هل يمكن إخفاء برنامج نووي عسكري في عالم اليوم؟
١٧ مارس ٢٠١٢ يبدو أنه لم يعد ممكنا إخفاء أي شيء من الأنشطة في تلك الدول التي تسمح لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالتفتيش فيها. "يتحقق المفتشون من كميات المواد النووية، ومن التخصيب ومن الأنشطة النووية: ما هي الأنشطة التي انتهت؟" يوضح كلاوس ماير، وهو كيميائي في معهد ترانس يورانيوم (ITU) في مدينة كارلسروه الألمانية.
والمعهد هو مؤسسة بحثية تابعة للاتحاد الأوربي. ومهمة المعهد هي إجراء فحوص لعينات، مغفلة المصدر، مقدمة من كل من الوكالة الدولية للطاقة الذرية والجماعة الأوروبية للطاقة الذرية. وإذا ما كان لدى إحدى الدول برنامج نووي عسكري غير معلن، فإن المعهد سيتمكن حتما من التقاط آثاره. وفي هذا الإطار يقول ماير: "ننظر إلى طبيعة المواد المختبرة وإلى الأنشطة المعلنة، وعندها يمكن رؤية مدى التطابق بين الأمرين".
الجزئيات الكثيرة تشكل الصورة النهائية
هناك الكثير من الأمور التي تعطي إشارات على وضع النشاط النووي، فيمكن للمراقبين أن ينظروا إلى ما ينشره الباحثون في البلد المعني. كما يمكن الاستفادة من صور الأقمار الصناعية التي توضح إن كان هناك بناء محتمل لمنشآت سرية. معطيات من أجهزة مراقبة الصادرات وتحليل للمبادلات التجارية يبين ما هي المواد التقنية المتطورة التي تستوردها الدولة المعنية. "هذه المعلومات يجب أن تعطي فكرة عن الوضع"، يؤكد الكيميائي.
هناك طريقان يمكن من خلالهما للبلد أن ينتج أسلحة نووية: إما تخصيب المواد النووية في أجهزة طرد مركزية خاصة، أو بفصل البلوتونيوم عن عناصر الوقود النووي وذلك في منشآت إعادة الاستخدام. وكلا الطريقتين تتركان آثارا خلفهما. وهو ما يلتقطه المفتشون عبر تحليل جسيمات العينات المأخوذة من منشآت التقنية النووية. إما أن يختبروا المواد بأجهزة متطورة يأخذونها معهم إلى البلد الخاضع للتفتيش أو أن يجلبوا العينات معهم، ويقوموا بتحليلها في المخبر، وعندها تكون النتائج أكثر دقة طبعا. ويمكن للباحثين في معهد كارلسروه أن يحددوا نطاق انتشار الإشعاعات بدقة متناهية.
جهاز قياس لمطيافية الكتلة وميكروسكوب بنفس الوقت
أفضل طريقة لمعرفة إن كان بلد معين يخصب اليورانيوم لأغراض مدنية أم عسكرية هي تحليل الغبار الذري. "وحتى الجسيمات الدقيقة جدا يمكن فحص عملية تخصيبها بمنتهى الدقة"، يوضح ماير.
أما زميله المهندس ماغنوس هيدبيرغ فقد قدم جهازا ثنائيا لقياس مطيافية الأيونات. ويمكن عبر هذا الجهاز معرفة إن كانت العينة تتعلق بيورانيوم طبيعي، أم بيورانيوم منخفض التخصيب في مفاعل نووي، أم بيورانيوم مرتفع التخصيب مخصص لإنتاج الأسلحة. وهذا ليس كل شيء، فالجهاز يمكنه فعل الكثير، فهو يقدم صورا متناهية الدقة والصفاء. كما يستخدم كميكروسكوب لفحص الأيونات. "يمكننا بهذا الجهاز التقاط صور لجسميات صغيرة"، يؤكد هيدبيرغ، الذي يضيف، "يمكننا خلال ساعات قليلة أن نفحص مئات الملايين من الجسيمات، فقط لنجد في النهاية جسيمات نووية قليلة، وهي التي تهمنا".
إجراءات التحليل هذه دقيقة للغاية، بحيث أنه تسمح بتحليل حتى العمل الذي تم سابقا في المنشأة النووية، كما يقول الكيميائي ماير.
غازات الغلاف المحيط تكشف العمليات
يمكن للعلماء أن يستخلصوا بعض الأمور حول عمليات الإنتاج: في أي درجة حرارة وبأي مفاعلات كيميائية تم الإنتاج. وبالنسبة للبلوتونيوم فيمكنهم معرفة في أي نوع من المفاعلات تم تخصيبه. ولأخذ مثل تلك العينات ليس بالضرورة أن يدخل المفتشون إلى المعامل أو المختبرات. ويشرح ماير بأنه "يمكن عمل ذلك في أماكن تغيير العمال لملابسهم أو في أماكن تناول الطعام أو في مكتب المدير. سنجد دائما آثارا متشابهة ونفس عمليات التخصيب".
لا يمكن التحقق من التخصيب إلا في محيط المنشأة، أما إعادة معالجة اليورانيوم فيمكن قياسها حتى خارج محيط البلد، لأن مثل تلك المنشآت تطلق إشعاعات الكربتون والزينون. ولكن هذا لا يكفي بحد ذاته لمعرفة إن كان هناك فصل للبلوتونيوم القابل لإنتاج الأسلحة.
ولهذا فالأمر مهم جدا بالنسبة للمفتشين في أن يبحثوا عن قرائن وأدلة مختلفة: "كمفتش يجب أن أبقى يقظا طوال الوقت، وغياب الأدلة ليس دليلا على عدم وجود نشاطات معينة"، يؤكد كلاوس ماير. فالتحقق يجب أن يتم بصورة متواصلة ودقيقة.
فابيان شميت/ فلاح آل ياس
مراجعة: أحمد حسو