النزاع بين الجيش والمتظاهرين في السودان يشهد تصعيداً خطيراً، إذ تم الإعلان في الخرطوم عن سقوط قتلى وجرحى. والآن بالتحديد يستحق المتظاهرون مساندة أوروبا، كما يرى الصحفي في مؤسسة DW الإعلامية راينر زوليش في تعليقه التالي:
إعلان
طوال شهور مضت الاحتجاجات في السودان في الغالب سلمية. والآن تشهد تصعيداً في شكل يمكن بموجبه التخوف مما هو أسوء: ما تسمى "بقوى الأمن" هاجمت بعنف متظاهرين ما أدى إلى وقوع قتلى وجرحى. وحركة الاحتجاجات علقت إلى أجل غير مسمى اتصالاتها مع قيادة الجيش الذي تتخاصم معه منذ أسابيع حول توزيع السلطة في البلاد. الجيش يريد ضمن حكومة انتقالية مستقبلية ـ وكذلك على ما يبدو ما يتجاوز هذا الموعد ـ الاحتفاظ بسلطة القرار النهائية. وعلى الجانب الآخر تصر المعارضة وحركة الاحتجاج على تنصيب حكومة انتقالية مدنية بالإضافة إلى خلق آفاق تطور ديمقراطي حقيقي، لا ديمقراطية قمعية مزيفة بقيادة الجيش.
والضروري الآن التزام الجانبيين بأقصى درجات ضبط النفس. يجب تفادي كل تصعيد إضافي، لأنه لا أحد له مصلحة في أن ينفلت الوضع بعد الإطاحة السلمية بالدكتاتور عمر البشير في نيسان/أبريل الماضي وتنزلق دولة أخرى في المنطقة في فوضى. والسودان، لاسيما منذ انفصال الجنوب الغني بالنفط في 2011 ولكن أيضاً بسبب سوء الإدارة الاقتصادية والفساد، ينتمي إلى العشرين بلد الأفقر في العالم. وأسعار الخبز المرتفعة كانت بالتالي نهاية العام الماضي الفتيل الذي أشعل حركة الاحتجاج التي تقف وراءها بقوة الطبقة الوسطى وراهنت منذ البداية بشكل ملفت على أشكال احتجاج مدنية.
حفارو قبر "الربيع العربي"
لكن لا الجيش ولا حركة الاحتجاج يشكلان في السودان كتلتين موحدتين. فالمصالح المختلفة موجودة على كلا الطرفين ويمكن لها في النهاية تعقيد الوضع وتعريضه للانفلات. وكل استفزاز ينطوي على خطر التصعيد، ولذلك يستحق جميع المتظاهرين في السودان الذين يصرون في هذا الوضع على الاحتجاج السلمي الدعم غير المحدود كذلك من أوروبا.
لكن يوجد في المنطقة قوى ليس لها أي مصلحة ببدء عملية ديمقراطية ناجحة في جوارها، في مقدمتها أنظمة السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر. البلدان الثلاثة تنتمي بلا منازع لحفاري قبور ما يُسمى "الربيع العربي"، والأنظمة الثلاثة تدعم في السودان الجيش الذي يشارك جنوده في حرب اليمن، والأنظمة الثلاثة ليس لها اهتمام بانطلاق عملية ديمقراطية ناجحة في السودان، لأن ذلك قد يشجع قوى المعارضة في تلك البلدان. ففي مصر مثلا قُتل في 2013 فيما يُسمى "مجزرة رابعة" مئات الأشخاص لطرد الإخوان المسلمين من السلطة ومنع حصول تجارب ديمقراطية أخرى في المنطقة. والنظام الذي يبسط هيمنته اليوم هناك هو أعنف من أي نظام حكم في مصر. ويجب الحيلولة دون حصول تطور مشابه له في السودان.
راينر زوليش
السودان ..مد وجزر بين مدنية السلطة وحكم العسكر
استولى عمر البشير على الحكم عبر انقلاب عسكري، ليطيح بحكومته ما يبدو انقلابا عسكريا آخر، في معترك احتجاجات واسعة في البلاد التي لم تكن الانقلابات العسكرية غريبة عنها. لمحة عن الحكومات العسكرية والمدنية التي عاشها السودان.
