وجهة نظر: ليبرمان والحسابات الجديدة في صراع الشرق الأوسط
١٥ نوفمبر ٢٠١٨
أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان استقالته احتجاجا على وقف إطلاق النار المبرم مع حركة حماس. فيما يعتبر كرستين كنيب أن التخلي عن العنف يخدم حسابات بعيدة المدى.
إعلان
القوة تعني في الوضع القائم لا للتفاوض. والقوة تعني أكثر مواصلة الصراع العسكري حتى يستوعب العدو أن لا فرصة له ويستسلم بالتالي. وهذا التصور للقوة حدد طوال سنوات استراتيجية وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان. والآن في النزاع الأخير في غزة لم يتمكن من فرض ذلك وقدم بالتالي استقالته. واتفاق السلام المبرم في الثلاثاء من هذا الأسبوع اعتبره " انهزاما أمام الإرهاب". وهو يعني بدون لبس حركة حماس.
ليبرمان محق عندما تكون إسرائيل رهينة بالقوة العسكرية. فبدونها لما باتت الدولة اليهودية موجودة. وفي الوقت الذي يتمركز فيها حزب الله اللبناني المسلح من طرف إيران مباشرة على الحدود مع إسرائيل، فإن البلاد لا يمكن لها التخلي عن القوة العسكرية. ويمكن لإسرائيل أن تنفذ هجوما فقط عندما يمكن لها على الأقل الإشارة بمصداقية إلى إيجاد توازن في الرعب. وحتى هذا كما في السابق موجود باستخدام أسلحة تقليدية رغم أن حزب الله يتسلح بقوة.
حسابات نتانياهو
والسؤال هو إلى أين سيؤدي توازن الرعب على المدى الطويل سياسيا؟ وهذا التفكير حمل رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو على ما يبدو إلى قبول وقف إطلاق النار بعد التصعيد الحاصل في قطاع غزة خلال الأيام الماضية. ومن منظور قصير يمكن القول بأنه يراعي الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية في السنة المقبلة. وإذا جنب البلاد حربا إضافية في غزة، فإن الناخبين حسب حساباته سيكافئونه هذا العمل. ومن ناحية السياسة الخارجية، فإن الهدوء في غزة يخدمه، لأنه يجنبه ضغوطا إضافية من شركائه. كما أن هذا الهدوء يساعد في آن واحد في الجهود الرامية إلى ربط علاقات أفضل مع الدول العربية، كما يحاول نتانياهو فعله حاليا بنجاح في منطقة الخليج.
وبالنسبة إلى الفلسطينيين في قطاع غزة سيعني هذا أنهم سيواصلون الترنح مغلوبين على أمرهم في ذراع إسرائيل الممتدة، لأنه باستراتيجية شن مواجهات مسلحة بقليل من استخدام الأسلحة لا تجنب فقط نتانياهو الانتقاد الغربي، بل هي تساهم أيضا في أن تكون حماس وأنصارها مجبرين على طرح بعض الأسئلة، مثل هل يعتقدون بجدية أنهم قادرون على دفن تفوق القوة المطلق لإسرائيل بإطلاق صواريخ وقنابل مصنوعة يدويا.
بالطبع الفلسطينيون يتألمون في قطاع غزة بسبب إغلاق المنطقة. وإسرائيل تتحرك بيد قاسية مثلا في أكتوبر عندما قررت الحكومة في القدس بعد مواجهات مسلحة على الحدود تقليص منطقة صيد السمك حول غزة.
الاعتدال بفضل الاهتمام العالمي
إلا أن كافة التجارب إلى حد الآن أظهرت أن هذه الهيمنة من خلال العنف لم تأت بأي تغير في توجه حماس. حماس تحكم قطاع غزة منذ 2007. ويمكن وصف هذه المدة الزمنية بأنها سنوات ضائعة: خاسرة من أجل إحلال إجراءات بناء الثقة التي بإمكانها تحسين حياة الفلسطينيين بوضوح. إلا أن حماس غير مستعدة لذلك. فالعمل الحكومي المسؤول له وجه آخر.
