قد يكون جرى تضخيم والمبالغة بالإثارة التي سبقت لقاء الرئيسين الأميركي والروسي على هامش قمة العشرين في هامبورغ. ولكن هل ارتقت القمة وما تمخض عنها إلى مستوى التوقعات؟ الصحافي روب مودغه يرى أن ذلك تحقق جزئياً فقط.
إعلان
مباريات القمة الرياضية هي حدث اجتماعي كبير؛ إذ أن أنظار ملايين المشاهدين تتجه لنزال يجمع أبطال العالم بالملاكمة كفلاديمير كليتشكو وتايسون فيوري. غير أن الإثارة السابقة والمرافقة للقاءات الرياضية في حلبة الملاكمة تبقى أقل من نظيرتها عندما يلتقي عملاقان دوليان: فلاديمير بوتين ودونالد ترامب.
تقفز أسئلة إلى الأذهان: هل سيشحب لون وجه بوتين عندما يضغط ترامب على يده مصافحاً؟ هل سيستطيع ترامب تحمل نظرة بوتين الجليدية؟ ومَن مِن الرجلين سيركع أولاً؟
تقدم في سوريا؟
كل أولئك الذين علقوا آمالاً على الإثارة أصابتهم الخيبة؛ إذ أن اللقاء سار كما كان مخططاً له. أظهرت المصافحة الهادئة باليدين الرئيسين بشكل طبيعي. وفي لحظة معينة نظر بوتين وترامب إلى بعضهم البعض بشكل ودي. وحتى أن ابتسامة ارتسمت على وجه بوتين، بعكس ملامح وجه بوتين الجليدية عندما التقى بسلف ترامب، باراك أوباما، خلال قمة العشرين الماضية. وحتى أن ترامب صرح بأن لقاء بوتين "شرف" له.
قد يختلف بوتين وترامب في عدة نواحي. غير أنهما تغلبا على خصومتهما وذلك من خلال رمزية توقيت عقد لقائهما؛ ألا وهو ساعة انطلاق المحادثات الخاصة بقضية المناخ. قضية المناخ وحماية البيئة قضية محورية في قمة العشرين وتحظى باهتمام خاص من المستشارة أنغيلا ميركل. صحيح أن ترامب شارك في النصف الأول من تلك المحادثات، غير أنه ومن المؤكد أن قضايا البيئة ليست بالضرورة من أولوياته.
لم يحقق اللقاء التكهنات المثيرة. استمر اللقاء أكثر من ساعتين بعكس المدة المخططة له، والتي كانت 35 دقيقة. وقد عثر بعض من كان يبحث عن نتائج ليستخلصها بعيدا عن لغة الجسد أو بعض التعابير الخارجية على ضالته؛ إذ أن الرئيسان اتفقا مع بعضهما البعض ومع اللاعبين الإقليمين على وقف لإطلاق النار في جنوب غرب سوريا، من المتوقع بدء سريانه يوم غد الأحد. قد يعترض بعض المتذمرين بأن ذلك ليس أكثر من قطرة ماء صغيرة على حجر ساخن وأنها لن تغير في الوضع شيئاً. غير أنه وبالنسبة لسوريا فإن هذا الخطوة الصغيرة ذات أهمية كبيرة.
معركة بلا شفقةسبقت القمة
يبدو اللقاء في ظاهره متواضعاً؛ إذ وبالنظر للتصريحات التي سبقته يمكن اعتبار أنه أحدث اختراقاً. عشية القمة وخلال زيارته لبولندا انتقد ترامب بوتين بشدة. فقد طالبه وعلى الملأ بالإقلاع عن "ممارسة نفوذ مزعزع للاستقرار في أوكرانيا" ووقف الدعم الروسي "للأنظمة المعادية" كالنظامين السوري والإيراني.
وبالمقابل سمح بوتين لنفسه بتوجيه انتقاد غير مباشر لسياسة ترامب في مجال التجارة الحرة وحرية الاستثمار، قائلاً أن سياسة ترامب تلك ليست إلا "حمائية مقنعة".
