العالم يغلي، ليس أدل على ذلك من الصور القادمة من قطاع غزة حيث سقط العشرات من الفلسطينيين في احتجاجات على نقل السفارة الأمريكية للقدس. رئيسة تحرير DW ، إينس بول، تحمل الرئيس الأمريكي ترامب المسؤولية في تعليقها التالي:
إعلان
ما دافع هذا الرجل في هذا الوقت بالذات، في الذكرى السبعين لتشريد الفلسطينيين من الأراضي التي تشكل إسرائيل الحالية، للاحتفال الرمزي بافتتاح السفارة الأمريكية؟ وينتصب مبنى السفارة على قطعة أرض نصفها يقع في القدس الشرقية التي يريد الفلسطينيون، في حال تحقق حل الدولتين، إقامة مقر حكومتهم عليها.
ما حدث هو صفعة دبلوماسية على وجه الكثير من الفلسطينيين الذين لا يبررون أعمال الشغب العنفية. ولكن خطوة ترامب تحرض، ولحد ما وبشكل واع، على أعمال العنف، آخذة بعين الاعتبار أن المسبب يجعل نفسه مشاركاً في الذنب. ومن هنا يتعين تحميل دونالد ترامب –جزئياً- المسؤولية عن الكثير من القتلى والجرحى.
دوافع ترامب؟
ما الذي يحمل هذا الرجل - وبجرة قلم - على إلغاء التفاهم النووي الذي تم التوصل إليه بمشقة مع إيران، دون التشاور مع حلفائه الأوروبيين والاتفاق معهم على الإجراءات اللاحقة؟ وبفعلته تلك يخاطر ترامب بتصعيد آخر في الشرق الأوسط. ناهيك عن رمي منظومة السلام المتحققة مع أوروبا وفيها منذ سبعين عاماً في أزمة وجودية. ما الذي يدفع الرجل لبذل كل جهوده لتدمير كل منجزات سابقيه من الرؤساء الأمريكيين، دون أن يكون لديه خطة عما سيتبع فعل التدمير؟
لم يعمل دونالد ترامب في حياته من قبل كسياسي منتخب ديمقراطياً. لم يمر بتنشئة سياسية في هذا الحقل، الذي يقوم على مبدأ الأخذ والعطاء، وعلى الكفاح الشاق للوصول لحلول وسط، والموازنة بين المنافع والمضار، وفي الأحوال الجيدة التفكير بشكل دائم في عواقب الأفعال السياسية، وحتى تلك التي يتعدى تأثيرها المدى القريب.
يتوجب على المرء النظر فقط إلى الرموز التي اختارها لسلطته، الاسم المطلي بالذهب على برجه "برج ترامب Trump Tower "، نظروا هنا، أنا فوق الجميع، وبوسعي فعل ما أريد. ويميط ذلك اللثام عن دافع ترامب الحقيقي: دونالد ترامب أولاً، وليست الولايات المتحدة.
معرفة وإدراك ما سبق ذكره ليست بالأمر الجديد في الحقيقة. غير أن القوة المدمرة للرجل تتجلى في هذه الأيام. ليس عند دونالد ترامب خطة بديلة. إنه لا يفكر في عواقب أفعاله، والتي لن يكون بالإمكان تلمسها إلا بعد أربع أو ثماني سنوات. ترامب لا يهمه تأثير أفعاله وهجماته اللفظية على الدول خارج الولايات المتحدة.
إنه يمارس السلطة، لأنه بوسعه فعل ذلك، مع الحرص دائماً على جذب أكبر قدر من الاهتمام. والاهتمام يحصل عليه المرء بأسهل طريقة عندما يدمر الأشياء برباطة جأش كبيرة. وهذا هو السبب الذي يجعله ينقل السفارة الأمريكية إلى القدس في مثل هذا اليوم بالتحديد. وهذا هو السبب الذي يجعله يمزق الاتفاق النووي، دون أن يعرف ما الذي سيحدث بعد ذلك.
اصحي يا ألمانيا، اصحي يا أوروبا!
