وجهة نظر: مؤتمر ميونيخ ـ هل وصلت الدبلوماسية إلى النهاية؟
١٩ فبراير ٢٠١٨
مؤتمر ميونيخ للأمن عكس الوضع الدولي، إذ كشفت المداخلات عن اتهامات متبادلة، وكانت مقترحات الحلول غائبة، كما لاحظ ماتياس فون هاين في تعليقه التالي:
إعلان
سادت في السابق أوقات انطلقت فيها من مؤتمر ميونيخ للأمن إشارات التفاهم والأمل. إلا أنها ظلت غير ملموسة خلال مؤتمر الأمن الـ 54 الذي جاء تحت عنوان " إلى الحافة ـ والعودة؟"، وهو ما ينسجم إلى حد ما مع الوضع العالمي. وبعد ثلاثة أيام بات واضحا أن علامة الساعة تشير إلى النزاع، وعلامة الاستفهام وراء الرغبة العامة في مغادرة الحافة يجب أن تبقى. وبرهن مؤتمر الأمن مجددا على أنه مكان تُطرح فيه المخاطر المختلفة للعالم على الطاولة للفرز والدراسة. لكن يبدو أن الدبلوماسية وصلت إلى نهايتها في هذا المؤتمر. ويبقى أن الفضل الكبير يعود لرئيس المؤتمر فولفغانغ إيشنغر في حشد فاعلين مختلفين من معسكرات مضادة في مكان واحد. لكن قاعة المؤتمر تحولت في الأثناء إلى منصة للخطابات المتناقضة غير القابلة للانسجام فيما بينها. تفاهم حقيقي، ومقترحات حلول بناءة في مواطن نزاع؟ لا وجود لها!
نبرة خشنة عوض تعامل حاذق
واتضح هذا بوجه خاص في اليوم الأخير للمؤتمر. فالاتهامات المتبادلة طغت على النبرة في التصريحات ـ المنفصلة ـ لرئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتانياهو ووزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف ووزير الخارجية السعودي عادل بن أحمد الجبير. وعلاوة على ذلك ذكّرت تصريحات الجبير وظريف بمتاهة الوضع قبل عام. وحتى رئيس المؤتمر فولفغانغ إيشنغر ـ كدبلوماسي ملتزم في الحقيقة بتفاؤل حذر ـ لم يكن بوسعه في ختام المؤتمر سوى ملاحظة أنه لم يتم الاستماع إلا إلى القليل حول خطوات ملموسة لنزع فتيل المخاطر المختلفة.
ومثال إضافي هو إطلاق سراح الصحفي دينيز يوجيل من المعتقل التركي الذي طغى في اليوم الأول للمؤتمر على المحادثات في ممرات المؤتمر. وبعدها بيوم اتضح التباين في مواقف السياسيين الألمان والأتراك: فالسياسي جيم أوزدمير من حزب الخضر نزل في نفس الفندق الذي أقام فيه رئيس الوزراء التركي بن علي يلديريم. وبما أن حراس الأخير وصفوا أوزدمير كإرهابي، وجب وضع السياسي الألماني من الخضر تحت حماية الشرطة. والظهور الفظ للحراس الأتراك بات معروفا منذ الزيارة التي قام بها اردوغان لواشنطن. وأن يتهم وزير الخارجية التركي شاووش أوغلو لاحقا أوزدمير بالافتراء، فإن هذا لا يحسن من الوضع. وفي هذا الإطار لا يجب التعجب من الدفاع القوي عن التدخل العسكري ضد الأكراد من قبل يلديريم وشاووش أوغلو.
اتهامات وكلام فارغ
وبرهن الرئيس البولندي ماتويس مورافييسكي على نهاية الدبلوماسية كفن للتعامل الحاذق مع اللغة. فعندما سُؤل من قبل صحفي عما يسمى "قانون الهولوكوست"، اعترف مورافييسكي بوجود جناة بولنديين. ليواصل "...كما وُجد جناة يهود وآخرون روس وأوكرانيون وليس فقط جناة ألمان".
وحتى في العلاقة الصعبة للغرب لم تطغى الدبلوماسية على المشهد، بل الاتهامات المتبادلة. فرئيس أوكرانيا بوروشينكو عرض موسكو كمنبع لجميع الشر في أوروبا. وطالب بممارسة ضغط أقوى على موسكو، ورفض كل تخفيف للعقوبات وتمنى انضماما سريعا إلى الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو.
