انسحبت واشنطن عمليا من المستنقع السوري، فيما امتنعت أوروبا أصلا عن التدخل، ما ساهم في العواقب الكارثية التي نراها اليوم والتي تمتد ارتداداتها حتى لأوروبا، كما يرى راينر هيرمان من صحيفة فرانكفورتر ألغماينه تسايتونغ.
إعلان
تشهد إدلب حاليا كارثة إنسانية ويغض العالم عنها أبصاره. الصور القادمة من هناك تُذكر إلى حد بعيد بمشاهد نهاية الحرب العالمية الثانية التي من المفترض أن تهز الناس وتوقظهم. رحلات اللاجئين المضنية في اتجاه الشمال وسط الثلج والصقيع بالقرب من الحدود التركية، آملين في الوصول إلى بر الأمان، خصوصا وأن مؤن اللاجئين القليلة توشك على الانتهاء.
ينتهج النظام السوري، المدعوم من الطيران الحربي الروسي والميليشيات الموالية لإيران، استراتيجية الأرض المحروقة في إدلب، إذ تُلقي المروحيات قنابل فوسفورية على المستشفيات والمدارس والأسواق كما المنازل. فتحول مجمعات سكنية كبيرة إلى مدن أشباح، في رسالة واضحة مفادها: في المستقبل، يجب ألا تقوم هنا حياة أخرى!
تدفع آلة الحرب السورية بمئات الآلاف من المدنيين العزل إلى النزوح، إذ تقدر منظمات الإغاثة الانسانية عدد الأطفال النازحين بما لا يقل عن 290 ألف طفل، يعاني عدد منهم كل ليلة من البرد القارص بل والموت. النظام السوري يعتبر كل شخص يعيش في إدلب "إرهابيا"، وهي المحافظة التي لجأ إليها عدد كبير من السوريين في السنوات الماضية، هرباً من بطش قوات الأسد وأتباعه. أما اليوم فلم يعد أمامهم مكان آخر يلجؤون إليه.
احتقار روسي ومخاوف تركية
تساهم القيادة الروسية بنوع من السخرية في الاستخفاف بحياة أهل إدلب، استخفاف سبق وأن مارسته في غروزني عاصمة الشيشان. ومن كان يأمل في التفاوض مع نظام دمشق حول المستقبل السياسي لسوريا عليه التخلي عن هذه السذاجة تماما. الأسد وأركان نظامه يقصفون بلدا كي يعيش فيه السوريون الموالون فقط. بلد يتم تطهيره من جميع مثيري الشغب المحتملين. غير أن ذلك لن يجلب السلام للبلاد.
تخشى أنقرة من أن يلجأ إليها نصف سكان منطقة إدلب البالغ عددهم حوالي أربعة ملايين نسمة إذا تم فتح الحدود المغلقة بجدار مرتفع. فمن شأن استقبال المزيد من اللاجئين زعزعة استقرار البلاد. كما أنها تسعى لمنع تدفق موجة جديدة من اللاجئين. هذا يدل على موقع القوة التي تملكها روسيا تجاه أوروبا، فكما هو الحال الآن في ليبيا، فهي باتت تتحكم في إحدى المحطات الرئيسية في طريق الهجرة.
أجرى الرئيسان التركي رجب طيب أردوغان والروسي فلاديمير بوتين محادثات جديدة يوم (الخميس 13 فبراير/ شباط 2020). لكن المكالمة الهاتفية لم تمكن الجانبين من تقريب وجهات النظر. لذلك بدأت تركيا لعبة محفوفة بالمخاطر وتحاول إجبارالجيش السوري على الوقوف وراء مراكز المراقبة الاثني عشر باستخدام القوة العسكرية. نقاط تم إنشاؤها فعلا من ضبط ومراقبة وقف إطلاق النار في إدلب ووافقت عليه كل من روسيا وتركيا وإيران.
اتهام غير دقيق من ألمانيا
تركيا لا تقدم بهذا خدمة لنفسها فقط، وإنما تقدمها لأوروبا أيضاً. وبالتالي فإن الاتهام القائل بأنه يتم استخدام أسلحة ألمانية في العملية العسكرية التركية، هو اتهام غير دقيق. فعندما عرضت المستشارة أنغيلا ميركل بناء منازل واقية في فصل الشتاء لصالح 100 ألف لاجئ في إدلب، انهالت عليها الانتقادات. وتبدو أوروبا مرة أخرى عاجزة وغير قادرة على الرغم من أن جميع القيم التي تؤمن بها تُقصف بلا هوادة بالقنابل.
الكثير يذكرنا هنا بالحرب في يوغوسلافيا سابقا، عندما وقفت أوروبا بلا حول ولا قوة أمام المذابح الصربية. في ذلك الوقت، حينها أنذرالدبلوماسي الأمريكي ريتشارد هولبروك بقوة الدكتاتور الصربي سلوبودان ميلوسيفيتش، قبل أن يضع القصف الأمريكي، حداً للتطهير العرقي هناك.
عواقب انسحاب القوة العظمى الأمريكية تظهر فيما تمارسه قوات النظام السوري يوميا، فيما أوروبا، التي تنصب نفسها حامية لحقوق الإنسان، تؤكد إفلاسا أخلاقيا جديدا.