صورة من: Getty Images/AFP
مد وجزر
الفترات الزمنية التي حكم فيها العسكر السودان فاقت بكثير الفترات التي استلمت فيها حكومات مدنية السلطة في البلاد. فقد بدأت سلسلة الانقلابات العسكرية في السودان ضد أول حكومة ديمقراطية انتخبت في عام 1957.
صورة من: Reuters
حكومة عسكرية
بعد استقلال السودان في عام 1956، لم تهنأ البلاد بحكم مدني لأكثر من عامين، حيث نجح أول انقلاب عسكري في عام 1958 بقيادة ابراهيم عبود ضد حكومة ائتلاف ديمقراطية بين حزب الأمة والاتحادي الديمقراطي التي كان يرأسها مجلس السيادة المكون من الزعيم إسماعيل الأزهري وعبد الله خليل.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/S.Bol
حكومة مدنية
في عام 1964 أطاحت أكبر ثورة شعبية شهدتها البلاد بحكومة عبود، وعاد المدنيون إلى الحكم بانتخابات جرت عام 1965 بإشراف حكومة انتقالية. غير أن الحكومة الجديدة اتسمت بعدم الاستقرار. في الصورة مبنى القصر الرئاسي بالخرطوم.
صورة من: EBRAHIM HAMID/AFP/Getty Images
انقلاب جعفر محمد نميري
وفي ظل اضطرابات سياسية نفذ العقيد جعفر محمد نميري انقلابا عسكريا في عام 1969 بالتعاون مع عدد من الضباط من اليسار السوداني من الحزب الشيوعي على وجه الخصوص. استمر حكم النميري لمدة 16 عاماً تخللتها عدة محاولات انقلابية فاشلة أُعدم نتيجتها 3 ضباط من الحزب الشيوعي الذين سعوا إلى الاستيلاء على السلطة.
صورة من: Getty Images/AFP/A. Shazly
عبد الرحمن سوار الذهب والاستثناء!
أطاحت انتفاضة شعبية كبيرة عرفت بـ"انتفاضة إبريل" بنظام النميري، اذ أعلن حينها المشير عبد الرحمن سوار الذهب أعلى قادة الجيش، تنحية النميري واستلام الجيش للسلطة في 6 نيسان 1985 وقاد البلاد لعام واحد رئيساً للحكومة الانتقالية، ليسلم السلطة بعد ذلك لحكومة منتخبة ترأسها زعيم حزب الأمة الصادق المهدي عام 1986. وسوار الذهب هو الرئيس العسكري الوحيد في تاريخ السودان الذي يفي بوعده بتسليم السلطة للمدنيين.
صورة من: Getty Images/AFP/K. Desouki
انقلاب عمر البشير
ومجدداً في عام 1989 جاء انقلاب الرئيس عمر البشير بمساعدة الإسلاميين في السودان بزعامة الدكتور حسن عبدالله الترابي وحزبه "الجبهة الإسلامية القومية". استمر حكم البشير لمدة 30 عاماً شهدت البلاد خلالها تقسيم البلد إلى دولتين في الشمال والجنوب، وصراعات دموية من ضمنها حرب دارفور الأهلية التي صدر بحقه نتيجتها مذكرة اعتقال دولية من المحكمة الجنائية.
صورة من: Reuters/Z. Bensemra
الحراك السوداني
وفي أواخر عام 2018 شهدت السودان احتجاجات شعبية على الغلاء وسوء الخدمات تحولت فيما بعد للمطالبة بإسقاط البشير الذي انتهت فترة حكمه في صباح اليوم الخميس (11 نيسان/أبريل 2019)، إذ أعلن الجيش الإطاحة به وتشكيل مجلس انتقالي لإدارة البلاد. الكاتبة: ريم ضوا
صورة من: Reuters
العسكر أم المدنيون؟
فور إعلان عزل الرئيس البشير، سُلطت الأضواء على دور الجيش..الجيش الذي انضم للحراك الشعبي ورفض قمع المتظاهرين، لكن إعلانه الإطاحة بالبشير يؤشر على ما يبدو إنقلابا عسكريا..فإلى أي أين تسير دفة الحكم في أكبر بلد أفريقي ..للعسكر أم المدنيين؟