الحمل ليس سببا لقبول طلب اللجوء، لكن ماذا لو تم رفض طلب لجوء المرأة الحامل ومطالبتها بمغادرة ألمانيا؟ محاولة ترحيل طالبة لجوء إيرانية حامل، سلط الضوء على هذا الموضوع وأثار الجدل حول ترحيل اللاجئات الحوامل.
إعلان
في منتصف إحدى ليالي شهر أكتوبر/ تشرين الأول 2018، وجدت امرأة إيرانية حامل مصابة بداء السكري، نفسها في محطة القطارات في مدينة هانوفر الألمانية وفي جيبها 100 يورو فقط، وهي تنتعل "شبشابا" وسروالا قصيرا وسترة خفيفة، لدى محاولة ترحيلها من ألمانيا. إذ كانت السلطات الألمانية تريد ترحيل طالبة اللجوء الإيرانية مع زوجها وطفلهما البالغ 18 شهراً إلى كرواتيا بموجب اتفاقية دبلن، حيث تقدما بطلب اللجوء لأول مرة بعد فرارهما من إيران.
وقد وصلت الأسرة الإيرانية إلى ألمانيا في مايو/ أيار 2018. وفي يوليو تم رفض طلبها للحصول على اللجوء في ألمانيا. حاولت سلطات الهجرة أولاً إعادتها إلى كرواتيا في سبتمبر/ أيلول ، لكن العائلة احتجت على الأمر. بعدها اقتيد رب الأسرة إلى سجن الترحيل. بحلول شهر أكتوبر/ تشرين الأول، كانت المرأة قد أُدخلت إلى المستشفى الجامعي في مدينة ماينز نظراً لإصابتها بداء سكري الحمل.
ووفقاً لرسالة مؤرخة في الثاني من نوفمبر/ تشرين الثاني من مجلس اللاجئين في ولاية راينلاند بفالتس، وقّعت عليها 12 منظمة تساعد النساء في مجال سياسات الهجرة في المنطقة، فقد دخلت المرأة إلى العيادة حيث كانت بحاجة إلى جرعة من الأنسولين ورقدت في الفراش للحصول على قسط من الراحة. بعد يوم واحد فقط، وصل نحو 10 من رجال الشرطة إلى غرفتها في منتصف الليل وقاموا بوضعها وابنها في سيارة إسعاف ليتم نقلهما إلى مطار هانوفر لتنفيذ قرار الترحيل.
اعتراض
وتفيد التقارير بأن الأسرة واصلت الاحتجاج على القرار ما حدا بقائد الطائرة إلى رفض إدارج العائلة على قائمة الركاب. عندها قامت السلطات المحلية بنقل الرجل إلى وحدة الترحيل، فيما منحت المرأة 100 يورو لتستقل قطاراً للعودة إلى ماينز، ولينتهي بها المطاف في محطة قطارات بمدينة هانوفر في منتصف الليل مرتدية ملابس بسيطة ونعلاً منزلياً!.
مجلس اللاجئين قال في رسالته إن "مرض السكري يعرض الحمل للخطر" وأن السيدة "كان يجب ألا يتم اتخاذ قرار بترحيلها بسبب ذلك. هذه مهمة السياسيين والأطباء الذين كان يجب عليهم التأكد من أن السيدة ستتاح لها فرصة الحصول على حمل صحي وخالٍ من المشاكل".
وتقول السلطات الألمانية المختصة إنها راجعت الأمر مع العيادة وأن الأطباء سمحوا باتخاذ إجراءات الترحيل. لكن العيادة نفسها أصدرت بياناً صحفياً قالت فيه إن السلطات لم تطلب أبداً مثل هذا الإذن للمضي في إجراءات ترحيل السيدة ومن المؤكد أنها لم تعط الإذن بذلك". ويشدد مجلس اللاجئين على أن سلطات الترحيل تجاوزت الخطوط الحمراء وكسرت المحرمات في هذه القضية. لكن في قانون الهجرة الألماني لا يذكر الحمل بشكل مباشر كسبب لوقف عمليات الترحيل من البلاد.
