في حين قضت محكمة ألمانية بإعادة الحارس الشخصي السابق لأسامة بن لادن إلى ألمانيا، يتم ترحيل اللاجئين المندمجين بشكل جيد إلى أفغانستان. وهذا الأمر قد يقوض الإيمان بسيادة دولة القانون، كما يرى فيليكس شتاينر.
إعلان
من يؤمن بأن المنطق السليم ودولة القانون أمران لا ينفصلان، فقد يكون قد تأكد من ذلك يوم الجمعة الماضي، عندما قامت السلطات الألمانية بترحيل الحارس الشخصي السابق لزعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن إلى تونس. تصدر هذا الرجل المعروف باسم سامي أ. عناوين الصحافة ومنصات التواصل الاجتماعي لعدة أسابيع. وفي بيان حكومتها الأخير في الـ 28 من حزيران/ يونيو، أعلنت المستشارة أنها لا تستطيع التعايش مع إقامة شخص مثله في ألمانيا.
حماية إرهابي من التعذيب
هذه القضية تثير غضب دافعي الضرائب في ألمانيا، إسلامي متشدد و مساعد سابق لأحد أبرز الإرهابيين المطلوبين في العالم، ويعيش في ألمانيا منذ سنوات ويحصل على معونات اجتماعية ألمانية لنفسه ولزوجته وأطفالهما الأربعة. تم رفض طلب لجوئه منذ فترة طويلة، ولكن بسبب خطر تعرضه للتعذيب في بلده تونس، لم يتم ترحيله. إضافة إلى هذا تصنفه السلطات الأمنية التونسية على أنه "خطر". شخص قادر على الهجوم في أي وقت. المشكلة الوحيدة في هذه القضية هي عدم وجود أدلة ضده في المحكمة.
فرح أتباع النظرة المنطقية للأمور يوم الجمعة لسماع خبر ترحيل الرجل أخيرًا من ألمانيا إلى بلاده، لكن هذه الفرحة لم تدم طويلاً. إذ بعد بضع ساعات، قضت محكمة غيلسنكيرشن بوجوب إعادة سامي أ. إلى ألمانيا في أقرب وقت ممكن وبطبيعة الحال، سيكون ذلك على حساب دافعي الضرائب. لأنه ثبت، أنه لم يكن ينبغي ترحيله على الإطلاق. العزاء الوحيد في هذه المسرحية هو أن تونس ترفض إعادة تسليم الرجل إلى ألمانيا، وتريد محاكمته على أرضها.
من لم يشكك في منطق وآليات عمل الدولة في ألمانيا حتى هذه اللحظة، فسيقدم له الحجج الكافية الأن ليصل إلى ذلك. يبدو أنه تم تعطيل قرار المحكمة بشكل متعمد، إلى حين إتمام الترحيل. هكذا إجراء يجعل المرء يتساءل حول ما إن كان كل حكم صدر في ألمانيا هو قرار نهائي، وهذا أمر يمكن التجادل بشأنه. لكن المؤسسات الحكومية تتعمد عرقلة قرارات المحاكم، ما يقوض سيادة القانون. وهذا لا يجوز!
المرحلون ..المجرمون و رافضو الاندماج فقط؟
من ناحية أخرى تتكشف المزيد من التفاصيل عن اللاجئين الأفغان 69 والذين تم ترحيلهم من ألمانيا إلى أفغانستان الأسبوع الماضي. إذ فقد واحد منهم حياته في كابول بعد بضعة أيام من ترحيله.
كل من يعتقد حتى الآن أن السلطات الألمانية تقوم بترحيل المجرمين ورافضي الاندماج فقط، عليه إعادة التفكير في ذلك. فمؤخراً قام مراسلون محليون بالاطلاع على بيئة الأشخاص المرحلين، وبالأخص في ولاية بافاريا، وكانت هذه مشاهداتهم: شركة بناء فقدت فجأة أحد عمالها ( لحام مساعد) كان يؤدي عمله بشكل جيد لمدة ثلاث سنوات ونصف، ويتحدث الألمانية بشكل جيد ويقوم بدفع الضرائب وذلك جراء ترحيله. حتى ذلك الخباز المتدرب، والمطلوب وظيفته بكثرة في ألمانيا، اضطر إلى المغادرة. شابان سحبا من سريرهما قبيل ليلة واحدة من موعد امتحانهما الشفوي الأخير، كان أحدهما قد تحصل على عقد تدريب للعناية بكبار السن يبدأ في أيلول / سبتمبر، وهو أيضاً مجال، تعاني ألمانيا من نقص كبير في اليد العملة المتخصصة فيه. كل من تعامل مع هؤلاء وصفهم بأنهم مجتهدون وراغبون في الاندماج.
