1. تخطي إلى المحتوى
  2. تخطي إلى القائمة الرئيسية
  3. تخطي إلى المزيد من صفحات DW

"واقعة تعذيب وسحل مواطن" تخيم على المشهد السياسي بمصر

أحمد وائل - القاهرة٣ فبراير ٢٠١٣

مصر غارقة في تفاصيل وتطورات واقعة "تعذيب وسحل المواطن حمادة صابر". وفي حين رفض هذا المواطن في مقابلة تلفزيونية اتهام الشرطة بتعذيبه، فإن المعارضة والعديد من منظمات المجتمع المدني تحمل وزارة الداخلية المسؤولية عما حدث.

صورة من: Reuters

أظهر البث الحي لشريط فيديو تعرية المواطن حمادة صابر وسحله وتعذيبه على يد قوات الشرطة المصرية في محيط القصر الذي يسكنه الرئيس المصري محمد مرسي. وكان من تطورات حكاية حمادة المطالبة بإسقاط "النظام الاستبدادي"، حسبما جاء في بيان جبهة الإنقاذ التكتل المعارض الأبرز الآن في مصر، صباح اليوم التالي، بينما يبدو أن الصراع السياسي على الأرض قد تجاوز تماماً وثيقة الأزهر لنبذ العنف.

الجميع يتابع حكاية "المسحول" والأنفاس معلقة بالمشاجرات بين أفراد عائلته بالمكالمات الحيّة على برامج التوك شو المصرية، وهكذا أصبحت حادثة السحل وتداعيتها، الحقيقة التي شاهدها الجميع والروايات المتناحرة الساعية لمحو المشهد المؤلم هي المعبر الأبرز عن حالة الانقسام السياسي التي تشهدها البلاد في الذكرى الثانية لثورتها.

تغيير الأقوال أمر متوقع

في المشهد الذي شاهده جميع المصريين حيّاً يظهر عامل البناء البسيط عارياً، وهو ملقى على الأرض بالقرب من إحدى مدرعات الشرطة مُحاطاً بمجموعة من رجال الأمن وهم يضربونه، ثم يجرونه من قدمه وهو ملقى على الأرض وقد تم تجريده من كامل ملابسه. ويتعرض حمادة (48 عاماً) في المشهد لضربات على وجهه من رجال شرطة وكذلك يوجه أحدهم هراوة لرأسه.

صعدت جبهة الإنقاذ المعارضة سقف مطالبها وأكدت بعد اجتماع عاجل "تأييدها لمطالب الشعب بإسقاط النظام".صورة من: Reuters

وبالرغم من هذه المشاهد فقد ظهر حمادة صابر في التلفزيون المصري الرسمي ليلقي باللائمة في الواقعة على المتظاهرين. وتحدث صابر للتلفزيون المصري أمس وهو يرقد على فراشه في مستشفى الشرطة ليقدم روايته لما حدث له ملقياً باللوم على متظاهرين في تجريده من ملابسه وسرقته. وقال صابر إنه رأى حشداً يجري في الشارع ثم شعر بأنه أصيب في ساقه، وتابع أنه سقط على الأرض "ومعرفتش أقوم.. جم يجروا علي اتلموا علي بهدلوني"، وسأله المحاور ما إذا كان يشير إلى المتظاهرين فأجاب "المتظاهرون بهدلوني حتى أخذوا الملابس (ولم يتركوا) الفلوس ولا حاجة". وأضاف "العساكر جريت أنا خفت قالوا لي والله ما هنعمل لك حاجة وأنا أجري منهم وهم يشدوني (يجذبوني) والله مش هنعمل لك حاجة والله مش هنؤذيك ده انت هتموت أقول لهم والله مش قادر ... قالوا لي تعبتنا تعبتنا."

عن تلك الحادثة وتداعياتها يقول خالد عبد الحميد، عضو الأمانة العامة لحزب التحالف الشعبي المعارض في حوار مع DW  عربية: "تهرب الداخلية من الواقعة ونفيها أمر متوقع، كما أنه ليس مفاجئا بالنسبة لي قول حمادة إن المتظاهرين هم من اعتدوا عليه وأنهم قاموا بتعريته، حيث كانت السلطة أيام مبارك تذيع صوراً وتسجيلات تضم الكثير من الاعترافات التي تبرئ ساحة الشرطة، وهو أسلوب أمنى معتاد من جانب السلطة المصرية".

