كيفية التعامل مع مؤسس موقع ويكيليكس أخذت تتحول إلى مقياس لمعرفة أهمية حرية الصحافة وحرية الرأي، حتى في أمور الخلاف مع الولايات المتحدة الأمريكية، كما يعتبر ماتياس فون هاين في تعليقه.
إعلان
لقد حدث الأمر فعلا، وسبق أن راجت تكهنات حوله، إذ فتحت السلطات الأكوادورية أبواب سفارتها بالفعل أمام الشرطة البريطانية في لندن وتم اعتقال جوليان أسانج.
إنه استهزاء بسيادة القانون وهجوم مباشر على حرية الصحافة والرأي، وحرية الصحفيين حول نشر حقائق غير مريحة. ولا أحد يمكن له أن يعتقد بشكل جدي أن البريطانيين تحملوا المتاعب الجمة والتكاليف المادية الكبيرة لمراقبة السفارة طوال سنوات وذلك من أجل تنفيذ أمر اعتقال يعود لعام 2012 فقط. وباستثناء التهمة الموجهة لأسانج بأنه خرق في 2012 تعليمات محكمة بالإبلاغ عن نفسه لدى الشرطة في إطار تجنيبه الاعتقال، فلا يوجد ما يدينه.
وحتى في بريطانيا يتم عادة فرض عقوبة مالية مقابل ذلك، وعلى أبعد تقدير الحكم بالسجن لمدة اثني عشر شهرا. ونظرا لأن حرية جوليان أسانج مقيدة منذ تسع سنوات بقوة، وقبع في السنوات السبع الماضية في غرفة صغيرة بدون نور الشمس داخل سفارة الإكوادور، فيمكن وصف ما حدث بأنه غير متناسب على الإطلاق.
أولوية للقوة الأمريكية الكبرى
كل ما حدث لا يمكن تفسيره إلا من خلال المشهد الكبير: فالبريطانيون يقدمون مساعدة إدارية لأصدقائهم الأمريكيين، لأن الولايات المتحدة تطالب بالتسليم ولندن ستستجيب على الأرجح. ومنذ خريف العام الماضي معروف أن محكمة في الولايات المتحدة تعد لشكوى ضد جوليان أسانج بتهمة الخيانة بإفشاء أسرار. وهذه الشبهة قائمة منذ سنوات.
فالمدعي العام الأمريكي السابق جيف سيشنز وصف في 2017 اعتقال أسانج بأنه "أولوية" للقوة العالمية الكبرى. وفي 2017 أيضا في أبريل/ نيسان وصف مايك بومبيو، حينها وكان قد عُين لتوه مديرا لوكالة المخابرات الأمريكية ويكيليكس "كجهاز استخبارات معادي غير حكومي". وأتبعه التهديد بأن "ذلك ينتهي الآن".
وكان في إمكان بومبيو حينها أن يأمل ويهدد، لأن الحكومة اليسارية في الإكوادور بقيادة رفاييل كوريا خسرت الانتخابات وكان موقف دولة الإكوادور الصغيرة المعارض لرغبة الولايات الأمريكية يذكر بموقف داوود وجالوت. لقد غير لينين مورينو خليفة كوريا هذا المسار. ومن المؤكد أنه ليس من قبيل المصادفة أن يصبح الوضع الصعب بالفعل لجوليان أسانج في السفارة أكثر صعوبة، فقبل سنة تم قطع جميع اتصالات الإنترنت والهاتف عنه. وفيما عدا محاميه لم يعد بإمكانه استقبال أية زيارة. وحتى هذه الزيارات تمت مراقبتها، كما علمنا منذ وقت قصير بشكل إلكتروني.
تصعيد الولايات المتحدة الأمريكية من جهودها لإصدار حكم ضد أسانج، أصبح واضحا منذ بداية مارس/ آذار، فمنذ ذلك التاريخ تقبع تشيلسي مانينغ مجددا في السجن، وهي مصدر الوثائق المسربة المعروفة. مانينغ التي ظلت في السجن بسبب هذه التسريبات حتى لحظة العفو عنها من جانب الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما رفضت المثول كشاهد ضد ويكيليكس.
