وجهة نظر: لا بديل عن إسلام أوروبي حقيقي
١٣ يناير ٢٠١٥ من المفهوم أن تُطرح اعتداءات باريس الأخيرة الكثير من علامات الاستفهام، من قبيل: هل الإسلام في جوهره دين يزدري البشر ويمجد العنف؟ هل يُستقى من النصوص الرئيسية لهذا الدين العالمي صيغة تشرع أعمال العنف التي يقوم بها الجهاديون؟ ولكن السؤال الأهم هو: هل فشل اندماج المسلمين في ألمانيا؟
بالتأكيد، لهذه الأسئلة ما يبررها، لكنها لا تلامس الجوهر الحقيقي للمشكلة والمتمثل في التساؤل حول مدى توافق الدين الإسلامي مع منجزات الحداثة وقيم المجتمعات الديمقراطية الليبرالية.
وبات من المعروف عموماً أنه لا يوجد "إسلام" كوحدة ثابتة غير قابلة للتغيير. والمسلمون أنفسهم أيضاً لا يشكلون في أي مكان في العالم كتلة متجانسة. إذ يختلف فهم الإسلام ممارسته من بلد إلى آخر، فعلى سبيل المثال هناك فرق شاسع بين السعودية ذات المذهب الوهابي المتشدد وبين الإسلام الشيعي الرسمي السائد في إيران اليوم. وفي الكثير من الدول الإسلامية الناجحة على المستوى الاقتصادي مثل ماليزيا وتركيا، بات ينتشر إسلام وسطي يجمع بين البرغماتية والمحافظة.
وانطلاقاً من هذه الخصوصية التي يتميز بها الإسلام يتضح أن المسلمين يقررون في نهاية المطاف بأنفسهم ما يعتبرونه "إسلاماً" بغض النظر عن المكان والزمان الذي يعيشون فيه. فالإسلام السني لا يوجد فيه تسلسل هرمي ولا سلطة دينية أعلى كما هو الشأن بالنسبة للكنيسة الكاثوليكية. وهذا ما يقودنا حتماً إلى السؤال الجوهري الذي يجب علينا طرحه بعد اعتداء باريس: ما هو الإسلام الذي نريده فعلاً في أوروبا؟
نجاحات في إدماج الإسلام
وبسبب النقاشات المتسمة بالعاطفية والمثيرة للجدل فإننا نواجه خطر فقدان الاهتمام بالنجاحات الملموسة التي تم تحقيقها في السنوات الأخيرة، فإطلاق مبادرة مؤتمر الإسلام (2005) وما ترتب على ذلك من عملية إدماج الإسلام في نظام ديمقراطي حر أحدث تغييراً جذرياً في فهم الدولة الألمانية.
على الرغم من جميع الصعاب والخلافات فقد ساهمت عملية الحوار المفتوح بين الدولة ومواطنيها المسلمين في تغيير نظرة كل طرف للآخر وتقديم رؤية جديدة للإسلام في هذا البلد. وحتى ولو كان الشعبويون يسيئون مراراً للإسلام ويستخدمونه كوسيلة للتخويف فإنه لا يمكن إنكار النجاحات التي حققتها سياسة الاندماج الفعالة.
وفي الوقت الراهن نجحنا على مستوى الولايات في قطع أشواط مهمة من خلال تدريس مادة الدين الإسلامي في المدارس الحكومية. كما أن تخصيص أساتذة لتدريس الفقه الإسلامي في الجامعات الألمانية هي خطوة واعدة ستساهم بكل تأكيد في تطوير إسلام يتوافق مع الديمقراطية والقيم الأوروبية ويحل محل القراءات المستورة لهذا الدين.
ولأن الإسلام كان دائماً يكتسي طبيعة الزمن الذي هو فيه ولأن الفقه الإسلامي هو نتاج السلطة السياسة، فإنه يجب على الدولة والمجتمع بذل كل ما يمكن بذله لتسريع إعطاء الإسلام طابعاً أوروبياً. والهجمات الإرهابية في فرنسا تظهر أنه لا يوجد أي بديل عن ذلك.