في المقابل اتهم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الذي بدت عليه معالم القلق أوروبا بالعودة إلى زمن النازية، ووصف الاتهامات الأمريكية بسبب التأثير على الانتخابات بالكلام الفارغ، وأعلن بالنظر إلى مخططات التسليح النووي الأمريكية أن روسيا مجبرة بالطبع على المواكبة. والوفد الأمريكي ادعى ـ باستثناء وزير الخارجية السابق جون كيري ـ ملكية التفوق الأخلاقي. فبدون أية شكوك ذاتية أطلق الوفد دون محاولات واضحة لفهم المواقف المتضاربة اتهامات ضد روسيا وإيران، وراهن على الضغط والقوة العسكرية. ويبدو أن الدبلوماسية تعني القليل بالنسبة إلى واشنطن، كما اشتكى الأوروبيون عدة مرات الولايات المتحدة الأمريكية. وهذا تكشفه الاقتطاعات في ميزانية وزارة الخارجية. وإذا كانت المحادثات ـ حتى ولو حصلت ـ تتم فقط انطلاقا من موقع التفوق العسكري، فإنها ليست محادثات، بل إملاءات.
وعلى الأقل إلى جانب نحو 30 جلسة في قاعة المؤتمر، حصلت 1000 من اللقاءات الثنائية في غرف الفندق الذي احتضن المؤتمر. ولذلك قارن فولفغانغ إيشنغر الجزء الرسمي للمؤتمر "بقمة جبل جليد". وهنا يأمل المرء في أن لا تكون هذه القمة ممثلة للجزء غير المرئي تحت الماء.
ماتياس فون هاين
مؤتمر ميونيخ للأمن.. حقائق ومعلومات
يعقد مؤتمر ميونيخ للأمن في شهر شباط/ فبراير من كل عام، ويعد منصة فريدة من نوعها لطرح النقاش حول قضايا الأمن الدولي. في ما يلي معلومات أساسية حول المؤتمر: تاريخه، ومكان انعقاده، وموضوعاته، وأهميته، وتمويله.
صورة من: picture-alliance/dpa/M. Balk
56 عاماً على الولادة
انعقد مؤتمر ميونيخ للأمن للمرة الأولى في عام 1963. آنذاك كان يُسمى بـ" اللقاء الدولي لعلوم الدفاع". وكان الآباء المؤسسون هما الناشر الألماني إيفالد فون كلايست، وهو أحد مؤيدي المقاومة ضد النازية وهتلر في "الرايخ الثالث" - والفيزيائي إدوارد تيلر. بيّد أن المؤتمر غير اسمه لاحقاً إلى "المؤتمر الدولي لعلوم الدفاع"، ومن ثم أصبح اسمه "مؤتمر ميونيخ للأمن".
صورة من: dapd
الأهم من نوعه عالمياً
تكمن أهمية مؤتمر ميونيخ للأمن في كونه منصة فريدة من نوعها على مستوى العالم يتم من خلالها بحث القضايا الأمنية. كما أنه يمنح الفاعلين السياسيين فرصة التواصل بشكل غير رسمي على مدار ثلاثة أيام. وخلال تصنيفها الجديد وضعت جامعة بنسيلفانيا بالولايات المتحدة الأمريكية مؤتمر ميونيخ للأمن في مرتبة أهم مؤتمر من نوعه في العالم.
مشاركة رفيعة المستوى
يتوقع أن يشارك في مؤتمر ميونيخ للأمن الذي يفتتح هذا العام يوم الجمعة (17 شباط/ فبراير 2018) ويستمر ثلاثة أيام أكثر من 500 شخصية رفيعة المستوى من جميع أنحاء العالم. ويتكون الحضور من زعماء دول وحكومات ووزراء خارجية ودفاع، من بينهم نائب الرئيس الأمريكي مايك بينس والمستشارة أنغيلا ميركل ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف.
صورة من: picture-alliance/AP Photo/M. Schrader
أمير قطر في المؤتمر
أمير قطر تميم بن حمد سيحضر هذا العام أيضا في مؤتمر ميونيخ للأمن وسيشارك في جلسة مخصصة مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ووزير المالية الألماني أولاف شولتس.
