وجهة نظر: سوريا، اللاجئون والجانب الآخر لسياسة الهجرة
٦ يوليو ٢٠١٨
يجبر هجوم نظام الأسد في درعا مجددا مئات الآلاف من السوريين على الهرب. ويعتبر كرستن كنيب في تعليقه أنه يجب تقديم يد المساعدة لهؤلاء الناس. لكن هذا يبقى مستحيلا على أساس سياسة اللجوء المتبعة إلى حد الآن.
إعلان
عمليات قصف واسعة وهجمات على مستشفيات ومدارس: نظام الأسد يراهن في هجومه على محافظة درعا على آلة موته الموجهة ضد السكان المحليين. وذلك ليس لأن هؤلاء يتكونون من معارضين مسلحين. فسوء حظ غالبية الناس ببساطة هو أنهم يعيشون في منطقة تمكن فيها المعارضون إلى حد الآن من الصمود. ولذلك فإن أسلوب الأسد هو شن هجمات مباشرة على المدنيين وإخضاعهم للضغط حتى يدفعوا المعارضين إلى التنازل. لكن معارضي النظام لا يمكن لهم الاستسلام، لأن ذلك يعني بالنسبة إليهم التوقيع على حكم موتهم، لأن النظام نادرا ما يتخذ سجناء، فهو يفضل قتلهم، أكان ذلك مباشرة أم بعد تعذيبهم.
ومع درعا تكون المعركة قد استهدفت المدينة التي انطلقت منها الانتفاضة في سوريا قبل أكثر من سبع سنوات. واسترجاع هذه المدينة بالذات تحت السيطرة سيكون انتصارا مميزا للنظام. وبسقوط درعا ستكون الثورة برمتها قد تلقت ضربة، وسيكون "الإرهابيون"، كما يسمي الأسد معارضيه قد انهزموا نهائيا. "الإرهابيون" ـ هم بوجه خاص في درعا ما تبقى من أولئك الذين رفعوا طلباتهم في 2011، وضغطوا لنيل الديمقراطية والحريات السياسية. وبعضهم طالب أيضا بسقوط النظام.
حلم الأسد المهيمن
السلوك العنيف ضد المعارضين يكشف نوعية النظام السياسي الذي يتطلع له الأسد بالنسبة إلى مستقبل سوريا: سيطرة كاملة لا توجد فيها معارضة. وبالنسبة إلى الكثيرين من السوريين الذين فروا إلى الخارج لن يوجد لهم مكان في هذه الدكتاتورية. "والقانون رقم 10" المنشور مؤخرا الذي يشمل نزع الملكية بشكل واسع يكشف أين تسير الرحلة بالنسبة إلى الكثير منهم: بكل حال ليس العودة إلى سوريا. فالناس الذين فروا من النظام لم يعد يعترف بهم كمواطنيه وسيسلبهم أملاكهم. فالدولة السورية هي مستقبلا ملكية خاصة لقيادتها.
إلى أين مع اللاجئين الجدد؟
وبالتالي يبقى مجهولا مصير السوريين الذين يصل عددهم حتى 270.000 الذين فروا من المعارك حول درعا ويحتشدون حاليا على الحدود مع الأردن وإسرائيل. فهم يأملون على الأقل هناك أن لا يصبحوا هدفا لمروحيات النظام وبراميله المتفجرة.
وفي أوروبا يُنظر بقلق إلى هذا التطور. كيف يجب التعامل مع موجة لاجئين جدد؟ ونظرا للناس الكثيرين الذين قدموا منذ 2015 إلى أوروبا، فإن سكان الاتحاد الأوروبي انتابهم قلق كبير. فالأحزاب الشعبوية اليمينية تزدهر في جميع البلدان تقريبا، متحدة في رفض استقبال مهاجرين إضافيين. ولا يمكن ترقب وقف زيادتهم، بل العكس.
سياسة اللجوء الحالية ـ خطأ؟
سخاء السنوات الماضية كان موجودا لا سيما بسبب حاجة اللاجئين السوريين الذين وجب مساعدتهم بسرعة وبدون تعقيد. وهذا السخاء انتشر صيته بسرعة على مستوى العالم ـ وتسبب في حركات هجرة في مناطق بعيدة عن سوريا وتسود فيها ظروف أخرى. ألمانيا والاتحاد الأوروبي لم يجدا القوة للتمييز بين لاجئي الحرب ومهاجري الفقر: ودخل كل من تمكن من العبور.
