وجهة نظر: السياسة والدين ـ جدال أبدي
٢٤ مارس ٢٠١٨هورست زيهوفر لم يقل "الإسلام السياسي" لا ينتمي لألمانيا. كما أنه لم يقل "الإسلاموية" لا تنتمي لألمانيا. كلماته كانت واضحة وجلية: "الإسلام" لا ينتمي لألمانيا. وهذه ليست صدفة. فوزير الداخلية يعرف ماذا يفعل. وهو يريد ذلك. وهذا يعني سبق الإصرار.
ملايين الألمان بمعتقدهم الإسلامي يعيشون هنا. وهذا ليس الشيء الوحيد الذي يجعل الإسلام حقيقة داخل جمهورية ألمانيا الاتحادية. إنه كذلك بشكل مبدئي. فوزير الداخلية بالتحديد، الذي هو أيضاً وزير الدستور، يجب أن يكون على دراية بالمادة الرابعة من القانون الأساسي(الدستور الألماني). تنص المادة على حرية العقيدة والضمير: لكل شخص حرية الاعتقاد فيما يريد. وكل دين ممكن وكل معتقد يمكن التفكير ما دام لا يخرق القانون الأساسي. إن ادعاء سياسي لنفسه الحق بإنكار حق دين عالمي في الوجود كجزء من الحقيقة الدينية الاجتماعية في ألمانيا يبرهن على فهم مشكوك فيه لحرية التدين.
التاريخ الدموي للغرب المسيحي
لا يمكن تفهم هذا التهميش للإسلام لا من الناحية التاريخية ولا من الناحية السياسية-الاجتماعية. لا أحد يشك في أن المسيحية في أوروبا عبر قرون من الزمن كانت هي الدين المهيمن. لكن هذا الغرب المسيحي، الذي يتحمس له الكثيرون، لم يكن له دوماً رؤية دينية حداثية. بالعكس: شراكات بين السلطتين الدينية والدنيوية موجودة هنا، وحروب دينية، وتبشير عنيف، وردود فعل معادية لليهود منذ البداية. مارتن لوثر، الإصلاحي، معاد عنيف للسامية.
إذاً عندما نتحدث عن الفصل بين الإسلام والتعايش المسيحي-اليهودي يجب التفكير ملياً عما نتحدث فيه في الواقع، لأنه خلال قرون ظلت هناك فواصل بين ذلك التعايش وغيتوهات ودم وتدمير. ومع الهولوكوست تبين أخيراً وفي عنف مميت غير معهود لتاريخه تجذر كراهية اليهود ثقافياً ودينياً في أوروبا ولاسيما في ألمانيا.
لا للإسلام السياسي
الإسلام هو إحدى الديانات التوحيدية الثلاثة. لا يوجد إسلام "واحد". ففي كثير من البلدان هو دين الدولة، وفي غالبية البلدان والتي هي ديكتاتوريات يوجد تعايش غير معلن بين سلطة الدولة والدين، كما كان عليه الحال في أوروبا لفترة طويلة. هذا الإسلام السياسي، الذي يقمع في المقام الأول مسلمين والذي له مثل المسيحية لفترة طويلة هدف عنيف إمبريالي ديني، يجب محاربته بكل ما نملك من قوة.
ولكن وصم الإسلام في حد ذاته ليس من مهام وزير داخلية الذي هو في آن واحد وزير شؤون الدين المسؤول عن احترام جميع الديانات.
داخل حزب البديل من أجل ألمانيا يشكل الإسلام كلمة شتيمة وتعبيراً مجازياً يشمل الكراهية ضد "الغرباء". وبدون تمييز وبشكل تعميمي يستغل كوادر حزب البديل من أجل ألمانيا والمتعاطفين معهم، لكن ليس هم وحدهم، مخاوف المواطنين عندما يصورون لهم الإسلام كأكبر خطر. يتحدث أولئك عن مجتمعات موازية لا يتم فيها احترام القانون الألماني وعن انتهاك المساواة بين الرجل والمرأة وعن عدم التسامح تجاه المثليين جنسياً.
حتى حزب البديل يشكل مجتمعاً موازياً
ولا يمكن نفي وجود ما ذكرناه آنفاً. لكن حتى الكثيرين من أتباع حزب البديل من أجل ألمانيا يشكلون مجتمعاً موازياً. فهم لا يحترمون المادة الأولى من القانون الأساسي (كرامة الإنسان غير قابلة للمساس)، عندما يصمون مجموعات بكاملها ويهينونها. الإسلاموفوبيا الممارسة من قبل حزب البديل تشبه كراهية اليهود تقريباً.
نعم صحيح حتى بين المسلمين في أوروبا تكشر كراهية اليهود عن وجهها القبيح. لكن كما هو في السابق مازالت كراهية اليهود النازية داخل أجزاء من اليمينيين المتطرفين الجدد واضحة للعيان. ولا يجب الموازنة بين الشيئين، لأن أحدهما لا يجعل من الآخر أفضل حالاً. يجب فقط توضيح أن أولئك الذين يدافعون عن حزب البديل من أجل ألمانيا هم جزئياً معادين للدستور وللإنسانية مثل أولئك الذين يشجبونهم.
وعوض عن تميز نفسه والمشاركة بمسؤولية في النقاش العاطفي، يصب هورست زيهوفر بشكل شعبوي الزيت على النار المشتعلة. الابتعاد عن حزب البديل من أجل ألمانيا هو أمر مهم مثل الابتعاد عن الإسلام السياسي. وعدم تبني لغتهم هو جزء من مسؤولية منصبه. ليس من حق أي سياسي أن يقرر فيما إذا كان دين ينتمي لبلد أم لا.
حدود السياسة في قضايا المعتقد
في حال استغلال الدين، كيفما كان، كذريعة لارتكاب جنح أو انتهاك الدستور الأساسي، فإنها مهمة الشرطة والعدالة أن تهتم بذلك، لأنه ليس هناك دين فوق القانون. وما عدا هذا فلا دخل للسياسة في قضايا المعتقد. وهذا هو أيضاً نتيجة التاريخ الأوروبي الذي يعرف منذ عصور التنوير الفصل بين الدولة والدين.
كل هذا يعرفه هورست زيهوفر. وفي حال تصرفه بشكل آخر، فإن الانتقاد يكون في محله. وهذا ليس له علاقة بأنه لا يمكن في ألمانيا قول ما نفكر فيه، كما يدعي البعض. في هذه البلاد يمكن قول كل شيء! وهورست زيهوفر يستغل في الغالب هذه الحرية. ويمكن تحمل ذلك. لكن في المقابل يجب على زيهوفر وأنصاره أن يتحملوا وجود رأي آخر.
أنا على كل حال أعتقد أنه في الزمن، الذي وصل فيه شعبويون يمينيون إلى البرلمانات والتي بات فيها السلوك الفاضح ظاهرة يومية والتحريض الفكري معاش يومياً في الخطاب الاجتماعي، يجب على السياسيين من الأحزاب الديمقراطية إطلاق إشارة واضحة ومختلفة: إنها إشارة الاحترام.
ميشائيل فريدمان قانوني وإعلامي ومقدم برامج تلفزيونية. على شاشة DW يقدم فريدمان برنامج "في دائرة الخطر".