المهاجرون واللاجئات الحوامل
يقدم المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين (BAMF) على موقعه الإلكتروني معلومات حول إجازة الحمل والولادة. توجد إجابات على كافة الأسئلة من الصحة إلى الاقتصاد والحقوق الشخصية على شكل ملفات كتابية وصوتية يمكن تنزيلها وحفظها. ومع ذلك، لا يوجد أي ذكر لأي قانون ينص صراحة على أنه لا يجوز للسلطات ترحيل امرأة حامل.
تنص المادة 60 من القانون الألماني على الحالات التي يُحظر فيها الترحيل. في الفقرة 7 من تلك المادة، يُذكر أن الأسباب الصحية الوحيدة التي قد تمنع الترحيل هي إذا كان الشخص يعاني من "مرض خطير يهدد الحياة أو على درجة عالية من الخطورة، والذي قد يتطور ليصبح أكثر سوءاً بسبب الترحيل". وينص البند على أن "النظام الصحي في الدولة التي يتم إعادة الشخص المرحل إليها ليس من الضروري أن يكون بنفس مستوى النظام الصحي في ألمانيا".
على الرغم من عدم ذكر مسألة الحمل بشكل محدد في هذه المادة، لكن وبموجب القانون الألماني فإن المرحلة عالية الخطورة في الحمل الطبيعي تستمر من ستة أسابيع قبل الولادة إلى ثمانية أسابيع بعدها. يتزامن ذلك مع فترة إجازة الوضع القانونية التي تكفلها الدولة الألمانية. لذلك قد لا تعتبر السيدة التي تمر بالمراحل المبكرة من الحمل معرضة للخطر إذا ما استقلت رحلة جوية إلى كرواتيا، والتي هي بلد قريب في الاتحاد الأوروبي. من ناحية أخرى، فإن أي سيدة على وشك الولادة ستمنع من ركوب الطائرة.
حالات سابقة
في الماضي، كان على القانون الألماني أن يتعامل مع أحكام تتعلق بالهجرة والترحيل والحمل، هذا بالإضافة إلى حالات خاصة أخرى مثل أن يكون والد الطفل الذي لم يولد بعد قد رفض طلب لجوئه، أو أن الطفل الذي سيولد لأم ألمانية أعيد والده إلى ألمانيا إلى حين ولادة الطفل.
في مايو/ أيار 2018، تم الترتيب لترحيل امرأة من ألمانيا إلى إيطاليا التي كانت أول بلد تصل إليه في الاتحاد الأوروبي. السيدة كانت من سيراليون وفي شهورها الأخيرة من الحمل. لكن إجراءات الترحيل من بافاريا تم تعطيلها على إثر اعتراضات شديدة من السيدة في المطار. ويعني التأخير في تنفيذ عملية الترحيل أنه بحلول الوقت الذي سيتم فيه تنفيذ المحاولة الثانية للترحيل ستكون السيدة قد دخلت رسميًا فترة إجازة الوضع في ألمانيا ما يعني أنه لن يصبح من الممكن قانونياً ترحيلها إلا بعد الولادة. وبذلك تم تعليق النظر في قضيتها لمدة ستة أشهر.
أما في حالة السيدة الإيرانية، فقد أفاد أطباء المستشفى بأن الطريقة التي أُخذت بها المرأة من عيادتهم "مقلقة للغاية"، فيما قالت وزارة الاندماج في ولاية راينلاند بفالتس إنها ستعمل مع السلطات لإيجاد "حل عملي للجميع". ولكن حتى الآن لا يعد مرور السيدات بالمراحل الأولى من الحمل سبباً لمنع الترحيل من ألمانيا.