وهذا عمل على إضعاف الاستعداد لاستقبال أشخاص إضافيين في ألمانيا والاتحاد الأوروبي ـ مع نتيجة أن من هم في أمس الحاجة إلى الحماية يواجهون في الأثناء أكبر العقبات.
الاضطرار للتمييز
ألمانيا بوجه خاص جابهت باستعدادها العام للاستقبال خطرا عاليا تمثلت انعكاساته السياسية في دخول حزب البديل من أجل ألمانيا كأقوى حزب معارض البرلمان الألماني. والعواقب الاجتماعية لهذه السياسة بدأت في المقابل تظهر ببطيء، هل كان ذلك سخاء، أم يجدر بنا القول" غفلة"؟ تُوجه ضد أولئك الذين يحتاجون أكثر إلى المساعدة. أشخاص واجهوا في وطنهم خطر الموت يجب علينا مساعدتهم حتى من خلال ترخيص بالسفر. الحراك السياسي في ألمانيا وأوروبا يوحي بالاستنتاج أنه يجب تحديد السخاء تجاه الآخرين الذين عرضوا أنفسهم للخطر من خلال الهرب.
كرستن كنيب
محطات في الدور الألماني خلال الأزمة السورية
إلى جانب الدور الإنساني، لعبت ألمانيا أدوارا أمنية وسياسية في الأزمة السورية. وعلى مدى سبع سنوات، لم تتخلف برلين عن تسجيل حضورها في ملفات الأزمة داعية دائماً إلى وقف الحرب و"الجرائم ضد الإنسانية" في سوريا.
صورة من: picture-alliance/dpa/W. Kumm
منفذ اللاجئين
منذ بداية الأزمة في سوريا سنة 2011، يبحث السوريون عن منافذ لمغادرة بلدهم نحو بلدان أكثر أمانا. وكانت ألمانيا واحدة من المنافذ التي فتحت الباب أمامهم منذ 2015، كما أتاحت لهم فرصة النفاذ من ويلات الحرب حتى صار عدد السوريين من غير الحاملين للجنسية الألمانية، عام 2017، يقدر بحوالي 699 ألف شخص، في ألمانيا، أي ثالث أكبر جالية أجنبية في البلاد، حسب ما أفاد "مكتب الإحصاء الاتحادي".
صورة من: picture-alliance/dpa/S. Pförtner
"ماما ميركل" محبوبة اللاجئين السوريين
لعبت قرارات ميركل في ملف اللاجئين دورا رياديا. وكان قرارها الشهير عام 2015، بفتح الحدود الألمانية أمام اللاجئين السوريين خاصة وقد وصلوا أوروبا عبر البحر المتوسط، محط أنظار العالم بأسره، إذ لم تقف عند "اتفاقية دبلن" و"فضاء شينغن" والهدنة مع دول أوروبا الشرقية. وتمسكت بشعارها "نستطيع أن ننجز ذلك"، في إشارة منها إلى تفاؤلها بالتغلب على أزمة اللاجئين. قرارات ميركل جعلتها تُنعت بـ"ماما ميركل".
صورة من: Reuters/F. Bensch
إدماج وإندماج
تعمل ألمانيا بشكل مكثف على إدماج اللاجئين في الحياة العامة. وتخصص ميزانيات مهمة من أجل تعليم اللغة وتوفير دورات للاندماج ، فضلا عن دورات التأهيل للعمل لصالح اللاجئين. علاوة على ذلك، يحظى الأطفال باهتمام خاص، إذ يذهبون، بعد وصولهم بفترة بسيطة إلى ألمانيا، إلى المدارس أو إلى دور الحضانة وذلك بهدف الانفتاح على العالم الجديد والتأقلم معه.
صورة من: picture-alliance/W. Rothermel
إنقاذ وتطبيب ومليارات اليورو للدعم
قدمت ألمانيا مساعدات كثيرة للسورين خلال الحرب. فبالإضافة إلى التطبيب، رصدت عام (2017) للمساعدات الإنسانية في سوريا 720 مليون يورو. فضلا عن 2.2 مليار يورو، قدمتها لسوريا منذ بداية الحرب الأهلية هناك في عام 2012، وكان وزير الخارجية الألمانية زيغمار غابرييل، قد تعهد بعشرة ملايين يورو إضافية للمساعدات المقدمة لسوريا في ظل الوضع المأساوي في الغوطة الشرقية.
