ليس فقط الرئيس ترامب، وإنما حتى سلفه أوباما وقادة الاتحاد الأوروبي فشلوا في سوريا منذ سنوات. وبالنظر إلى ذلك فإن مقترحات كالذي قدمته وزيرة الدفاع الألمانية كرامب-كارنباور، لها نتائج عكسية، حسب رأي راينر زوليش في تعليقه.
إعلان
إلى أي مدى يمكن لرئيس أمريكي أن يغرق أخلاقياً؟ في البداية يخون دونالد ترامب حلفاءه الأكراد ويسلمهم لقنابل الطائرات التركية وللجهاديين الممولين من مصادر تركية، الذين سبق وأن ذبَّحوا الأكراد فعلا. بعد ذلك، يشيد ترامب وبنفاق بوقف إطلاق النار، الذي تم التفاوض عليه بين موسكو وأنقرة، والذي يحد من غزو أردوغان العسكري لكنه يضفي عليه شرعية، وفي الوقت نفسه يثبت حكم نظام بشار الأسد والقوة الحامية له، روسيا، في كل سوريا تقريبًا. و من الواضح أن ترامب لا يهتم بموت الناس ولا بتمدد نظام ظالم، والأكراد ليسوا "ملائكة"، كما أشار هو باقتضاب مؤخراً. سخرية لا يكاد أن يكون لها مثيل.
سخرية ترامب
لقد كان ترامب، من خلال "وداعٍ" لجيشه الأمريكي من سوريا أعلنه على عجل، هو الذي مكن موسكو من تهديد الأكراد، بأن جيش أنقرة سوف يسحقهم إذا لم يسحبوا مقاتليهم ويدخلوا تحت حماية الأسد.
وهنا بشار الأسد ليس مجرد ديكتاتور بين كثيرين في المنطقة – وإنما هو أكثر من مجرد مجرم حرب "مشتبه به": لقد أثبت الأسد على مدار سنوات أنه ليس لديه أي تأنيب للضمير عند قيامه بإمطار مناطق سكنية بأكملها ومن يسكنها من مواطنين في بلده بقنابل البراميل المتفجرة.
وليست روسيا وحدها، بل أيضا السياسة الخارجية الغربية غير الحاسمة، يعود لها الفضل في قدرة الأسد منذ فترة على اعتبار نفسه رابحا في سوريا. وحتى باراك أوباما، سلف ترامب، كان يخشى أن يوقف الديكتاتور عن حدوده.
وما لا يقل سخرية الآن هو تغير موقفترامب: فجأة الآن سيبقى جزءٌ أكبر من القوات الأمريكية، ووفقًا لتقارير وسائل الإعلام الأمريكية، ربما تبقى أيضا كتائب الدبابات في شمال شرق سوريا لكي تحمي منشآت النفط هناك من الوقوع في أيدي تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش). ولم يتورع ترامب عن الكتابة على تويتر: "ربما حان الوقت الآن بالنسبة للأكراد للتحرك نحو منطقة النفط". فهل يقدم لهم حماية أمريكية هذه المرة؟ أم العكس هو الصحيح، أي أنه سيترك من جديد حماية مصالح الولايات المتحدة للمقاتلين المقربين من حزب العمال الكردستاني؟
فشل أوروبا
إنه لأمر مفزع كيف يتم الحديث ليس عن مصير الأكراد وحدهم بل عن مصير الشعب السوري كله تقريبا بالسخرية عبر الكلمات، ولكن قبل كل شيء عبر الأفعال أو الامتناع عن الأفعال. وليس فقط ترامب وأوباما، ولكن أيضًا أوروبا والدول المحورية مثل ألمانيا وفرنسا يجب أن تتقبل اتهامات بأنها بقيت لسنوات طويلة تراقب جرائم القتل في سوريا دون وضع إستراتيجية مشتركة ضدها - أو حتى التفكير بجدية في تدخل عسكري. وبدلاً من ذلك سمحت وتسمح (هذه الدول) لأردوغان بابتزازها من خلال (التهديد بـ) موجة "تدفق لاجئين" سوريين جديدة.
