هل يجب مساعدة تركيا مالياً؟ ردود الفعل على اقتراح زعيمة الحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني أندريا ناليس جاءت رافضة وسلبية في غالبيتها. ولا يمكن لتركيا الخروج من الأزمة إلا بقوتها الذاتية، كما يرى هنريك بومه في تعليقه.
إعلان
إنه الاقتصاد ، يا غبي!" عرفت هذه الجملة منذ أكثر من ربع قرن، عندما أصبح بيل كلينتون رئيساً للولايات المتحدة. أما رجب طيب أردوغان فهو يعرف أنه من الممكن الفوز بالانتخابات من خلال اقتصاد جيد الأداء، لأنه هو من أخرج الاقتصاد التركي في بداية الألفية الجديدة من أزمة عميقة، بدعم مالي من صندوق النقد الدولي و بعد تطبيق إصلاحات شجاعة. وقد نجح في ذلك بشكل جيد، وتحولت تركيا إلى موقع محبب للاستثمار وإلى سوق جذابة، لأن الناس امتلكوا المزيد من الأموال بفضل السياسة الاقتصادية لأردوغان.
علاقات اقتصاد تقليدية
وحتى الشركات الألمانية شاركت بشكل كبير في (الاستثمار) في الدولة على مضيق البوسفور. فسبعة آلاف شركة تنشط في البلاد وتشغل أكثر من 120.000 شخصا، من بينها شركات تحمل أسماء كبيرة مثل Bosch و Volkswagen و MAN و Allianz و BASF. وحتى الشركات من الحجم المتوسط رأت في تركيا موقعا جذابا. ولا عجب في ذلك، لأن العلاقات الاقتصادية بين البلدين لها تقليد عريق: فمنذ 1761 أبرم القيصر فريدريش الكبير اتفاقية تجارة مع السلطان مصطفى الثالث. وبعد مرور مائة عام جلبت تركيا الكثير من التجار الألمان والحرفيين. وما سُمي بـ "بوسفور جيرمان " (Bosporusgermanen) الذين كانت لهم مساهمة كبيرة في توسيع العلاقات التجارية.
وفي المقابل هاجر بعد الحرب العالمية الثانية مئات الآلاف من الأتراك إلى ألمانيا. "وكـ "عمال ضيوف" - كما أطلق عليهم في تلك الفترة - كانت لهم مساهمة كبيرة في المعجزة الاقتصادية الألمانية.
والآن تحل هذه الأزمة. فانهيار العملة المحلية يجعل من تركيا سوقا تمتاز بجاذبية أقل. وبدأ مستثمرون منذ فترة في سحب رؤوس الأموال من بلدان ناشئة مثل تركيا، لأن الولايات المتحدة الأمريكية منذ تحول مستوى الفائدة لدى البنك المركزي هناك تبدو أكثر جاذبية. بيد أن الانهيار السريع لليرة تتم تغذيته بوجه خاص عبر سياسة رئيس الجمهورية التركية. وبإمكان هذا الأخير شتم "الأسواق القبيحة" أو "لوبي الفوائد الدولي" طويلا وتسمية الأمر ووصفه بأنه "حملة أمريكية". فالمبادئ الاقتصادية لا يمكن لأحد تقويضها حتى لو كان ذلك أدوغان.
قضية المعتقد
ولا يخلق ذلك مزيدا من الثقة لدى المستثمرين، إذا ادعى أردوغان "هم لهم الدولار ـ ونحن لنا الله". وبما أن تركيا بالتحديد بلد مرتبط بالتجارة الدولية (عشر الخبراء الأتراك يذهبون إلى ألمانيا ) وجب عليه عدم شتم الدولار واليورو. فهذا تنبعث منه رائحة اليأس عوض استعادة الثقة. وليس ألمانيا وليس الاقتصاد الألماني بوسعهما مساعدة تركيا. فالرئيس وحده بإمكانه فعل هذا. يجب عليه توفير ظروف عامة مستقرة وإعطاء الأمان للشركات والمستثمرين، ولاسيما الأمن القانوني. ويجب عليه احترام استقلالية البنك المركزي وعدم الإملاء أن عليه تخفيض الفوائد للسيطرة على التضخم. فهذا لا يحدث بهذه الطريقة.
