لفترة طويلة من الزمن حظي الجيش في العالم العربي بسمعة جيدة. بيد أن الجماهير المنتفضة تتطلع إلى مستقبل آخر، كما اعتبر راينر هيرمان من صحيفة فرانكفورتر ألغماينه تسايتونغ.
إعلان
في العالم العربي تدور عجلة التاريخ إلى الوراء، فالعسكريون يفرضون وجودهم في كل من مصر ومرورا بالجزائر وانتهاء بالسودان. ويقومون بفرض سطوتهم ضد الاحتجاجات الجماهيرية حتى هذه اللحظة. و يخاطرون منذ مدة بوضع سمعتهم على المحك.
لقد دافع الجيش عن استقلال البلاد ودفعوا عنه المخاطر، لذلك كانوا يتمتعون بالثقة، عدا أنهم وجدوا في دول حديثة العهد، ويمكن للناس البسيطة تحقيق تألق اجتماعي فيها من خلال مؤسساتها الفتية.
فاسد ومتعطش للسلطة
لكن كل هذا يبقى ماضيا له بريقه. فالعسكريون جاؤوا بوعد إقامة دولة قوية لتقليص التأخر في التنمية مع الغرب. لكنهم باتوا في العقود الأخيرة متعطشين للسلطة وعفا عنهم الدهر وفاسدين. والجهاز الأمني لم يعد صالحا لحماية البلاد من أعداء خارجيين، بل للسيطرة على المواطنين. والفجوة بين الجيش كرمز للدولة القوية والمجتمع المحروم من التعبير عن رأيه تعمقت وتوسعت. وعلى أساس التفكير في لعبة حسابية بسيطة ـ إذا أعطيت الآخر شيئا، فسيبقى لي القليل ـ لم تعد الدول التي يسيطر عليها العسكر تقدم فرص التألق والمنافسة السليمة.
فالضغط المتولد داخل القدر ازداد إلى أن انفجر للمرة الأولى بداية 2011. وأينما كان الجيش وجهاز الأمن والدولة العميقة ضعفاء، أمكن في دول مثل تونس والمغرب ـ ظهور تعددية اجتماعية جديدة. وأينما يفقد الجيش في المقابل من سلطته ونفوذه كما في مصر، فيظهر استعداده لكل شيء للدفاع عن هرم السلطة وخنق الحريات الاجتماعية.
الجزائر والسودان يستطيعان بعد مضي ثماني سنوات على بدء ذروة الاحتجاجات الجماهيرية العربية أن تستفيدان من تجارب البلدان الأخرى لتجنب ارتكاب أخطاء. والمتظاهرون في الجزائر والسودان يقبلون في الحقيقة الاستفادة من العسكريين في فترة انتقالية لضمان النظام. لكنهم يشددون على أن يكون في اللجان الانتقالية عسكريين بجانب التمثيل المدني.
الساعة المتوقفة في مصر
الأمر الحاسم سيكون مدى الوعي بالمسؤولية الذي سيبرهن عليه العسكريون. فمن خلال مثال مصر نرى كيف يمكن بالقمع بسط الهدوء في بلاد. لكن زمن الديكتاتوريات العسكرية الحديدية قد ولى. وبإمكانها ـ مثل في مصر ـ وقف الساعة. لكن المستقبل ليس في حوزتهم.
راينر هيرمان
السودان ..مد وجزر بين مدنية السلطة وحكم العسكر
استولى عمر البشير على الحكم عبر انقلاب عسكري، ليطيح بحكومته ما يبدو انقلابا عسكريا آخر، في معترك احتجاجات واسعة في البلاد التي لم تكن الانقلابات العسكرية غريبة عنها. لمحة عن الحكومات العسكرية والمدنية التي عاشها السودان.
صورة من: Getty Images/AFP
مد وجزر
الفترات الزمنية التي حكم فيها العسكر السودان فاقت بكثير الفترات التي استلمت فيها حكومات مدنية السلطة في البلاد. فقد بدأت سلسلة الانقلابات العسكرية في السودان ضد أول حكومة ديمقراطية انتخبت في عام 1957.