بالنسبة لألمانيا وأوروبا لا يعني ذلك أقل من نداء للاستيقاظ: بعد سبعة عقود على نهاية الحرب العالمية الثانية يتعين على أوروبا النضج والاعتماد على نفسها. وهذا يتضمن تحمّل أوروبا مسؤولية أمنها الخارجي. حان الوقت أخيراً بالنسبة لألمانيا لتكون صادقة مع نفسها وتستثمر من جديد في الجيش الألماني، وحتى في حال تقبل الكثيرين حتى الآن فقط الجانب الدفاعي للجيش الألماني. ويتوجب على البريطانيين أن يكونوا واضحين مع أنفسهم كيف يريدون ويستطيعون التعاون مع الفرنسيين والألمان في قضايا الأمن والدفاع في مرحلة بعد "بريكست".
ولكن قبل كل شيء يجب أن تجد أوروبا طريقاً لوقف الانهيار الداخلي فيها وإعادة تعريف شكل المجتمع الذي يريد الأوروبيون العيش فيه.
يشكل كل ما سبق تحديات كبيرة ويطرح الكثير من الشكوك. ولكن الأكيد أن العيش في بلد يحكمه شخص كترامب لا يعني أنه باستطاعة المرء الوثوق به، ولكن يعني أنه غير مسموح له بالوثوق به. صور الأحداث التي تصلنا من قطاع غزة في هذه الأيام هي خير دليل على ذلك.
السفارة الأمريكية في القدس: يوم فرحت إسرائيل واحتج الفلسطينيون
فيما افتتحت الولايات المتحدة رسمياً سفارتها في القدس تزامناً مع احتفال دولة إسرائيل بالذكرى السبعين لقيامها، قُتل عشرات الفلسطينيين في تصاعد غير مسبوق لحدة المواجهات مع الجيش الإسرائيلي على حدود غزة.
صورة من: Reuters/I. Abu Mustafa
تدشين بمباركة إيفانكا
نقلت الولايات المتحدة الاثنين (5 مايو/ آيار2018) سفارتها من تل أبيب إلى القدس، بعد وعد الرئيس ترامب في نهاية العام الماضي، واعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل. الاستنكار الدولي والغضب الفلسطيني من الوعد لم يمنعا تحقيقه ومشاركة ابنته إيفانكا إلى جانب زوجها جاريد كوشنر في مراسم الافتتاح. إيفانكا شاركت متتبعيها على تويتر لحظات استقبالها من قبل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو أيضاً.
صورة من: Reuters/A. Cohen
حضور دبلوماسي من أمريكا
أعلن ترامب قبل أيام عدم حضوره لافتتاح السفارة الأمريكية في القدس، لكنه بعث وفداً دبلوماسياً يتكون من شخصيات مهمة داخل البيت الأبيض، على رأسهم وزير الخزانة ستيفن منوتشين ومساعد وزير الخارجية جون سوليفان، فضلاً عن إيفانكا ترامب وجاريد كوشنر. وستفتح مكاتب سفارة مؤقتة داخل مبنى القنصلية الأمريكية في القدس، في انتظار اختيار مبنى أكبر لها مستقبلاً.
صورة من: Reuters
"ترامب صديق الصهاينة"
زُينت شوارع القدس قرب السفارة الأمريكية الجديدة بالعلمين الاسرائيلي والأمريكي استعداداً للاحتفال بعهد جديد واستبدلت لافتات مرورية بأخرى تشير لموقع السفارة الكائن بحي أرنونا بالقدس. كما عُلقت لافتات تشيد بترامب كـ"صديق للصهاينة". شعار الصداقة حمل معه عقوداً من الحياد الأمريكي تجاه القضية، لكن اعتراف ترامب بالقدس كعاصمة لاسرائيل غير معالمها وجعل نتانياهو يقول: "إن نقل السفارة مدعاة للاحتفال".
صورة من: DW/D. Regev
ذكرى "قيام إسرائيل"
افتتاح السفارة الأمريكية وإقامة احتفال دبلوماسي بين أمريكا وإسرائيل، تعدى إلى المواطنين الاسرائليين الذين عبروا عن فرحتهم بانتقال السفارة إلى القدس. خاصة وأن هذا الحدث يصادف الذكرى السبعين "لقيام دولة إسرائيل" الاثنين (14 أيار/ مايو 2018) وفق التقويم الغريغوري. كما أن إسرائيل بدأت احتفالاتها التقليدية، قبل أيام، بمناسبة الذكرى 51 لـ "ضم القدس" أو "توحيد القدس"، وذلك وسط إجراءات أمنية مشددة.