في بداية فترته الرئاسية تباهى ترامب بعلاقته ببوتين. ولكن ومن جانبه أبدى بوتين، وكعادته، تحفظاً. ربما كان يأمل بوتين بأن تتحسن العلاقات الروسية-الأميركية بعد انتهاء فترة باراك أوباما، إلا أنه لم يعطِ الفرصة لأحد لكشف أمله ذلك.
فرصة لعلاقات بناءة
إن الشوشرة، التي أحدثتها الاتهامات لروسيا بالتدخل لصالح ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية، سببت للرجلين الكثير من المواقف المحرجة. وفي اللقاء نفى بوتين ممارسة أي تدخل، وفي نفس الوقت حث ترامب روسيا على التأكيد أنها لن تتدخل في الشؤون الأميركية. وبذلك انتهت القضية بالنسبة للرجلين.
وبعد ذلك ركز الرئيسان محادثتهما على حل النزاع السوري، على الرغم من اختلاف الرؤى حول مصير الأسد السياسي يمكن أن تنسف جهودهما لحل النزاع. كما تباينت مواقف الرئيسين بخصوص الأزمة الأوكرانية والحرب على الإرهاب.
قد تكون الإثارة التي سبقت اللقاء قد تم تضخميها بشكل غير واقعي. بيّد أن التقارب بين بوتين وترامب، حتى وإن كان سطحياً، قد يؤدي لإعطاء دفعة لعلاقات بناءة بين روسيا والولايات المتحدة.
روب مودغي/خ.س
قمة العشرين: وللمناوئين كلمتهم
كل مرة يجتمع فيها قادة العالم في قمة ما، تبدأ الاحتجاجات المناوئة للقمة على اختلاف تسمياتها، وتصبح المناسبة فرصة لمناوئي العولمة للتنفيس عن غضبهم. في صور استعراض لأهم التظاهرات المناوئة للقمم.
صورة من: Reuters/P. Kopczynsk
هامبورغ 2017، يبدو المشهد كأن المدينة في حالة حرب، بعد تصاعد ألسنة اللهب والدخان من أزقة هامبورغ التاريخية، اثر حرق متظاهرين معارضين لقمة مجموعة العشرين لسيارات في المدينة. وأعلنت السلطات الألمانية أن 76 شرطيا على الأقل أصيبوا بجروح خلال مواجهات مع متظاهرين.
صورة من: Reuters/Social Media
وتصاعدت الاحتجاجات في هامبورغ بعد منع تظاهرة تحمل شعار "مرحبا بكم في الجحيم".وطلبت الشرطة الألمانية في هامبورغ تعزيزات من مناطق أخرى في البلاد في المواجهات مع متظاهرين. وهذه الاحتجاجات ضد قمة العشرين ليست الأولى، بل سبقتها عدة تظاهرات.
صورة من: Reuters/P. Kopczynsk
البداية كانت في "معركة سياتل" في سنة 1999، والتي تعد الانطلاقة غير الرسمية لموجة احتجاجات الحركات المناوئة للعولمة. وكانت التظاهرة موجهة آنذاك ضد مؤتمر وزراء التجارة والاقتصاد لمنظمة التجارة الدولية، ولم يتم عقد المؤتمر بسبب المواجهات التي حدثت بين آلاف المعارضين للعولمة والشرطة.
صورة من: Getty Images/K.Stallknecht
وفي الاحتجاجات في سياتل اجتمعت لأول مرة الحركات المطالبة بحقوق العمال ودعاة حماية البيئة. وهذا شيء جديد. وتظاهرت المجموعتان سوية ضد منظمة التجارة الدولية وضد الآثار السلبية للعولمة. وكانت هنالك الكثير من الاعتقالات – رغم ذلك بقي أعضاء نقابات العمال الأمريكيين وممثلو حماية البيئة "الذين أطلقوا على أنفسهم تسمية السلاحف"، سوية.
صورة من: Getty Images/AFP/J. G. Mabanglo
في شهر حزيران/يونيو 1999، كانت في لندن إحدى أولى التظاهرات المنظمة من قبل المعارضين للعولمة. وحملت المظاهرة اسم "كرنفال ضد العولمة". وعقدت في الوقت نفسه قمة مجموعة الثماني في مدينة كولونيا الألمانية. وانتشرت أخبار التظاهرة في مختلف أنحاء العالم ونظمت حفلات مساندة لها في لندن وفي مدينة أوريغون الأمريكية.
