لم تشهد ألمانيا في السابق تدفقا لأعداد اللاجئين عليها بهذه الكثرة كما حدث هذه السنة. ومع أفواج اللاجئين هناك أعباء اجتماعية واقتصادية تقع مسؤولية حلها على عاتق الوافدين والألمان بشكل مشترك، كما يتضح في التعليق التالي:
إعلان
استقبلت ألمانيا خلال هذه السنة مليون لاجئ، وقد يكون عددهم أكبر. إنهم مليون شخص يبحثون عن مأوى وحماية ويأملون في غد أفضل. إنهم مليون شخص، ما يعادل عدد سكان مدينة كبيرة، بحاجة لدور سكن، في أقرب وقت ممكن، وفي حاجة لفرص عمل وكذلك لتعلم اللغة الألمانية ولدور الحضانة وأيضا لقاعات تدريس الأطفال والكبار منهم. إنه مجهود كبير يقوم به الألمان، وهو طبعا مجهود أكبر بالنسبة للاجئين. وما ينتظر الألمان في المستقبل هو عبارة عن مهمة تاريخية على مدى جيل على الأقل وربما على مدى جيلين.
مجتمعات لها قيم أخرى
الغالبية العظمى من الاجئين تنحدر من سوريا والعراق وأفغانستان وايريتريا. إنهم يأتون من بلدان ومن مجتمعات وثقافات ليست بها حرية. فهم ينحدرون من مجتمعات متشبثة بالدين بشكل قوي، وتحتل العائلة فيها أحيانا مكانة أهم من مكانة الفرد الواحد. إنهم يأتون من مناطق تتسم بالمواقف الذكورية ولا تمثل فيها الدولة موطنا بل عدوا لهم. وهم قدموا إلى مجتمع مختلف تماما: ففي ألمانيا يشغل الفرد مكانة أكبر من المجموعة، وإذا ما غابت العائلة فإن الدولة تقوم بتأمين المخاطر والصعاب، كما لم يعد هناك نقاش قائم بشأن المساواة بين الرجل والمرأة أو حول الميول الجنسي للفرد. ألمانيا تشكل مجتمعا منفتحا.
أمام هذا التصادم يجب على الطرفين أن يغيرا من منظورهما وأن يتعلما كيفية التقارب بينهما، علما أن المهاجرين مطلوب منهم هنا جهد كبير. فهم بحثوا عن ألمانيا كموطن جديد لهم، وجب عليهم التكيف مع عاداته وقوانينه وتقاليده. يجب عليهم أيضا احترام ما هو غريب عليهم أو ربما ما يبدو لهم أمرا منفرا. يجب عليهم التأقلم مع الحياة السائدة هنا دون التخلي كليا عن هويتهم الثقافية واللغوية. فألمانيا ليست كما هي سوريا أو ايريتريا، ولا يمكن العيش فيها بالاسلوب الذي تم التعوذ عليه في الوطن الأصلي.
ألمانيا هي الأخرى ستتغير. فالمستشارة اعتبرت أن البلاد ستكون بعد 25 عاما أكثر انفتاحا وأكثر اهتماما ومتسامحة بشكل أكبر. إنه استحقاق كبير لأن ألمانيا الحديثة التي بدأت حقا تعكس هذه الأمور في الحياة اليومية. ورغم ذلك ألمانيا ستتغير: ففي آن واحد يجب عليها تحديد هويتها الحديثة في الثقة بالنفس وتعلم كيفية الاهتمام بما هو غريب. الثقافة الإسلامية ليست فقط عبارة عن شريعة وقمع للمرأة وبرقع. فقد تكون كذلك في الحياة اليومية، غير أنها هي المحافظ لأوروبا على الثقافة اليونانية التي اندثرت في العصور الوسطى. إنها ثرية بالكنوز والآثار التاريخية والآداب والفلسفة. لقد حان الوقت لأن نتقرب بدون تحيز وبنظرة انتقادية من هذه الثقافة، كما فعل يوهان فولفغانغ غوته في ديوان الشرق الغرب
التخلص من الأكاذيب
سياسة اللجوء يتم تغليفها بأكذوبتين. الأولى هي التي بدأ الألمان يتخلصون منها والتي اعتبرت أن المانيا ليست بلادا لاستقبال المهاجرين. لم يكن ذلك صحيحا في السابق، واليوم لا منازع في ذلك. نحن "جذابون"، ولذلك يأتي الناس إلينا. والأكذوبة الثانية التي تنطلق من أن سياسة اللجوء هي سياسة الهجرة المتبعة لحل المشاكل الديمغرافية للبلاد. هذا يُعتبر من الناحية السياسية من الهراء. فالبحث عن مهاجرين يتم بمنهجية، فيما يأتي اللاجئون من تلقاء أنفسهم. ورغم ذلك يجب إدماج اللاجئين لغويا ومهنيا في أقرب الآجال. من الناحية الفكرية يجب القول بأنهم اختاروا ألمانيا كبلد الآمال، وبالتالي يجب عليهم الانضمام إلى هذا المجتمع المنفتح.
2015..عام اللجوء واللاجئين
لم يسبق وأن كان عدد البشر الفارين من ديارهم واللاجئين بمثل عددهم في عام 2015. كثيرون منهم جاؤوا إلى ألمانيا وأوروبا. وقالت المستشارة الألمانية واصفة موجات اللاجئين بأنها "اختبار تاريخي". شاهد تطور قضية اللاجئين بالصور.