قد تكون جميع عمليات الترحيل هذه سليمة من الناحية القانونية، لكن ترحيل مثل هذه النماذج يثير التساؤلات. قبل كل شيء هل مازالت الدولة الألمانية تعرف ما تريد وماذا تفعل؟ وعلى أية حال، فإن جميع المساعدين المشاركين في مساعدة اللاجئين والمؤسسات التي تمنح القادمين الجدد فرصة للعمل والاندماج، لم يعودوا يشعرون بالجدية. وعلى الرغم من أن كل مؤسسة حكومية يجب عليها أن تعي بأنه بدون هؤلاء لبقيت سياسة أنغيلا ميركل الخاصة باللاجئين وهمية. وبهذا سيتم تقويض الثقة والإيمان بسيادة القانون هنا، خاصة بين الأشخاص الذين يدعمون هذه الدولة والذين يصنعونها. وهذا خطير.
فيليكس شتاينر
اللاجئون في ألمانيا - من "ثقافة الترحيب" إلى "سياسة الترحيل"
في خريف عام 2015، فتحت ألمانيا أبوابها للآلاف من اللاجئين. وكان تفهم الألمان لمآسي هؤلاء ملفتا جداً. إلا أن أحداثاً عديدة قلبت ثقافة الترحيب إلى مطالب بالترحيل. بالصور: محطات من السياسة الألمانية تجاه اللاجئين.
صورة من: picture-alliance/dpa/G. Fischer
بداية الموجة
في 25 آب/ أغسطس 2015، علقت ألمانيا تنفيذ اتفاق دبلن تجاه اللاجئين السوريين. وينص الاتفاق على إعادة اللاجئين إلى بلد دخلوه في الاتحاد الأوروبي. وبعدها بأيام قالت المستشارة ميركل إن التغلب على موجة اللجوء؛ "مهمة وطنية كبيرة"، كما أصرت على أن "ألمانيا ستنجح في هذه المهمة". وخشيةً من مأساة تحل بآلاف اللاجئين، قررت ميركل إلى جانب النمسا استقبال اللاجئين، وكان ذلك في الخامس من أيلول/ سبتمبر 2015.
صورة من: Reuters/H. Hanschke
استقبال وترحيب
مثلت ""ثقافة الترحيب" عنصراً مهماً في استقبال اللاجئين في خريف 2015. وقد حظي اللاجئون عند وصولهم إلى عدد من المدن الألمانية بترحيب منقطع النظير من جانب المتطوعين من المواطنين الألمان والأجانب المقيمين في ألمانيا. وبادر هؤلاء المتطوعون إلى تقديم المساعدة المعنوية والمادية للعديد منهم. ففي ميونيخ مثلاً، تم إنشاء مطاعم مؤقتة للاجئين المنتظرين تسجيل أسماءهم لدى الشرطة، ونقلهم إلى مراكز الإيواء.
صورة من: picture alliance/dpa/J. Carstensen
أزمة السكن
عدد كبير من اللاجئين قصد ألمانيا بعد قرار ميركل عام 2015. الأرقام المتزايدة للاجئين شكلت تحديا كبيراً للألمان. وبدأت مدن ألمانية باستعمال المباني الخالية أو المهجورة كمراكز إيواء للاجئين، فيما استدعت السلطات الحكومية المختصة الموظفين المتقاعدين للعمل من جديد في مراكز اللاجئين. ويعتبر هذا المعطى واحداً من المؤشرات الأخرى التي فرضت على ألمانيا دخول تحدٍ جديدٍ، بسبب اللاجئين.
