هل يقلب هجوم فورتسبورغ سياسة ميركل للجوء رأسا على عقب؟
ش.ع١٩ يوليو ٢٠١٦
شهدت مدينة فورتسبورغ الألمانية هجوما إرهابيا تبناه تنظيم "الدولة الإسلامية" ونفذه طالب لجوء أفغاني. فهل يقلب هذا الهجوم موازين سياسة ميركل في موضوع اللجوء رأسا على عقب؟ وهل يستغله اليمين المتطرف لتحقيق مكاسب جديدة؟
إعلان
الإرهاب الذي يطلق على نفسه اسم "الدولة الإسلامية" وصل إلى ألمانيا أيضا، على الأقل كما يزعم هذا التنظيم. شاب أفغاني لم يتجاوز عمره الـ17 عاما - قدم إلى ألمانيا كلاجئ، حيث احتضنته عائلة ألمانية لأنه قاصر ووحيد - يعتدي خلال ليلة الثلاثاء (19 يوليو/تموز 2016) بفأس وسكين على مسافرين في أحد القطارات كانوا في طريقهم إلى مدينة فورتسبورغ جنوبي ألمانيا، مخلفا خمسة جرحى، إصابة أغلبهم خطيرة.
تنظيم "الدولة الإسلامية" سرعان ما تبنى الهجوم، حيث إنه بث شريط فيديو عبر وكالة "أعماق" معتبرا أنه لمنفذ الهجوم، حيث ظهر شاب وهو يتحدث بلغة الباشتون وفي يده سكين ويقدم نفسه على أنه "أحد جنود الخلافة"، معلنا أنه سيقوم "بعملية استشهادية في ألمانيا"، وفق الترجمة العربية للشريط.
ما هي تداعيات هجوم فورتسبورغ
وإن لم تبلغ حصيلة هذا الاعتداء الإرهابي ما شهدته من قبل باريس ونيس واسطنبول وأنقرة وبروكسل وتونس وأورلاندو من أعمال إرهابية دموية، إلا أن تداعياتها على ألمانيا ستكون كبيرة، كما يرى المحلل السياسي الألماني يوخن هيبلر، الذي يتوقع أن يساهم في انتشار شعور معاداة اللاجئين والكراهية للإسلام.
ويقول في حديث لـDWعربية: "معاداة اللاجئين وكراهية الإسلام أمران مختلفان: فقد وصل العام الماضي أكثر من مليون لاجئ إلى ألمانيا. الأمر الآخر يتعلق بكراهية الإسلام وبالتالي معاداة أشخاص ينتمون إلى هذا الدين ويعيشون في ألمانيا منذ عشرين أو ثلاثين أو حتى أربعين عاما. الاعتداء الذي قام بها الشاب الأفغاني ذو 17 عاما وكذلك أحداث التحرش التي عاشتها مدينة كولونيا مطلع العام الجاري من شأنهما أن يساهما في انتشار هاتين الظاهرتين".
في الواقع أصبح العديد من الألمان ينظرون نظرة الريبة إلى اللاجئين، فقد كشف استطلاع حديث للرأي، أجراه مركز بيو الأمريكي للأبحاث ونُشرت نتائجه الأسبوع الماضي (12 من يوليو/تموز 2016)، أن نسبة 61 بالمائة من الألمان الذين شاركوا في الاستطلاع يعتقدون أن"اللاجئين سيزيدون من احتمالية وقوع عمليات إرهابية في بلادهم".
هل يستغل اليمين الشعبوي الهجوم؟
وصل أكثر من مليون لاجئ إلى ألمانيا خلال العام الماضي، معظمهم من السوريين الفارين من الحرب والاضطهاد. عدد مهم من الأفغان أيضا كانوا من بين الوافدين الجدد. حتى الآن، لم تستهدف الهجمات الجهادية ألمانيا، باستثناء الهجوم بسكين في شباط/ فبراير ضد شرطي والذي نفذته فتاة من أصل مغربي تبلغ من العمر 15 عاما، في محطة هانوفر للقطارات. وقد أظهر التحقيق وجود دافع جهادي لدى الفتاة، التي سعت قبل فترة وجيزة للسفر إلى سوريا عبر تركيا من أجل الانضمام إلى تنظيم "الدولة الإسلامية".