صورة من: Getty Images/J. Mitchell
نجح هؤلاء الشبان السوريون بتخطي مرحلة خطيرة من رحلة اللجوء، بوصولهم الأراضي اليونانية وبالتالي إلى أوروبا. لكنهم لم يصلوا إلى هدفهم بعد وهو ألمانيا أو السويد، وهما هدف معظم اللاجئين في 2015.
صورة من: Reuters/Y. Behrakis
الطريق التي سلكوها محفوفة بالمخاطر. إذ كثيرا ما تغرق القوارب غير المهيأة لأعالي البحار، لكن هذا الأب السوري وأطفاله كانوا محظوظين، وأنقذهم صيادون يونانيون قبالة جزيرة ليزبوس.
صورة من: Reuters/Y. Behrakis
الطفل أيلان كردي وعمره ثلاث سنوات لم يكن من المحظوظين، ففي بداية سبتمبر غرق هو وأخوه وأمهما في بحر إيجه قرب شاطئ جزيرة كوس اليونانية. وقد انتشرت صورة هذا الطفل السوري بسرعة هائلة وهزت ضمير العالم.
صورة من: Reuters/Stringer
جزيرة كوس اليونانية القريبة من الساحل التركي هي هدف الكثير من اللاجئين. وهنا حيث يكون السواح عادة، نجحت هذه المجموعة من الباكستانيين بالوصول إلى شاطئ النجاة اليوناني.
صورة من: Reuters/Y. Behrakis
الوصول إلى جزيرة كوس لا يعني السماح للاجئين بالانتقال إلى اليابسة إلا بعد إتمام إجراءات التسجيل. وحدثت توترات في الصيف الماضي حين حبست السلطات اليونانية لاجئين في ملعب كرة قدم تحت الشمس الحارة وبدون مياه.
صورة من: Reuters/Y. Behrakis
ونظراً للحالة التي لا توصف للاجئين، حدثت أعمال شغب، ولتهدئة الوضع استأجرت السلطات اليونانية سفينة فيها 2500 سرير، واستخدمتها كمركز لإيواء اللاجئين وتسجيلهم.
صورة من: Reuters/A. Konstantinidis
الحدود اليونانية المقدونية: حرس الحدود لا يسمحون للاجئين بالعبور. أطفال يبكون بعد فصلهم عن ذويهم. وقد توجت هذه الصورة من منظمة اليونيسيف كصورة للعام وهي بعدسة جيورجي ليكوفسكي.
صورة من: picture-alliance/dpa/G. Licovski
في نهاية الصيف الماضي كانت بودابست رمزاً لفشل الحكومة وكراهية الأجانب. آلاف اللاجئين تجمعوا حول محطة القطارات في العاصمة المجرية والسلطات منعتهم من مواصلة السفر إلى غرب أوروبا، فقرر كثيرون منهم المشي إلى ألمانيا.
صورة من: picture-alliance/dpa/B. Roessler
ليلة الخامس من سبتمبر كانت نقطة تحول في قضية اللاجئين: المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل والمستشار النمساوي فيرنر فيمان تجاوز البيروقراطية والسماح للاجئين بمتابعة السفر من شرق أوروبا. وفعلاً وصلت قطارات عديدة إلى فينا وميونيخ محملة باللاجئين.
صورة من: picture alliance/landov/A. Zavallis
آلاف اللاجئين وصلوا ألمانيا خلال ساعات قليلة، بلغ عددهم نهاية الأسبوع الأول من شهر سبتمبر 20 ألف لاجئ. وقد تجمع عدد لا يحصى من الأشخاص في محطة القطارات الرئيسية في ميونيخ لاستقبال اللاجئين ومساعدتهم.
صورة من: Getty Images/AFP/P. Stollarz
وبينما احتفى اللاجئون وطالبوا اللجوء السياسي بالمستشارة ميركل، أثارت قراراتها استياء في ألمانيا. وكان رد ميركل : "إذا توجب علينا الآن الاعتذار لأننا لطيفين وساعدنا أناساً في حالة طوارئ، فهذه البلاد ليست بلادي". لتصبح عبارة "نحن نستطيع فعل ذلك" شعار ميركل.
صورة من: Reuters/F. Bensch
في نهاية سبتمبر نشرت الشرطة الألمانية الاتحادية صورة حركت المشاعر. فتاة لاجئة رسمت الصورة وأهدتها إلى رجل شرطة من مدينة باساو في جنوب ألمانيا. ويظهر في الرسمة المعاناة التي عاشها الكثير من اللاجئين ومدى سعادتهم بأنهم الآن في أمان.
صورة من: picture-alliance/dpa/Bundespolizei
مع نهاية شهر أكتوبر كان أكثر من 750 ألف لاجئ قد وصلوا إلى ألمانيا. لكن موجات الهجرة لم تتوقف مما فاق قدرات دول ما يسمى بـ"طريق البلقان"، فقررت إغلاق حدودها والسماح فقط لمواطني سوريا وأفغانستان والعراق بالدخول. واحتجاجاً على هذه السياسة قام مواطنو دول أخرى بتخييط شفاههم.
صورة من: picture-alliance/dpa/G. Licovski
"ساعدينا يا ألمانيا"، كتب لاجئون عالقون في مقدونيا على ملصقاتهم خوفا من الشتاء الأوروبي القارس. وحتى السويد المعروفة بمواقفها إزاء الصديقة للاجئين، قررت التدقيق مؤقتاً في الهويات على حدودها. وتتوقع أوروبا وصول ثلاثة ملايين لاجئ جديد إليها في عام 2016.