أوروبا كما أمريكا، لم تفعل أي شيء لمنع روسيا وإيران من توسيع نفوذهما بشكل منهجي في سوريا ومساعدة الأسد في اكتساب قوة جديدة. وإذا كانت هذه "الحرب"، التي لم تُخض إطلاقا، من أجل النفوذ الأوروبي في سوريا، تمت خسارتها من الناحية العملية، يتم فجأة طرح أفكارٌ بالية، ليس لها أي فرصة للنجاح تقريبا.
وهذا يسري، على وجه الخصوص، على اقتراح وزيرة الدفاع الألمانية، أنيغريت كرامب-كارنباور، والذي لم يتم تنسيقه بشكل كافٍ لا في برلين ولا على المستوى الأوروبي، لتشكيل قوة قوية تابعة للأمم المتحدة في شمال سوريا بمشاركة روسيا وتركيا. كما لو أن موسكو ستسمح للأوروبيين أن يكونوا أكثر من مجرد قوة مساعدة في سوريا في خدمة مصالحها الخاصة. والآن رفضت تركيا أيضا هذه الخطة.
وبمثل هذه السياسة، تُخَلق آمالٌ لا يمكن تحقيقها لدى الأشخاص المتضررين. وهذا أيضًا ينطوي على سخرية ويخفي الحقيقة المرة وهي: صحيح أن الأوروبيين يتمتعون بالثقة وبسمعة طيبة في المنطقة، إلا أنهم في وضعهم الحالي، وبدون وجود شريك أمريكي قوي إلى جانبهم، ليس لديهم أي فرصة على الإطلاق لتوفير الأمن أو حتى الحماية العسكرية للأكراد أو قطاعات أخرى من السكان في سوريا. فهذه المسألة لا يقدر على فعلها الآن سوى فلاديمير بوتين فقط، إذا أراد، وإذا كان ذلك يناسب حساباته الاستراتيجية الخاصة.
المدنيون يتحملون العبء الأكبر للهجوم التركي في سوريا
يحاول من نزح جراء المعارك في شمال شرق سوريا النجاة بالاحتماء في منازل ومدارس مهجورة. ومع رحيل المنظمات الدولية غير الحكومية، يصطف المواطنون لساعات من أجل كسرة خبز. أما القلة القليلة التي تبقت من الأطباء فغارقة في عملها.
صورة من: DW/K. Zurutuza
المحطة الأولى رأس العين
تشير مصادر أممية إلى وجود أكثر من مائتي ألف نازح داخل شمال شرق سوريا منذ بداية الهجوم التركي، الذي بدأ في التاسع من تشرين الأول / أكتوبر 2019. وكان لمدينة رأس العين الحدودية النصيب الأكبر إثر هجوم مشترك لميليشيات مدعومة من تركيا التركية وقصف جوي. وستبقى المدينة تحت السيطرة التركية وفق اتفاق سوتشي الذي توصلت إليه روسيا وتركيا.
صورة من: DW/K. Zurutuza
"فقدنا كل شيء"
وتفيد تقارير بأن أغلب الفارين ينتمون إلى الأكراد. أما ما تبقى في المدينة من مدنيين فهم غالبًا من العرب الذين لا يزالون على تواصل هاتفي بجيرانهم القدامى. وقال هذا الرجل لـ DW (دويتشه فيله): "لقد أخبروني أمس أن الإسلاميين كانوا ينهبون منزلنا؛ لقد فقدنا كل شيء".
صورة من: DW/K. Zurutuza
كل كَسرة خبز تساعد
قوات النظام السوري تتمركز على مسافة كيلومترات قليلة من تل تمر بمحافظة الحسكة. ومن ثم، فقد فرَّت على مدار الأيام القليلة الماضية منظماتٌ دولية غير حكومية كانت تتخذ المنطقة مركزًا لها في السابق. ويعتمد النازحون داخليًّا من رأس العين والقرى المجاورة على عمل المنظمات غير الحكومية التي تكافح لمواكبة الأزمة.