صورة من: picture-alliance/dpa/A. Gebert
السيسي في مؤتمر ميونيخ
من الشخصيات الرفيعة المشاركة في دورة هذا العام لمؤتمر ميونيخ للأمن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وسيشارك في جلسة مخصصة مع أمير قطر تميم بن حمد ووزير المالية الألماني أولاف شولتس. ومن المتوقع أن يتناول الوضع في مصر والأمن في المنطقة بالإضافة إلى العلاقات مع ألمانيا.
صورة من: picture-alliance/Zumapress/President Office
ليبيا حاضرة في المؤتمر
الأزمة الليبية ستكون حاضرة في مؤتمر ميونيخ للأمن من خلال مشاركة رئيس الحكومة الليبية فايز السراج. الذي من المتوقع أن يستغل حضوره لبحث أزمة بلاده وآفاق حلها مع المسؤولين والشخصيات السياسية والأمنية المشاركة في المؤتمر.
صورة من: Getty Images/AFP/A. Solaro
عادل الجبير
من الشخصيات العربية الرفيعة المشاركة في المؤتمر وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية عادل الجبير، الذي شارك في مؤتمر العام الماضي أيضا. ومن المتوقع أن يواجه الجبير أسئلة محرجة تتعلق بمقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي والحرب في اليمن ناهيك عن توتر علاقة بلاده مع قطر.
صورة من: picture-alliance/dpa/S. Hoppe
"التقرير السنوي لمؤتمر ميونيخ للأمن"
قدم فولفغانغ إيشنغر التقرير السنوي لمؤتمر ميونيخ للأمن في مؤتمر صحفي عقده في برلين. ويركز تقرير هذا العام 2019 على احتدام الخلاف بين روسيا وأمريكا حول التسليح والحرب التجارية المستعرة بين الولايات المتحدة والصين. وحذر إيشنغر من تزايد انعدام الأمن على مستوى العالم. وقال "إن النظام العالمي يتفكك".
صورة من: picture-alliance/dpa/K. Nietfeld
مكان الانعقاد.. العراقة والفخامة
يعقد المؤتمر وسط مدينة ميونيخ، في الفندق الفاخر "بايريشر هوف" (Bayerischer Hof). وبالرغم من توفر الفندق على 340 غرفة - بما في ذلك 65 جناحاً - و 40 قاعة للمؤتمرات، إلا أن كثافة الحضور الدولي، تشكل تحدياً للفندق. ولهذا شُغل حوالي 250 موظفاً إضافياً خلال المؤتمر، إضافة إلى عدد موظفيه الأصليين البالغ حوالي 700. ويثمن المشاركون جودة الفندق وموقعه المركزي، كما يشكل المؤتمر دعاية مجانية هائلة للفندق.
صورة من: imago/Eibner
إجراءات أمنية مشددة
يتم تأمين المنطقة حول فندق المؤتمر. ولا يسمح بالدخول لهذه المنطقة سوى للأشخاص الذين يمتلكون تصريحا بالدخول. ويذكر أنه تم نشر حوالى 4 آلاف شرطي العام الماضي حول المنطقة من أجل حماية المؤتمر. وبحسب معطيات الشرطة، يتوقع أن يتم الحفاظ على نفس العدد من أفراد الأمن هذا العام.
صورة من: Reuters
احتجاجات مواكبة مناهضة للمؤتمر
وكما يحدث في كل عام، من المتوقع أن يشهد هذا العام أيضاً مظاهرات مناهضة للمؤتمر. وفي العام الماضي، حشد "التحالف ضد مؤتمر أمن الناتو" آلاف المحتجين الذي شاركوا في المظاهرات التي رافقت المؤتمر.
صورة من: picture-alliance/dpa/F. Hörhager
التمويل
يقدم مؤتمر ميونيخ للأمن نفسه كهيئة مستقلة. غير أن المؤسسة المنظمة للمؤتمر، والمسماة بـ"مؤسسة مؤتمر ميونيخ للأمن" تستفيد بشكل كبير من الإعانات الحكومية. ووفقاً للحكومة الألمانية حصل المؤتمر عام 2015 على تمويل بنحو نصف مليون يورو، فضلاً عن مبلغ 700 ألف يورو مصاريف لموظفين من الجيش الألماني. إضافة للرعاية من شركات ألمانية ودولية كبرى، وتصل ميزانية المؤتمر إلى 2 مليون يورو.