مشهد مما قبل الثورة

الصراع السياسي على الأرض قد تجاوز تماماً وثيقة الأزهر لنبذ العنف.صورة من: DW/R. Mokbel

ويضيف عبد الحميد بالقول: "هناك الكثير من الوقائع السابقة قدمت فيها اعترافات لنفي الحقائق، حيث سبق وأن قدم المجلس العسكري لقطات للمعترفين بارتكاب أحداث مجلس الوزراء، في ديسمبر/ كانون الأول 2011، وكنّا نسمع في خلفية، لقطات الاعترافات نفسها، أصوات آلام المحبوسين مما يؤكد على تعرضهم للتعذيب".

كما يرى عبد الحميد  أن هذا التصرف لا يختلف عما اعتاده المواطن المصري من الشرطة في عهد وزير الداخلية المحبوس حالياً حبيب العادلي، "كما لو أن طريقة وزير داخلية مبارك مستمرة في الوزارة، ولا تزال هي العقيدة الحاكمة للشرطة المصرية رغم أن ثورة يناير قامت للقضاء على الدولة الأمنية التي كان يمثلها العادلي، لكنها نفس السياسات ونفس الكذب، كل هذا لا يزال مستمراً في مصر".

اعتذار يتبعه نفي

عقب الحادث تقدم وزير الداخلية محمد إبراهيم باعتذار، كما وعد بإجراء تحقيق في الواقعة، لكن خالد يوضح لـ DW عربية أن "الداخلية غيرت موقفها بعد الاعتذار، حيث أعلنت أن عملية التعرية كانت من جانب المتظاهرين، وأن الشرطة اقتصر دورها على حماية حمادة وإنقاذه من أيدي الثوار"، اللافت أن حمادة صابر أكد بعدها تفسير الداخلية للأحداث.

كما يشير عبد الحميد إلى أن التحول المفاجئ يعيد للأذهان "حكاية خالد سعيد، أيقونة الثورة المصرية الذي لقي حتفه بسبب وحشية الشرطة المصرية في يونيو/ حزيران 2010، حينما صرحت الداخلية بأنه كان مدمناً للمخدرات وأنه قد قام بالتهام لفافة كارتونية تحتوي على مخدر البانجو، ولم يمت جراء تعذيبه وضربه أمام أحدى مقاهي الإنترنت بالإسكندرية".

حينما سمع عبد الحميد رواية الشرطة لحادث سحل وتعرية حمادة تذكر أقوال رجال الشرطة الذين قتلوا "سعيد"، حيث قالوا وقتها، أي قبل قيام الثورة المصرية بأقل من عام، أنهم كانوا ينقذون خالد من محاولته لابتلاع اللفافة، مضيفاً: "فما أشبه الليلة بالبارحة".

 اعترافات رهينة

من ناحية أخرى ظل المحامي محمد عبد العزيز ليل الجمعة- السبت يبحث عن المواطن المسحول بمنطقة الاشتباكات حول قصر الرئيس المصري وأكد أن "مبيض المحارة" المسحول "كان محبوساً بمحيط قصر الاتحادية، والبعض يؤكدون أنه كان محبوساً داخله"، كما يصف الحقوقي المصري في حوار مع DW عربية حكاية حمادة بأنها "جريمة تعذيب وسحل أمام الرأي العام واحتجاز بدون وجه حق"، مشيراً إلى أنها تطورت لتصبح "جريمة اختطاف للضحية وحجزه لدى الجهة المتهمة، وذلك لإخفاء المعلومات وحقيقة الواقعة".

ويوضح عبد العزيز أن هناك ضغوط تمت ممارستها على "حمادة صابر" وزوجته لطمس الواقعة وتبرئة ساحة الشرطة حيث يقول إن الزوجة "أجرت مكالمة هاتفية مع إحدى القنوات الفضائية ليل الجمعة- السبت وكان إلى جوارها مساعد وزير الداخلية لحقوق الإنسان.. أي أنها كانت بمثابة رهينة، ولا تزال هذه الأسرة تتعرض للكثير من الضغوط".. لهذا ستنظم  مسيرة اليوم الأحد للمطالبة بنقل المواطن حمادة صابر من مستشفى الشرطة بمدينة نصر لمعرفة الحقيقة، المسيرة سينظمها ابن عم الضحية، الذي كذب تصريحات "صابر" بأنه ضحية المتظاهرين.