وعلى أية حال فإن الشركات الألمانية في تركيا تراقب الوضع عن كتب وتعيد التفكير بالتزامها في عين المكان، ولاسيما الشركات من القطاع المتوسط التي وجب عليها إجراء الحسابات بشكل خاص، إذا ما زاد مثلا سعر المواد الأولية أو الآلات، لأن تجارتها تُدار بالدولار. منتجو النسيج ولوازم الرياضة قد يُجبرون بسرعة على تحويل الإنتاج صوب آسيا. وهذا كله وجب على الرئيس أردوغان أخذه في الحسبان. ولكن هكذا تكون الحال عندما نكون محاطين بمن يؤيد فقط ونزج بالمنتقدين داخل السجن: فهناك نشوة بالأيديولوجية الخاصة ويتم تعويض المنطق الاقتصادي بالإيمان بالله. ليس هناك رفض لما هو مرتبط بالإله، إلا أن ذلك لن ينفع في النهاية في القضايا الاقتصادية.
أزمة الليرة التركية.. خلفيات قصة القس برونسون
تدهورت الليرة التركية إلى أدنى مستوياتها منذ 17 عامًا أمام الدولار، وذلك بعد أن فرضت واشنطن عقوبات ورسوما جمركية إضافية على وارداتها من منتجات الألمنيوم والحديد التركية، لكن هذا الأجراء له جذورٌ أعمق مهدت لهذا التدهور.
صورة من: picture-alliance/A.Gocher
بداية القصة
في 25 تموز/ يوليو أعلنت تركيا وضع القس الأميركي أندرو برونسون تحت الإقامة الجبرية، بعد أن سجن لنحو عامين في إطار ما تقول تركيا إنها قضية "إرهاب" و"تجسس"، طالبت الولايات المتحدة بالإفراج عنه فورًا، ثم قامت في الأول من آب/ أغسطس بفرض عقوبات لأول مرة على مسؤولين بدولة حليفة في الناتو، هما وزير العدل عبد الحميد غول ووزير الداخلية سليمان سويلو على خلفية احتجاز برانسون.
صورة من: Reuters/Dha/Demiroren News Agency
ترامب: "الليرة تنهار أمام دولارنا القوي"
في العاشر من آب/ أغسطس 2108 أعلن ترامب عن مضاعفة الرسوم على الواردات الأمريكية من الحديد والألومينيوم من تركيا. وغرّد ترامب على تويتر: "أصدرت أمرًا بمضاعفة رسوم الصلب والألومنيوم على تركيا، في وقتٍ تنهار فيه الليرة أمام دولارنا القويّ جدًا، الضريبة على الألومنيوم سترتفع 20 بالمائة بينما سترتفع على الصلب 50 بالمائة".
صورة من: picture-alliance/dpa/C. Kaster
أردوغان يتلقى "طعنة في الظهر".. ويستعد للقادم
انخفضت قيمة الليرة التركية لتصل إلى أخفض مستوى أمام الدولار منذ عام 2001 ، حيث وصلت إلى أكثر من 6 ليرات مقابل الدولار الواحد يوم الأحد، بينما رد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بأن "الولايات المتحدة تحاول طعن تركيا في الظهر"، فيما أعلن البنك المركزي التركي أنه مستعد لاتخاذ "كل التدابير اللازمة" لضمان الاستقرار المالي.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/M. Yapici
خلافات واشنطن- أنقرة تبدأ من فتح الله غولن
الخلاف الدبلوماسي الأخير جاء تتويجًا لسلسلة من الخلافات حول عدد من الملفات الهامة التي لم تحسم بعد بين أنقرة وواشنطن، إذ أن تركيا تتهم القس برونسون بدعم منظمتين إرهابيتين، هما جماعة "خدمة" التابعة لفتح الله غولن، وحزب العمال الكردستاني الذي تصنفه أنقرة على أنه منظمة ارهابية، بينما ترفض واشنطن تسليم غولن الذي يعيش في أمريكا للسلطات التركية.