صورة من: Ärzte ohne Grenzen
مساعدات إنسانية في الداخل والخارج
لا تنحصر المساعدات الإنسانية الألمانية على المحتاجين اليها في سوريا فحسب، بل تشملهم في ألمانيا أيضا، حيث تتظافر جهود الدولة والمجتمع المدني لمد اللاجئين بالمعونة الضرورية، خاصة في الأيام الأولى من التحاقهم. وتعتبر موائد "تافل" من بين الجهات التي يتوجه إليها اللاجئون بهدف الحصول على الطعام.
صورة من: DW/B. Knight
حضور ألماني أنساني حتى في مخيمات اللجوء عبر العالم
تقديم ألمانيا لمساعداتها الإنسانية لصالح اللاجئين لا يقتصر على سوريا أو ألمانيا، وإنما يتجاوزه وصولاً الى مخيمات اللاجئين في الأردن ولبنان، مثلا. وقد مولت الحكومة الألمانية مشاريع مهمة في المخيمات، كمشروع الكهرباء الذي استفاد منه مخيم الزعتري والذي بلغت طاقته 12.9 ميغاوات. وبالإضافة إلى توفير الكهرباء، فقد أتاحت المحطة بيئة أكثر أماناً للأطفال والبالغين في هذا المخيم.
صورة من: picture-alliance/dpa/B.v. Jutrczenka
إنقاذ من الجوع والعطش
عانى الدمشقيون من ندرة المياه وانقطاعها المتواصل بسبب الحرب واستمرار المعارك، خاصة في منطقة وادي بردى، قرب دمشق. وكانت الحكومة الألمانية أول من بادر لحل هذا المشكل، إذ قالت وزارة الخارجية الألمانية، في يناير/ كانون الثاني 2017، إن دبلوماسيين ألمانا ساعدوا في التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار بين الحكومة السورية وقوات المعارضة في وادي بردى، بهدف إعادة إمدادات المياه إلى دمشق.
صورة من: picture-alliance/dpa/Y. Badawi
محاربة داعش
شارك الجيش الألماني في الحملة العسكرية الدولية ضد تنظيم داعش في سوريا. وقد شارك في العملية ما يناهز 1200 جندي ألماني. المهمة العسكرية الألمانية في سوريا، شملت عناصر المشاة، إضافة إلى طائرات استطلاع من نوع "تورنادو" وطائرة للتزود بالوقود وسفينة حربية لدعم حاملة الطائرات الفرنسية "شارل ديغول" في البحر المتوسط، فضلا عن عمليات استطلاعية عبرالأقمار الصناعية.
صورة من: Getty Images/Hulton Archive/USAF
اتفاق مع تركيا ساهم في إنقاذ أرواح آلاف من طالبي اللجوء
في بدايات عام 2016، وقع الاتحاد الأوربي وأنقرة اتفاقية للحد من تدفق اللاجئين من السواحل التركية إلى أراضي الاتحاد. هذا الاتفاق الذي تعرض لانتقادات، وتبعه توتر كبير بين الطرفين التركي والأوروبي، كانت ألمانيا من بين مناصريه. فقد اعتبرته اتفاقا ناجحا ما دام قد حقق هدفه، و"ساهم في مكافحة أعمال التهريب المميتة للاجئين عبر بحر إيجة بشكل فعال"، حسب تصريح المتحدث باسم الحكومة الألمانية.
صورة من: Reuters/Yves Herman
محاربة الأسلحة الكيماوية
لعبت ألمانيا دورا بارزا في محاربة الأسلحة الكيماوية في سوريا، وكانت المستشارة الألمانية انغيلا ميركل، قد أعلنت دعمها للضربة العسكرية التي شنتها الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا على أهداف منتخبة في سوريا يوم 14 أبريل/ نيسان2018، كما رأتها "ضرورية وملائمة للحفاظ على فعالية الحظر الدولي لاستخدام الأسلحة الكيماوية ولتحذير النظام السوري من ارتكاب انتهاكات أخرى".
صورة من: picture alliance/AP Photo/H. Ammar
ألمانيا وسيط محايد محتمل و"رسول سلام"
تساءل البعض عن سبب عدم مشاركة ألمانيا في الضربة العسكرية على النظام السوري، فيما أعتبر آخرون إمكانية لعب ألمانيا دور الوسيط المحايد للبحث عن حل للنزاع. وتشير معطيات إلى إمكانية تأثير ألمانيا في إيجاد حل للأزمة السورية، خاصة بعد تصريح وزير الخارجية الألمانية هايكو ماس، الذي أكد أن الصراع السوري بحاجة إلى حل يتم التوصل إليه عبر التفاوض وتشارك فيه كل القوى في المنطقة. مريم مرغيش.