وجهة نظر: عندما يصبح الأمر جدياً في سوريا يتملص الألمان
٢٤ أبريل ٢٠١٨
في حرب سوريا يظهر الألمان مجددا كأبطال العالم في التردد والتريث. فالثقة لوحدها في الحلول السياسية باتت مبدأ. ألمانيا تتجاهل مسؤوليتها، كما يعتقد كريستيان تريبه في تعليقه التالي:
إعلان
في موسكو تروج نكتة حول الحرب في سوريا. ميركل تقول لبوتين:" فلاديمير فلاديميروفيتش لا توجد حلول عسكرية في سوريا". بوتين يرد بالقول:" بلى أنغيلا". ربما سيعترض البعض الآن بأنه لا يحق الترويج لنكت بتوظيف الحروب وآلام الناس. لكن الدعابة هي أقل أو أكثر بدون ذوق. وما يزعج الكثيرين في ألمانيا في هذا الحوار الوهمي هو أعمق: ففي الجمهورية الاتحادية يكون التفكير بحسابات عسكرية منبوذا إلى حد أن المنطق السياسي لاستخدام قوة السلاح لا يروق غالبية الألمان، وحتى الكنيستان الكبيرتان في ألمانيا متفقتان مع الغالبية العظمى للألمان في تفكيرهم: فالهجمات الصاروخية لا يمكن لها أن تأتي بالسلام في سوريا، حسب تصريحات مختلفة لقساوسة بروتستانت وكاثوليك، لترجح مرة أخرى كفة النقاد والديماغوغين.
شعب مسالم
الألمان شعب مسالم في الأساس. وذلك ليس فقط منذ 1945، كما يُؤكد في الغالب عندما فرضت أكوام الجثث والدمار التي خلفتها الدكتاتورية النازية تغييرا مبدئيا في التفكير. لا بعدها مع سقوط الجدار وانهيار الامبراطورية السوفياتية تغيرت النظرة الأمنية السياسية للأمان تجاه العالم بصفة جذرية: فما يسمى "ثمرة السلام" لم يجر الاستمتاع بها بصفة مستدامة في أي بلد من العالم الغربي مثل ما هو في الجمهورية الاتحادية الموحدة من جديد وذات السيادة قانونيا.
والعواقب يمكن التعرف عليها بالتحديد في الجدل حول الهجمات الغربية على مستودعات سورية ومختبرات الأسلحة الكيميائية. والمستشارة الألمانية تقدم في ذلك الإيقاع، لكن ليس بمفهوم القيادة السياسية، بل في ذلك المفهوم الألماني المعقد الذي يثير الانزعاج لاسيما عند الحلفاء: أولا استبعاد أن تشارك الجمهورية الاتحادية في تلك العمليات العسكرية. والاستبعاد يكون كليا. وفي الختام وبعدما هاجمت الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا المستودعات الكيميائية التابعة للأسد يأتي وصف هذا التحرك العسكري بأنه مناسب. نعم وماذا غير ذلك؟
والمتهكمون لاحظوا فورا أن ألمانيا ليس لها الوسائل ـ مقاتلات أو صواريخ قابلة للاستخدام ـ للمشاركة. وهذا صحيح. لكن من هو المسؤول عن وضع الجيش الألماني؟ في أي ولاية حكم تم تقليص قوات الجيش الألماني بشكل يجعل بعض الالتزام في حلف الناتو غير ممكن؟ فلدى الشركاء في الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي يُعد الألمان لدى الكثيرين طفيليين في السياسة الأمنية.
الألمان يتملصون
وعندما يصبح الأمر جديا يتملص الألمان سياسيا وهم يهملون قواتهم العسكرية منذ عقود. وهذه الخلاصة الحزينة تقابلها خطب يوم الأحد لسياسيين ألمان: ففيها يتم الحديث عن المسؤولية المتنامية للجمهورية الاتحادية في العالم لوضع الوزن الأكبر من قبل ألمانيا في السياسة الأمنية في كفة الميزان ومن أجل تحمل هذا الدور.
