في الأمس خارج البلاد واليوم داخل مصر يصوت المصريون على تعديلات دستورية مثيرة للجدل توسع سلطات الرئيس عبد الفتاح السيسي وتعزز قبضته على الحكم. النتيجة تبدو محسومة. الصحفي الألماني كيرستن كنب يرى أن ذلك يبعث على الإحباط.
إعلان
اللوحات الإعلانية الضخمة تملئ الشوارع. جميعها تحض الشعب على التصويت بـ"نعم" على التعديلات الدستورية التي تسمح للرئيس بالبقاء في السلطة ثلاث دورات متتالية مدة كل منها ست سنوات. ينص الدستور الحالي على حق الرئيس بالبقاء في سدة الرئاسة دورتين متتاليتين مدة كل منهما أربع سنوات. وقد بارك البرلمان التعديلات المقترحة بأغلبية ساحقة الثلاثاء الماضي.
النتيجة معروفة كما يبدو للكثيرين، مثل صحيفة "الشروق" المصرية. المصريون سيوافقون على التعديلات. اللوحات ومظاهر الترويج للتعديلات يقوم عليها، إما مستفيدون من النظام ممن لا يمكنهم التهرب من تقديم الدعم الدعائي للنظام، حتى وإن لم يطلب منهم النظام ذلك بشكل صريح. أو فئة ثانية من أناس، يعتبرونها مناسبة لاتقاء أي شر محتمل. أما مظاهر الترويج والدعاية ضد التعديلات فلا وجود لها في الشارع.
70 عاماً من الاستبداد
على الرغم من كل ما سبق ذكره فإن الكثير من المصريين بالكاد يبدون أي تأثر؛ إذ أنهم يزدرون الدعاية الصارخة للسيسي عن طريقة الاستهزاء بفرقة "مسار إجباري". الفرقة أطلقت أغنية "انزل وشارك" لتشجيع المصريين على المشاركة والتصويت.
يجري الاستفتاء في أجواء سياسية تبعث على الكآبة: عشرات الآلاف من المعارضين السياسيين في السجن، اضطهاد وتعذيب لأصحاب الرأي المخالف، ووسائل الإعلام في البلد كلها تسير إلى حد كبير في ركب السلطة. ومن هنا يأتي إحجام شرائح من الشعب عن المشاركة. تلك الشرائح تعتبر مجرد المشاركة تنازل غير مقبول للنظام.
وبناء على ما سبق شرحه، يبدو أن "نعم" على التعديلات ستكون هي الفائزة. الكثير من المصريين محبطون. تحكم البلاد بطريقة استبدادية منذ ما يقارب السبعين عاماً، أي منذ انقلاب ما يسمى "الضباط الأحرار" لعام 1952. الدولة مصممة، ما استطاعت إلى ذلك سبيلا، على أن يكون جهاز القمع التابع لها هو الأداة الفعالة في إبقاء أي إيمان بأي منظومة أخرى، صغيراً قدر الإمكان.
إرجاع العفريت إلى القمقم
من الواضح أن جمال عبد الناصر وأنور السادات وحسني مبارك وعبد الفتاح السيسي كلهم مستبدون، إذ أن كل منهم قد ساهم بدوره في ترسيخ الاستبداد. يطلق بسخرية على الأربعة في مصر لقب "الفراعنة". هجماتهم على التفاؤل السياسي كانت ناجحة وحققت مبتغاها، القضاء على أي إيمان بالتغيير، الذي بانت ملامحه في بداية الألفية ووصل ذروته في عام 2011 في ما يسمى بـ"الربيع العربي". في ظل حكم السيسي تحول ذلك الإيمان بالتغيير إلى استسلام للقدر. محاكمات جماعية لمعارضين من مختلف المشارب والمنابت، وتعامل فض مع المنافسين للسيسي في الانتخابات الرئاسية العام الماضي، والذي أجبرهم على سحب ترشيحهم. كل ذلك وسائل لإعادة العفريت إلى القمقم، ووأد ليس الثورة فقط، بل أي شكل من بالإصلاح.
ما تبقى هو مفارقة: الدعم الشعبي المزعوم للتعديلات، التي تجعل قبضة السيسي على الحكم أكثر قوة، وهي قوية بما فيه الكفاية الآن، لن تعود بالخير لا على البلاد ولا على ثقافتها السياسية. نظام استبدادي، كما يبدو ، سيزداد استبداداً في عطلة نهاية الأسبوع هذه.
كيرستن كنب
أبرز التعديلات الدستورية في مصر ... ما لها وما عليها
يجمع معظم المراقبين على أن نتيجة التعديلات الدستورية المثيرة للجدل في مصر محسومة سلفاً فيما يرضي الرئيس عبد الفتاح السيسي. ما هي أبرز تلك التعديلات، وكيف يدافع عنها مؤيدوها؟ وما هي المآخذ التي يراها المعارضون؟
صورة من: Reuters/M. A. El Ghany
توقعات حول نسبة المشاركة
على مدار ثلاثة أيام يصوت المصريون على التعديلات الدستورية. ويحق لنحو 55 مليون شخص من إجمالي عدد سكان مصر البالغ نحو 100 مليون نسمة الإدلاء بأصواتهم في الاستفتاء. مراقبون لا يتوقعون إقبالاً كبيراً، ويعزون ذلك لعدم "وضوح" التعديلات بالنسبة للكثيرين بسبب قصر الفترة بين طرحها وإجراء الاستفتاء عليها. بينما تعلن مصادر رسمية عن إقبال كبير في مناطق معينة. إعلان نتيجة الاستفتاء يكون يوم 27 نيسان/ أبريل.