وقد يكون نتانياهو في قراره بقبول وقف إطلاق النار مع حماس قد اتبع حسابات دقيقة. لكنه يأخذ هذا القرار مع الوعي بأن جمهورا عالميا يراقب بإمعان سلوك الفاعلين في قطاع غزة ولا يتردد في اتخاذ موقف. وأن تفضل نظرة الجمهور العالمي التحفظ العسكري، هذا ما فهمه نتانياهو بشكل أفضل من وزير الدفاع ليبرمان ـ وأحسن أيضا من النخبة القيادية لحماس. ويكشف قرار نتانياهو أن نظرة الرأي العام العالمي على ما يبدو تؤثر في تخفيف النزاع. وهذا قد يجعل من الممكن أن يحل محل العراك العسكري على المدى الطويل المنافسة للذكاء السياسي والدبلوماسي.
نزاع الشرق الأوسط سبق أن خيب العديد من الآمال. لكن بدون عجب تنشأ آمال جديدة باستمرار. وأن يجلب الانتباه العالمي الاعتدال العسكري، فإن هذا سيكون من بين آخر هذه الآمال.
كرستين كنيب
اليوبيل الفضي لأوسلو.. صنّاع السلام و"معارضوه"
في الحديقة الجنوبية للبيت الأبيض، وقف عدوا الأمس وجهاً لوجه، مد ياسر عرفات يده إلى إسحاق رابين ولكن الأخير تردد للحظة قبل أن يمد يده في مصافحة تاريخية. جولة مصورة للإضاءة على أبرز وجوه عملية السلام و"خصومها".
صورة من: picture-alliance/ZumaPress
ياسر عرفات
بالرغم من تبنيه وقيادته للخيار المسلح، أطلق ياسر عرفات (1929-2004) ومنذ بداية السبعينات عدة إشارات وركز في خطاباته على رغبته في السلام، أشهره خطابه في الأمم المتحدة عام 1974. كان الهدف من أولى اتفاقيات أوسلو التوصل إلى اتفاق سلام دائم خلال خمسة أعوام يفضي إلى إقامة دولتين تعيشان جنباً إلى جنب. وتقديراً لجهوده في إحلال السلام نال عرفات (أبو عمار) مع إسحاق رابين وشمعون بيريز جائزة نوبل للسلام.
صورة من: AFP/Getty Images/J. David Ake
إسحاق رابين
بدأ إسحاق رابين (1922-1995) حياته في المجال العسكري قبل أن يتجه إلى العمل السياسي متقلداً عدة مناصب سياسية رفيعة أبرزها رئاسة الوزراء. قبل توقيع اتفاقية أوسلو اعترف رابين بمنظمة التحرير باعتبارها "الممثل" للشعب الفلسطيني. وفي أحدى أمسيات تشرين الثاني/نوفمبر من عام 1995 لقي رابين مصرعه على يد متشدد يميني معاد للسلام في ختام فعالية تحت شعار "نعم للسلام، لا للعنف" (صورة لرابين قبل دقائق من الاغتيال).
صورة من: picture-alliance/AP Photo/N. Harnik
محمود عباس
لعب محمود عباس (أبو مازن)، المولود في عام 1935، دوراً بارزاً في إتفاقية أوسلو عام 1993. وبصفته أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية وقع الاتفاق المذكور. بعد ذلك لعب دوراً محورياً في التفاهمات والبروتوكولات التالية كاتفاق غزة وأريحا وبرتوكول باريس الاقتصادي. وبعد رحيل عرفات ترأس عباس السلطة الوطنية الفلسطينية ومنظمة التحرير. (عباس في أقصى اليمين)
صورة من: picture-alliance/Zumapress/M. Reinstein
شمعون بيريز
منذ تأسيس إسرائيل وحتى رحيله بقي بيريز (1923-2016) رقماً يصعب تجاوزه: وزيراً للدفاع، ورئيساً للوزراء، ورئيساً للدولة وغيرها من المناصب الرفيعة. ووقع بصفته وزيراً للخارجية اتفاقية أوسلو إلى جانب محمود عباس. "السلام يشبه الحب إلى حد بعيد. إنه عملية رومانسية يجب أن تُعاش ويُستثمر فيها ويوثق بها. كما أننا لا يمكننا فرض الحب، وكذلك لا يمكننا فرض السلام"، يوضح بيريز رؤيته. (حفل منح جائزة نوبل للسلام)
صورة من: picture-alliance/dpa/Israeli Government Press Office
أحمد قريع
انخرط أحمد قريع، المولود عام 1937، في منظمة التحرير منذ نهاية ستينات القرن الماضي. ينعت بأنه "مهندس أوسلو" على الجانب الفلسطيني. وبعد الاتفاق لعب دوراً محورياً في كل محطات عملية السلام: بروتوكول باريس الاقتصادي، واتفاقية أوسلو الثانية، مفاوضات كامب ديفيد عام 2000، ومفاوضات طابا عام 2001، ومؤتمر أنابوليس للسلام عام 2007. (قريع مع وزير الخارجية الإسرائيلي الأسبق شلومو بن عامي).
