يعد مستشار ألمانيا الأسبق هيلموت شميت من شخصيات ألمانيا التي جمعت بين السياسة والفكر وبين الحنكة والعبقرية، عُرف كواحد من أبرز زعمائها. تدرج من أسرة بسيطة حتى وصل إلى أعلى المناصب، رجل ما زالت أفكاره وآرائه يُعتد بها.
إعلان
توفي المستشار الألماني الأسبق هيلموت شميت بعد ظهر اليوم الثلاثاء (10 تشرين الثاني/ نوفمبر 2015) عن 96 عاماً في هامبورغ، وكان خامس خامس مستشار لألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية وذلك في الفترة بين عامي 1974 و1982.
ولد هيلموت شميت في الثالث والعشرين من ديسمبر/ كانون الأول عام 1918 في مدينة هامبورغ من أسرة بسيطة واستطاع أن يتدرج في المناصب الحزبية والسياسية حتى وصل إلى قمة الهرم الحزبي للحزب الاشتراكي الديمقراطي وأن يفوز بأعلى منصب سياسي في ألمانيا هو منصب المستشار. وترك بصماته الواضحة في تاريخ ألمانيا ما بعد الحرب العالمية الثانية.
هيلموت شميت.. ولع بالسياسة والفنون
عُلقت صورته في بهو مقر المستشارية ببرلين بوصفه مستشار ألمانيا الأسبق. وإضافة إلى ولعه بالتدخين المتواصل فقد عُرف عنه أيضاً حبه الكبير للموسيقى والفنون.
صورة من: picture alliance/Geisler-Fotopress
كان الرصيد المعرفي لهيلموت شميت مبهرا، وتحليلاته لأزمات هذا العالم كانت عميقة، كما أن نظرته للعالم كانت مقياساً يستعان به لكثير من المستمعين والقراء.هيلموت شميت كانت له أيضاً قوة مغناطيسية في معارض الكتب والنقاشات السياسية.
صورة من: picture-alliance/dpa
هيلموت شميت كان طموحاً، ورفيقته المفضلة هي هانلوره التي نالت دوماً إعجابه وطاب له أن يناديها بـ"لوكي". الاثنان زارا المدرسة في هامبورغ.
صورة من: Ullstein Bild/Sven Simon
في سن مبكرة أجاد هيلموت شميت لعبة الشطرنج، وبات التفكير العميق والاستراتيجي أحد مواطن القوة لديه كسياسي ومستشار. حافظ شميت دوما على هدوء تام حتى في أوقات الأزمات، مثل ما حصل أثناء الفيضانات عام 1962 في هامبورغ.
صورة من: picture-alliance/dpa
تزوج هيلموت شميت رفيقته المحبوبة منذ الصغر هانلوره غلازر. وقبلها بعام أي في 1941 تم استدعاؤه للجيش الى جبهة الشرق. في أبريل/ نيسان 1945 سقط في الأسر البريطاني، وأطلق سراحه في آب/ أغسطس من العام نفسه. وفي 1946 التحق كطالب بالحزب الاشتراكي الديمقراطي.
صورة من: Ullstein Bild/Sven Simon
هيلموت شميت كان يلقي خاطابات نارية منذ أيامه الأولى، كما كان عليه الحال هنا في 1968 في مؤتمر الشبيبة الاشتراكية بفرانكفورت. شميت يتفاعل بحماس مع خصومه السياسيين وأعضاء حزبه.
صورة من: picture-alliance/dpa
كخبير في شؤون السير والجيش اكتسب شميت سمعة كسياسي قدير. في 1961 تولى مسؤولية الشرطة في برلمان هامبورغ. وفي 1962 ادار بتفوق كارثة الفياضانات في شمال ألمانيا ليصبح بعدها سيناتور الشؤون الداخلية في البرلمان. 1964 استدعاه المستشار فيلي برانت ليلتحق بفريق حملته الانتخابية.
صورة من: AFP/Getty Images
كسياسي متحمس كان شميت أيضاً خطيباً بارعاً، عُرف بكلماته الدقيقة والبليغة لإقناع مستمعيه. وكان يهاجم خصمه بقوة واحترام.
