هل يلتهم البحر كل جثث المهاجرين غير الشرعيين؟
١٦ أكتوبر ٢٠٠٩يقول كمال بلعابد، رئيس منظمة غير حكومية ، تعنى بشؤون الأفراد الذين هاجروا بطريقة غير شرعية ثم فقدوا في البحر "نحن نهتم بالمهاجرين الذين ترفض سلطات ضفتي المتوسط أوربية أو مغاربية الكشف عن مكان تواجدهم، و نحن نحضر قوائم المفقودين عبر وضع صورهم و أسمائهم و تواريخ ميلادهم، حتى نسهل عملية البحث عنهم، و لقد أعطينا المؤسسات الدولية والمحلية كل هذه القوائم".
وكمال بلعابد نفسه يبحث عن ابنه مروان، الذي ركب البحر قبل عام و نصف، من شواطئ عنابة 650 كلم شرق العاصمة الجزائر، و لم يظهر له أثر إلى الآن، و يعلم والده كمال، أنه كان متوجها إلى السواحل الإيطالية القريبة، لكنه اختفى جثة وخبرا.
ما مصير جثث المفقودين؟
من ناحيته، يؤكد همام عبد الله، ضابط في الحماية المدنية، بولاية بومرداس 50 كلم غرب العاصمة، أن الجثث البشرية لا يمكنها البقاء أكثر من أسبوع في عرض البحر، الذي سيلفظها إلى أي شاطئ شمالي أوروبي أو جنوبي مغاربي، و بما أن البحر المتوسط لا يحوي أسماك قرش تلتهم ما تراه جيفة، فإن الاختفاء الكلي لجثث الهالكين من المهاجرين غير الشرعيين مسألة مريبة حسب السيد همام.
و على هذا الأساس، ارتكز كمال بلعابد، على عملية بحثه عن ابنه مروان، و عن المفقودين الآخرين الذين جمع أوليئاهم معلومات في غاية الأهمية و قدموها إلى جمعية كمال بلعابد، التي تنشط في مدينة عنابة الشرقية. ومن بين هذه المعلومات، اتصالات هاتفية، في غاية الإثارة من طرف الشباب المهاجر بذويه قبل غرق قواربهم أو وصولها إلى السواحل التونسية القريبة، و قد زودتهم شركات الهاتف النقال في الجزائر بتواريخ المكالمات الهاتفية ومكانها، فكانت النتائج غريبة جدا. وفي هذا السياق يقول كمال بلعابد "انظر، هذه قوائم المكالمات وتواريخها ومكانها، بعضها من السواحل الجزائرية، وبعضها من داخل السواحل التونسية و الباقي في المياه الدولية".
التنمية بدلا من الحلول الأمنية
وفي محاولة لاستكشاف هذا الموضوع حاولت ديوتشه فيله الاتصال بوزارة التضامن الجزائرية التي امتنعت عن الإدلاء بأي تعليق بخصوص السؤالين التاليين: لماذا لا ترد الحكومة التونسية على طلبات وزارة التضامن الجزائرية بخصوص الجزائريين الذين فقدوا أو تحتجزهم تونس؟ ولماذا لا تتكفل الوزارة بملفات هؤلاء على أعلى مستوى كي لا يبقى ملفهم منسيا؟
ويرى المراقبون أن السكوت الرسمي الجزائري قد يكون دبلوماسية محضة تجاه ملف في غاية التعقيد، غير أن كمال بلعابد لا يشاطر هذا الرأي ويدعو إلى "كشف مصير المئات من الجزائريين وغير الجزائريين المحتجزين في تونس، و إن كان لابد من سجنهم حسب القوانين المعمول بها، فعلى الأقل يحق لذويهم معرفة مكانهم والاطمئنان عليهم" على حد تعبيره.
وهنا يتساءل المراقبون حول جدية هذه الإجراءات الأمنية لثني المهاجرين عن ركوب مخاطر البحر، وفي هذا الإطار يقول عزوني سيد علي، مدير مؤسسة كارفور للدراسات الاستثمارية في الجزائر "لا أعتقد أن إجراءات الردع و السجن سواء في الجزائر أو في غيرها بالإضافة إلى الاعتقال القسري، ستثنيان مرشحين آخرين عن الهجرة إلى أوربا". في حين دعا إلى إيجاد الظروف الاقتصادية الملائمة في الجزائر بما يوفر فرص العمل للشباب و بالتالي إعطائهم الأمل.
اليأس يطال الفئات المندمجة اقتصاديا
ولقد سجلت مصالح خفر السواحل الجزائرية، العشرات من المحاولات الناجحة والفاشلة للوصول إلى البر الأوروبي، بالرغم من الإجراءات الأمنية و العقابية القاسية، بل و تنوعت هويات المهاجرين التي كانت تشمل الرجال فقط، إذ أصبحت تضم أيضا الأطفال والنساء بما فيهن الحوامل.
وفي سياق متصل يعزي باحثون اجتماعيون في جامعة الجزائر أسباب الهجرة غير الشرعية إلى الاختلاف في الرؤى والطموحات بين الكثير مختلف مكونات المجتمع الجزائري من جهة، والحكومة الجزائرية من جهة أخرى. ففشل المجتمع في إعطاء دور ما لكل أفراده، دفع ببعضهم إلى حافة اليأس والحلم بالعيش في مجتمع آخر يعطيهم هذا الدور المفقود الذي يبحثون عنه كبشر.
ولقد أكدت بيانات خفر السواحل الجزائرية هذه الافتراضات بكشفها أن بين المهاجرين غير الشرعيين المقبوض عليهم، أو ممن عثر على جثثهم، رجالا و نساء غير عاطلين عن العمل، بل ومنتسبين إلى إدارات حكومية محلية. الأمر الذي يعني أن مسألة الهجرة غير الشرعية بدأت تتخذ أبعادا في غاية الخطورة ما قد يؤشر إلى خلل بشأن تماسك النسيج الاجتماعي الجزائري في بعض جوانبه على الأقل.
الكاتب: هيثم رباني
مراجعة: حسن زنيند