صورة من: Getty Images/L. Mizrahi
احتفال مستمر
منذ أيام والأفراح والاحتفالات تسود المنطقة الغربية من القدس. ويشارك في هذا كل الإسرائليين باختلاف أعمارهم وأجناسهم استعدادا للاحتفال بـ "مرور 70 عاماً على قيام دولتهم". ووسط أغاني ممجدة للشعب اليهودي والدولة العبرية وللقدس، وفي جو من الرقص والسعادة الغامرة البادية على كل المشاركين في الإحتفالات، رفعوا علم إسرائيل معبرين عن "انتصار" انتظروه منذ عقود.
صورة من: Getty Images/AFP/A. Gharabli
"نكبة جديدة"؟
يتزامن افتتاح السفارة الأمريكية في القدس قبل يوم من الذكرى السبعين لـ"النكبة"، عندما نزح أكثر من 760 ألف فلسطيني في حرب 1948. وعلى ما يبدو، فالفلسطينيون يحيون الذكرى السبعين للحدث بـ"نكبة جديدة" كما وصفتها اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية.
صورة من: Reuters/M. Salem
سخط فلسطيني
في مقابل الأفراح الإسرائيلية، يعيش الفلسطينيون وسط أجواء من الحزن والسخط على قرار ترامب الذي يعترف فيه بأن بالقدس عاصمة لإسرائيل، وعن نقل سفارة دولته إلى القدس. هذا القرار الذي "استفز" الفلسطينيين باعتبارهم رافضين منذ البداية لـ"احتلال" إسرائيل للقدس كـ"عاصمة أبدية" منذ 1980، بغض النظر عن عدم اعتراف المجتمع الدولي بذلك، وفي ظل رغبة فلسطين في جعل القدس الشرقية عاصمة لدولتهم.
صورة من: Reuters/I. Abu Mustafa
رغم الوعيد.. اقتحموا السياج!
شارك الآلاف من الفلسطينيين في قطاع غزة في مسيرة إلى الحدود مع إسرائيل، وخاطر بعضهم مقتحماً السياج الأمني، رغم وعيد الجيش الإسرائيلي، ورغم أن طائرات سلاح الجو الإسرائيلي قد ألقت منشورات على قطاع غزة للتحذير من الاقتراب من السياج. كما أعلن الجيش الإسرائيلي، في وقت سابق، عن وضع قواته في حالة تأهب قصوى، فضلاً عن مضاعفة عدد وحدات جيشه المقاتلة وتعبئة الآلاف من شرطييه لضمان الأمن في السفارة ومحيطها.
صورة من: Reuters/B. Ratner
نار وغضب
العشرات من الشباب الفلسطينيين اجتازوا السياج الحدودي الفاصل شرق غزة وأضرموا النار في إطارات سيارات في الجانب الإسرائيلي من الحدود، كما ألقوا الحجارة على الجيش الاسرائيلي تعبيراً عن غضبهم من تدشين السفارة الأمريكية في القدس، وبينما يتهم الجيش الإسرائيلي حركة حماس بتحريض الفلسطينيين على اختراق السياج الحدودي، يشهد قطاع غزة "مسيرات العودة"، منذ نهاية آذار/ مارس2018.
صورة من: Reuters/M. Salem
"مذبحة رهيبة"
أسفرت المواجهات بين الجنود الإسرائيليين وفلسطينيين في الحدود بين قطاع غزة وإسرائيل، قبل ساعات من تدشين مقر السفارة الأمريكية، عن سقوط عشرات القتلى، وإصابة أكثر من ألف فلسطيني بالرصاص الحي. المواجهة جاءت بعد أن ألقى فلسطينيون الحجارة على الجنود الإسرائيليين الذين ردوا بإطلاق النار. وعلى وقع ارتفاع القتلى والجرحى، اتهمت الحكومة الفلسطينية إسرائيل بارتكاب "مذبحة رهيبة" في قطاع غزة. إعداد: مريم مرغيش.