طالبت واشنطن الحكومة السورية بمنع تسلل "الجهاديين" إلى الجنوب السوري بعد أسبوع دامٍ من الاشتباكات في السويداء بين الدروز وعشائر بدوية. دمشق أعلنت مجددا وقف القتال مع استعادة مجموعات درزية السيطرة على المدينة.
منذ أسبوع تدور اشتباكات دموية عنيفة في السويداء بين مقاتلين دروز ومقاتلين من عشائر بدوية وتدخل من قبل قوات الحكومةصورة من: Hisam Hac Omer/Anadolu/picture alliance
إعلان
طالب وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو الأحد (20 يوليو/تموز 2025) الحكومة السورية بمنع وصول "الجهاديين" إلى جنوب البلاد الذي شهد مواجهات طائفية دامية خلال الأسبوع الماضي.
وقال روبيو في بيان على منصة اكس "إذا كانت السلطات في دمشق تريد الحفاظ على أي فرصة لتحقيق سوريا موحدة وشاملة وسلمية. يجب عليها المساعدة في إنهاء هذه الكارثة من خلال استخدام قواتها الأمنية لمنع تنظيم الدولة الإسلامية وأي جهاديين عنيفين آخرين من دخول المنطقة وارتكاب مجازر".
وأضاف روبيو "ظلت الولايات المتحدة منخرطة بشكل كبير خلال الأيام الثلاثة الماضية مع إسرائيل والأردن والسلطات في دمشق بشأن التطورات المروعة والخطيرة في جنوب سوريا".
ودعا روبيو الحكومة السورية إلى "محاسبة أي شخص مذنب بارتكاب الفظائع وتقديمه إلى العدالة، بمن فيهم من هم في صفوفها".
وتشمل الحصيلة326 مقاتلا درزيا و262 مدنيا درزيا، بينهم 165 أعدموا ميدانيا، بحسب المرصد الذي أحصى أيضا 312 من أفراد الأمن الحكوميين و21 من البدو.
"وقف القتال"
ومجددا أعلنت الحكومة السورية وقف القتال في السويداء مع استعادة مجموعات درزية السيطرة أمس السبت على المدينة وإعادة انتشار القوات الحكومية السورية في المنطقة.
وأعلن المتحدث باسم وزارة الداخلية نور الدين البابا على تلغرام أنه "تم إخلاء مدينة السويداء من كافة مقاتلي العشائر وإيقاف الاشتباكات داخل أحياء المدينة".
وقال المرصد الذي يتخذ مقرا في بريطانيا ويعتمد على شبكة من المصادر داخل سوريا، السبت إن مقاتلين من الأقلية الدرزية "استعادوا... السيطرة على كافة أحياء مدينة السويداء" بعد ساعات من الاشتباكات.
وكان الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع قد أعلن السبت وقفا لإطلاق النار والتزامه "حماية الأقليات" ومحاسبة "المنتهكين" من أي طرف، وبدء نشر قوات الأمن في السويداء. جاء ذلك بعد إعلان واشنطن التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار بين سوريا وإسرائيل .
وكان الشرع باشر نشر قوات في السويداء الثلاثاء، إلا أنه عاد وسحبها بعد أن قصفت إسرائيلأهدافا حكومية عدة في دمشق، معلنة عزمها على حماية الدروز ومعربة عن شعورها بالتهديد من وجود قوات الحكومة السورية على تخومها.
وتقوّض أعمال العنف الأخيرة جهود الشرع في بسط سلطته على كامل التراب السوري بعد أكثر من سبعة أشهر على إطاحته بنظام الرئيس السابق بشار الأسد.
ويعيد العنف في السويداء طرح تساؤلات إزاء قدرة السلطات على التعامل مع الأقليات.
تحرير: عبده جميل المخلافي
الدروز في الشرق الأوسط... سرية العقيدة ودواليب السياسة
تصدر "بنو معروف"، وهم أقلية دينية عربية عمرها نحو ألف عام، واجهة الأحداث مؤخراً وخاصة بعد سقوط نظام بشار الأسد. ألبوم صور نحاول فيه إلقاء الضوء على مذهبم الباطني وتاريخهم السياسي وأعدادهم وتوزعهم.
صورة من: Suwayda24/AP/picture alliance
الدروز طائفة باطنية تحافظ على درجة من السرية فيما يخص ممارساتها الدينية. ونشأت الدعوة الدرزية في مطلع القرن الحادي عشر، وهي متفرعة من المذهب الاسماعيلي، ثاني أكبر المذاهب الشيعية بعد الاثني عشرية. وتضم العقيدة الدرزية شعائر من الإسلام وفلسفات أخرى كالأفلاطونية مع التركيز على التوحيد وتناسخ الأرواح من بين أمور أخرى.