الحقيقة غير مريحة في الغالب
بالطبع موقع ويكيليكس غير مريح، لأن الحقيقة في الغالب هي أمر غير مريح، لاسيما بالنسبة إلى منظمات ذات سلطة كبيرة تقوم بعملها بعيدة عن مجهر الرأي العام، مثل الجيش الأمريكي والمخابرات الأمريكية والدبلوماسية الأمريكية والسياسة الأمريكية. لكن الديمقراطية الحقيقية تحتاج إلى هذا الموقف غير المريح وتحتاج إلى مواطنين مطلعين بالتحديد أيضا على أحداث تريد حكوماتهم الحفاظ عليها تحت ستار الصمت. جوليان أسانج لم يفش أبدا بأسرار، بل نشرها. كما يفعل العديد من وسائل الإعلام الأخرى عندما تمارس عملها جيدا. وحتى وسائل الإعلام الألمانية استفادت بقوة من وثائق ويكيليكس. والآن حان الوقت للدفاع عن الرجل الذي جعل هذه المواد متاحة.
وزير الدفاع الألماني الأسبق بيتر شتروك علل أمام الألمان تدخل الجيش الألماني في أفغانستان بجملته المشهورة بأن: "أمن ألمانيا يتم الدفاع عنه أيضا في هندوكوش (سلسة جبال في أفغانستان)". وبهذا الحق المماثل يمكن لنا اليوم القول أيضا إن حرية الصحافة والرأي في لندن يجب أن يتم الدفاع عنها من الجميع، ومنا أيضا.
ماتياس فون هاين
في صور ..أسانج يعانق الحرية بعد مسار قضائي طويل
استأثر جوليان أسانج باهتمام الرأي العام العالمي منذ ظهور أولى تسريبات موقعه ويكيليكس. وفيما يعتبره البعض "باحثاً عن الحقيقة"، يراه البعض الآخر "متهورا باحثا عن الشهرة". تعرف على أبرز محطات حياة أسانج وقصته مع ويكيليكس.
صورة من: Edgar Su/REUTERS
الطفولة والزواج
ولد جوليان أسانج في عام 1971 في تاونسفيل بولاية كوينزلاند، شمالي أستراليا، وعاش طفولته في ترحال مع والديه اللذين كانا يديران مسرحاً جوالاً، حسب شبكة «بي بي سي». وتزوج أسانج وهو في سن الخمسين، من شريكته ستيلا موريس التي يرتبط بها منذ فترة طويلة في سجن بيلمارش شديد الحراسة في العاصمة البريطانية لندن.
صورة من: Dominic Lipinski/empics/picture alliance
ويكيليكس يحرج قادة العالم
استطاع جوليان أسانج من خلال موقع "ويكيليكس"، الذي أسسه عام 2006، إحراج العديد من الأنظمة السياسية والحكام والشخصيات العامة، حيث استطاع نشر آلاف الوثائق الحكومية كاشفا للرأي العام حول العالم العديد من الأسرار. ويواجه أسانج تهمة التآمر لاختراق وكشف كلمة سر جهاز كمبيوتر حكومي في الولايات المتحدة الأمريكية.
صورة من: Reuters/P. Nicholls
تسريب وثائق سرية
بدأت الحكاية عام 2010، عندما تعاون أسانج، مع شيلسا ماننج، محللة استخبارات سابقة بوحدة للجيش الأمريكي في العراق، لاختراق جهاز كمبيوتر عسكري والوصول لآلاف الوثائق الأمريكية السرية شديدة الحساسية. وتضمنت التسريبات الأولى مقاطع فيديو للضربات الجوية الأمريكية للعاصمة العراقية، بغداد، والهجوم الأمريكي على أفغانستان، وتقارير عسكرية عن الحرب الأمريكية في الدولتين، وتقارير للبعثات الدبلوماسية الأمريكية.