اللاجئون في ألمانيا - من "ثقافة الترحيب" إلى "سياسة الترحيل"
في خريف عام 2015، فتحت ألمانيا أبوابها للآلاف من اللاجئين. وكان تفهم الألمان لمآسي هؤلاء ملفتا جداً. إلا أن أحداثاً عديدة قلبت ثقافة الترحيب إلى مطالب بالترحيل. بالصور: محطات من السياسة الألمانية تجاه اللاجئين.
صورة من: picture-alliance/dpa/G. Fischer
بداية الموجة
في 25 آب/ أغسطس 2015، علقت ألمانيا تنفيذ اتفاق دبلن تجاه اللاجئين السوريين. وينص الاتفاق على إعادة اللاجئين إلى بلد دخلوه في الاتحاد الأوروبي. وبعدها بأيام قالت المستشارة ميركل إن التغلب على موجة اللجوء؛ "مهمة وطنية كبيرة"، كما أصرت على أن "ألمانيا ستنجح في هذه المهمة". وخشيةً من مأساة تحل بآلاف اللاجئين، قررت ميركل إلى جانب النمسا استقبال اللاجئين، وكان ذلك في الخامس من أيلول/ سبتمبر 2015.
صورة من: Reuters/H. Hanschke
استقبال وترحيب
مثلت ""ثقافة الترحيب" عنصراً مهماً في استقبال اللاجئين في خريف 2015. وقد حظي اللاجئون عند وصولهم إلى عدد من المدن الألمانية بترحيب منقطع النظير من جانب المتطوعين من المواطنين الألمان والأجانب المقيمين في ألمانيا. وبادر هؤلاء المتطوعون إلى تقديم المساعدة المعنوية والمادية للعديد منهم. ففي ميونيخ مثلاً، تم إنشاء مطاعم مؤقتة للاجئين المنتظرين تسجيل أسماءهم لدى الشرطة، ونقلهم إلى مراكز الإيواء.
صورة من: picture alliance/dpa/J. Carstensen
أزمة السكن
عدد كبير من اللاجئين قصد ألمانيا بعد قرار ميركل عام 2015. الأرقام المتزايدة للاجئين شكلت تحديا كبيراً للألمان. وبدأت مدن ألمانية باستعمال المباني الخالية أو المهجورة كمراكز إيواء للاجئين، فيما استدعت السلطات الحكومية المختصة الموظفين المتقاعدين للعمل من جديد في مراكز اللاجئين. ويعتبر هذا المعطى واحداً من المؤشرات الأخرى التي فرضت على ألمانيا دخول تحدٍ جديدٍ، بسبب اللاجئين.
صورة من: picture-alliance/dpa/I. Fassbender
بداية أحداث قلبت الموازين
كانت أحداث كولونيا، التي وقعت في ليلة رأس السنة الجديدة 2016/2015 بداية فاصلة لتغير مزاج الألمان تجاه اللاجئين. حيث شهدت تلك الليلة عملية تحرش جماعي كبرى لم تشهدها ألمانيا من قبل. تلقت الشرطة مئات البلاغات من نساء تعرضن للتحرش والسرقة وفتحت الشرطة أكثر من 1500 تحقيق لكن السلطات لم تنجح في التعرف إلا على عدد قليل من المشتبه بهم، الذين كانت ملامحهم شرق أوسطية وشمال إفريقية، طبقا لشهود.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Böhm
مطالب بالترحيل
أعمال التحرش الجنسي في كولونيا، ليلة رأس السنة، تسببت في موجة استياء واسعة في ألمانيا بداية من عام 2016، وقد دفعت كثيرين للمطالبة بتشديد القوانين لترحيل الجناة وجعلت آخرين يطالبون بتفادي تجريم فئة معينة في المجتمع. وكانت حركة "بغيدا" أهم الأطراف، التي دعت إلى وقف تدفق اللاجئين على ألمانيا. وتعارض هذه الحركة الشعبوية بوجه خاص إيواء لاجئين من دول إسلامية بدعوى أن ثقافتهم لا تنسجم مع القيم الغربية.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Kappeler
تحديد سقف لعدد اللاجئين
على خلفية اعتداءات كولونيا ليلة رأس السنة، وجد زعيم الحزب الاجتماعي المسيحي المحافظ آنذاك هورست زيهوفر في الواقعة فرصة للتأكيد على طلبه الرئيسي المتمثل في تحديد سقف أعلى لعدد اللاجئين المسموح لهم بدخول ألمانيا. لكن ميركل كانت قد رفضت الأمر في مؤتمر حزب "الاتحاد الاجتماعي المسيحي" (البافاري) في ميونيخ.
