وجهة نظر: سياسة اللجوء الأوروبية فشلت ونزيف إفريقيا مستمر
لودغر شادومسكي
وجهة نظر
٩ يونيو ٢٠١٦
عرضت المفوضية الأوروبية خطة لتمكين دول مثل الأردن والنيجر ونيجيريا وإثيوبيا ولبنان من صد المهاجرين عن التوجه إلى أوروبا. ووفقا للخطة، من المقرر دعم الدول التي تبدأ هذه "الشراكة للهجرة" بمشروعات تنموية واستثمارات.
إعلان
إذن أسلوب الجزرة والعصا هو المتبع لحل الإشكالية أو كما عبرت عن ذلك المفوضية الأوروبية في أسلوب أكثر لباقة إنه "مزيج ذكي" من "محفزات إيجابية وسلبية". وثيقة "الشراكة للهجرة" المعروضة في ستراسبورغ كانت بالنسبة إلى مفوضة الشؤون الخارجية الأوروبية فدريكا موغريني بمثابة "تحول ثوري" في سياسة اللجوء للاتحاد الأوروبي. وحتى الأفكار الثورية لنيكولاس كوبرنيكوس لم تُفهم إلا بعد مرور 200 عام على وفاته.
فالحقيقة تظل أن ما اعتُبر خطة رائدة ليست إلا اعترافاً بأن سياسة اللجوء -المتبعة إلى حد الآن من الاتحاد الأوروبي لاسيما تجاه إفريقيا- فشلت، لأنه ليس هناك نقص في المشاريع والمخططات التي تحمل مسميات رنانة مثل عملية الخرطوم أو إعلان فاليتا التي من شأنها وقف تدفق اللاجئين. لكنها للأسف لا تأتي بنتيجة حتى في مهدها. "الالتزام" مع ليبيا يُراد له "التكثيف"؟ ألم يعلن وزير الخارجية الليبي مؤخرا أن بلاده لن تستقبل في كل حال لاجئين؟ وعن أي جهة في ليبيا الممزقة يتم الحديث في أعقاب حقبة القذافي؟ لا، العصا لا يلوح بها الأوروبيون، بل الحكام المتسلطون في إفريقيا الذين يوظفون أسراب اللاجئين بلا حرج كوسيلة تفاوض.
إفريقيا تترك المهاجرين يغادرون
إلى حد الآن لم يُفهم في بروكسيل أن "الشركاء" المزعومين في إفريقيا ليس لهم أي اهتمام بوقف هجرة الغالبية من المهاجرين الشباب الذكور، بل العكس: ففي إريتريا تفيد مصادر موثوق بها أن عسكريين كباراً يكسبون المال من وراء تهريب البشر. فالكثير من الصوماليين ونخبة السياسيين الفاسدة تستفيد هناك من تحويلات المقيمين في المهجر. وفي الكثير من المناطق الأخرى يقول الحكام الأفارقة للشباب العاطلين عن العمل ومثيري القلاقل المحتملين بكل سرور "وداعا".
الفكرة الثورية المزعومة لتكنوقراطيي الهجرة المعروضة الثلاثاء (7 يونيو/حزيران 2016) -من أجل تقوية التطور الاقتصادي في الدول الأصلية والمعبر للمهاجرين ومن ثم فتح آفاق للناس في عين المكان- هي قديمة مثل مساعدة التنمية في إفريقيا التي فشلت فشلا ذريعا.
ومشين عندما تهدد دول الاتحاد الأوروبي الدول الممتنعة عن التعاون بعقوبات تجارية. أليست سياسة التجارة الأوروبية المسكوت عنها هي أحد الأسباب وراء هجرة مئات الآلاف من المزارعين الأفارقة والصيادين نحو أوروبا.
القضاء على أسس عمل المهربين
في حين أن هناك مقترحات مفيدة موجودة على الطاولة: إقامة مراكز للاجئين في شمال إفريقيا وفي الساحل للقضاء على أسس عمل المهربين ووقف الهجرة القاتلة عبر البحر، أو العمل ـ حتى ولو بمحدودية لأنها تخدم نزيف إفريقيا ـ بما يُسمى مبادرة "البطاقة الزرقاء" لجلب مهارات مهنية.
لكن الحقيقة المرة بدون أي مزايدة إنسانية هي أن سياسة لجوء أوروبا هي سياسة لصد اللاجئين. إنه عمل ترقيع مشؤوم ومهين يفضح الشرخ الكبير داخل كيان الدول الأوروبية. وعليه يتم التعامل مع المشكلة بدفع أموال ـ وحتى تلك الأموال لا تُدفع كما يُتفق عليه: ففي صناديق الطوارئ المتفق عليها في نهاية 2015 بقيمة مالية تصل إلى 1.8 مليار يورو لم تدفع الحكومات الـ 28 سوى 80 مليون يورو. ومن أين ستأتي الـ 8 مليارات يورو المعلن عنها الثلاثاء حتى عام 2020، هذا لا تعلمه إلا المفوضية الأوروبية. رأس كوبرنيكوس الكبير يتقلب داخل قبره بسبب سياسة الرموز الأوروبية اليائسة التي تسيء فدريكا موغريني توظيف اسمه فيها.
رحلة محفوفة بالمخاطر- تعقب آثار مهربي البشر في إفريقيا
عكف مراسلا DW يان فليب شولتس و أدريان كريش طوال أسابيع على جمع معلومات عن مهربي البشر من نيجيريا، وتعقبا آثارا تصل حتى إيطاليا واصطدما في مهمتهما بجدار من الصمت.
