"واقعة السفينة".. جدل في اليونان حول معاداة السامية وحرب غزة
٣٠ يوليو ٢٠٢٥
"أود أن أعتذر لهؤلاء الأشخاص. أود أن أوصل لإسرائيل رسالة تضامن وصداقة كبيرين، لأعبر عن أن الإسرائيليين مرحب بهم في اليونان وأن معاداة السامية لا مكان لها هنا". بهذه الكلمات، ردّ وزير الصحة اليوناني، أدونيس جورجياديس، على الاحتجاجات ضد سياح إسرائيليين في جزيرة سيروس.
في يوم الثلاثاء (22 يوليو/ تموز)، احتلّ حوالي 300 متظاهر مخرج الميناء في سيروس أثناء رسوّ سفينة الرحلات البحرية "كراون إيريس" (MS Crown Iris)، المملوكة لشركة الملاحة البحرية الإسرائيلية "مانو" (Mano)، والتي كان على متنها سياح إسرائيليون.
وحمل المتظاهرون أعلامًا فلسطينية ولافتة كُتب عليها "أوقفوا الإبادة الجماعية"، احتجاجًا على الممارسات الإسرائيلية في قطاع غزة.
هذه العملية نظّمها أعضاء من جمعيات ونقابات محلية في سيروس، وأرادوا من خلالها إظهار أنه من غير المقبول استقبال سياح من إسرائيل، بينما يموت فلسطينيون من الجوع في قطاع غزة.
كان هناك 1600 راكب على متن السفينة، التي كانت قادمة من رودس بعد إبحارها قبل ثلاثة من إسرائيل. وتفاعل العديد من ركابها بغضب مع الاحتجاجات في الميناء، ولوّح بعضهم بأعلام إسرائيلية كبيرة، بينما وجَّه آخرون شتائم للمتظاهرين، وهتفوا "لتحترق قريتكم"، وهو شعار يستخدمه متطرفون يمينيون إسرائيليون ضد الفلسطينيين. وفي نهاية المطاف، قررت الملاحة الإسرائيلية عدم نزول الركاب في سيروس، لتواصل سفينة "كراون إيريس" رحلتها إلى ليماسول بقبرص.
أصاب العديد من ركاب السفينة الغضب بسبب الاحتجاجات في الميناء، ولوّح بعضهم بأعلام إسرائيلية كبيرة، بينما أهان آخرون المتظاهرين وهتفوا "لتحترق قريتكم"، وهو شعار يستخدمه المتطرفون اليمينيون الإسرائيليون ضد الفلسطينيين. في النهاية، قررت شركة الشحن عدم نزول الركاب في سيروس. واصلت سفينة "كراون إيريس" رحلتها إلى ليماسول، قبرص.
عمال بالميناء يمنعون تفريغ "شحنات عسكرية"
تُعد مثل هذه الحوادث نادرة في اليونان، التي تقل فيها المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين؛ مقارنةً بدول أوروبية أخرى. لكن نقابات العمال اليونانية تُبدي مرارًا وتكرارًا معارضتها للحرب؛ كلما وصلت ميناء بيرايوس شحنات عسكرية متجهة إلى إسرائيل.
فعلى سبيل المثال، في 16 يوليو/تموز 2025، حاول عمال بالميناء وكذلك مواطنون منع تفريغ حمولة معدات عسكرية كانت ستواصل طريقها إلى إسرائيل. والمقصود هنا هو سفينة الشحن "كوسكو شيبينغ بيسس" (Cosco Shipping Pisces)، التي ورد أنها كانت تنقل حاويات بها أغراض عسكرية.
وأكدت نقابة عمال الموانئ أن العمال لن يسمحوا "بأن يصبح الميناء قاعدة للحرب". ووقعت أحداث مماثلة في أكتوبر/تشرين الأول 2024، ومن المتوقع أن تتكرر، وفقًا للنقابة.
انقسام حول الواقعة بين اليونانيين
أشعلت الاحتجاجات في ميناء سيروس جدلاً حادًا داخل الرأي العام اليوناني. واعتبر العديد من اليونانيين ما وقع عملية عنصرية، ووصفوا المتظاهرين بـ"الفاشيين الوقحين". بينما وقف آخرون إلى جانب المتظاهرين، مجادلين بأنه على السياح الإسرائيليين، الذين يزورون اليونان، الاطلاع على الأفعال التي ترتكبها حكومتهم في غزة.
وخلال هذا الجدال، كرّر الذين ينحازون بوضوح إلى إسرائيل اتهام الطرف الآخربمعاداة السامية . هذا على الرغم من أن متطرفين يمينيين سابقين هم الآن من بين أقوى مؤيدي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. وكان هؤلاء معادين للسامية بشكل تقليدي، لكنهم الآن معجبون بشدة بالقوة العسكرية الإسرائيلية ويرون إسرائيل الآن حليفًا قويًا، لا سيما ضد تركيا، ولكن أيضًا في الحرب ضد المهاجرين المسلمين، الذين يتهمونهم بالقدوم إلى أوروبا "لتقويض حضارتنا".
اليساريون هم أكثر تأييدًا للفلسطينيين، ويرفضون بشدة تهمة معاداة السامية، ويجادلون بأن معاداة السامية تغذيها أيضا "تصرفات إسرائيل الإجرامية ضد السكان المدنيين في غزة"، حسب قولهم.
حياد في البداية ومن ثم تأييد أكثر للفلسطينيين
جميع استطلاعات الرأي تُظهر أن ما يقرب من نصف اليونانيين محايدون تجاه الحرب في غزة. ومع ذلك، بعد 21 شهرًا من الحرب، تراجع دعم إسرائيل لدى النصف الآخر من السكان. فعلى سؤال لمركز أبحاث "إيتيرون" (Eteron) في 26 أبريل/نيسان 2025 عن الجهة التي يدعمونها بعد هجوم حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، والرد الإسرائيلي في غزة، أجاب 40.9% "لا أحد من الجانبين".