صورة من: Reuters
حكومة عسكرية
بعد استقلال السودان في عام 1956، لم تهنأ البلاد بحكم مدني لأكثر من عامين، حيث نجح أول انقلاب عسكري في عام 1958 بقيادة ابراهيم عبود ضد حكومة ائتلاف ديمقراطية بين حزب الأمة والاتحادي الديمقراطي التي كان يرأسها مجلس السيادة المكون من الزعيم إسماعيل الأزهري وعبد الله خليل.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/S.Bol
حكومة مدنية
في عام 1964 أطاحت أكبر ثورة شعبية شهدتها البلاد بحكومة عبود، وعاد المدنيون إلى الحكم بانتخابات جرت عام 1965 بإشراف حكومة انتقالية. غير أن الحكومة الجديدة اتسمت بعدم الاستقرار. في الصورة مبنى القصر الرئاسي بالخرطوم.
صورة من: EBRAHIM HAMID/AFP/Getty Images
انقلاب جعفر محمد نميري
وفي ظل اضطرابات سياسية نفذ العقيد جعفر محمد نميري انقلابا عسكريا في عام 1969 بالتعاون مع عدد من الضباط من اليسار السوداني من الحزب الشيوعي على وجه الخصوص. استمر حكم النميري لمدة 16 عاماً تخللتها عدة محاولات انقلابية فاشلة أُعدم نتيجتها 3 ضباط من الحزب الشيوعي الذين سعوا إلى الاستيلاء على السلطة.
صورة من: Getty Images/AFP/A. Shazly
عبد الرحمن سوار الذهب والاستثناء!
أطاحت انتفاضة شعبية كبيرة عرفت بـ"انتفاضة إبريل" بنظام النميري، اذ أعلن حينها المشير عبد الرحمن سوار الذهب أعلى قادة الجيش، تنحية النميري واستلام الجيش للسلطة في 6 نيسان 1985 وقاد البلاد لعام واحد رئيساً للحكومة الانتقالية، ليسلم السلطة بعد ذلك لحكومة منتخبة ترأسها زعيم حزب الأمة الصادق المهدي عام 1986. وسوار الذهب هو الرئيس العسكري الوحيد في تاريخ السودان الذي يفي بوعده بتسليم السلطة للمدنيين.
صورة من: Getty Images/AFP/K. Desouki
انقلاب عمر البشير
ومجدداً في عام 1989 جاء انقلاب الرئيس عمر البشير بمساعدة الإسلاميين في السودان بزعامة الدكتور حسن عبدالله الترابي وحزبه "الجبهة الإسلامية القومية". استمر حكم البشير لمدة 30 عاماً شهدت البلاد خلالها تقسيم البلد إلى دولتين في الشمال والجنوب، وصراعات دموية من ضمنها حرب دارفور الأهلية التي صدر بحقه نتيجتها مذكرة اعتقال دولية من المحكمة الجنائية.
صورة من: Reuters/Z. Bensemra
الحراك السوداني
وفي أواخر عام 2018 شهدت السودان احتجاجات شعبية على الغلاء وسوء الخدمات تحولت فيما بعد للمطالبة بإسقاط البشير الذي انتهت فترة حكمه في صباح اليوم الخميس (11 نيسان/أبريل 2019)، إذ أعلن الجيش الإطاحة به وتشكيل مجلس انتقالي لإدارة البلاد. الكاتبة: ريم ضوا
صورة من: Reuters
العسكر أم المدنيون؟
فور إعلان عزل الرئيس البشير، سُلطت الأضواء على دور الجيش..الجيش الذي انضم للحراك الشعبي ورفض قمع المتظاهرين، لكن إعلانه الإطاحة بالبشير يؤشر على ما يبدو إنقلابا عسكريا..فإلى أي أين تسير دفة الحكم في أكبر بلد أفريقي ..للعسكر أم المدنيين؟