بيد أن الخوف من الهجمات الإرهابية هو أكثر ما يثير قلق الألمان، وفق ما كشفت دراسة حديثة لشركة "R+V" الألمانية للتأمينات. ووفقا للدراسة ذاتها، فإن 73 بالمائة من الألمان لهم الشعور بأنهم مهددون من الإرهاب.
هذه المخاوف يمكن أن تساهم في صعود أكبر الأحزاب اليمينية، كما يرى يوخن هيبلر، الذي يُدرّس العلوم السياسية في جامعة دوزبورغ-إيسن الألمانية. ويقول في تصريح لـDWعربية: "لقد عشنا خلال الصيف الماضي حتى مطلع الخريف موجة كبيرة من التضامن والدعم وأنشطة انسانية من قبل العديد من الألمان للاجئين. ومنذ أواخر الخريف الماضي وخاصة منذ رأس السنة الميلادية لاحظنا في استطلاعات الرأي ارتفاعا كبيرا لشعبية حزب البديل من أجل ألمانيا ولحركات شعبوية أخرى. وعلى الرغم من أن حزب البديل من أجل ألمانيا (اليميني الشعبوي) يعاني من أزمة داخلية مستمرة، إلا أن مثل هذه الأحداث قد تساعد على التغطية على مشاكل الحزب أو الخروج منها."
"نحن هربنا من الإرهاب نفسه"
أبرز الهجمات الإرهابية التي نفذتها مجموعات إسلامية
سلسلة من الصور توضح أبرز الهجمات الدموية التي نفذتها وتبنتها جماعات إرهابية إسلامية، منذ 11 من سبتمبر 2001 مرورا بهجمات باريس ونيس وبروكسل الإرهابية، وصولا إلى هجوم فورتسبورغ الذي نفذه لاجئ أفغاني في ألمانيا وتبناه داعش.
صورة من: picture-alliance/dpa/K.-J. Hildenbrand
أعلن تنظيم "داعش" مسؤوليته عن الهجوم الذي نفذه لاجئ أفغاني مسلح بفأس في إحدى قطارات ألمانيا، ليصبح رقما في القائمة الطويلة للأعمال الإرهابية التي نفذتها مجموعات وتنظيمات إسلامية إرهابية.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/K.-J. Hildenbrand
وقال "داعش" من خلال وكالته "أعماق" إن اللاجئ الأفغاني "نفذ العملية استجابة لنداءات استهداف دول التحالف" التي تقاتل "داعش".
صورة من: picture-alliance/dpa/K. J. Hildenbrand
وتبنى تنظيم "داعش" المتطرف قبلها بأيام قليلة الهجوم الذي نفذه تونسي بشاحنة دهس بواسطتها جمعاً كبيراً من الناس في مدينة نيس في جنوب فرنسا ما تسبب بمقتل 84 شخصاً وأثار صدمة في البلاد.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/S. Goldsmith
يوم 24 نوفمبر تشرين الثاني 2015، نفذ انتحاري بحزام ناسف هجوما على حافلة للحرس الرئاسي في قلب العاصمة تونس تسبب في مقتل 12 عنصرا من النخبة الأمنية. الهجوم تبناه تنظيم "الدولة الإسلامية" ويعد من أسوإ الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها تونس هذا العام، ويأتي بينما يحتفل مهد الربيع العربي بجائزة نوبل تقديرا لنجاحه في تحقيق انتقال سلمي وديمقراطي.
صورة من: Getty Images/AFP/F. Belaid
فرنسا - 13 نوفمبر/ تشرين الثاني 2015
سلسلة من الاعتداءات غير المسبوقة توقع 129 قتيلاً على الأقل وأكثر من 350 جريحاً. الإرهابيون استهدفوا ستة مواقع مختلفة، من بينها محيط ملعب "ستاد دو فرانس" الدولي ومطاعم في أحياء راقية وصالة للحفلات الموسيقية. تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) أعلن مسؤوليته عن الهجمات.