صورة من: picture-alliance/dpa
في جنوا الإيطالية عام 2001 تظاهر آلاف الناس تحت شعار "عالم آخر ممكن" أثناء انعقاد مؤتمر مجموعة الثماني، ضد هدر الموارد وسوء التغذية والفجوة بين الأغنياء والفقراء. ولم تكن التظاهرات للأسف كلها سلمية. وأسست الاحتجاجات بداية لعصر احتجاج جديد – يتخلله الغاز المسيل للدموع وسيارات محترقة وقذائف المولوتوف.
صورة من: Getty Images/AFP/G. Julien
وحاول 20 ألف شرطي إيطالي في جنوا ضبط المتظاهرين، دون جدوى. والنتيجة المحزنة: عدد لا يحصى من الجرحى ومقتل شخص واحد وهو الإيطالي كارلو جولياني. ومنذ ذلك الحين بدأ تطبيق مبدأ جديد، وهو الحرص على اختيار مكان معزول ويمكن تأمينه بصورة جيدة لعقد قمة الثماني وقمة العشرين.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Murat
في عام 2015 عقدت قمة الدول السبع في قصر إلماو في ولاية بافاريا الألمانية. وقبل وأثناء عقد القمة كانت هنالك إجراءات أمنية مشددة. وأغلقت الشرطة حتى فتحات مجاري المياه وصناديق البريد. وتم عزل منطقة انعقاد القمة تماما. أما الاحتجاجات العنيفة التي يخشى منها، فلم تحدث أصلا. وكان هنالك بعض الاعتراضات على مكان عقد الاجتماع، الذي حدث في منطقة فاخرة ومكلفة.
صورة من: imago
وفي قمة إلماو تناول قادة الدول السبع بصورة مفاجأة عدة مواضيع تخص البيئة وحماية المناخ، مثل موضوع حماية البحار. وتوصل الزعماء إلى "مكافحة رمي النفايات في البحار، بصورة أكثر فعالية وتركيزا "، وأتفق القادة على خطة عمل. ومع ذلك، افتقرت القرارات النهائية لمطالب الجماعات المدافعة على البيئة، التي دعت إلى التزام أكثر صرامة لتجنب النفايات.
صورة من: Getty Images/AFP/C. Stache
أما عقد قمة العشرين 2017، داخل مدينة كبيرة، وهي هامبورغ، فكان قرارا شجاعا. واحتشد 20 ألف شرطي لحفظ أمن القمة. واختيرت المدينة لعقد القمة كي تذكر دائما باعتبارها "بوابة العالم". أما النشطاء فنصبوا خيامهم في المدينة تحت شعار "يمكننا التخييم"، دون ان يسألوا أن كان يحق لهم ذلك أم لا.
صورة من: picture-alliance/Zumapress/J. Widener
وعقدت قمة "التضامن العالمي" في هامبورغ قبيل عقد قمة العشرين. وقال منظموها إن "قمة العشرين تدافع عن نظام يدعو إلى عدم المساواة الاجتماعية بأعلى مستوياتها". ودعا مناهضو العولمة ودعاة حماية البيئة إلى بديل عن سياسة قمة العشرين، لأنها لا تحل، حسب وجهة نظرهم، المشاكل الرئيسية في العالم مثل التغير المناخي والحروب والجوع.
صورة من: picture-alliance/dpa/C. Sabrowsky
ارتفعت وتيرة الاحتجاجات بالفعل في هامبورغ المعارضة لقمة العشرين. فيما تعرض قارب مطاطي لنشطاء "السلام الأخضر" لسفينة شحن الفحم الصينية "غولدن أبورتيونيتي"، قبل إنزال شحنتها في ميناء هامبورغ. ورفع النشطاء لافتات تطالب بوقف الاعتماد على الفحم، وكتبوا عبارة "أنهوا الفحم" على جانب السفينة، ومن ثم تدخلت الشرطة النهرية وصادرت القارب المطاطي. الكاتب: هانا فوكس/ زمن البدري.