صورة من: picture-alliance/AP Images/S. Senne
الهروب إلى بريطانيا
بعد بضعة شهور من بدأ نشر الوثائق السرية، لاحقت السويد مواطنها جوليان أسانج بتهم بالتحرش الجنسي والاغتصاب، وهو ما نفاه أسانج معتبرا الاتهام محاولة لإرساله إلى الولايات المتحدة الأمريكية، حيث سُيحاكم بتهمة نشر أسرار عسكرية ووثائق دبلوماسية حساسة. ثم قرر أسانج في نهاية 2010 التوجه لبريطانيا وتسليم نفسه للشرطة هناك، والتي قامت بدورها بالإفراج عنه بكفالة.
صورة من: picture-alliance/dpa/F. Arrizabalaga
الإكوادور تنقذ أسانج مؤقتا
منحت الإكوادور حق اللجوء لأسانج، فخرق قرار إفراج الشرطة البريطانية عنه بكفاله، محتمياً بمقر سفارة الإكوادور التي لم يغادرها خوفا من الاعتقال والترحيل، وحتى بعد إسقاط السلطات القضائية السويدية تحقيقاتها في قضية التحرش والاغتصاب.
صورة من: picture-alliance/dpa/Kerimokten
لم يغادر مقره لسبع سنوات
ظل أسانج، البالغ من العمر 47 عاما، مقيما في سفارة الإكوادور بلندن منذ عام 2012 حتى قيامها بسحب حق اللجوء منه واستدعائها للشرطة البريطانية لإلقاء القبض عليه في الحادي عشر من أبريل/ نيسان 2019. فنظرا لعدم وجود معاهدة لتسليم المتهمين بين بريطانيا والإكوادور، لم تتمكن الشرطة البريطانية من إلقاء القبض على أسانج داخل مقر السفارة طوال السبع سنوات الماضية.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/F. Augstein
أسانج مكبلا بالقيود
خلال حوار تليفزيوني، برر رئيس الإكوادور لينين مورينو قرار بلاده سحب اللجوء من جوليان أسانج بـ "التصريحات العدائية والمُهددة لمؤسسته ضد الإكوادور، وتدخله في الشؤون الداخلية لدول أخرى". وظهر أسانج أمام الكاميرا مكبلا بالقيود بعد إلقاء الشرطة البريطانية القبض عليه.
صورة من: Reuters/P. Nicholls
تحقيق قضائي ضد مجهول
من أشهر وثائق "ويكيليكس" ما نشره حول قيام وكالة الأمن القومي الأميركية بالتجسس على عدة شخصيات أوروبية ومسؤولون ألمان، تأتي في مقدمتهم المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل. ليعلن القضاء الألماني فتح تحقيق "ضد مجهول" يتعلق بوقائع تجسس وأنشطة لصالح جهاز استخبارات أجنبي، إلا أن النيابة العامة الفدرالية أمرت بإغلاق التحقيقات بعد ذلك لأن الاتهامات "يتعذر إثباتها قانونيا".
صورة من: picture-alliance/dpa/O. Berg
التجسس على ميركل
كشف موقع "ويكيليكس" أيضا أن وكالة الأمن القومي الأمريكية تجسست على اتصالات هاتفية بين المستشارة الألمانية، أنغيلا ميركل، والأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، بشأن التغيرات المناخية. وعلق أسانج حينها بأن "لقاءات الأمين العام للأمم المتحدة حول إنقاذ الكوكب من التغير المناخي تم التجسس عليها من قبل دولة عازمة على حماية أكبر شركاتها النفطية."
صورة من: picture-alliance/dpa/R. Jensen
اتهامات موجهة نحو روسيا
نشر "ويكيليكس" أيضا رسائل البريد الإلكتروني للحملة الرئاسية لهيلاري كلينتون في الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي اُجريت عام 2016، بما يعتبر من العوامل التي أسهمت في عدم فوز كلينتون بالرئاسة الأمريكية. حيث أشارت الرسائل المُسربة حصول الحملة على خُطب مدفوعة الأجر، ولم يشكك فريق الحملة من جانبه في صحة الأمر. واتهمت كلا من الإدارة الأميركية وفريق هيلاري كلينتون الحكومة الروسية بالوقوف وراء الاختراق.