صورة من: Reuters/Ph. Wojazer
لبنان - 12 نوفمبر/ تشرين الثاني 2015
تفجير دراجة نارية مفخخة يتبعها تفجير انتحاري في سوق بمنطقة الضاحية الجنوبية في العاصمة بيروت يوقع 44 قتيلاً. المنطقة تعتبر معقلاً لتنظيم حزب الله اللبناني. تنظيم "داعش" تبنى الهجوم، الذي يعتبر الأكثر دموية في تاريخ البلاد منذ انتهاء الحرب الأهلية عام 1999.
صورة من: picture alliance/ZUMAPRESS/N.Lebanon
مصر - 31 أكتوبر/ تشرين الأول 2015
طائرة ركاب روسية تابعة لخطوط "كوغاليمافيا" تسقط في شبه جزيرة سيناء بعد وقت قصير من إقلاعها من مطار شرم الشيخ، ما أدى إلى مقتل كل من بداخلها وعددهم 224 شخصاً، أغلبهم روس. وتعتبر هذه أسوأ كارثة جوية روسية على الإطلاق. وفيما لم تثبت التحقيقات بعد ما إذا كان تحطم الطائرة ناتجاً عن خلل فني أو عمل تخريبي، أعلن تنظيم "ولاية سيناء" التابع لـ"داعش" مسؤوليته عن إسقاط الطائرة.
صورة من: imago/ITAR-TASS
تركيا - 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2015
هجوم انتحاري على تجمع سلمي أمام محطة القطارات في العاصمة التركية أنقرة يوقع 102 قتيلاً وأكثر من 500 جريح. وأعلن المدعي العام أن تنظيم "داعش" يقف وراء الاعتداء، الذي يعتبر الأسوأ في تاريخ تركيا.
صورة من: Getty Images/G. Tan
تونس - 26 يونيو/ حزيران 2015
طالب جامعي مسلح يفتح النار داخل منتجع سياحي بمنطقة سوسة، ويقتل 38 سائحاً أجنبياً، بينهم 30 بريطانياً. وتبنى تنظيم "داعش" هذا الهجوم، الذي سبقه هجوم مماثل على متحف باردو في تونس العاصمة في الثامن عشر من مارس/ آذار أدى إلى مقتل 22 شخصاً.
صورة من: Reuters/Z. Bensemra
كينيا - الثاني من أبريل/ نيسان 2015
تعرضت جامعة غاريسا في كينيا إلى حصار استمر يوماً بأكمله، أدى إلى مقتل 148 شخصاً، بينهم 142 طالباً بالجامعة. وأعلنت حركة الشباب الصومالية، المرتبطة بتنظيم القاعدة، مسؤوليتها عن هذا الاعتداء، الذي يعتبر الأسوأ في كينيا منذ تفجير السفارة الأمريكية في نيروبي عام 1998.
صورة من: Reuters/Herman Kariuki
إندونيسيا - 12 أكتوبر/ تشرين الأول 2002
تفجيرات استهدفت مطعماً وملهى ليلياً يرتاده السياح في جزيرة بالي أوقعت 202 قتيلاً، غالبيتهم من السياح. وأعلنت الجماعة الإسلامية المرتبطة بتنظيم القاعدة مسؤوليتها عن التفجير.
صورة من: picture-alliance/dpa/dpaweb/C. Ison
كينيا - 24 سبتمبر/ أيلول 2014
مجموعة من المسلحين تقتحم مجمع "ويستغيت" للتسوق في العاصمة الكينية نيروبي وتطلق النار على المتواجدين فيه وقتلت 67 شخصا. حركة الشباب الصومالية تبنت الهجوم في وقت لاحق.