صورة من: DW/A. Kriesch/J.-P. Scholz
مهمة البحث انطلقت في مدينة بنين عاصمة ولاية إيدو النيجيرية. تقريبا كل شخص نتحدث معه هنا لديه أصدقاء أو أعضاء عائلة في أوروبا. فأكثر من ثُلاثة أرباع مجموع بائعات الهوى في إيطاليا ينحدرن من هذه المنطقة. الكثيرون لا يجدون آفاقا في بلدهم بسبب البطالة في صفوف الشباب.
صورة من: DW/A. Kriesch/J.-P. Scholz
الأخت بابيانا إيمناها تحاول منذ سنوات تحذير النساء الشابات من السفر إلى أوروبا. وقالت لنا "الكثير منهن يتم إغراؤهن بوعود كاذبة". فالعمل الموعود كمربية أطفال أو حلاقة ينكشف في عين المكان كأكذوبة. فجميع النساء الشابات تقريبا يكون مصيرهن شوارع البغاء.
صورة من: DW/A. Kriesch/J.-P. Scholz
بعد مفاوضات طويلة يوافق أحد مهربي البشر على التحدث إلينا. يسمي نفسه ستيف. ويقول إنه نجح في تهريب أكثر من مائة نيجيري إلى ليبيا، وهو يرفض تقديم معلومات عن الأشخاص الذين يقفون وراء هذه التجارة ـ ويعتبر أنه خادم بسيط. ويقول ستيف "الناس هنا في إيدو طماعين. من أجل حياة أفضل هم مستعدون لفعل كل شيء".
صورة من: DW/A. Kriesch/J.-P. Scholz
مقابل 600 يورو ينظم ستيف الرحلة من نيجيريا إلى إيطاليا. ويقول المهرب:"الغالبية تدرك خطر السفر عبر الصحراء". ومن حين لآخر تؤدي حوادث عطل إلى وفات بعض الأشخاص. "تلك هي المخاطرة"، يقول ستيف الذي يرافق المهاجرين حتى أغاديز في النيجر حيث يتولى شخص آخر المهمة.
صورة من: DW/A. Kriesch/J.-P. Scholz
مدينة أغاديز الصحراوية هي المحطة الأخطر في رحلة بحثنا. سكان هذه المنطقة يعيشون من تجارة البشر والمخدرات، ويتعرض أجانب من حين لآخر للاختطاف. لا يمكن لنا التحرك إلا تحت حراسة مسلحة، كما وجب علينا تغطية الرأس بزي تقليدي لتجنب لفت الأنظار.
صورة من: DW/A. Kriesch/J.-P. Scholz
ويعتبر سلطان أغاديز عمر إبراهيم عمر مثل العديد من الناس أنه لا يمكن القضاء على مشكلة تجارة البشر في عين المكان، وهو يطالب بأموال أكثر من المجتمع الدولي. وحجته في ذلك عندما يقول بأنه إذا أرادت أوروبا وقف تدفق المهاجرين عليها نحو البحر المتوسط، فوجب عليها دعم النيجر أكثر.
صورة من: DW/A. Kriesch/J.-P. Scholz
منذ شهور تنطلق كل يوم اثنين قبل غروب الشمس حافلات تقل مهاجرين من أغاديز في اتجاه الشمال. الفوضى في ليبيا أدت إلى تمكن المهربين من العبور دون مراقبة حتى البحر المتوسط. ونلاحظ بسرعة هنا أن السلطات في النيجر لا تكثرت لأنشطة المهربين.
صورة من: DW/A. Kriesch/J.-P. Scholz
الكثير من المهاجرات من نيجيريا يجدن أنفسهن في إيطاليا على قارعة الطريق للممارسة البغاء. الموظفة الاجتماعية ليزا بيرتيني تعمل مع بائعات هوى أجنبيات. وقالت لنا بيرتيني:"عددهن في ازدياد". وتكشف مصادر رسمية أن حوالي 1000 نيجيرية دخلن في عام 2014 إيطاليا. وفي 2015 تجاوز عددهن 4000 . وتلاحظ الموظفة الاجتماعية أن "عمر الفتيات يصغر".
صورة من: DW
بمساعدة زميل نيجيري تعقبنا أثر "سيدة" مفترضة. لقب "السيدة" تحصل عليه القوادات النيجيريات اللاتي يتربعن على قمة هرم شبكات تهريب. هذه الديوثة تعيش في إحدى ضواحي فلورينتسا. وتوجه إحدى الضحايا اتهامات قوية ضدها، وقالت "ضربتنا وأجبرتنا على ممارسة الدعارة".
صورة من: DW/A. Kriesch/J.-P. Scholz
وعندما واجهنا "السيدة" المفترضة بالاتهامات الموجهة إليها اعترفت بأنها تأوي ست شابات نيجيريات في منزلها. لكنها رفضت الاتهام بأنها تجبر البنات على الدعارة. وقررنا تقديم نتائج بحثنا إلى النيابة العامة الإيطالية.
صورة من: DW/A. Kriesch/J.-P. Scholz
الراهبة مونيكا أوشكفي تنتقد منذ مدة تقاعس السلطات الإيطالية. إنها تعتني منذ ثمان سنوات بضحايا تجارة البشر. وتحدثت في غضب عندما سألناها عن زبائن البنات. وقالت إن أولئك الرجال يبحثون دوما عن إشباع رخيص لغرائزهم: ممارسة الجنس مع فتاة نيجيرية تساوي 10 يوروهات فقط. وتقول بأنه بدون هؤلاء الصعاليك لما كانت المشكلة موجودة.