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Naamani
بيل كلينتون
ما كان لإتفاق أوسلو وما تلاه أن يرى النور لولا جهود الرئيس الأمريكي الأسبق (1993- 2001) بيل كلينتون. وقد وصف الكثير من المراقبين كلينتون بأنه أكثر رئيس أمريكي كرس جهده لعملية السلام. وقد رعى أيضاً مفاوضات السلام بين إسرائيل وكل من الأردن وسوريا ولبنان. (في الصورة الملك الراحل حسين ورابين عند الإعلان عن توقيع إعلان واشنطن في تموز/يوليو 1994، والذي سبق اتفاقية وادي عربة).
صورة من: picture-alliance/AP Photo/G. Gibson
تيري رود لارسن
بعد مؤتمر مدريد للسلام عام 1991 جرت سلسلة طويلة من المفاوضات الثنائية والمتعددة الأطراف لأشهر في دول عديدة، بدون تحقيق تقدم فعلي، إلى أن فتحت بدون علم أحد، محادثات سرية في أوسلو بعيداً عن آلية مدريد الشاقة. واستضافت النرويج بين كانون الثاني/ يناير وآب/ أغسطس من عام 1993 ليس أقل من 14 اجتماعاً سرياً. وكان المحرك الرئيسي الأكاديمي والدبلوماسي النرويجي تيري رود لارسن.
صورة من: picture-alliance/dpa/Hussein
بنيامين نتيناهو
تولى بنيامين نتانياهو، المولود عام 1949، رئاسة الوزراء للمرة الأولى في 1996 في انتخابات حصل خلالها على دعم كبير من معارضي أوسلو. ومؤخراً قال نتيناهو إن أي دولة فلسطينية في المستقبل ينبغي أن تكون منزوعة السلاح وأن تعترف بإسرائيل كدولة للشعب اليهودي، وهي شروط يقول الفلسطينيون إنها تظهر أنه ليس جاداً في مساعي إحلال
السلام.
صورة من: picture-alliance/COLORplus/P. Guyot
حماس والجهاد وفصائل فلسطينية
منذ الإعلان عن ولادة اتفاقية أوسلو أعلنت حركة حماس وبالمثل الجهاد الإسلامي وعدة فصائل فلسطينية أخرى معارضتها للاتفاقية. وبالأمس (12 أيلول/ سبتمبر 2018) ومن قطاع غزة الذي تحكمه حماس منذ عام 2007 بعد عامين من انسحاب القوات الإسرائيلية والمستوطنين الإسرائيليين، قال أحد قادة الحركة وهو محمود الزهار إن اتفاق أوسلو لم يكن معاهدة للسلام لكنه كان "استسلاماً بنسبة مئة في المئة" بالنسبة للفلسطينيين.
صورة من: Getty Images/AFP/M. Hams
اليمين الإسرائيلي
اليوم وكما كان عليه الحال قبل ربع قرن يعارض جزء من المجتمع الإسرائيلي أسس وما تمخضت عنه عملية السلام. وأظهر استطلاع أجراه معهد الديموقراطية الإسرائيلي وجامعة تل أبيب في آب/ أغسطس أن 47% من المشاركين يفضلون حلّ الدولتين فيما يعارضه 46%. وقبل شهور نقلت صحيفة جروزليم بوست عن وزير الدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان قوله إن السلام في الشرق الأوسط "سيأتي مع مجيء المسيح" (اليهودي).
صورة من: Gali Tibbon/AFP/Getty Images
دونالد ترامب
في بداية 2017 قال الرئيس الأمريكي ترامب إن "حل الدولتين" ليس الطريق الوحيد لتحقيق السلام. وفي بداية العام الجاري نقلت واشنطن سفارتها إلى القدس وبعد ذلك أوقفت تمويل وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، وقررت أخيرا إغلاق بعثة منظمة التحرير في واشنطن بعد 25 عاماً على استقبال عرفات بكل مراسم الشرف في البيت الأبيض. إعداد: خالد سلامة