أظهرت دراسة أجرتها وزارة الصحة الهولندية أن أكثر من 40 بالمئة من اللاجئين السوريين في هولندا يعانون من اضطرابات نفسية، كما أن غالبية أولئك اللاجئين لا يستفيدون من عروض العلاج المقدمة لهم. فما هي الأسباب؟
إعلان
قبل بضع سنوات وصل اللاجئ السوري أبو سليمان مع عائلته إلى هولندا، إلا أنه مازال يعاني من صعوبة التأقلم مع المجتمع الجديد، كما يقول. فاللاجئ الخمسيني يجد صعوبة في تعلم اللغة الهولندية، ما يؤثر على إمكانية حصوله على عمل، وهذا ما يجعله يضيق ذرعاً بحاله، ويشكو من صعوبة الاندماج في المجتمع الجديد، بل ويصاب بحالة من الكآبة. يقول أبو سليمان لمهاجر نيوز: "في سوريا كان عملي جيداً، لكنني الآن لا أجد عملاً هنا، وأعيش على إعانات الدولة"، ويتابع: "أريد أن أعمل لكي لا أعتمد على هذه الإعانات، فنحن لم نتعود على هذا". وأبو سليمان ليس سوى واحد من آلاف اللاجئين السوريين في هولندا، الذين يعانون من الاكتئاب والكآبة. فقد كشفت دراسة لوزارة الصحة الهولندية أن أربعة من بين كل عشرة لاجئين سوريين في البلاد يشكون من اضطرابات نفسية.
وأظهرت الدراسة، التي نشرت نتائجها يوم الجمعة (الأول من حزيران/يونيو)، أن 41 بالمائة من إجمالي 44 ألف لاجئ سوري حصلوا على حق الإقامة في هولندا خلال الفترة من كانون الثاني/يناير 2014 حتى تموز/يوليو 2016 مصابون باضطرابات نفسية.
ما هي الأسباب؟
وأشارت الدراسة إلى أن اللاجئين السوريين الذين قدموا إلى هولندا استغرقت رحلتهم في المتوسط نحو عام قبل وصولوهم إلى البلاد. وبسبب طول الرحلة، تعرض نحو 75 بالمئة منهم لسوء المعاملة أو لمخاطر غرق القوارب التي فروا على متنها، بحسب الدراسة. كما أظهرت الدراسة أن 83 بالمائة من اللاجئين السوريين قدموا إلى هولندا بمساعدة عصابات الاتجار بالبشر، واستدانوا كثيراً لهذه الغاية، ما جعلهم يعانون من مشاكل نفسية.
ويرى الدكتور علي التميمي، الخبير النفسي وعضو المعهد الهولندي للأخصائيين النفسانيين أن الكثير من اللاجئين السوريين في هولندا يعانون من "اضطراب ما بعد الصدمة"، والذي ترافقه أحياناً حالة من الاكتئاب أو الخوف. ويضيف التميمي، لمهاجر نيوز الذي يعالج الناس في عيادته بمدينة لاهاي الهولندية، أن هناك عدة أسباب لإصابة اللاجئين السوريين باضطرابات نفسية، ويتابع: "هناك أسباب تتعلق بالحرب والعنف وتعرض بعضهم لتجارب مؤلمة وصادمة، وأسباب تتعلق بالمخاطر الكبيرة التي واجهوها في طريق اللجوء، بالإضافة إلى انتقالهم من مجتمع ذي ثقافة معينة إلى مجتمع ذي ثقافة أخرى". ويعتقد اللاجئ السوري شفان محمد المقيم في هولندا، أن سبب اكتئاب العديد من اللاجئين السوريين في البلاد هو "انصدامهم بالواقع الجديد"، ويضيف لمهاجر نيوز أن "بعض الأشخاص يعانون من البطالة والفراغ وبالتالي الاكتئاب، إذ قد يبقون في المخيمات لفترات طويلة، بالإضافة إلى صعوبة حصولهم على عمل"، مشيراً إلى أن الاكتئاب ينتشر بشكل خاص بين الكبار في السن من اللاجئين.
عزوف عن العلاج
وبحسب الدراسة فإن نسبة المصابين بأمراض نفسية بين السوريين أعلى من المتوسط العام للمصابين بأمراض نفسية في هولندا، والذي يبلغ 13 بالمئة. وبالرغم من ذلك فقد كشفت الدراسة أن غالبية اللاجئين السوريين لا يستخدمون عروض المساعدة المقدمة لهم في العلاج. ويرى الخبير النفسي، علي التميمي، أن عزوف اللاجئين الذين يعانون من اضطرابات نفسية عن طلب المساعدة "يعود إلى مفهوم خاطئ منتشر في الثقافة العربية وهو الخلط بين الاضطرابات النفسية والاضطرابات العقلية"، ويتابع: "الكثير من العرب يعتقدون أن من يطلب المساعدة النفسية وصل إلى حالة من الجنون، وهي ما تعتبر حالة معيبة في الثقافة العربية".
