطات نسبياً بحرية التعبير. في 26 أيلول/سبتمبر 2000، دعا نحو مئة مثقّف وفنان سوري مقيمين في سوريا السلطات إلى "العفو" عن سجناء سياسيين وإلغاء حالة الطوارئ السارية منذ العام 1963. لكنّ هذه الفسحة الصغيرة من الحرية سرعان ما أقفلت بعدما عمدت السلطات إلى اعتقال مفكرين ومثقفين مشاركين في ما عُرف وقتها بـ"ربيع دمشق". م.ع.ح/م.ع/ع.ج.م