صورة من: Reuters/M. A. El Ghany
السيسي في الحكم
توسع التعديلات المقترحة من سلطة الرئيس؛ إذ تسمح بتمديد فترة ولايته إلى 6 سنوات، بدلاً من أربع سنوات، والسماح له بالترشح بعدها لفترة جديدة مدتها 6 سنوات أخرى تنتهي في 2030. وتضمنت التعديلات أن يكون لرئيس الدولة الحق في تعيين نائب أو أكثر له.
صورة من: picture-alliance/dpa/Sputnik/V. Belousov
تعزيز قبضة الجيش
زيدت المادة 200 الخاصة بالقوات المسلحة لتشمل مهامها - إضافة إلى حماية البلاد والحفاظ على أمنها وسلامة أراضيها - مهام "صون الدستور والديمقراطية والحفاظ على المقومات الأساسية للدولة ومدنيتها ومكتسبات الشعب وحريات وحقوق الأفراد".
صورة من: Reuters/M. A. El Ghany
السلطة القضائية
تمنح التعديلات الرئيس المزيد من الصلاحيات في تعيين رؤساء الهيئات القضائية والنائب العام ورئيس المحكمة الدستورية من بين عدد من المرشحين تقترحها تلك الهيئات.
صورة من: picture-alliance/Photoshot
إحياء مجلس الشيوخ (الشورى)
تضمنت التعديلات إنشاء غرفة برلمانية ثانية باسم مجلس الشيوخ. وحسب التعديلات يبلغ عدد أعضائه 180 يختار الناخبون ثلثيهم بينما يعين رئيس الدولة الثلث الباقي. وقد تم إلغاء المجلس المذكور (الشورى سابقاً) بموجب دستور 2014.
صورة من: Reuters
الشباب والمرأة
كما تتضمن التعديلات مواداً أخرى تتعلق بتمثيل المرأة داخل مجلس النواب وتحديد حصتها بـ 25%. كما تضمنت تعديلات أخرى على "ضرورة" الحفاظ على نسب الشباب وذوي الاحتياجات الخاصة، مع التمثيل الملائم للعمال والفلاحين والشباب والأقباط.
صورة من: picture-alliance/dpa/A.Sayed
رجال الدين: واجب وطني
بحسب موقع التليفزيون المصري، دعا البابا تواضروس الثانى، عقب الإدلاء بصوته، أبناء الوطن للمشاركة في الاستفتاء. مؤكداً ان هذه التعديلات في "صالح" الوطن، مردفاً أن المشاركة في الاستفتاء على الدستور واجب وطني على كل المصريين. في نفس الاتجاه، أكد مفتي الديار المصرية، الدكتور شوقي علام، في تصريح عقب الإدلاء بصوته أن المشاركة في الاستحقاقات الديمقراطية واجب وطني على كل مصري.
تصويت "نزيه وحر"
في حوار مع صحيفة الأهرام الحكومية نفى رئيس الهيئة الوطنية للانتخابات لاشين إبراهيم المخاوف بشأن المناخ السياسي في مصر. وقال لفرانس برس إن التصويت في الاستفتاء سيكون نزيها وحراً "مئة بالمئة". وأوضح إن عشرين ألف قاض يشرفون على عملية الاستفتاء.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/A. Nabil
صوت "نعم"
منذ أسبوع امتلأت شوارع القاهرة وغيرها من مدن البلاد بلافتات تدعو إلى تأييد التعديلات على دستور 2014. كما انتشرت حملات "نعم" الإعلانية في الصحف.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/A. Nabil
معارضة جد خجولة
كان البرلمان المصري صوت بأغلبية ساحقة من 531 صوتاً من أصل 554 نائباً على التعديلات. وخلى المجال العام المصري من أي صوت معارض، إلا القليل كالنائب البرلماني المعارض هيثم الحريري، الذي أعرب عن اعتقاده أن التعديلات تقوض "المسار الديمقراطي". كما رأى أنها ليست في صالح البلاد، مضيفاً أنها تبدو مفصلة على شخص معين، في إشارة غير مباشرة إلى السيسي.
صورة من: picture-alliance/NurPhoto/M. Mostafa
المناخ غير "مؤات"
مركز"صوفان سنتر" للتحليل الأمني ذهب إلى أنه "لا توجد معارضة علنية تُذكر للتعديلات الدستورية، وهي نتيجة محتملة للطبيعة القمعية للحكومة المصرية".
كما رأت منظمات دولية لحقوق الإنسان في بيان مشترك أن المناخ الوطني الحالي في مصر "يخلو من أي فضاء يمكن أن يجري فيه استفتاء مع ضمانات للحياد والنزاهة".
صورة من: Reuters/M. Abd El Ghany
تداعيات "خطيرة"
رئيسة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمعهد تشاتام هاوس، لينا الخطيب رأت أن هذه التعديلات "تمهد الطريق أمام الاستحواذ على السلطة" من قبل السيسي. وأضافت "ستكون لها تداعيات خطيرة على مستقبل الديمقراطية في مصر على المدى المتوسط وتجعل من الصعب تنافس أصوات سياسية بديلة على السلطة على المدى البعيد".