قبل 8 سنوات انتفض المصريون ضد مبارك. وعوض أن يحصلوا على حريات أكثر باتوا اليوم يعانون من تقليصها. ومادام الوضع على هذا الحال، فإن الحاكم الجديد السيسي لا يمكن اعتباره شريكا لأوروبا، كما يرى راينر زوليش في تعليقه التالي:
إعلان
سادت أوقات كان ينظر فيها مفكرون في كثير من البلدان العربية بنوع من الغيرة إلى مصر. فرغم خروقات حقوق الإنسان المتكررة تحت الحاكم المستبد الطويل العهد، حسني مبارك. وليس أخيرا تحت ضغط غربي، منح نظام مبارك على الأقل للنخبة الثقافية في المدن الكبرى زوايا تنامى فيها التفكير الحر، بل حتى الأفكار الديمقراطية. ورغم أن هذا حصل في حدود ضيقة وتحت مراقبة المخابرات الدائمة ومتصلة بخطر الدخول بين عشية وضحاها إلى السجن. لكن هذه المخاطر كانت معروفة وكان من الممكن التنبؤ بها.
وهذه الزوايا لم تعد اليوم موجودة. فمصر تطورت تحت رئيسها الحالي عبد الفتاح السيسي إلى مكان حزين للقمع والفراغ الفكري. وما حصل هناك في السنوات الماضية يحمل بوضوح سمات الدكتاتورية في فرض الأفكار: فوسائل الإعلام الحكومية تم لجمها تماما والمواقع الاجتماعية تخضع لرقابة محكمة والعديد من المفكرين ومنتقدي النظام يعيشون في المنفى أو يقبعون خلف القضبان أو "اختفوا" ببساطة. ومن يعبر عن رأيه بانتقاد يعيش في خطر في مصر المعاصرة ـ أخطر بكثير مما كان عليه الوضع تحت حكم مبارك.
ديمقراطية زائفة
إنها حقيقة مرة ومحزنة أن يكون هذا التطور المظلم نتيجة المحاولة التاريخية لكثير من الناس بشجاعة كبيرة لانتزاع مزيد من الحريات وحقوق الإنسان للشعب المصري: ففي الـ 25 يناير 2011 قبل ثمان سنوات انطلقت في ميدان التحرير في القاهرة الاحتجاجات الجماهيرية التي أدت في النهاية إلى سقوط مبارك.
وبعدها بسنة ونصف تقريبا انتهى حلم الحرية والكرامة: العسكر نفذ انقلابا ضد الرئيس المنتخب ديمقراطيا محمد مرسي من الإخوان المسلمين الذي حاول إقحام أنصاره في المؤسسات الحكومية وأثارت سلطته مخاوف معقولة لدى أقلية الأقباط المسيحية. وعوض أوضاع ديمقراطية أقام العسكر ديمقراطية زائفة متسلطة تحت رئيس مستبد ينحدر من صفوفه يجلس في الأثناء بشكل راسخ في كرسيه، لأنه أسكت الإخوان المسلمين والمنتقدين العلمانيين للنظام عبر القمع.
وللأسف ليست مصر هي الحالة الوحيدة. فمحاولة الحصول على ديمقراطية أكثر فشلت تقريبا في كل مكان في العالم العربي. ففي ليبيا انتهى "الربيع العربي" في الفوضى وفي سوريا واليمن تحول إلى حروب دموية جنت على حياة الكثير من الناس. فقط تونس الهشة سياسيا التي كان مواطنوها سباقين في 2010 للخروج ضد دكتاتورهم إلى الشوارع، تواصل الكفاح من أجل مستقبلها الديمقراطي. إلا أنها تحصل على قليل من الدعم الدولي.
صحيح أن الكثير من السكان العرب على غرار الكثير من المصريين انسجموا منذ مدة مع الظروف الحالية. فهم رغم الضيق السياسي والاقتصادي مسرورون بالاستقرار النسبي بعد فوضى التحول. فهم يخشون العيش في الظروف السائدة في سوريا أو ليبيا ويتحملون حريتهم المستقطعة "كسوء صغير".