راينر هيرمان
مواجهة بين أنقرة ودمشق... ساحتها إدلب
شهدت إدلب خلال الأسابيع الماضية تصعيداً عسكرياً حاداً بين النظام السوري وتركيا، مما يضع المنطقة تحت تساؤلات حول إمكانية تحول هذه المواجهة إلى منحنى أخطر، فما هي آخر التطورات بين الطرفين حتى اللحظة؟
صورة من: picture-alliance/dpa/AA/M. Said
قتلى بين الطرفين
دق كل من النظام السوري وتركيا ناقوس الخطر بعد أن ثار غضب الأخيرة لمقتل 8 أتراك؛ من بينهم خمسة جنود في قصف طال موقعين لها خلال الأسبوع الأول من الشهر الحالي، لترد أنقرة بقصف مواقع سورية موقعة 13 قتيلاً. وأسفرت الغارات السورية عن ارتفاع عدد القتلى الأتراك، ليبلغ حتى هذه اللحظة 14 شخصاً.
صورة من: picture-alliance/AA/I. Idilbi
نقاط مراقبة تحت المراقبة!
تخضع ثلاث نقاط مراقبة تركية لحصار من النظام السوري، ويشار إلى أن تركيا تملك اثنتي عشر نقطة مراقبة في إدلب، وذلك بموجب اتفاق روسي تركي يعود لعام 2018. وقد أجج الصراع على النقاط التركية المحاصرة الخلاف بين الطرفين.
صورة من: picture-alliance/AA
إسقاط طائرة هليكوبتر تعود للجيش السوري الحكومي
في الحادي عشر من الشهر الحالي سقطت مروحية عسكرية تابعة للنظام السوري أثناء تحليقها في سماء إدلب، مما أدى إلى مقتل عسكريين سوريين. واتهمت وسائل إعلام تركية الفصائل السورية بهذا. ونقلت وكالة الأنباء السورية سانا عن مصدر عسكري إصابة "إحدى طائرات الهليكوبتر العسكرية بصاروخ معاد " فوق منطقة النيرب في ريف إدلب الجنوبي.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/G. Alsayed
تقدم على الطريق الدولي
تركز تقدم جيش النظام السوري على ريف إدلب الجنوبي وريف حلب الغربي المجاور، حيث يمر طريق "إم 5" الدولي، فارضاً سيطرته على عدة بلدات وقرى. ويشكل الطريق أهمية استراتيجية إذ يربط مدينة حلب بالعاصمة دمشق، ويعبر مدناً رئيسية في حماة وحمص وصولاً إلى الحدود الجنوبية مع الأردن.
صورة من: picture-alliance/Photoshot/Maher
تعزيز تركي
قامت القوات التركية بتعزيز نقاط المراقبة التابعة لها بعناصر من قوات المهام الخاصة "الكوماندوز"، وذلك وسط تدابير أمنية مشددة. تضمنت التعزيزات عربات عسكرية مختصة بالتشويش الراديوي، وسيارات إسعاف عسكرية مدرعة.
صورة من: Getty Images/AFP/O. Haj Kadour
النزوح الأكبر
أدى تصاعد العنف بين الطرفين إلى موجة نزوح كبيرة، وصلت إلى 700 ألف سوري حتى اللحظة، وذلك هروباً من 200 ضربة جوية نفذها طيران النظام السوري في منطقة إدلب، كما ذكر المبعوث الأمريكي الخاص بشأن سوريا جيمس جيفري. فيما وصفتها الأمم المتحدة بـ"أسوأ موجة نزوح منذ بدء الحرب".
صورة من: Getty Images/AFP/A. Watad
وضع مأساوي!
يعاني النازحون من الانخفاض الحاد في درجات الحرارة، دون مكان مبيت يأويهم، مع تعاظم الوضع المأساوي في المحافظة التي تصل نسبة النازحين فيها إلى 40% من السكان، خاصة بعد سيطرة النظام السوري على الممرات الإنسانية التي كانت تزودهم بمساعدات الطوارئ الدولية؛ بما فيها الغذاء.
صورة من: Getty Images/AFP/R. Al Sayed
"على الناتو التدخل"
طالبت تركيا من خلال وزير دفاعها خلوصي آكار، بتدخل حلف شمال الأطلسي "الناتو" بهدف وقف هجمات قوات النظام السوري على إدلب. وكان أردوغان أعلن في وقت سابق عن "مواصلة الرد" على أي هجمات سورية، مهدداً بعملية واسعة في المحافظة إن لم تتوقف القوات السورية عن زحفها.
صورة من: DHA
البيت الأبيض: لا تدخل عسكري في إدلب
جاء الموقف الأمريكي تجاه الأزمة في إدلب عن طريق مستشار الأمن القومي روبرت أوبراين، والذي أكد عدم وجود نية للتدخل العسكري في المحافظة، بينما ذكرت مصادر أمريكية أخرى أن واشنطن تفكر في دعم العسكريين الأتراك عبر تقديم معلومات استخباراتية ومعدات عسكرية، مؤكدة وقوفها إلى جانب تركيا.
صورة من: picture-alliance/AP/E. Vucci
موسكو في كفة الميزان الأخرى
اعتبر دبلوماسيون روس أنّ الأحداث في إدلب تؤثر سلباً على العلاقات الروسية التركية، فيما ذكر الكرملين في عدة مناسبات سياسية أنه لا يمكن لموسكو الوقوف مكتوفة الأيدي أمام هجمات المسلحين ضد النظام السوري. إعداد مرام سالم
صورة من: picture-alliance/Zuma/Kremin Pool/E. Biyato