صورة من: picture-alliance/dpa
نجم الأفلام هاردي كروغر كان ضيفاً مرحباً به في حفلات المستشار الراحل فيلي برانت. مشهد لهيلموت شميت من عام 1971. كروغر كان يمثل في فيلم حربي شخصية ضابط هرب من معتقل عسكري بريطاني، وهو موضوع حظي باهتمام هلموت شميت.
صورة من: picture-alliance/dpa
البرلمان كان بيته الثاني. هناك في 17 مايو/ أيار من 1974 أدى اليمين كمستشار لألمانيا الاتحادية. لحظة تاريخية في حياة هذا السياسي الذي قلما يترك المجال للاطلاع على مشاعره الشخصية. هنا في الأول من يوليو/ تموز 1999 اجتمع البرلمان الألماني للمرة الأخيرة عندما كان شميت خارج الخدمة.
صورة من: picture-alliance/dpa
خلال زياراته الى الخارج كان شميت دوماً مرفوقاً بعقيلته لوكي. خلال زيارته الى الصين عام 1975 زار قصر الامبراطور في بكين، لأنه كان يحب مع زوجته التعرف على ثقافة البلدان المضيفة.
صورة من: picture alliance / Heinrich Sanden
مستشارو ألمانيا الاتحادية يختارون فنانا يرسم صورة شخصية لهم. المستشار شميت زار خلال عطلة قصيرة الرسام الشهير أوسكار كوكوشكا في سويسرا. وسبق لكوكوشكا أن أبدع صورة شخصية للمستشار كونراد أدناور، غير ان المستشار شميت اختار رساما آخر.
صورة من: picture-alliance/dpa
هيلموت شميت كان لا يحب البدلات الداكنة، لأن ذلك كان يذكره بلباس الجيش خلال الحكم النازي. وحتى في المناسبات السياسية الرسمية، كما هو الحال هنا في مؤتمر الدول الصناعية السبع الكبرى في البندقية حين كان هيلموت شميت يرتدي بدلة بألوان زاهية، وكانت عقيلته "لوكي" تختار له دوما ربطة العنق.
صورة من: imago/S. Simon
هيلموت شميت كان قادراً على قضاء ساعات مع عقيلته في التفكير في تحريك استراتيجي لأحجار الشطرنج. هذا السياسي كان يعشق الشطرنج كوسيلة للترفيه وكتمرين خالص للعقل. كما أن الاستماع الى الموسيقى كان يشغل حيزاً من أوقات فراغه.
صورة من: picture-alliance/dpa
العزف على البيانو يعني الكثير لهيلموت شميت الذي وجد متنفساً أكبر للاعتناء بهذه الموهبة بعد انسحابه من السياسة وكافة الوظائف الحكومية. خلال حفل موسيقي في زوريخ السويسرية عام 1983 عزف أمام الجمهور على البيانو، وكانت تربطه علاقة صداقة مع عازفين كبار مثل ليونهارد بيرنشتاين ويوستوس فرانتس.
صورة من: picture-alliance/dpa
تقاعد بدون جدل سياسي لا يمكن تصوره بالنسبة الى المستشار الأسبق شميت. في 1983 بدأ يساهم في اصدار الصحيفة الألمانية الشهيرة "دي تسايت". وخلال نقاشات فريق التحرير يطلق العنان لحوارات مبدئية. يعكف منذ مدة على تدوين بعض الكتب والمقالات حول قضايا سياسية راهنة. رأيه يلقى التقدير على مستوى العالم، لاسيما عند فئة الشباب.
صورة من: ullstein bild - Beutner
في بهو مقر المستشارية الألمانية التي يرتادها الزوار نجد صورة شخصية لهيلموت شميت بريشة برنهارد هايزيش، وهو فنان من ألمانيا الشرقية السابقة، وتبدو في الصورة السيجارة التي لم تفارق هيلموت شميت. السياسي شميت من الحزب الاشتراكي الديمقراطي كان مستشاراً لألمانيا بين عامي 1974 و1982.
صورة من: picture-alliance/dpa
16 صورة1 | 16
بداية مشواره السياسي
بدأ هيلموت شميت مشواره السياسي بالتحاقه بالحزب الاشتراكي الديمقراطي عام 1946 بعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها. وتدرج في الوظائف العامة حيث عمل خلال الفترة من عام 1949 حتى عام 1952 مديراً للقسم السياسي والاقتصادي في مصلحة الاقتصاد والتنمية في مدينة هامبورغ.
