"هيئة تحرير الشام" تهيمن على إدلب ومخاوف على اتفاق روسي تركي
١٠ يناير ٢٠١٩
أحكمت "هيئة تحرير الشام" قبضتها على محافظة إدلب بعد تسعة أيام من المعارك ضد الجيش الحر. وأمست محافظة إدلب ومحيطها خاضعة لـ"حكومة الإنقاذ" التابعة للهيئة المصنفة إرهابية. وهناك مخاوف من انهيار اتفاق روسي تركي حول إدلب.
إعلان
أحكم متشددون قبضتهم على آخر منطقة كبيرة تسيطر عليها المعارضة المسلحة في سوريا اليوم الخميس (10 يناير / كانون الثاني 2019)، بعد معارك استمرت تسعة أيام مع مجموعات تدعمها تركيا مما يهدد اتفاقاً أبرم لتجنب شن هجوم عسكري على المنطقة. والمنطقة الواقعة في شمال غرب سوريا قرب الحدود مع تركيا هي آخر جزء من البلاد ما زال تحت سيطرة مسلحين يسعون للإطاحة بالرئيس بشار الأسد لكن السيطرة عليه مقسمة بين فصائل متشددة ومعارضين مسلحين مدعومين من تركيا.
وأجبرت "هيئة تحرير الشام"، التي يقودها فصيل منبثق عن تنظيم القاعدة، فصائل من الجيش السوري الحر، المدعوم من تركيا، اليوم الخميس على قبول اتفاق سلام يعطي لهيئة مدعومة من الجماعة المتشددة، تعرف باسم "حكومة الإنقاذ"، إدارة الخدمات المدنية الأساسية في مدينة إدلب والعديد من البلدات الخاضعة لنفوذ هيئة تحرير الشام. وتهيمن هيئة تحرير الشام الآن على أغلب مساحة إدلب، علماً بأنها جماعة متشددة مدرجة على قوائم الإرهابيين في الولايات المتحدة وتركيا ودول أخرى.
مخاوف من انهيار اتفاق روسي تركي
وتثير نجاحات المتشددين في الفترة الأخيرة الشكوك بشأن مستقبل اتفاق أبرم في سبتمبر/ أيلول بين تركيا وروسيا الحليف الرئيسي لحكومة الأسد لتجنب هجوم للجيش السوري. ويقضي الاتفاق بطرد الجماعات المتشددة المحظورة من منطقة عازلة تمثل خطا للمواجهة.
وأقر وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو اليوم الخميس بأنه "ليس من السهل" الحفاظ على الاتفاق المبرم مع روسيا لكنه قال إنه "ينفذ بنجاح" حتى الآن. وقال جاويش أوغلو في مقابلة مع قناة (إن.تي.في) التلفزيونية التركية "الجماعات المتطرفة شنت هجوما على المعارضة المعتدلة. وبالطبع نحن نتخذ الإجراءات الاحترازية الضرورية".
ويثير إحكام هيئة تحرير الشام سيطرتها على المنطقة المخاوف بين صفوف المعارضين والسكان في المحافظة كثيفة السكان من أن تستأنف من جديد الضربات الجوية الروسية التي توقفت العام الماضي. وسمح المتشددون للقوات التركية بالانتشار على الخطوط الأمامية تنفيذا للاتفاق الروسي التركي لكنهم لم ينسحبوا من المنطقة. وقال الرائد يوسف حمود المتحدث باسم الجيش الوطني وهو تحالف للمعارضة مدعوم من تركيا إن السيطرة الكاملة لهيئة تحرير الشام ستكون ذريعة للقوات الحكومية وللروس لإنهاء اتفاق إدلب مشيرا إلى أن هذا هو الخطر المتوقع.
ي.ب/ ص.ش (ا ف ب، رويترز)
إدلب الخضراء.. طبول الحرب تقرع في "أرض مملكة إيبلا"
ترتفع الأصوات الدولية التي تحذّر النظام السوري من إعادة استخدام الأسلحة الكيميائية في محافظة إدلب، مع سعي النظام للسيطرة على المعقل الرئيسيّ لفصائل المعارضة. فما هي الأهمية الاستراتيجية والتاريخية لإدلب؟
صورة من: picture-alliance/AP
أهمية استراتيجية
تعتبر محافظة إدلب في شمال غربي سوريا آخر المعاقل الرئيسية لفصائل المعارضة، وتتمتع بأهمية استراتيجية كبيرة فهي من جهة محاذية لتركيا الداعمة للمعارضة، ولمحافظة اللاذقية، معقل الطائفة العلوية التي ينتمي إليها الرئيس السوري بشار الأسد من جهة ثانية. كما أن مدينة إدلب (مركز المحافظة) لا تبعد عن طريق حلب - دمشق الدولي سوى 20 كليومتراً.
صورة من: AP
إدلب الخضراء
قبل اندلاع الحرب الأهلية في سوريا كان غالبية سكان إدلب يعتمدون على الزراعة وخصوصاً الزيتون والقطن والقمح. وبسبب اشتهارها بزراعة الزيتون فقد كان يطلق عليها "إدلب الخضراء". كما أنها كانت سوقاً تجارياً واسعاً للمناطق المحيطة بها، بالإضافة إلى كونها أحد مراكز صناعة الصابون في سوريا.
