هل يمكن للعراق التحرر من "الهيمنة" الأمريكية والإيرانية؟
٦ يناير ٢٠٢٠بعد الوعيد الإيراني بردود فعل "قاسية" و"مؤلمة" على مقتل قاسم سليماني وأبي مهدي المهندس، جاءت أوّل التحركات من الكتل العراقية الموالية لطهران بالتصويت على قرار في البرلمان العراقي ينصّ على إلغاء طلب المساعدة الأمنية من التحالف الدولي، وإنهاء وجود أيّ قوات أجنبية على الأراضي العراقية، في رسالة موجهة بالأساس إلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي وافق على عملية أفضت إلى مصرع أبرز شخصية عسكرية إيرانية.
غير أن المتتبعين للشأن العراقي، يُدركون أن ترامب غير مستعد لإعطاء طهران فرصة تشديد قبضتها على العراق وبالتالي شغر الفراغ الذي قد تتركه قواته، في ظل المقاومة التي تبديها إيران لكل المطالب الرامية إلى إخراجها من العراق، بل إن ترامب لعب دوراً سلبياً في الحراك المناوئ لإيران ولو كان ذلك بشكل غير مقصود، فاغتيال سليماني والمهندس، يتيح لمعارضي الحراك خلق ضغط مضادٍ يعتمد على توجهات القوى الشيعية المؤيدة لإيران، وهو ما يهدّد استمرار الحراك، وفق ما أكده باحثان لـDW إنجليزي.
برلمان مع الحراك؟
للوهلة الأولى، يظهر قرار البرلمان – الذي يبقى غير ملزم للحكومة بما أنه لم يرتقِ إلى أن يصبح قانونا- متسقاً مع مطالب الحراك التي نادت باستقلالية تامة للعراق من القوى الأجنبية، وتحديداً الإيرانية والأمريكية، بيدَ أن علي كريم، ناشط بالحراك من البصرة، يرّد أن ساحات الاحتجاج لم تنادِ بجلاء القوات الأمريكية، بل طالبت بإسقاط المنظومة السياسية الحالية وتعديل الدستور والتحضير لانتخابات قادمة.
ويتابع كريم في حديث لـDW عربية إلى أن قرار البرلمان مجرّد رد فعل على العملية الأمريكية الأخيرة ويمثل بالأساس الإيديولوجيات الشيعية الموالية لإيران، مضيفاً أن تداول هاشتاغ " #البرلمان_العراقي_لا_يمثلني" دليل على وعي المتظاهرين بأن البرلمان ينفذ فقط أجندات خاصة بإيران. وما يدعم تصريحات الناشط أن النواب السنة والكرد قاطعوا جلسة البرلمان التي خلصت إلى القرار المذكور.
وتوجد عوامل كثيرة وراء تخلّف السنة والكرد عن التصويت على هذا القرار، السبب حسب واثق الهاشمي، رئيس المجموعة العراقية للدراسات الاستراتيجية، في حديث لـDW عربية، هو أن الكرد والسنة لا يرغبون بخروج القوات الأمريكية، فالأكراد يرون فيها داعماً عسكرياً وسياسياً في الكثير من الملفات، بينها يرى السنة أن الوجود الأمريكي يُوازن البلاد أمام الضغط الإيراني، بل إن حتى نواباً من داخل الكتل الشيعية، يرون ضرورة استمرار حضور واشنطن ضمانا لهذا التوازن، حسب قول الخبير.
لكن الهاشمي وإن كان يتفق مع فكرة وجود اختلاف كبير بين مطالب الحراك وقرار البرلمان، فهو يشير إلى أن الشعب العراقي يريد فعلا إخراج كل القوات الأجنبية من البلاد، لكن هذا المطلب يصطدم بتعدد الولاءات في البلاد لهذه القوى، خاصة بين الجانبين الإيراني والعراقي. ويوّضح الهاشمي أكثر أن الصراع الأمريكي - الإيراني اتخذ العراق ساحة له، فصارت استقلالية القرار العراقي أمراً صعباً في ظل الضغوطات التي يفرضها كل طرف على المقرّبين منه.
إخراج القوات الأمريكية.. أمر واقعي؟
رغم اجتثاث "داعش" من جلّ المناطق التي سيطر عليها في العراق، إلّا أن الوضع الأمني في العراق لا يزال هشاً ويحتاج وفق خبراء لمزيد من الدعم الدولي حتى تتمكن القوات العراقية من بسط سيطرتها. وليس الأسباب الأمنية ما تجعل ترامب يريد البقاء أكثر في العراق، فهناك مصالح اقتصادية كبيرة للولايات المتحدة، منها الإبقاء على قواعد أمريكية في دولة ذات موقع جد استراتيجي.
وليس نقاش سحب القوات الأمريكية من العراق جديدا، فالرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما أعلن عن انسحاب كامل عام 2011، لكن أوضاع العراق لم تستقر بعد ذلك، بل تمكن تنظيم "داعش" من السيطرة على مدينة الموصل، وقام بمذابح واسعة ضد الأقليات الدينية، ما دفع واشنطن إلى العودة إلى العراق، وهذه المرة تحت مظلة التحالف الدولي لمواجهة "داعش" في العراق وسوريا.
فهل يتم تنفيذ قرار البرلمان هذه المرة على أرض الواقع فعلاً؟ يجيب الهاشمي أن "القرار نابع من ضغوط إيرانية على النواب الحاضرين، لكنه يبقى عاطفياً بالأساس، والمفروض أن قراراً بهذا الحجم لا يصدر إلا بعد مفاوضات عسكرية، عبر تفاوض رئيس الوزراء مع قيادة الجيش والأمن، للتأكد فعلا من إمكانية سيطرة الجيش والقوات الأمنية على الوضع في البلاد".
فيديو مسرب من جلسة البرلمان العراقي، يتحدث فيها رئيس البرلمان محمد الحلبوسي عن مخاطر قرار إخراج القوات الأميركية من العراق:
ويمضي الهاشمي في التأكيد أن "الولايات الأمريكية عندما احتلت العراق عام 2003، ابتغت من أجل ذلك تحقيق عدة أهداف استراتيجية، وبالتالي فخروجها لن يكون أبداً سهلا"، فترامب، حسب المتحدث، سيجبر العراق "على دفع تكاليف باهظة في حال الإصرار على رحيل القوات الأمريكية، ومن ذلك إلغاء الاستثناء من (العقوبات الاقتصادية التي تفرضها واشنطن على كل من يتعامل مع إيران اقتصاديا)، الذي يتمتع به العراق، مع ما ينجم عن ذلك من تداعيات اقتصادية وحتى اجتماعية ستزيد من مشاكل العراق".
من جهة ثانية، وفي رأي علي كريم، فإنه من الناحية الأمنية، يبقى طرد القوات الأجنبية "أمراً غير ممكن، لأنها كانت تساند القوات المحلية في الحرب ضد "داعش"، وقدمت في ذلك دعماً كبيراً يجعل مكانتها الأمنية في غاية الأهمية حالياً". كما يوجد عامل سياسي وراء انتشار تخوّف شعبي من اشتداد العداء بين الحكومة البرلمانية وواشنطن. وحسب علي كريم، يمكن لهذا التوتر أن يؤدي إما لحرب بين إيران والولايات المتحدة، أو لإقرار حصار اقتصادي على البلد كما جرى في عهد نظام صدام حسين.