صورة من: picture-alliance/dpa/I. Fassbender
بداية أحداث قلبت الموازين
كانت أحداث كولونيا، التي وقعت في ليلة رأس السنة الجديدة 2016/2015 بداية فاصلة لتغير مزاج الألمان تجاه اللاجئين. حيث شهدت تلك الليلة عملية تحرش جماعي كبرى لم تشهدها ألمانيا من قبل. تلقت الشرطة مئات البلاغات من نساء تعرضن للتحرش والسرقة وفتحت الشرطة أكثر من 1500 تحقيق لكن السلطات لم تنجح في التعرف إلا على عدد قليل من المشتبه بهم، الذين كانت ملامحهم شرق أوسطية وشمال إفريقية، طبقا لشهود.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Böhm
مطالب بالترحيل
أعمال التحرش الجنسي في كولونيا، ليلة رأس السنة، تسببت في موجة استياء واسعة في ألمانيا بداية من عام 2016، وقد دفعت كثيرين للمطالبة بتشديد القوانين لترحيل الجناة وجعلت آخرين يطالبون بتفادي تجريم فئة معينة في المجتمع. وكانت حركة "بغيدا" أهم الأطراف، التي دعت إلى وقف تدفق اللاجئين على ألمانيا. وتعارض هذه الحركة الشعبوية بوجه خاص إيواء لاجئين من دول إسلامية بدعوى أن ثقافتهم لا تنسجم مع القيم الغربية.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Kappeler
تحديد سقف لعدد اللاجئين
على خلفية اعتداءات كولونيا ليلة رأس السنة، وجد زعيم الحزب الاجتماعي المسيحي المحافظ آنذاك هورست زيهوفر في الواقعة فرصة للتأكيد على طلبه الرئيسي المتمثل في تحديد سقف أعلى لعدد اللاجئين المسموح لهم بدخول ألمانيا. لكن ميركل كانت قد رفضت الأمر في مؤتمر حزب "الاتحاد الاجتماعي المسيحي" (البافاري) في ميونيخ.
صورة من: picture-alliance/dpa/D. Karmann
هجمات متفرقة ينفذها لاجئون
وقام بعض اللاجئين بأعمال عنف و"إرهاب" جعلت مؤيدين كُثراً يسحبون دعمهم لسياسة الترحيب. ومن أبرز هذه الاعتداءات، ما حصل بمدينة أنسباخ جنوبي ألمانيا. فقد فجَّر طالب لجوء سوري عبوة ناسفة من صنعه وهو ما أدى إلى مقتله وإصابة 12 شخصاً. كما أصاب طالب لجوء آخر (2016) خمسة أشخاص بجروح بفأس وسكين على متن قطار في فورتسبورغ.
صورة من: Reuters/M. Rehle
هجمات معادية للاجئين
وفي المقابل قام أشخاص بالاعتداء على مجموعة من مراكز إيواء اللاجئين مثل إضرام الحريق في مركز فيرتهايم. كما شهدت بعض المدن الألمانية مظاهرات معادية لاستقبالهم. هذه التصرفات دفعت المستشارة ميركل للقول إنه لا تسامح مع اليمينيين المتطرفين الذين يقومون بهجمات ضد اللاجئين.
صورة من: picture-alliance/dpa/R. Engmann
عملية دهس وراءها داعش!
في 19 ديسمبر/ كانون الأول 2016 اهتزت برلين لفاجعة الدهس بشاحنة، التي أدت لمقتل 12 شخصاً وإصابة 48 آخرين. هذا العمل الإرهابي قام به لاجئ في ألمانيا، فقد وُجهت التهمة لأنيس العامري، وهو تونسي الجنسية، كان يبلغ حينها 24 عاماً، باختطاف شاحنة بولندية ضخمة، ودهس بها تجمعاً بشرياً بأحد أسواق أعياد الميلاد في قلب برلين، قبل أن تقتله الشرطة الإيطالية. وقد أعلنت "داعش" فيما بعد تبنيها للاعتداء.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Kappeler
سياسة ميركل في مرمى الانتقادات
تصاعد الأزمات، وتفاقم المشاكل جعل شعبية المستشارة ميركل تقل، فقد اتهمها منتقدوها بأن سياسة "الباب المفتوح" التي اتبعتها فاقمت الأوضاع من خلال تشجيع المزيد من اللاجئين على الدخول في رحلاتهم الخطرة نحو أوروبا. وفي سبتمبر 2016 بدأت ألمانيا أيضا بعمليات مراقبة مؤقتة على حدودها مع النمسا.
صورة من: Getty Images/J. Simon
هل ستستقبل ألمانيا لاجئين جدد؟
أعلنت المفوضية الأوروبية لشؤون اللاجئين موافقة الحكومة الألمانية على استقبال 10 آلاف لاجئ ضمن برنامج "إعادة التوطين" التابع للاتحاد الأوروبي، في الوقت الذي يحاول وزير الداخلية الألمانية الإسراع بفتح مراكز جديدة للاجئين تتولى استقبال اللاجئ والبت في قراره ثم ترحيله في حالة رفض طلبه. بالإضافة إلى توجهه نحو التشدد حيال لمّ شمل عائلات اللاجئين الحاصلين على الحماية الثانوية. إعداد: مريم مرغيش