صورة من: Colourbox
أرض مملكة إيبلا
وتعرف محافظة إدلب بكثرة متاحفها ومواقعها الأثرية التي تعود لحقب تاريخية قديمة، ومن أبرزها مدينة إيبلا الأثرية، إحدى أقدم الممالك في سوريا قبل الميلاد. قبل اندلاع النزاع في 2011، كان متحف إدلب يتميز باحتوائه على مجموعة قيمة من الرقم المسمارية، التي تروي عبر نصوص سياسية وأدبية تاريخ مملكة إيبلا. إلا أن المتحف الذي أُعيد افتتاحه هذا الشهر، لم يسلم خلال سنوات الحرب من القصف وأعمال السرقة والنهب.
صورة من: Daniel Leal-Olivas/AFP/Getty Images
معقل للمعارضة
انضمت محافظة إدلب سريعاً إلى ركب الاحتجاجات على النظام السوري التي اندلعت في آذار/ مارس 2011، والتي تحولت لاحقاً الى نزاع مسلح تعددت أطرافه. وفي آذار/ مارس 2015 سيطر "جيش الفتح"، وهو تحالف يضم فصائل إسلامية وجهادية بينها جبهة النصرة (فرع تنظيم القاعدة بسوريا) التي تحولت إلى "هيئة تحرير الشام" على كامل محافظة إدلب باستثناء بلدتي الفوعة وكفريا ذات الغالبية الشيعية.
صورة من: dapd
اقتتال داخليّ
بعد اقتتال داخلي بين الفصائل المتعددة في 2017، باتت هيئة تحرير الشام تسيطر على الجزء الأكبر من محافظة إدلب مقابل تواجد محدود لفصائل أخرى أبرزها حركة أحرار الشام وحركة نور الدين زنكي. وفي 18 شباط/ فبراير 2018، أعلنت الحركتان المذكورتان اندماجهما تحت مسمى "جبهة تحرير سوريا" لتخوضا مجدداً معارك مع جهاديي هيئة تحرير الشام.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/Nusra Front on Twitter
مليونان ونصف المليون
ومنذ سيطرة فصائل المعارضة عليها، وطوال سنوات، شكلت محافظة إدلب هدفاً للطائرات الحربية السورية والروسية، كما استهدف التحالف الدولي بقيادة واشنطن قياديين جهاديين فيها بشكل دوريّ. ويعيش في إدلب حالياً نحو 2,3 مليون شخص بينهم أكثر من مليون نزحوا من مناطق أخرى، مع أعداد كبيرة من المقاتلين الذين رفضوا إلقاء السلاح ولا سيما من الغوطة الشرقية التي خضعت لحصار طويل وهجمات عنيفة.
صورة من: picture-alliance/AA/M. Khder
هجمات كيميائية
منذ 2014 تعرضت إدلب إلى عدة هجمات كيميائية، فبعد تأكيد لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة أن قوات النظام استخدمت الغازات السامة في كل من بلدة تلمنس (21 نيسان/ ابريل 2014) وبلدتي سرمين وقميناس (آذار/ مارس 2015)، تعرضت مدينة خان شيخون لهجوم كيميائي في 2017، أدوى بحياة عشرات الأشخاص بينهم 30 طفلاً. واتهمت الأمم المتحدة النظام السوري بشن الهجوم، رغم نفي الأخير.
صورة من: Reuters/A. Abdullah
تصعيد في منطقة "خفض التصعيد"
تشكل محافظة إدلب مع أجزاء من محافظات محاذية لها إحدى مناطق اتفاق خفض التصعيد التي تم التوصل إليها في أيار/ مايو 2017 في أستانا برعاية روسيا وإيران، حليفتي دمشق، وتركيا الداعمة للمعارضة. وبدأ سريان الاتفاق في إدلب في أيلول/ سبتمبر الماضي. لكنها تعرضت نهاية 2017 لهجوم عسكري تمكنت خلاله قوات النظام بدعم روسي من السيطرة على عشرات البلدات والقرى في الريف الجنوبي الشرقي وعلى قاعدة عسكرية استراتيجية.
صورة من: picture-alliance/AA/M. Sultan
الأسد: هدفنا الآن إدلب
أكد الرئيس السوري بشار الأسد في 26 تموز/ يوليو الماضي أن "هدفنا الآن هو إدلب على الرغم من أنها ليست الهدف الوحيد". وفي 9 آب/ أغسطس الجاري قصفت قوات موالية للنظام السوري مواقع في إدلب قالت بأنها لفصائل معارضة وجهاديين وألقت منشورات تدعو السكان للاستسلام.
صورة من: picture-alliance/abaca
تحذيرات من "حمّام دم"
ودعت الأمم المتحدة إلى التوصل إلى "اتفاقات" لتفادي "حمام دم" في إدلب، وكان مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا ستافان ديمستوريا قد قال في أيار/ مايو إنه في حال تكرار سيناريو الغوطة في إدلب فإن حجم الدمار وأعداد الضحايا قد تكون أكبر بست مرات، مشيراً إلى نصف الناس الذين يعيشون في إدلب، البالغ عددهم 2,3 مليون شخص، نازحون و"ليس لديهم مكان آخر يلجؤون إليه".
صورة من: Reuters/K. Ashawi
تمهيد للهجوم؟
وبعد أن اتهمت روسيا فصائل المعارضة بالتحضير لعمل "استفزازي" يتمثل بهجوم كيميائي في إدلب بهدف تحميل دمشق المسؤولية عنه واستخدامه كمبرر للقوى الغربية لضرب أهداف حكومية في سوريا، أبدت الدول الغربية الأعضاء في مجلس الأمن الدولي قلقاً متزايداً على مصير ملايين المدنيين في إدلب، خصوصاً بعد أن عززت روسيا من وجودها العسكري قبالة السواحل السورية، فهل سيتكرر سيناريو الغوطة في إدلب؟
محيي الدين حسين