غطاء سياسي للعنف

طمس معالم الواقعة أو محاولة التلاعب بحقائقها كما يراه خالد عبد الحميد يعد محاولة "للمساواة بين عنف السلطة وعنف المتظاهرين الفردي، وهي عملية تهدف لإعطاء غطاء سياسي لعنف الدولة تجاه المعارضين". كما يشير عبد الحميد إلى أن "السلطة دائما تنسى، بل وتتناسى أن الناس تمتلك ذاكرة، وأنهم يتذكرون الكثير من استخدامات السلطة للأكاذيب لتبرير للقمع.. الاعتراف لن يغير ما شاهده المصريون بأعينهم على الهواء مباشرة، وليقولوا ما يريدون الناس لها عيون، ولن يصدقهم أحد".

كما ربط عبد الحميد بين الحادثة وحالة "عماد الكبير" سائق الميكروباص الذي تعرض لهتك عرضه بإشراف الضابط إسلام نبيه، بقسم بولاق الدركرور عام 2006، وقد قام الأخير بتصوير الواقعة أثناء تعذيب الضحية عن طريق هتك عرضه بعصا، وربما يكون الضابط قد سمح بتداولها ونشرها لأنه – أي  "إسلام نبيه"- ظن أنه لن يمس.

تطورات حكاية "حمادة" المطالبة بإسقاط "النظام الاستبدادي".صورة من: DW/R. Mokbel

وكان المدون المصري محمد خالد، صاحب مدونة "دماغ ماك"، أول من عثر على الفيديو الخاص بواقعة "عماد الكبير" والذي صرح لـ DW  عربية بالقول: "الفارق بين الحالتين يكمّن في التوقيت ونوع الصدمة الذي أحدثه كل حادث عند الناس. حالة عماد الكبير كانت في أوج سلطة مبارك، وكان سبب تسريب الفيديو الخاص بالواقعة الضابط نفسه، الذي أراد أن يفاخر بما فعله. لهذا كانت قضية عماد كبيرة لأن الناس كانت لأول مرة تشاهد ذلك، لكن في حالة حمادة فإن ما يجرى في الشارع الآن دفع الناس لاعتياد الأحداث المرتبطة بالقهر".

صراع بين جيلين

ويضيف محمد خالد بالقول: "حكاية عماد تعد أول واقعة توثق لانتهاكات السلطة في مصر، لهذا لم يكن النظام مهتماً بتدعيم موقف الضابط إسلام نبيه، لهذا تمت إدانته والحكم ضده بالحبس لثلاث سنوات وبرر النظام وقتها الحالة بوصفها حالة فردية لا تمثل الشرطة، لكن فى حالة حمادة فإن الداخلية تنبهت لضخامة الحدث، وأنها لابد أن تنقذ سمعتها".

كما يعلق المدون المصري كذلك على المكالمة التي بثتها فضائية "أوربت" والتي شهدت مواجهة هاتفية بين حمادة وابنته "رندا" على الهواء. "المكالمة تكشف الصراع القائم بين  جيلين يعيشان في مصر الآن، الجيل الذي ينتمي إليه حمادة وهو معتاد على أن يكون خائفاً، بينما جيل "رندا" يعرف أن الخوف لن يفيد، وعدم السكوت هو الذي سيعيد لوالدها كرامته، لأن الأب الذي كان يخاف طوال عمره لم يستطع أن يأخذ حقه رغم ذلك.. تقول رندا لوالدها فى المكالمة "قل الحقيقة الناس كلها معك". لكن يبدو أن حمادة لم يفهم بعد رسالة ابنته".

ويرى صاحب مدونة دماغ ماك أن "حادثة حمادة، لم تستطع السلطة أن تقدمها باعتبارها حالة فردية، لأن الناس شاهدتها لحظة بلحظة وفى الشارع، خلافاً لحكاية عماد، التي كانت تتحرك في مجال المدونات ونشطاء الإنترنت وكانت وتيرتها بطيئة مقارنة بحكاية حمادة، هكذا أسرعت الداخلية بالتحرك، ودفعه لقول ما يحمى صورتها وسمعتها".

تخطي إلى الجزء التالي اكتشاف المزيد

اكتشاف المزيد

تخطي إلى الجزء التالي موضوع DW الرئيسي

موضوع DW الرئيسي

تخطي إلى الجزء التالي المزيد من الموضوعات من DW