صورة من: picture-alliance/dpa/D. Karmann
هجمات متفرقة ينفذها لاجئون
وقام بعض اللاجئين بأعمال عنف و"إرهاب" جعلت مؤيدين كُثراً يسحبون دعمهم لسياسة الترحيب. ومن أبرز هذه الاعتداءات، ما حصل بمدينة أنسباخ جنوبي ألمانيا. فقد فجَّر طالب لجوء سوري عبوة ناسفة من صنعه وهو ما أدى إلى مقتله وإصابة 12 شخصاً. كما أصاب طالب لجوء آخر (2016) خمسة أشخاص بجروح بفأس وسكين على متن قطار في فورتسبورغ.
صورة من: Reuters/M. Rehle
هجمات معادية للاجئين
وفي المقابل قام أشخاص بالاعتداء على مجموعة من مراكز إيواء اللاجئين مثل إضرام الحريق في مركز فيرتهايم. كما شهدت بعض المدن الألمانية مظاهرات معادية لاستقبالهم. هذه التصرفات دفعت المستشارة ميركل للقول إنه لا تسامح مع اليمينيين المتطرفين الذين يقومون بهجمات ضد اللاجئين.
صورة من: picture-alliance/dpa/R. Engmann
عملية دهس وراءها داعش!
في 19 ديسمبر/ كانون الأول 2016 اهتزت برلين لفاجعة الدهس بشاحنة، التي أدت لمقتل 12 شخصاً وإصابة 48 آخرين. هذا العمل الإرهابي قام به لاجئ في ألمانيا، فقد وُجهت التهمة لأنيس العامري، وهو تونسي الجنسية، كان يبلغ حينها 24 عاماً، باختطاف شاحنة بولندية ضخمة، ودهس بها تجمعاً بشرياً بأحد أسواق أعياد الميلاد في قلب برلين، قبل أن تقتله الشرطة الإيطالية. وقد أعلنت "داعش" فيما بعد تبنيها للاعتداء.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Kappeler
سياسة ميركل في مرمى الانتقادات
تصاعد الأزمات، وتفاقم المشاكل جعل شعبية المستشارة ميركل تقل، فقد اتهمها منتقدوها بأن سياسة "الباب المفتوح" التي اتبعتها فاقمت الأوضاع من خلال تشجيع المزيد من اللاجئين على الدخول في رحلاتهم الخطرة نحو أوروبا. وفي سبتمبر 2016 بدأت ألمانيا أيضا بعمليات مراقبة مؤقتة على حدودها مع النمسا.
صورة من: Getty Images/J. Simon
هل ستستقبل ألمانيا لاجئين جدد؟
أعلنت المفوضية الأوروبية لشؤون اللاجئين موافقة الحكومة الألمانية على استقبال 10 آلاف لاجئ ضمن برنامج "إعادة التوطين" التابع للاتحاد الأوروبي، في الوقت الذي يحاول وزير الداخلية الألمانية الإسراع بفتح مراكز جديدة للاجئين تتولى استقبال اللاجئ والبت في قراره ثم ترحيله في حالة رفض طلبه. بالإضافة إلى توجهه نحو التشدد حيال لمّ شمل عائلات اللاجئين الحاصلين على الحماية الثانوية. إعداد: مريم مرغيش