وأحيانا يتم في برلين الحديث عن مسؤولية حماية المدنيين والأقليات المهددة وعن ضرورة الالتزام العسكري لتفادي ما هو أسوأ، أو كما هو الحال الآن في سوريا الاستخدام للقوة العسكرية المحدودة التي يمكن أن تسهل بداية دبلوماسية جديدة. وكل هذا ينطوي على التناقض الكبير غير الجميل للسياسة الخارجية لبرلين، وكان مفعوله شالًا ومخزياً في الجدل حول الهجمات الجوية المحدودة على سوريا.
كريستيان تريبه
محطات في الدور الألماني خلال الأزمة السورية
إلى جانب الدور الإنساني، لعبت ألمانيا أدوارا أمنية وسياسية في الأزمة السورية. وعلى مدى سبع سنوات، لم تتخلف برلين عن تسجيل حضورها في ملفات الأزمة داعية دائماً إلى وقف الحرب و"الجرائم ضد الإنسانية" في سوريا.
صورة من: picture-alliance/dpa/W. Kumm
منفذ اللاجئين
منذ بداية الأزمة في سوريا سنة 2011، يبحث السوريون عن منافذ لمغادرة بلدهم نحو بلدان أكثر أمانا. وكانت ألمانيا واحدة من المنافذ التي فتحت الباب أمامهم منذ 2015، كما أتاحت لهم فرصة النفاذ من ويلات الحرب حتى صار عدد السوريين من غير الحاملين للجنسية الألمانية، عام 2017، يقدر بحوالي 699 ألف شخص، في ألمانيا، أي ثالث أكبر جالية أجنبية في البلاد، حسب ما أفاد "مكتب الإحصاء الاتحادي".
صورة من: picture-alliance/dpa/S. Pförtner
"ماما ميركل" محبوبة اللاجئين السوريين
لعبت قرارات ميركل في ملف اللاجئين دورا رياديا. وكان قرارها الشهير عام 2015، بفتح الحدود الألمانية أمام اللاجئين السوريين خاصة وقد وصلوا أوروبا عبر البحر المتوسط، محط أنظار العالم بأسره، إذ لم تقف عند "اتفاقية دبلن" و"فضاء شينغن" والهدنة مع دول أوروبا الشرقية. وتمسكت بشعارها "نستطيع أن ننجز ذلك"، في إشارة منها إلى تفاؤلها بالتغلب على أزمة اللاجئين. قرارات ميركل جعلتها تُنعت بـ"ماما ميركل".
صورة من: Reuters/F. Bensch
إدماج وإندماج
تعمل ألمانيا بشكل مكثف على إدماج اللاجئين في الحياة العامة. وتخصص ميزانيات مهمة من أجل تعليم اللغة وتوفير دورات للاندماج ، فضلا عن دورات التأهيل للعمل لصالح اللاجئين. علاوة على ذلك، يحظى الأطفال باهتمام خاص، إذ يذهبون، بعد وصولهم بفترة بسيطة إلى ألمانيا، إلى المدارس أو إلى دور الحضانة وذلك بهدف الانفتاح على العالم الجديد والتأقلم معه.
صورة من: picture-alliance/W. Rothermel
إنقاذ وتطبيب ومليارات اليورو للدعم
قدمت ألمانيا مساعدات كثيرة للسورين خلال الحرب. فبالإضافة إلى التطبيب، رصدت عام (2017) للمساعدات الإنسانية في سوريا 720 مليون يورو. فضلا عن 2.2 مليار يورو، قدمتها لسوريا منذ بداية الحرب الأهلية هناك في عام 2012، وكان وزير الخارجية الألمانية زيغمار غابرييل، قد تعهد بعشرة ملايين يورو إضافية للمساعدات المقدمة لسوريا في ظل الوضع المأساوي في الغوطة الشرقية.
صورة من: Ärzte ohne Grenzen
مساعدات إنسانية في الداخل والخارج
لا تنحصر المساعدات الإنسانية الألمانية على المحتاجين اليها في سوريا فحسب، بل تشملهم في ألمانيا أيضا، حيث تتظافر جهود الدولة والمجتمع المدني لمد اللاجئين بالمعونة الضرورية، خاصة في الأيام الأولى من التحاقهم. وتعتبر موائد "تافل" من بين الجهات التي يتوجه إليها اللاجئون بهدف الحصول على الطعام.