صورة من: Ammar Awad/REUTERS
المعتقد الدرزي غير تبشيري وتبقى تعاليم الطائفة ضمن أبنائها، ومن غير المستحب ومن النادر الزواج من خارج الطائفة. ولا يسمح المذهب بتعدد الزوجات. يرتدي المتدنيون من الرجال الزي الأسود والقلنسوة البيضاء، وتغطي النساء المتدينات منهن رؤوسهن وقسماً من وجوههن بوشاح أبيض مع زي أسود طويل.
صورة من: Ammar Awad/REUTERS
يقدر عدد الطائفة الدرزية بنحو مليون إنسان تتركز غالبية أتباعها في مناطق جبلية في لبنان وسوريا وإسرائيل والأردن ودول المهجر. وهاجر بعضهم إلى مختلف أنحاء العالم مثل أمريكا اللاتينية وجنوب شرق آسيا وأستراليا، إضافة الى الولايات المتحدة وكندا والمكسيك. من أبرز وجوههم في المهجر المحامية أمل علم الدين زوجة الممثل جورج كلوني. على رغم الانتشار، عمل الدروز على الابقاء على روابط وثيقة فيما بينهم.
صورة من: Alberto Pezzali/Invision/AP/picture alliance
في لبنان، يُقدّر عددهم بنحو 200 ألف، ويتركزون في جبال وسط البلاد، وخاصة الشوف وعاليه والمتن الأعلى، ومناطق عند امتداد السفح الغربي لجبل الشيخ مثل حاصبيا وراشيا. وأدى كمال جنبلاط دوراً سياسياً محوريا اعتباراً من الخمسينات من القرن الماضي وحتى مطلع الحرب الأهلية (1975-1990)، الى حين اغتياله في 1977 على يد مخابرات حافظ الأسد كما يتهم ابنه وخلفه في زعامة دروز لبنان، وليد جنبلاط.
صورة من: Houssam Shbaro/Anadolu/picture alliance Houssam Shbaro / Anadolu
أما في إسرائيل، يتوزع الدروز على أكثر من 20 قرية في الجليل وجبل الكرمل وهضبة الجولان المحتلة. ويبلغ عدد حاملي الجنسية الإسرائيلية 153 ألفا. يضاف إليهم نحو 23 ألفاً في الجولان، غالبيتهم العظمى تحمل إقامات إسرائيلية دائمة. ووفق مركز التراث الدرزي في اسرائيل، تعترف إسرائيل بالطائفة "بصفتها كياناً منفرداً له محاكمه الخاصة وقيادته الروحانية المستقلة". يتطوع الكثير من أبناء الطائفة في الجيش الإسرائيلي.
صورة من: Ammar Awad/REUTERS
النسبة الأكبر من الدروز في سوريا بعدد يبلغ نحو 700 ألف شخص يعيش معظمهم في جنوب البلاد حيث تعد محافظة السويداء معقلهم، كما يتواجدون في مدينتي جرمانا وصحنايا قرب دمشق، ولهم حضور محدود في إدلب، في شمال غرب البلاد. اشتهر منهم في سوريا سلطان باشا الأطرش، قائد الثورة السورية ضد الانتداب الفرنسي عام 1925. كما يُقدّر وجود ما بين 15 و20 ألف درزي في الأردن، خصوصاً في الشمال.
صورة من: Jalaa Marey/AFP/Getty Images
عقب اندلاع الثورة السورية عام 2011، حيد الدروز أنفسهم عن تداعياتها، فلم يحملوا إجمالاً السلاح ضد النظام ولا انخرطوا في المعارضة باستثناء قلة. بعد سقوط بشار الأسد اتسمت العلاقة بين السلطة الجديدة بقيادة أحمد الشرع والدروز، وخاصة زعيمهم الروحي حكمت الهجري بالتوجس والتوتر. وفي بداية أيار/مايو أدت أعمال العنف ومواجهات في جرمانا وأشرفية صحنايا قرب دمشق بين مسلحين دروز وقوات الأمن إلى مقتل 119 شخصاً.
صورة من: Rama Jarmakani/DW
في تموز/يوليو 2025 اندلعت مواجهات بين عشائر البدو وفصائل مسلحة درزية في مواجهات دموية اتخذت طابعاً طائفياً ذهب ضحيتها مئات القتلى من المدنيين والفصائل المسلحة من البدو والدروز وقوات الجيش والأمن العام. طلب حكمت الهجري تدخل إسرائيل التي استجابت بشن غارات "مؤلمة" في دمشق والسويداء ودرعا. وتقول إسرائيل إنها تريد حماية الدروز، مشددة على أنّها لن تسمح بوجود عسكري للحكومة الجديدة في جنوب البلاد.