صورة من: Getty Images/M. Horwood
إطلاق سراح أسانج بعيدا عن الأنظار
تم إطلاق سراح أسانج من السجن في لندن يوم الاثنين 2024.06.24 دون أن يلاحظه الجمهور وغادر المملكة المتحدة على متن طائرة مستأجرة. وبعد توقفه في العاصمة التايلاندية بانكوك، توجه إلى جزيرة سايبان الأمريكية، حيث يمثل أمام محكمة بالجزيرة، ضمن اتفاق مع السلطات الأمريكية، قبل أن إطلاق سراحه بشكل كامل.
صورة من: YUICHI YAMAZAKI/AFP/Getty Images
لماذا توقف أسانج في جزيرة سايبان الأمريكية؟
مؤسس ويكيليكس توقف في جزيرة سايبان ليحضر جلسة محاكمته، ضمن اتفاق أبرم مع الولايات المتحدة في النزاع الطويل حول تسليمه. وضمن الاتفاق يقر أسانج في جلسة المحكمة بالتآمر للحصول على وثائق سرية وتوزيعها بشكل غير قانوني كجزء من صفقة مع النظام القضائي الأمريكي ويحكم عليه بالسجن لأكثر من خمس سنوات. ويتوافق الحكم مع طول الفترة الزمنية التي قضاها مسرب المعلومات بالفعل في سجن شديد الحراسة في لندن. 2024.06.26
صورة من: Eugene Hoshiko/AP Photo/picture alliance
أسانج حارج القفص
أعلنت قاضية أمريكية الأربعاء 2024.06.26 أنّ جوليان أسانج أصبح "رجلاً حرّاً" بعدما أبرم صفقة إقرار بالذنب أنهت مسلسلاً قضائياً طويلا. وإثر مثول مؤسّس موقع ويكيليكس أمام المحكمة الفدرالية في سايبان بجزر ماريان الشمالية وإقراره بذنبه بتهمة "التآمر للحصول على معلومات تتعلق بالدفاع الوطني ونشرها" قالت القاضية رامونا في. مانغلونا "بهذا الإقرار، يبدو أنّك ستتمكن من الخروج من هذه القاعة رجلاً حرّاً".
صورة من: DW
أسانج الرجل "السعيد"
رئيس الوزراء الأسترالي، أنتوني ألبانيز، قال تعليقا على عودة جوليان أسانج إلى أستراليا، إنه "سعيد" لأن مؤسس موقع ويكيليكس في طريقه "للاجتماع بعائلته". وقال ألبانيز "على مدى العامين الماضيين منذ تولينا منصبنا، شاركت حكومتي ودعت إلى حل هذا الأمر على مستوى القادة." وأضاف ألبانيز "لقد استخدمنا جميع القنوات المناسبة، وكانت هذه النتيجة نتاج عمل دقيق وصبور وحازم. وهو عمل أنا فخور به جدا." 25.06.2024
صورة من: Wikileaks/PA Wire/dpa/picture alliance
أسانج يعود إلى أحضان أستراليا
يوم الإربعاء 26 يونيو حزيران 2024 أصبح جوليان أسانج مؤسس ويكليكس حرا، وعاد إلى وطنة أستراليا. وكانت زوجته ستيلا في مقدمة مستقبليه وتظهر بالصورة في عناق معه. وصل أسانج في طائرة خاصة إلى كانبيرا في ما يشكل الفصل ألأخير من هذه الرحلة التي بدأت بالافراج عنه من سجن بيلمارش في لندن وقادته إلى جزر ماريانا الشمالية الأمريكية حيث مثل أمام القضاء.وبعوداع إلى وطنه يُطوى مسلسل قضائي طويل دام 14 عاما.