صورة من: DW/B. Knight
حضور ألماني أنساني حتى في مخيمات اللجوء عبر العالم
تقديم ألمانيا لمساعداتها الإنسانية لصالح اللاجئين لا يقتصر على سوريا أو ألمانيا، وإنما يتجاوزه وصولاً الى مخيمات اللاجئين في الأردن ولبنان، مثلا. وقد مولت الحكومة الألمانية مشاريع مهمة في المخيمات، كمشروع الكهرباء الذي استفاد منه مخيم الزعتري والذي بلغت طاقته 12.9 ميغاوات. وبالإضافة إلى توفير الكهرباء، فقد أتاحت المحطة بيئة أكثر أماناً للأطفال والبالغين في هذا المخيم.
صورة من: picture-alliance/dpa/B.v. Jutrczenka
إنقاذ من الجوع والعطش
عانى الدمشقيون من ندرة المياه وانقطاعها المتواصل بسبب الحرب واستمرار المعارك، خاصة في منطقة وادي بردى، قرب دمشق. وكانت الحكومة الألمانية أول من بادر لحل هذا المشكل، إذ قالت وزارة الخارجية الألمانية، في يناير/ كانون الثاني 2017، إن دبلوماسيين ألمانا ساعدوا في التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار بين الحكومة السورية وقوات المعارضة في وادي بردى، بهدف إعادة إمدادات المياه إلى دمشق.
صورة من: picture-alliance/dpa/Y. Badawi
محاربة داعش
شارك الجيش الألماني في الحملة العسكرية الدولية ضد تنظيم داعش في سوريا. وقد شارك في العملية ما يناهز 1200 جندي ألماني. المهمة العسكرية الألمانية في سوريا، شملت عناصر المشاة، إضافة إلى طائرات استطلاع من نوع "تورنادو" وطائرة للتزود بالوقود وسفينة حربية لدعم حاملة الطائرات الفرنسية "شارل ديغول" في البحر المتوسط، فضلا عن عمليات استطلاعية عبرالأقمار الصناعية.
صورة من: Getty Images/Hulton Archive/USAF
اتفاق مع تركيا ساهم في إنقاذ أرواح آلاف من طالبي اللجوء
في بدايات عام 2016، وقع الاتحاد الأوربي وأنقرة اتفاقية للحد من تدفق اللاجئين من السواحل التركية إلى أراضي الاتحاد. هذا الاتفاق الذي تعرض لانتقادات، وتبعه توتر كبير بين الطرفين التركي والأوروبي، كانت ألمانيا من بين مناصريه. فقد اعتبرته اتفاقا ناجحا ما دام قد حقق هدفه، و"ساهم في مكافحة أعمال التهريب المميتة للاجئين عبر بحر إيجة بشكل فعال"، حسب تصريح المتحدث باسم الحكومة الألمانية.
صورة من: Reuters/Yves Herman
محاربة الأسلحة الكيماوية
لعبت ألمانيا دورا بارزا في محاربة الأسلحة الكيماوية في سوريا، وكانت المستشارة الألمانية انغيلا ميركل، قد أعلنت دعمها للضربة العسكرية التي شنتها الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا على أهداف منتخبة في سوريا يوم 14 أبريل/ نيسان2018، كما رأتها "ضرورية وملائمة للحفاظ على فعالية الحظر الدولي لاستخدام الأسلحة الكيماوية ولتحذير النظام السوري من ارتكاب انتهاكات أخرى".
صورة من: picture alliance/AP Photo/H. Ammar
ألمانيا وسيط محايد محتمل و"رسول سلام"
تساءل البعض عن سبب عدم مشاركة ألمانيا في الضربة العسكرية على النظام السوري، فيما أعتبر آخرون إمكانية لعب ألمانيا دور الوسيط المحايد للبحث عن حل للنزاع. وتشير معطيات إلى إمكانية تأثير ألمانيا في إيجاد حل للأزمة السورية، خاصة بعد تصريح وزير الخارجية الألمانية هايكو ماس، الذي أكد أن الصراع السوري بحاجة إلى حل يتم التوصل إليه عبر التفاوض وتشارك فيه كل القوى في المنطقة. مريم مرغيش.