صورة من: DW/K. Zurutuza
قرى خاوية ومخاطر عديدة
وبخلاف تل تمر، تستقبل قرى متاخمة أخرى مئات النازحين، الذين يعتمدون على منظمات محلية غير حكومية. وأوضح حسن بشير، منسق محلي لمنظمة غير حكومية، في تصريحات لـ DW أنهم "يعيشون في قرى خاوية، يوجد كثيرٌ منها بالقرب من مواقع أخرى خاضعة لسيطرة المليشيات المدعومة من الأتراك أو خلايا نائمة لداعش".
صورة من: DW/K. Zurutuza
وجبة واحدة لكل أسرة
لهذا النازح العربي القادم من رأس العين أربع زوجات وسيكابدون جميعا مشقة الحصول على ما يكفي لإطعام جميع أطفالهم، إذ تقول المنظمات غير الحكومية إنها لا تستطيع توزيع أكثر من وجبة غذائية واحدة لكل أسرة. وقال لـ DW بعد أن حصل على وجبة غذائية واحدة: "ليس ذنبهم أنهم مجرد أطفال".
صورة من: DW/K. Zurutuza
المدارس مغلقة.. إلى الأبد؟
منذ بداية الهجوم في شمال شرق سوريا والمدارس مغلقة، ويستقبل كثيرٌ منها الآن نازحين داخليًّا من رأس العين. وسينتقل من يستطيع تحمل التكلفة إلى مدن مثل الحسكة، التي تقع على بعد 80 كيلومترًا نحو الجنوب، أما البقية فسيتعين عليهم التكيف مع الظروف القاسية في مدينة حدودية تواجه المزيد من الهجمات من الشمال.
صورة من: DW/K. Zurutuza
"استمرار الوضع ينذر بكارثة كبرى"
تعيش حاليًا 50 أسرة كردية من رأس العين في هذه المدرسة المهجورة بتل تمر، وسط غيابٍ للمياه والكهرباء. ومع تدهور الأوضاع الصحية، يخشى أطباءٌ محليون والمستشفى في تل تمر من تفشي الكوليرا وغيرها من الأمراض، إذ أخبر أحد الأطباء المحليين DW: "إذا استمر الوضع هكذا، يجب أن نستعد لكارثة إنسانية كبرى".
صورة من: DW/K. Zurutuza
مرضى تقطعت بهم السبل
على الرغم من أن المشفى في تل تمر يعالج الجرحى، فإنه لا يستطيع مساعدة أولئك الذين يعانون من أمراض مثل السرطان. وأخبر نازحان DW أنهما كانا من المفترض أن يتلقيا علاجًا كيميائيًّا في دمشق قبل بدء الهجوم، إلَّا أن الوضع الأمني الحالي يجعل الوصول إلى هناك مستحيلًا.
صورة من: DW/K. Zurutuza
نوع آخر من أماكن اللعب
منذ سيطرة تنظيم "داعش" على تل نصري، بقيت القرية المسيحية الواقعة على أطراف تل تمر خاوية، إذ رحل أغلب سكانها السابقين خلال حصار داعش عندما دمَّرت المليشيات الكنائس بمتفجرات، قبل سقوط "الخلافة" المزعومة. ومع عدم وجود مكان آخر يذهبون إليه، يعيش العديد من النازحين داخليًّا من رأس العين في تل نصري.
صورة من: DW/K. Zurutuza
العيش على الصلاة
هؤلاء الفِتيانٌ من بين عشرات العالقين في تل نصري، إلَّا أن أوضاع المعيشة القاسية هي أبسط مشكلاتهم. فقبل التقاط الصورة مباشرة، أخبر نازحون DW أنهم تعرضوا لهجوم من قرية مجاورة يُقال إنها واقعة في قبضة إسلاميين، وأوضح مقاتلٌ بقوات سوريا الديمقراطية لـDW: "بدأوا بإطلاق النار علينا واشتبكنا [معهم] لأكثر من ساعة".
كارلوس زوروتوزا (تل تمر) / ج.ا