وهذا يتطابق مع نظرة سائدة في الغرب بإغماض العينين تجاه خروقات حقوق الإنسان مادامت مصر بصفة عامة مستقرة وتتعاون في قضايا الهجرة ومكافحة الإرهاب. وبإمكان السيسي تحقيق مكاسب في الغرب عندما يحتفظ بالعلاقات الدبلوماسية غير المستحبة لدى غالبية السكان مع إسرائيل، ويعتبر نفسه – على الأقل بشكل سطحي - بأنه حقق مكاسب للأقلية المسيحية في بلده، كما يظهر من خلال بناء كاتدرائية كبيرة في القاهرة.
غير مؤهل كـ "شريك" لأوروبا
وأمام هذا نجد، حسب منظمة "هيومان رايتس ووتش" فقط في السنة الماضية وحدها على الأقل 51 حكما بالإعدام مشكوك فيها بتهمة العنف السياسي أو الارتباط الشخصي "بإرهابيين". ويعتقد أن نحو 230 شخصا اختُطفوا في غضون عام. ومن يتحمل مسؤولية هذه السياسة، لا يمكن أن يكون في جميع الإكراهات السياسية الواقعية "شريكا" لأوروبا، لأنه سيتم بذلك إصدار رسالة خاطئة وكارثية مفادها أن المصريين لا يستحقون ما هو أفضل.
راينر زوليش
الربيع العربي- انتكاسة يتخللها بريق أمل
في الذكرى الخامسة لما عُرف إعلاميا بالربيع العربي، والذي انطلق من تونس وامتد إلى مصر وليبيا وسوريا والبحرين فاليمن، تقرع موجات اللاجئين والنازحين المليونية أبواب الإنسانية. حصيلة العام الخامس "للربيع العربي" في صور.
صورة من: Reuters/P. Hanna
بدأت احداث "الربيع العربي" في تونس بمدينة سيدي بوزيد بعد أن احرق الشاب محمد البوعزيزي نفسه احتجاجا على مصادرة عربته مصدر رزقه، فخرج الشباب والعاطلون عن العمل وعمال النقابات متظاهرين محتجين ونجحوا في وقت قياسي في اسقاط حكومة زين العابدين بن علي الذي فرّ من البلد الى السعودية .
صورة من: picture-alliance/AP Photo/Salah Habibi
ارسى التغيير في تونس ديمقراطية ودستورا جديدا شاركت في صياغته مختلف القوى السياسية. ونجحت القوى الإسلامية متمثلة بحزب النهضة بالفوز في الانتخابات التشريعية لكنها فشلت في تحقيق مطالب الشعب. وفي انتخابات 2014 نتحقق التغيير الديمقراطي وفازت أحزاب جديدة في البرلمان، رغم ذلك ما زالت فئات كبيرة من الشعب ترى أنها لم تنل أي نصيب من "الكعكة الديمقراطية".
صورة من: DW/S. Mersch
أراد الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك في الخامس والعشرين من كانون الثاني/ يناير 2011 الاحتفال بيوم الشرطة التقليدي ومنع التظاهرات خوفا من شرارة قد تقود إلى انتفاضة ضد حكمه، رغم ذلك خرجت تظاهرات حاشدة عمت مدن مصر ونادت بإسقاط نظام حكم مبارك الذي تربع على راس هرم السلطة لثلاث عقود.
صورة من: Reuters/M. Abd El Ghany
التغير في مصر أوصل "الإخوان المسلمين" ومحمد مرسي إلى الحكم، لكن فئات كبيرة من الشعب استاءت من تعامل "التنظيم الإسلامي" مع السلطة وخرجوا بالملايين مدعومين من الجيش مطالبين بإسقاط "حكم الإخوان". البعض عد ذلك "نكسة للديمقراطية" فيما وصفه آخرون بـ"العملية التصحيحية".