يذكر أن حركة حماس هي مجموعة فلسطينية إسلاموية مسلحة تصنفها ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول أخرى على أنها منظمة إرهابية.
ويُؤيد 30% منهم الفلسطينيين، بينما يؤيد 17.6% إسرائيل. علما بأنه في نوفمبر/تشرين الثاني 2023، أي مباشرة بعد الهجوم الإرهابي لحماس على جنوب إسرائيل، كانت نسبة مؤيدي إسرائيل تبلغ 34%.
حوالي 50% من مؤيدي حزب الديمقراطية الجديدة المحافظ الحاكم هم مؤيدون لإسرائيل، وكذلك مؤيدو حزب فوني لوجيكيس اليميني المنشق. أما ناخبي الاشتراكيين الديمقراطيين في حزب باسوك، فيوجد 12% فقط منهم مؤيدون لإسرائيل، بينهما هناك 34% مؤيدون للفلسطينيين، وجميع الباقين ليسوا مؤيدين لأيٍّ من الطرفين.
وفي المقابل، فإن نسبة مؤيدي الفلسطينيين، من بين ناخبي جميع الأحزاب اليسارية، من الحزب الشيوعي إلى الأحزاب الأربعة التي انبثقت عن انقسام حزب سيريزا، تتراوح بين 74% و86%.
يدعم رئيس الوزراء كيرياكوس ميتسوتاكيس إسرائيل وحكومتها دعمًا واضحًا ودون تحفظ، ويصف نتنياهو بـ"صديقه"، بل زاره في إسرائيل بعد أن أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة التوقيف بحقه .
وعندما هاجمت إسرائيل إيران في يونيو/ حزيران 2025، كانت قد أجلت طائراتها المدنية إلى الجزر اليونانية. وكانت طائرة نتنياهو الحكومية، "جناح صهيون"، متوقفة في أثينا.
وفي المقابل، سعى وزير الخارجية اليوناني، جيورجوس جيرابتريتيس، منذ فترة طويلة إلى موقف أكثر توازناً. وقد تواصل مرارًا مع القيادة الفلسطينية، ولا يزال متمسكا بحل الدولتين.
كما وقّعت اليونان على قرار الدول الـ 28 الذي دعا إسرائيل قبل أيام قليلة إلى إنهاء المعاناة في غزة والوفاء بالتزاماتها الإنسانية تجاه السكان المدنيين.
وترى المعارضة اليونانية اليسارية أن موقف الحكومة "خاطئ سياسيًا وقانونيًا وأخلاقيًا" لأنه يتغاضى عما تعتبرها المعارضة جرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب. وفي بيان مشترك صدر نهاية شهر مايو/ أيار، دعا قادة الكتل البرلمانية لحزب سيريزا، والحزب الشيوعي اليوناني، وحزب بليفسيس إليفثيريا، وحزب اليسار الجديد، الحكومة إلى إنهاء التعاون العسكري مع إسرائيل.
علاقة استراتيجية متينة بين اليونان وإسرائيل
بدأ التعاون الوثيق مع إسرائيل قبل تولي ميتسوتاكيس رئاسة الوزراء بوقت طويل. وتأسس التحالف الوثيق بين البلدين عام 2008. وفي عام 2010، وقع تبادل تاريخي للزيارات بين رئيسي وزراء اليونان وإسرائيل، جورجيوس باباندريو وبنيامين نتنياهو. ومنذ ذلك الحين، اعتمدت جميع الحكومات اليونانية على التعاون الاستراتيجي مع إسرائيل.
قبل ذلك، كانت العلاقات اليونانية الإسرائيلية تميل إلى الفتور، إذ كانت أثينا تقليديًا صديقة مقربة للعرب والفلسطينيين. ونظرًا لعلاقاتها التقليدية بالعالم العربي؛ كانت اليونان هي الدولة الأوروبية الوحيدة التي صوّتت ضد قرار التقسيم في الأمم المتحدة عام 1947، الذي كان الأساس لقيام دولة إسرائيل لاحقا.
وعلى الرغم من اعتراف اليونان، بحكم الأمر الواقع، بإسرائيل في مارس/ آذار 1949، لم تقم العلاقات الدبلوماسية بين البلدين بشكل كامل حتى 23 مايو/ أيار 1990. ففي عهد رئيس الوزراء آنذاك كونستانتينوس ميتسوتاكيس، والد رئيس الحكومة الحالية، اعترفت اليونان بحكم القانون بدولة إسرائيل، وأقامت في الوقت نفسه علاقات دبلوماسية مع منظمة التحرير الفلسطينيةوالفلسطينيين.
أمّا اليوم، فالعلاقات بين البلدين متينة على كافة المستويات، لا سيما فيما يتعلق بالتعاون الاقتصادي وفي مجال الطاقة والتعاون العسكري. وبالنسبة للإسرائيليين، تُعد اليونان وجهة سياحية جذابة - لقربها الجغرافي - ويحظى الطعام والموسيقى اليونانية بشعبية كبيرة في إسرائيل.
يُحيي العديد من الفنانين اليونانيين حفلات موسيقية بانتظام في إسرائيل. مؤخرًا، تعرضت المغنية الشهيرة غليكيريا لانتقادات شديدة في اليونان عندما قامت بجولة موسيقية في إسرائيل على الرغم من دعوات المقاطعة.
أعده للعربية: صلاح شرارة
تحرير: عبده جميل المخلافي