صورة من: picture-alliance/AP Photo
الهند - 26-29 نوفمبر/ تشرين الثاني 2008
مسلحون يهاجمون فنادق فخمة ومحطة القطارات الرئيسية في مدينة مومباي ويوقعون 166 قتيلاً. وقبل ذلك بعامين، في الحادي عشر من يوليو/ تموز 2006، قتل مسلحون 189 شخصاً وجرحوا أكثر من 800 آخرين في سلسلة هجمات على قطارات محطات سكك حديدة في ضواحي مومباي.
صورة من: picture-alliance/dpa
بريطانيا - السابع من يوليو/ تموز 2005
اربع هجمات انتحارية منسقة خلال وقت الذروة استهدفت ثلاثة قطارات أنفاق (مترو) وحافلة عمومية في العاصمة لندن. الهجمات أدت إلى مقتل 56 شخصاً وجرح 700 آخرين، وتبنتها مجموعة إرهابية مرتبطة بتنظيم القاعدة.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/D. Martinez
إسبانيا - 11 مارس/ آذار 2004
عشر قنابل تنفجر على متن أربعة قطارات بمناطق متفرقة من العاصمة مدريد وضواحيها، ما أدى إلى مقتل 191 شخصاً وجرح نحو ألفين آخرين. تنظيم القاعدة تبنى هذه الهجمات.
صورة من: picture-alliance/dpa
الولايات المتحدة - الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001
مجموعة تنتمي إلى تنظيم القاعدة تقدم على خطف ثلاث طائرات مدنية واستخدامها عن عمد لضرب برجي مركز التجارة العالمي بمدينة نيويورك ومقر وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) في واشنطن، بينما تحطمت طائرة رابعة في بنسلفانيا. وتعتبر هذه الاعتداءات الأكثر دموية على الإطلاق، إذ أوقعت قرابة ثلاثة آلاف قتيل.
صورة من: AP
فرنسا - 7-9 يناير/ كانون الثاني 2015
مسلحان يفتحان النار داخل مكاتب مجلة "شارلي إيبدو" الساخرة، ما أدى إلى مقتل 12 شخصاً، بينهم ثمانية من رسامي الكاريكاتور في المجلة. كما قتلت شرطية على مشارف باريس، فيما احتجز مسلح عدداً من الرهائن في متجر يهودي، قتل منهم أربعة أشخاص. وأعلن تنظيم "داعش" مسؤوليته عن هذه الهجمات.
صورة من: AFP/Getty Images/K. Tribouillard
17 صورة1 | 17
ويشير هيبلر إلى أن العملية الإرهابية التي ارتكبها طالب اللجوء الأفغاني قد تعيد الجدل في ألمانيا حول سياسة الانفتاح للمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل تجاه اللاجئين. وقد يلعب حزب "البديل من أجل ألمانيا" هذه الورقة لحسابه، خاصة وأن موعد الانتخابات البرلمانية العامة في ألمانيا غير بعيد، حيث من المقرر تنظيمها في سبتمبر/أيلول من العام القادم. ويقول هيبلر "في البداية ارتكزت سياسة هذا الحزب على مناهضة اليورو كعملة أوروبية موحدة وهو لم يثمر ذلك. ثم بدأ شيئا فشيئا يركب على تيار معاداة الأجانب واليمينية الشعوبية. وفي سوق المخاوف والقلق أصبحت معاداة الإسلام وكراهية الأجانب حاليا صيحة من صيحات الموضة"
ويذكر أن حزب البديل من أجل المانيا الشعبوي، المعروف بمواقفه المناهضة للإسلام، كان قد حقق خرقا في انتخابات محلية جرت في مارس/آذار الماضي. فهل يستغل هذا الحزب هذه الورقة لبث القلق في قلوب الألمان ويكسب أصواتهم للدخول إلى البرلمان الألماني؟
على أية حال، الهجوم الذي قام به طالب اللجوء الأفغاني حتى الآن عمل فردي ولا يمثل اللاجئين، على حد تعبير زرغاز هارو، وهو أيضا طالب لجوء من أفغانستان، ويضيف قائلا لDWعربية: "يتعين على الألمان أن يعرفوا أيضا أن مثل هذا العنف هو الذي أجبرنا على الفرار من بلادنا."