وقد يلعب عامل اللغة أيضاً دوراً في تجنب اللاجئين الحصول على المساعدة، كما يرى التميمي، ويقول "غالبية السوريين في هولندا حديثو العهد هنا، ولا يتوفر لديهم مستوى لغوي يساعدهم على التعبير عما يريدون قوله بشكل جيد"، ويضيف بأن "عدد الخبراء النفسيين العرب أيضاً مازال قليلاً بالنسبة للعدد الكبير للاجئين بسبب عدم وجود معالجين نفسيين عرب مؤهلين لتقديم الخدمات وفقاً للمواصفات المحددة من قبل وزارة الصحة الهولندية".
التركيز على السوريين؟
وبالرغم من وجود اضطرابات نفسية بين اللاجئين من دول أخرى أيضاً، إلا أن الموجة الكبيرة من اللاجئين السوريين الذين وصلوا دفعة واحدة إلى هولندا جعل حالة اللاجئين السوريين ظاهرة واضحة للعيان، كما يرى التميمي. ويقول الخبير النفسي: "إذا قارنا مثلاً بين اللاجئين السوريين والعراقيين، نجد أن قدوم العراقيين إلى هولندا كان على دفعات وليس على شكل موجة كالسوريين".
وينصح التميمي جميع اللاجئين الذين يعانون من اضطرابات نفسية وخصوصاً السوريين منهم ألا يترددوا في مراجعة المراكز الموثوق بها في هولندا لطلب المساعدة، مشيراً إلى وجود بعض اللاجئين الذين يخافون أن ينشر المعالج النفسي أخبار اضطرابات المريض، ويوضح: "أدعو اللاجئين أن يكونوا مطمئنين وواثقين بأن المعالج النفسي يحافظ على معلوماتهم الشخصية، لأن الرعاية النفسية لها أخلاقيات وقوانين تضبط العمل".
محيي الدين حسين
اللاجئون في ألمانيا - من "ثقافة الترحيب" إلى "سياسة الترحيل"
في خريف عام 2015، فتحت ألمانيا أبوابها للآلاف من اللاجئين. وكان تفهم الألمان لمآسي هؤلاء ملفتا جداً. إلا أن أحداثاً عديدة قلبت ثقافة الترحيب إلى مطالب بالترحيل. بالصور: محطات من السياسة الألمانية تجاه اللاجئين.
صورة من: picture-alliance/dpa/G. Fischer
بداية الموجة
في 25 آب/ أغسطس 2015، علقت ألمانيا تنفيذ اتفاق دبلن تجاه اللاجئين السوريين. وينص الاتفاق على إعادة اللاجئين إلى بلد دخلوه في الاتحاد الأوروبي. وبعدها بأيام قالت المستشارة ميركل إن التغلب على موجة اللجوء؛ "مهمة وطنية كبيرة"، كما أصرت على أن "ألمانيا ستنجح في هذه المهمة". وخشيةً من مأساة تحل بآلاف اللاجئين، قررت ميركل إلى جانب النمسا استقبال اللاجئين، وكان ذلك في الخامس من أيلول/ سبتمبر 2015.
صورة من: Reuters/H. Hanschke
استقبال وترحيب
مثلت ""ثقافة الترحيب" عنصراً مهماً في استقبال اللاجئين في خريف 2015. وقد حظي اللاجئون عند وصولهم إلى عدد من المدن الألمانية بترحيب منقطع النظير من جانب المتطوعين من المواطنين الألمان والأجانب المقيمين في ألمانيا. وبادر هؤلاء المتطوعون إلى تقديم المساعدة المعنوية والمادية للعديد منهم. ففي ميونيخ مثلاً، تم إنشاء مطاعم مؤقتة للاجئين المنتظرين تسجيل أسماءهم لدى الشرطة، ونقلهم إلى مراكز الإيواء.
صورة من: picture alliance/dpa/J. Carstensen
أزمة السكن
عدد كبير من اللاجئين قصد ألمانيا بعد قرار ميركل عام 2015. الأرقام المتزايدة للاجئين شكلت تحديا كبيراً للألمان. وبدأت مدن ألمانية باستعمال المباني الخالية أو المهجورة كمراكز إيواء للاجئين، فيما استدعت السلطات الحكومية المختصة الموظفين المتقاعدين للعمل من جديد في مراكز اللاجئين. ويعتبر هذا المعطى واحداً من المؤشرات الأخرى التي فرضت على ألمانيا دخول تحدٍ جديدٍ، بسبب اللاجئين.