صورة من: picture-alliance/AP Photo/Khalil Hamra
مر الربيع العربي في ليبيا بشكل مختلف تماما عن تونس ومصر، إذ لم تستطع القوى المدنية إنهاء حكم معمر القذافي الذي قمع الثورة بشتى الطرق، وسرعان ما تحولت الثورة بعد ذلك إلى صراع مسلح تمكن فيه "الثوار" بمساعدة قوات الناتو من قتل القذافي واسقاط نظامه، لكنهم عجزوا بعدها عن الاتفاق على نظام بديل.
صورة من: DW/E. Zouber
العملية الديمقراطية في ليبيا بدأت وما زالت متعثرة حتى اليوم رغم الاتفاقات الكثيرة التي حصلت بين الأطراف المتصارعة. ومنذ صيف عام 2014 تتنافس حكومتان إحداهما في طرابلس والأخرى في الشرق على إدارة البلد. وفي تطور جديد أعلن المجلس الرئاسي الليبي هذا الشهر عن تشكيل حكومة وفاق وطني جديدة، في إطار خطة الأمم المتحدة لتوحيد الفصائل المتناحرة في ليبيا.
صورة من: imago/Xinhua
"الربيع العربي" ربيع الشباب في اليمن، انطلق في شباط/ فبراير 2011، مطالبا بإنهاء حكم علي عبد صالح الذي استمر لأكثر من ثلاثين عاما. وبعد ضغط محلي وخليجي كبير وافق صالح على تسليم السلطة لنائبه عبد ربه منصور هادي وغادر اليمن في كانون الثاني/ يناير 2012.
صورة من: picture-alliance/dpa
نفي علي عبد ألله صالح من اليمن لم ينه نفوذه في البلد. وبقيت فئات من الشعب والجيش موالية له عشائريا وسياسيا. في 2015 نجح "الثوار" الحوثيون وبالتعاون مع قوات موالية لصالح في نزع السلطة من الرئيس هادي، ما جعل دول الخليج وبقيادة السعودية تدخل حربا مباشرة لإعادة السلطة لهادي.
صورة من: Reuters/K. Abdullah
تظاهرات الربيع العربي بدأت سلمية في سوريا في مارس/ آذار 2011 مطالبة بإنهاء سلطة حزب البعث و حكم عائلة الأسد المستمر منذ عام 1971. لكن بشار الأسد واجه "التظاهرات" بإصلاحات "شكلية" تضمنت منح الأكراد بعض الحقوق ورفع حالة الطوارئ وتشكيل حكومة جديدة، فيما واصل قمعه للمحتجين وبدأ بشن عمليات عسكرية ضدهم.
صورة من: dapd
بعد أشهر من الاحتجاجات اتخذ الربيع العربي في سوريا منحى آخر وأصبح البلد يعج بكثير من الفصائل المسلحة التي فشلت في توحيد صفوفها ضد النظام. الفراغ الأمني والسياسي في سوريا هيأ الأجواء لتنظيمات مسلحة ذات توجهات إسلامية إيدلوجية متطرفة، مثل تنظيم "داعش"و" النصرة" للسيطرة على مناطق واسعة من البلد.
صورة من: Getty Images/AFP/A. Aboud
في البحرين بدأت الاحتجاجات في شباط / فبراير 2011 في ساحة اللؤلؤة ونادت بتغييرات سلمية وإصلاحات سياسية لصالح الأغلبية الشيعية في البلد وإنهاء سيطرة العائلة المالكة على الحكم وسلطة مجلس الوزراء التابع لها، ما أثار حفيظة دول الخليج وخاصة السعودية فأرسلت قوات تحت مظلة قوات درع الجزيرة وقمعت الحركة، لكن الاضطرابات ما زالت تتفجر من وقت لآخر.
صورة من: picture-alliance/dpa
بعد مرور خمسة أعوام على " الربيع العربي" لم يتبق من هذا التغيير إلا بعض النقاط المضيئة، كما في التجربة التونسية وبعض الامتيازات للشباب في مصر. اما ليبيا واليمن وسوريا والبحرين فما زالت ابعد ما تكون عن الاستقرار، والمستقبل فيها يبدو بلا افق مضيء. نتاج الربيع العربي قوافل من النازحين ، وملايين اللاجئين يتدفقون على اوروبا والمانيا على وجه الخصوص.