في المقابل لم تكن واشنطن مرتاحة للتنسيق بين تركيا وروسيا وإيران في أستانا لخفض التصعيد في مناطق محددة في سوريا، كما أنها ليست مرتاحة للتقارب الكبير بين موسكو وأنقرة في مجالات حيوية مثل مشاريع الطاقة ومشتريات تركيا من السلاح الروسي.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/S. George
الإعلام التركي يتهم واشنطن بالمشاركة في الانقلاب
عدا عن ذلك تتهم بعض وسائل الإعلام التركية المخابرات الامريكية بأنها كانت وراء محاولة الانقلاب الفاشلة على أردوغان، وأن قاعدة "أنجيرليك" الجوية، الموجودة في تركيا والتابعة لحلف الناتو، كانت مركز التخطيط لهذا الانقلاب.
صورة من: picture-alliance/abaca/F. Uludaglar
بعيدًا عن السياسة.. الأزمة لها جذور اقتصادية أيضًا
بعيدًا عن الأسباب السياسية فإن هناك جملة عوامل ساهمت في تراجع قيمة العملة التركية وبروز الأزمة الاقتصادية التي تواجهها تركيا حاليًا، حيث يشعر المستثمرون بالقلق من عدم قدرة الشركات التركية على سداد القروض التي أخذتها بالعملة الصعبة خلال فترة الفورة العقارية ومشاريع البناء الكبيرة.
صورة من: picture-alliance/NurPhoto/D. Cupolo
إجراءات تركية لإنقاذ الوضع
لوقف هذا التدهور، اتخذ البنك المركزي التركي مجموعة من التدابير لدعم الاستقرار المالي، وقال وزير الخزانة والمالية التركي، صهر الرئيس أردوغان، براءت ألبيرق، إن الوزارة بدأت تطبيق خطة عملها لمواجهة تقلبات سعر صرف الليرة التركية أمام الدولار، محذرًا من نشر شائعات كاذبة.
صورة من: picture-alliance/M. Alkac
أردوغان: "لديهم الدولار ولنا الله"
هدد أردوغان بأنه قد يلجأ إلى خطط وتدابير أخرى مثل "خطة حيال التجار ورجال الصناعة اذا استمروا في المسارعة إلى بيع الليرة التركية وشراء الدولار الأميركي"، وقال قبل ذلك: "إذا كان الغرب يملك الدولار فلدينا الله".
صورة من: picture-alliance/Xinhua/Turkish Presidential Palace
واشنطن تراقب.. وتساوم أنقرة
البيت الأبيض يؤكد أن إدارة ترامب تراقب الوضع المالي في تركيا "عن كثب" وأن العقوبات لوحدها لا يمكن أن تؤدي لهذا الانهيار لو لم يكن هناك خلل منذ البداية، بينما التقى مستشار الرئيس الأميركي للأمن القومي جون بولتون السفير التركي لدى الولايات المتحدة من أجل بحث قضية احتجاز القس أندرو برانسون من قبل أنقرة.
صورة من: picture-alliance/dpa/A. Druzhinin
ميركل: "لا نريد انهيار اقتصاد تركيا"
وفي تعليق على كل ما يجري، قالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل إن "زعزعة استقرار الاقتصاد التركي لا يصب في مصلحة أي طرف"، مشددةً على أهمية استقلال البنك المركزي التركي للمساهمة بشكل فعال في التعامل مع الوضع الحالي.