صورة من: picture-alliance/dpa/I. Fassbender
بداية أحداث قلبت الموازين
كانت أحداث كولونيا، التي وقعت في ليلة رأس السنة الجديدة 2016/2015 بداية فاصلة لتغير مزاج الألمان تجاه اللاجئين. حيث شهدت تلك الليلة عملية تحرش جماعي كبرى لم تشهدها ألمانيا من قبل. تلقت الشرطة مئات البلاغات من نساء تعرضن للتحرش والسرقة وفتحت الشرطة أكثر من 1500 تحقيق لكن السلطات لم تنجح في التعرف إلا على عدد قليل من المشتبه بهم، الذين كانت ملامحهم شرق أوسطية وشمال إفريقية، طبقا لشهود.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Böhm
مطالب بالترحيل
أعمال التحرش الجنسي في كولونيا، ليلة رأس السنة، تسببت في موجة استياء واسعة في ألمانيا بداية من عام 2016، وقد دفعت كثيرين للمطالبة بتشديد القوانين لترحيل الجناة وجعلت آخرين يطالبون بتفادي تجريم فئة معينة في المجتمع. وكانت حركة "بغيدا" أهم الأطراف، التي دعت إلى وقف تدفق اللاجئين على ألمانيا. وتعارض هذه الحركة الشعبوية بوجه خاص إيواء لاجئين من دول إسلامية بدعوى أن ثقافتهم لا تنسجم مع القيم الغربية.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Kappeler
تحديد سقف لعدد اللاجئين
على خلفية اعتداءات كولونيا ليلة رأس السنة، وجد زعيم الحزب الاجتماعي المسيحي المحافظ آنذاك هورست زيهوفر في الواقعة فرصة للتأكيد على طلبه الرئيسي المتمثل في تحديد سقف أعلى لعدد اللاجئين المسموح لهم بدخول ألمانيا. لكن ميركل كانت قد رفضت الأمر في مؤتمر حزب "الاتحاد الاجتماعي المسيحي" (البافاري) في ميونيخ.
صورة من: picture-alliance/dpa/D. Karmann
هجمات متفرقة ينفذها لاجئون
وقام بعض اللاجئين بأعمال عنف و"إرهاب" جعلت مؤيدين كُثراً يسحبون دعمهم لسياسة الترحيب. ومن أبرز هذه الاعتداءات، ما حصل بمدينة أنسباخ جنوبي ألمانيا. فقد فجَّر طالب لجوء سوري عبوة ناسفة من صنعه وهو ما أدى إلى مقتله وإصابة 12 شخصاً. كما أصاب طالب لجوء آخر (2016) خمسة أشخاص بجروح بفأس وسكين على متن قطار في فورتسبورغ.
صورة من: Reuters/M. Rehle
هجمات معادية للاجئين
وفي المقابل قام أشخاص بالاعتداء على مجموعة من مراكز إيواء اللاجئين مثل إضرام الحريق في مركز فيرتهايم. كما شهدت بعض المدن الألمانية مظاهرات معادية لاستقبالهم. هذه التصرفات دفعت المستشارة ميركل للقول إنه لا تسامح مع اليمينيين المتطرفين الذين يقومون بهجمات ضد اللاجئين.
صورة من: picture-alliance/dpa/R. Engmann
عملية دهس وراءها داعش!
في 19 ديسمبر/ كانون الأول 2016 اهتزت برلين لفاجعة الدهس بشاحنة، التي أدت لمقتل 12 شخصاً وإصابة 48 آخرين. هذا العمل الإرهابي قام به لاجئ في ألمانيا، فقد وُجهت التهمة لأنيس العامري، وهو تونسي الجنسية، كان يبلغ حينها 24 عاماً، باختطاف شاحنة بولندية ضخمة، ودهس بها تجمعاً بشرياً بأحد أسواق أعياد الميلاد في قلب برلين، قبل أن تقتله الشرطة الإيطالية. وقد أعلنت "داعش" فيما بعد تبنيها للاعتداء.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Kappeler
سياسة ميركل في مرمى الانتقادات
تصاعد الأزمات، وتفاقم المشاكل جعل شعبية المستشارة ميركل تقل، فقد اتهمها منتقدوها بأن سياسة "الباب المفتوح" التي اتبعتها فاقمت الأوضاع من خلال تشجيع المزيد من اللاجئين على الدخول في رحلاتهم الخطرة نحو أوروبا. وفي سبتمبر 2016 بدأت ألمانيا أيضا بعمليات مراقبة مؤقتة على حدودها مع النمسا.
صورة من: Getty Images/J. Simon
هل ستستقبل ألمانيا لاجئين جدد؟
أعلنت المفوضية الأوروبية لشؤون اللاجئين موافقة الحكومة الألمانية على استقبال 10 آلاف لاجئ ضمن برنامج "إعادة التوطين" التابع للاتحاد الأوروبي، في الوقت الذي يحاول وزير الداخلية الألمانية الإسراع بفتح مراكز جديدة للاجئين تتولى استقبال اللاجئ والبت في قراره ثم ترحيله في حالة رفض طلبه. بالإضافة إلى توجهه نحو التشدد حيال لمّ شمل عائلات اللاجئين الحاصلين على الحماية الثانوية. إعداد: مريم مرغيش