بوصول هيلموت شميت إلى البرلمان الاتحادي الألماني عام 1953 عن الحزب الاشتراكي ممثلا لجيل الشباب المليء بالحيوية والنشاط والحماسة. غير أن نجم شميت لمع أكثر من خلال الدور الذي لعبة أثناء حدوث كارثة الفيضانات التي ضربت مدينة هامبورغ عام 1962، حيث استطاع شميت بخبرته الاقتصادية والسياسية أن يلعب دوراً هاماً في عملية الإنقاذ وتلافي أثار الكارثة التي هددت حياة ما يقارب ثلاثمائة ألف شخص.
ومع مرور الوقت لمع نجم شميت حتى أصبح أحد الأسماء اللامعة في حكومة المستشار فيلي براند، حيث تولى فيها عام 1969 منصب وزير الدفاع ثم وزيراً للاقتصاد والمالية عام 1972. وفي عام 1974 انتخب هيلموت شميت مستشاراً لألمانيا خلفاً لفيلي براند ليصبح شميت خامس مستشار ألماني بعد الحرب العالمية الثانية.
مواقف وإنجازات
بعد مواقفه في كارثة فيضان هامبورغ عرف هيلموت شميت برجل المواقف الصعبة. غير أنه وفي عام 1977 استطاع أن يثبت مرة أخرى أنه رجل المواقف الحرجة، حيث واجهت ألمانيا في عهده ذلك العام واحدة من أكبر الأزمات الأمنية وهي ما يسمّى بفترة "الخريف الألماني"وهي الفترة التي ظهرت فيها مجموعة أطلقت على نفسها اسم "الجيش الأحمر البرلماني" والتي قامت باختطاف رئيس اتحاد رجال الأعمال في ألمانيا مارتن شلاير والضغط على الحكومة للحصول على فدية مالية ضخمة مقابل الإفراج عنه. كان موقف هيلموت شميت واضحاً عندما قال كلمته المشهورة: "جمهورية ألمانيا الاتحادية غير قابلة للابتزاز".
أما الأزمة الأمنية الثانية التي حدثت في عهد شميت وشهد له من خلالها بالحنكة وهي حادثة اختطاف طائرة تابعة للخطوط الجوية الألمانية "لوفتهانزا" من قبل إحدى الفصائل الفلسطينية والهبوط بها في مطار مقديشو. وقامت قوّات ألمانية خاصّة بتحرير الرهائن. وقد أعلن شميت في وقتها عن عزمه في التنحي عن منصبه فيما إذا أخفقت جهود حكومته في حلّ أزمة الطائرة. وقد استطاع الخروج من أزمات اقتصادية صعبة إلى حد أطلق عليه "العبقري الاقتصادي".
"هيلموت شميت" السياسي المفكّر
كان هيلموت شميت من المؤيدين لفكرة أوروبا الموّحدّة، ودافع عن فكرة قديمة مؤدّاها أنّ أوروبا القديمة لن تنحدر خلال القرن العشرين، إذا عرف الأوروبيين كيف يجعلون من الاتحاد الأوروبي كيان موحّد وقادر على الحركة. وهو يعوًل على الجبهة الألمانية الفرنسية أهمية خاصة في جعل أوروبا قوية وموحدة. ولهيلموت شميت في هذا الصدد ثلاثة مبادئ استرتيجية، هي: المحافظة على تكامل الموقفين الألماني ـ الفرنسي باعتبار البلدين هما المحرك الفعلي للاتحاد، وتكامل المصالح الأوروبية لتشكيل قوّة حقيقية، وضرورة الوصول إلى مفهوم الدفاع الموحّد لهذا الاتحاد الأوروبي.
يعتبر هيلموت شميت اليوم من أبرز النقّاد السياسيين ولأرائه السياسية والاقتصادية صدى كبيراً. كما أنه الناشر لصحيفة "دي تسايت" الألمانية المعروفة التي تصدر في مدينته هامبورغ. كما أن له مؤلفات عدة. حاز شميت على الكثير من الجوائز التقديرية في مختلف المجالات.